ما هو الرابط بين الرياضيات والموسيقى؟
اليوم العالمي للرياضيات هو مسابقةٌ عالميةٌ على الانترنت، تتحدى الصغار لحل معادلات ومسائل في المنافسة مع آخرين من أماكن أخرى حول العالم.
بهذه المناسبة، التي تصادف يوم 15 أكتوبر، يصف البروفيسور دافيدشاك الرياضيات بأنها “أرقى درجات الفن التي تعرفها الإنسانية”.
المحفل الذي ترعاه سامسونج وتدعمه اليونيسيف، وصل عدد المشاركين فيه إلى 1,204,766 في عام 2010، محققين الرقم القياسي العالمي لأكبر مسابقةٍ رياضيات على الانترنت.
وصف البروفيسور دافيدشاك، الباحث في النمذجة الرياضية والحوسبة، في السطور التالية ما يشعر به علماء الرياضيات تجاه مجالهم، آملًا أن يشكِّل كلامه إلهامًا للصغار لتحدي أنفسهم ليصبحوا علماء رياضياتٍ في المستقبل.
عن الرياضيات والموسيقى
الرياضيات! الأمر لا يتعلق بمجرد أرقام، ولا بألعاب ذهنية، كما أنه لا يتعلق فقط بالفائدة العملية، الأمر أكبر من ذلك بكثير! الرياضيات جمال، وشغف، ومشاعر خام تتجلى في أوضح صورة، الرياضايات هي أرقى أشكال الفن الرفيع المعروفة عند الإنسانية.
كل علماء الرياضيات يشعرون بذلك، ويعرفونه، ويتخذونه دافعًا للتقدم. الأمر المؤسف أننا – الرياضيين – لا نجيد إيصال ذلك إلى بقية العالم. مانخبر به العالم يقتصر فقط على ما يستطيع هذا العالم فهمه. فالعالم يفهم الاقتصاد، فنشرح له الرياضايات من وجهة نظر فائدة الرياضيات للاقتصاد. العالم يفهم ويقدر التكنولوجيا، فنحاول أن نبتكر له التقنيات الرياضية المفيدة في حل المسائل التكنولوجية.
لكن كل هذه الأمثلة ترى الرياضيات من منظارٍ ضيق وتختصرها اختصارًا مُخِلًّا. هذه النظرة للرياضيات يعوزها الشغف، النار التي تشتعل بقلوب وعقول علماء الرياضيات. نحن نحتاج إلى أن نجد لغةً أخرى لتصل بها رسالتنا إلى العالم.
لذا، فإليكم محاولة لذلك، مبنية على قناعاتي الشخصية بأن العالم كله لديه تقدير لجمال وشغف بالموسيقى.
الرياضيات كالبيانو، الرياضيات البحتة: كالمفاتيح البيضاء، الرياضيات التطبيقية هي مثيلتها السوداء. كل مفتاحٍ هو حقلٌ مُعيَّن من الرياضيات (الجبر، الهندسة…،). إذا استطعنا أن نفهم هذا، فسنفهم أنه لا يوجد فرقٌ في الأساس في الرياضيات بين البحتة والتطبيقية. فإذا أنت لعبت المفاتيح البيضاء فقط أو السوداء فقط، فستحصل على موسيقى ناقصة، عاجزة. كل النغمات مهمة، البحت منها والتطبيقي، لخلق موسيقى جميلة، فلو أن أحدهم حاول أن يخلق تخصصاتٍ داخل الرياضيات بالإبقاء فقط على الأجزاء “المفيدة”، فكأنه بذلك يقيدها بسوارٍ خانق، فلن تكون الرياضيات قادرةً على أداء الدور المرجو منها، ولن تقدر في نهاية الأمر على تقديم حتى هذه الأجزاء “المفيدة”.
علماء الرياضيات مثل الملحنين، معظمنا مثلًا، كرياضين عاديين، نؤلف الموسيقى باستخدام نغمات محدودة العدد، بعضنا يكون أبرع مع النغمات البيضاء، وبعضنا مع السوداء. الرياضيون العظام فقط هم المتمكنون من التعامل مع كل هذه النغمات، جاوس، أويلر، بوينكاريه، هل كان هؤلاء علماء رياضة بحتة أم تطبيقية؟
كل نظريةٍ هي مقطوعةٌ موسيقية، فالرياضيون يعرفون العزف على البيانو، يجيدون عزف مقطوعات ألفها غيرهم، يعرفون كيف يفهمون ويتذوقون عمل الملحنين الآخرين.
لكن الرياضيات ليست مجرد بيانو عادي، الرياضيات هي بيانو سحري! عباقرة الرياضيات لا يؤلفون الموسيقى باستخدام النغمات المعروفة فقط، بل يخلقون نغماتٍ جديدة، حقولًا جديدةً من الرياضيات: نغماتٌ بيضاء، وتطبيقاتٌ جديدة للرياضيات: نغماتٌ سوداء. البيانو يصير أكبر فأكبر، ويعطينا مجالًا أكبر للعب ألحان أكثر تعقيدًا.
كما أن الرياضيين، بعكس الملحنين، قادرين على تأليف الموسيقى سويًا. أمثالنا من الرياضيين الفانين منفردين، قد لا يكونون بارعين بما يكفي لاستخدام كل النغمات، لكنهم متحدين، يصبحون قادرين على صنع مقطوعات موسيقية تجمع نغمات عديدة في صورة جميلة. أما حين يعملون منفصلين، أو متخصصين، لا يعود بإمكانهم صنع المقطوعات الجميلة، بل إنهم يصبحون غير مفيدين للعالم من حولهم.