سِيْبَوَيه
(… ـ 180هـ/… ـ 796م)
عمرو بن عثمان بن قَنْبَر، وكنيته المشهورة هي أبو بِشْر، وقد لُقب بسيبويه، وأصبح هذا اللقب أشهر من اسمه، ومعناه رائحة التفاح.
لم تذكر كتب التراجم شيئاً عن مكان أسرته، أو مستواها الثقافي أو الاجتماعي، فكل ما وصل إلينا يومئ إلى أنه كان من أسرة فارسية. وقد أغفلت كتب التراجم السنة التي ولد فيها سيبويه، غير أن بعض الباحثين ذهبوا إلى أنه ولد في سنة 135هـ، وقيل غير ذلك.
وثمة اختلاف في مكان ولادته، فقيل: إنه ولد في قرية البيضاء في بلاد فارس، وقيل: إن مولده كان بالأهواز، ثم هاجر أهله إلى البصرة فنشأ بها، وقيل: ولد في إحدى قرى شيراز.
نشأ سيبويه بالبصرة بعد أن رحلت أسرته من بلاد فارس إليها، واتجه إلى دراسة الفقه والحديث حتى خطّأه حَمَّادُ بن سَلَمة البصري (ت167هـ)، فاتجه إلى تعلم النحو. فقد روي أن سيبويه قصد مجلس حَمَّاد بن سلمة الذي كان يستملي عليه سيبوبه حديثاً جاء فيه قال: «قال صلى الله عليه وسلم: ليس من أصحابي أحد إلا لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدَّرداء»، فقال سيبويه: «ليس أبو الدَّرداء» ـ ظنّه اسم ليس، فصاح به حمَّاد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما هو استثناء، فقال سيبويه: لاجَرَم والله لأطلبن علماً لا تُلَحِّنَنِّي فيه أبداً.
وبعد ذلك مضى سيبويه ولزم الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170هـ)، وأخذ العلم عن يونس بن حبيب (ت182هـ)، وعيسى بن عمر (ت149هـ)، وغيرهم. فتنوعت ثقافته، وتوسعت معرفته بعلم النحو والصرف، وتبوأ مكانة علمية متميزة، ثم رحل إلى بغداد، والتقى بالكسائي (علي بن حمزة، ت189هـ) شيخ الكوفيين، ووقعت بينهما مناظرة في النحو (المسألة الزُّنبورية) وقد تغلب فيها الكسائي على سيبويه، غير أن سيبويه لم يبق في بغداد بعد هذه المناظرة، بل عاد إلى بلاد فارس، ولم يعد إلى البصرة، إلى أن مات.
وشاء القدر أن يعاني سيبويه من آفة نطقية، وهي حُبْسة في لسانه منعته من البيان والإفصاح.
اختلف المؤرخون في السنة التي توفي فيها سيبويه، وأرجح الأقوال إنه توفي سنة 180هـ، واختلفوا أيضاً في مكان وفاته، فقيل: إنه مات بشيراز، وقيل: إنه مات في الأهواز، وأرجح الأقوال أنه توفي في قرية البيضاء بشيراز.
وثمة خلاف في سبب وفاته، فقيل: إنه مات بالذَّرَب، وهو الدّاء الذي يَعرِضُ للمعدة، فلا تهضم الطعام، ويَفسُدُ فيها ولا تُمْسِكه، وقيل غير ذلك.
يعد كتابه في النحو من أشهر الكتب وأهمها في علوم العربية، نال به منزلة عالية بين العلماء، وهو أول كتاب في النحو العربي، وقد اشتهر وشاع بين الناس، ويرجع الفضل في هذا إلى أبي الحسن الأخفش الأوسط الذي أظهر الكتاب وجعله معروفاً.
ومن الجدير بالذكر أن سيبويه لم يضع اسماً لكتابه، غير أن كتابه قد عُرف باسم «الكتاب» أو «كتاب سيبويه»، وكان يقال بالبصرة: «قرأ فلان الكتاب، فيعلم أنه كتاب سيبويه، وقرأ نصف الكتاب، ولا يشك أنه كتاب سيبويه».
يعد كتاب سيبويه أقدم ما وصل في النحو العربي، ومازال مصدراً مهماً لكل النحاة واللغويين على مر العصور، فقد حوى المسائل النحوية والصرفية، وبعض مباحث فقه اللغة والأصوات، ولولا هذا الكتاب لما وصلت آراء كثير من العلماء أمثال عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت117هـ)، وعيسى بن عمر الثقفي، وأبي عمرو بن العلاء (ت154هـ)، والخليل بن أحمد الفراهيدي، ويونس بن حبيب، وغيرهم.
وقد أعجب القدماء بكتاب سيبويه، فسماه الناس قديماً (قرآن النحو).
وقال أبو سعيد السيرافي (ت 368هـ): «وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله، ولم يلحق به من بعده».
وكان سيبويه شديد العناية بضرب الأمثلة من القرآن الكريم والشعر والرجز، وكلام العرب، غير أن استشهاده بالحديث النبوي كان قليلاً. ولم يذكر سيبويه الخطة التي اتبعها في ترتيب أبواب الكتاب، غير أنه جعل الكتاب في قسمين، تحدث في القسم الأول منهما وأوائل الثاني عن مباحث النحو، وفي القسم الثاني تحدث عن المباحث الصرفية، وكان يتناول في بعض الأبواب النحوية بعض المسائل الصرفية، وفي نهاية القسم الثاني تحدث عن الأصوات اللغوية كالإمالة والإشمام والرّوم، وغير ذلك.
اتسم أسلوبه في الكتاب بالغموض تارة، وتارة جاء سهلاً مفهوماً، ولكتاب سيبويه شروح كثيرة ذكرها محققه عبد السلام هارون، غير أن هذا الكتاب تعوزه دقة التنظيم والترتيب والتنسيق، ويحتاج إلى جهد علمي يعمل على ترتيبه وتنظيم أبوابه ومسائله النحوية والصرفية المبعثرة في حنايا الكتاب، لتزداد الفائدة منه.
مزيد نعيم
(… ـ 180هـ/… ـ 796م)
عمرو بن عثمان بن قَنْبَر، وكنيته المشهورة هي أبو بِشْر، وقد لُقب بسيبويه، وأصبح هذا اللقب أشهر من اسمه، ومعناه رائحة التفاح.
لم تذكر كتب التراجم شيئاً عن مكان أسرته، أو مستواها الثقافي أو الاجتماعي، فكل ما وصل إلينا يومئ إلى أنه كان من أسرة فارسية. وقد أغفلت كتب التراجم السنة التي ولد فيها سيبويه، غير أن بعض الباحثين ذهبوا إلى أنه ولد في سنة 135هـ، وقيل غير ذلك.
وثمة اختلاف في مكان ولادته، فقيل: إنه ولد في قرية البيضاء في بلاد فارس، وقيل: إن مولده كان بالأهواز، ثم هاجر أهله إلى البصرة فنشأ بها، وقيل: ولد في إحدى قرى شيراز.
نشأ سيبويه بالبصرة بعد أن رحلت أسرته من بلاد فارس إليها، واتجه إلى دراسة الفقه والحديث حتى خطّأه حَمَّادُ بن سَلَمة البصري (ت167هـ)، فاتجه إلى تعلم النحو. فقد روي أن سيبويه قصد مجلس حَمَّاد بن سلمة الذي كان يستملي عليه سيبوبه حديثاً جاء فيه قال: «قال صلى الله عليه وسلم: ليس من أصحابي أحد إلا لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدَّرداء»، فقال سيبويه: «ليس أبو الدَّرداء» ـ ظنّه اسم ليس، فصاح به حمَّاد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما هو استثناء، فقال سيبويه: لاجَرَم والله لأطلبن علماً لا تُلَحِّنَنِّي فيه أبداً.
وبعد ذلك مضى سيبويه ولزم الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170هـ)، وأخذ العلم عن يونس بن حبيب (ت182هـ)، وعيسى بن عمر (ت149هـ)، وغيرهم. فتنوعت ثقافته، وتوسعت معرفته بعلم النحو والصرف، وتبوأ مكانة علمية متميزة، ثم رحل إلى بغداد، والتقى بالكسائي (علي بن حمزة، ت189هـ) شيخ الكوفيين، ووقعت بينهما مناظرة في النحو (المسألة الزُّنبورية) وقد تغلب فيها الكسائي على سيبويه، غير أن سيبويه لم يبق في بغداد بعد هذه المناظرة، بل عاد إلى بلاد فارس، ولم يعد إلى البصرة، إلى أن مات.
وشاء القدر أن يعاني سيبويه من آفة نطقية، وهي حُبْسة في لسانه منعته من البيان والإفصاح.
اختلف المؤرخون في السنة التي توفي فيها سيبويه، وأرجح الأقوال إنه توفي سنة 180هـ، واختلفوا أيضاً في مكان وفاته، فقيل: إنه مات بشيراز، وقيل: إنه مات في الأهواز، وأرجح الأقوال أنه توفي في قرية البيضاء بشيراز.
وثمة خلاف في سبب وفاته، فقيل: إنه مات بالذَّرَب، وهو الدّاء الذي يَعرِضُ للمعدة، فلا تهضم الطعام، ويَفسُدُ فيها ولا تُمْسِكه، وقيل غير ذلك.
يعد كتابه في النحو من أشهر الكتب وأهمها في علوم العربية، نال به منزلة عالية بين العلماء، وهو أول كتاب في النحو العربي، وقد اشتهر وشاع بين الناس، ويرجع الفضل في هذا إلى أبي الحسن الأخفش الأوسط الذي أظهر الكتاب وجعله معروفاً.
ومن الجدير بالذكر أن سيبويه لم يضع اسماً لكتابه، غير أن كتابه قد عُرف باسم «الكتاب» أو «كتاب سيبويه»، وكان يقال بالبصرة: «قرأ فلان الكتاب، فيعلم أنه كتاب سيبويه، وقرأ نصف الكتاب، ولا يشك أنه كتاب سيبويه».
يعد كتاب سيبويه أقدم ما وصل في النحو العربي، ومازال مصدراً مهماً لكل النحاة واللغويين على مر العصور، فقد حوى المسائل النحوية والصرفية، وبعض مباحث فقه اللغة والأصوات، ولولا هذا الكتاب لما وصلت آراء كثير من العلماء أمثال عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت117هـ)، وعيسى بن عمر الثقفي، وأبي عمرو بن العلاء (ت154هـ)، والخليل بن أحمد الفراهيدي، ويونس بن حبيب، وغيرهم.
وقد أعجب القدماء بكتاب سيبويه، فسماه الناس قديماً (قرآن النحو).
وقال أبو سعيد السيرافي (ت 368هـ): «وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله، ولم يلحق به من بعده».
وكان سيبويه شديد العناية بضرب الأمثلة من القرآن الكريم والشعر والرجز، وكلام العرب، غير أن استشهاده بالحديث النبوي كان قليلاً. ولم يذكر سيبويه الخطة التي اتبعها في ترتيب أبواب الكتاب، غير أنه جعل الكتاب في قسمين، تحدث في القسم الأول منهما وأوائل الثاني عن مباحث النحو، وفي القسم الثاني تحدث عن المباحث الصرفية، وكان يتناول في بعض الأبواب النحوية بعض المسائل الصرفية، وفي نهاية القسم الثاني تحدث عن الأصوات اللغوية كالإمالة والإشمام والرّوم، وغير ذلك.
اتسم أسلوبه في الكتاب بالغموض تارة، وتارة جاء سهلاً مفهوماً، ولكتاب سيبويه شروح كثيرة ذكرها محققه عبد السلام هارون، غير أن هذا الكتاب تعوزه دقة التنظيم والترتيب والتنسيق، ويحتاج إلى جهد علمي يعمل على ترتيبه وتنظيم أبوابه ومسائله النحوية والصرفية المبعثرة في حنايا الكتاب، لتزداد الفائدة منه.
مزيد نعيم