مذهب
Doctrine - Doctrine
المذهب
المذهب doctrine لغة هو المعتقد والطريقة والأصل، واصطلاحاً هو مجموعة من المفاهيم ومن الأفكار والمواقف والقواعد الموجّهة التي تخص ميداناً بعينه من ميادين المعرفة أو النشاط، وتكون ذات اتساق وتجانس فيما بينها، غالباً ما يعود جميعها إلى عدد محدود جداً من المبادئ الموجهة التي تسري على كل مواقف المذهب وقواعده. وبهذا يدل المذهب على المضمون وعلى المنهج معاً، وهو بخلاف النسق (أو النظام) system الذي هو تجميع للمعرفة في كلٍ عضوي هو أقرب إلى النظرية[ر] theory، فالمذهب أعم من النظرية.
وقد تختلط كلمة «مذهب» بكلمات أخرى وتتداخل معها أحياناً في أنحاء متفاوتة، ومنها: عقيدة dogma، نظرية، مدرسة، اتجاه، وأحياناً تتداخل مع كلمة «الفلسفة» ذاتها، كأن يقال «فلسفة أرسطو»[ر] و«مذهب أرسطو» والفلسفة التجريبية» و«المذهب التجريبي»، ولكن هذا الاستخدام، وإن كان جائزاً، إلا أنه غير متساوٍ في معناه، انطلاقاً من أن المذهب عند الفلاسفة هو مجموعة من الآراء والنظريات الفلسفية ارتبط بعضها ببعض ارتباطاً منطقياً حتى صارت وحدة عضوية منسقة ومتماسكة؛ فالمذهب الفلسفي هو تطبيق جزئي لفلسفة عامة، كأن يقال الفلسفة الأفلاطونية وليس المذهب الأفلاطوني، فإذا ما استُخدم اصطلاح مذهب؛ يُقال المذهب الأفلاطوني مثلاً في «المعرفة» أو في «الوجود» أو في «الأخلاق». وكذلك لا يُقال المذهب السوفسطائي بل السوفسطائية[ر] sophism أو الاتجاه السوفسطائي مثلاً، كما لا يقال المذهب الإسلامي ولكن الإسلام[ر]، فالمذاهب الإسلامية أربعة هي الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وعند الشيعة: الإمامي والجعفري والزيدي، ومذاهب النصرانية: الأرثوذكسي والكاثوليكي والبروتستنتي، واليهودية: السامري والفريسي والصدوقي ومذهب القرائين والحصيدي والأصولي أو السلفي والإصلاحي أو التجديدي.
وقد تدل كلمة مدرسة[ر] على المذهب ـ المذهب التعليمي ـ أي مجموعة من المبادئ والآراء الدينية أو الفلسفية أو العلمية أو الفقهية حين ينفرد بها مجموعة من المفكرين، ويضيف كل منهم شيئاً جديداً، ولكنهم يجتمعون على مبادئ مشتركة هي «مذهب المدرسة»، فالمدرسة اليونانية «إيونية» (المالطية) Ionian school مثلاً تجتمع على الاتجاه الطبيعي، والمدارس السقراطية[ر: سقراط] تدعو إلى الفضيلة والأخلاق والسعادة، وثمة مدارس فلسفية أخرى مثل أكاديمية أفلاطون[ر] Plato أو مدرسة أثينا، ومدرسة بادن Baden school الكانتية المحدثة الاتجاه، وأكسفورد اللغوية Oxford language school، وغيرها من المدارس الفلسفية.
وفيما يخص كلمة «عقيدة» فإنها تدل على المذهب بعد تحوله إلى دستور يوجه الفهم والعمل، أي حين يقبله العقل ويعدّه مرجعاً للحكم، كما هو واضح في تعبير مثل «العقيدة الكاثوليكية» أي تعاليمها ومذاهبها.
بيد أن التمييز الأساسي هو ما بين المذهب والنظرية، فالنظرية تنطلق كفرض، وتكون قابلة للتحقق تجريبياً، وأكثر من ذلك يمكن تعديلها وتحسينها، أما المذهب فيقوم على رأي أساسي أو مجموعة من الآراء لتوجيه الفهم والسلوك باستقلالية عن التجربة، بل إن المذهب هو الذي يُخضع التجربة، بمعنى ما، لأفكاره، فهو قطعي وثابت وشمولي وهذا كله لا يناسب ميدان العلوم الطبيعية ـ ميدان تطبيق النظريةـ، فغالباً ما يكون المذهب ذا امتداد أبعد من امتداد النظرية التي تخص جانباً معيناً من ميدان ما (كنظرية التطور في علم الحياة).
وعموماً، قد لا يكون هناك مبرر فعلي أو حتى حاجة حقيقية إلى تكوين المذاهب، ومع ذلك ثمة عقول تميل بطبيعتها إلى تكوين المذاهب، بدعوى أن المذهب يؤدي وظيفة جوهرية في الفكر والعمل، هي وظيفة تنظيم شتات الأفكار والمفاهيم بحيث ترتد الكثرة إلى نوع من الوحدة، وخاصة أن شرط الفكر الإنساني والحياة الإنسانية هي وحدة الشعور، لذلك هناك اليوم دعوة محدثة إلى التقريب بين المذاهب بشتى ألوانها تفرضها الفلسفة التنويرية وعصر العولمة، لرأب الصدع بينها، وإقرار الحوار بالحسنى، وسيلة حضارية للإقرار بالآخر.
سوسن بيطار
Doctrine - Doctrine
المذهب
المذهب doctrine لغة هو المعتقد والطريقة والأصل، واصطلاحاً هو مجموعة من المفاهيم ومن الأفكار والمواقف والقواعد الموجّهة التي تخص ميداناً بعينه من ميادين المعرفة أو النشاط، وتكون ذات اتساق وتجانس فيما بينها، غالباً ما يعود جميعها إلى عدد محدود جداً من المبادئ الموجهة التي تسري على كل مواقف المذهب وقواعده. وبهذا يدل المذهب على المضمون وعلى المنهج معاً، وهو بخلاف النسق (أو النظام) system الذي هو تجميع للمعرفة في كلٍ عضوي هو أقرب إلى النظرية[ر] theory، فالمذهب أعم من النظرية.
وقد تختلط كلمة «مذهب» بكلمات أخرى وتتداخل معها أحياناً في أنحاء متفاوتة، ومنها: عقيدة dogma، نظرية، مدرسة، اتجاه، وأحياناً تتداخل مع كلمة «الفلسفة» ذاتها، كأن يقال «فلسفة أرسطو»[ر] و«مذهب أرسطو» والفلسفة التجريبية» و«المذهب التجريبي»، ولكن هذا الاستخدام، وإن كان جائزاً، إلا أنه غير متساوٍ في معناه، انطلاقاً من أن المذهب عند الفلاسفة هو مجموعة من الآراء والنظريات الفلسفية ارتبط بعضها ببعض ارتباطاً منطقياً حتى صارت وحدة عضوية منسقة ومتماسكة؛ فالمذهب الفلسفي هو تطبيق جزئي لفلسفة عامة، كأن يقال الفلسفة الأفلاطونية وليس المذهب الأفلاطوني، فإذا ما استُخدم اصطلاح مذهب؛ يُقال المذهب الأفلاطوني مثلاً في «المعرفة» أو في «الوجود» أو في «الأخلاق». وكذلك لا يُقال المذهب السوفسطائي بل السوفسطائية[ر] sophism أو الاتجاه السوفسطائي مثلاً، كما لا يقال المذهب الإسلامي ولكن الإسلام[ر]، فالمذاهب الإسلامية أربعة هي الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وعند الشيعة: الإمامي والجعفري والزيدي، ومذاهب النصرانية: الأرثوذكسي والكاثوليكي والبروتستنتي، واليهودية: السامري والفريسي والصدوقي ومذهب القرائين والحصيدي والأصولي أو السلفي والإصلاحي أو التجديدي.
وقد تدل كلمة مدرسة[ر] على المذهب ـ المذهب التعليمي ـ أي مجموعة من المبادئ والآراء الدينية أو الفلسفية أو العلمية أو الفقهية حين ينفرد بها مجموعة من المفكرين، ويضيف كل منهم شيئاً جديداً، ولكنهم يجتمعون على مبادئ مشتركة هي «مذهب المدرسة»، فالمدرسة اليونانية «إيونية» (المالطية) Ionian school مثلاً تجتمع على الاتجاه الطبيعي، والمدارس السقراطية[ر: سقراط] تدعو إلى الفضيلة والأخلاق والسعادة، وثمة مدارس فلسفية أخرى مثل أكاديمية أفلاطون[ر] Plato أو مدرسة أثينا، ومدرسة بادن Baden school الكانتية المحدثة الاتجاه، وأكسفورد اللغوية Oxford language school، وغيرها من المدارس الفلسفية.
وفيما يخص كلمة «عقيدة» فإنها تدل على المذهب بعد تحوله إلى دستور يوجه الفهم والعمل، أي حين يقبله العقل ويعدّه مرجعاً للحكم، كما هو واضح في تعبير مثل «العقيدة الكاثوليكية» أي تعاليمها ومذاهبها.
بيد أن التمييز الأساسي هو ما بين المذهب والنظرية، فالنظرية تنطلق كفرض، وتكون قابلة للتحقق تجريبياً، وأكثر من ذلك يمكن تعديلها وتحسينها، أما المذهب فيقوم على رأي أساسي أو مجموعة من الآراء لتوجيه الفهم والسلوك باستقلالية عن التجربة، بل إن المذهب هو الذي يُخضع التجربة، بمعنى ما، لأفكاره، فهو قطعي وثابت وشمولي وهذا كله لا يناسب ميدان العلوم الطبيعية ـ ميدان تطبيق النظريةـ، فغالباً ما يكون المذهب ذا امتداد أبعد من امتداد النظرية التي تخص جانباً معيناً من ميدان ما (كنظرية التطور في علم الحياة).
وعموماً، قد لا يكون هناك مبرر فعلي أو حتى حاجة حقيقية إلى تكوين المذاهب، ومع ذلك ثمة عقول تميل بطبيعتها إلى تكوين المذاهب، بدعوى أن المذهب يؤدي وظيفة جوهرية في الفكر والعمل، هي وظيفة تنظيم شتات الأفكار والمفاهيم بحيث ترتد الكثرة إلى نوع من الوحدة، وخاصة أن شرط الفكر الإنساني والحياة الإنسانية هي وحدة الشعور، لذلك هناك اليوم دعوة محدثة إلى التقريب بين المذاهب بشتى ألوانها تفرضها الفلسفة التنويرية وعصر العولمة، لرأب الصدع بينها، وإقرار الحوار بالحسنى، وسيلة حضارية للإقرار بالآخر.
سوسن بيطار