لقد شهد مختبر الكافنديش منذ افتتاحه عام 1874م بإدارة البروفيسور الكافنديشي الأول في الفيزياء التجريبية جيمس كليرك ماكسويل تاريخًا مبهرًا من الاكتشافات والابتكارات في مجال الفيزياء، وحتى ذلك الحين، كانت الفيزياء تقتصر على الفيزياء النظرية، وتعد مجالًا من مجالات الرياضيات، إلا أنه كان يتم تنفيذ اختبارات إسحاق نيوتن، وتوماس يونغ، وجورج غابرييل ستوكس البارزة في جامعاتهم، وقد شكل نجاح المعرض الكبير عام 1851م (The Great Exhibition)، ومتطلبات المجتمع الصناعي عاملًا محفّزًا؛ للتأكيد على الحاجة إلى التدريب العملي للعلماء والمهندسين، وقد مهد تأسيس برنامج توبيس للعلوم الطبيعية(The Natural Sciences Topis) الذي أنشئ عام 1851م، الحاجة إلى بناء مختبرات فيزياء تجريبية، والتي تمّ بناؤها بكرمٍ من رئيس الجامعة، ( الدوق السابع لمقاطعة ديفونشير، وليام كافنديش)، إذ أمّن مبلغًا من المال قدره ستة آلاف وثلاثمئة يورو؛ لبناء مختبرات الفيزياء، ولكنه اشترط بالمقابل أن تموِّل الجامعة بروفيسورًا جامعيًّا في الفيزياء التجريبية، الأمر الذي أدّى إلى تعيين ماكسويل أول دكتور كافنديشي.
وقد حظي هذا المختبر منذ تأسيسه بحظٍ وافر، إذ قام بتعيين دكاترة كافنديشيين، منهم من أرانا عالمنا الفيزيائي كما لم نراه من قبل، ولكن ماكسويل لم يحظ بفرصة أن يحيى؛ ليرى أنّ نظرياته في الكهرباء والمغناطيس والفيزياء الإحصائية قد تم تأكيدها بالتجارب، غير أنّه حقق إرثه العملي من خلال تصميم وتجهيز المختبر الجديد.
توفّي ماكسويل عام 1879م عن عمرٍ صغيرٍ لا يناهز الثمانية والأربعين، وحل اللورد رايلي مكانه في المختبر، فكان مسؤولًا عن وضع مقررٍ منهجيٍ؛ لتعليم الفيزياء التجريبية، المقرر الذي بقي الجوهر الأساسي في برنامج المختبر للتعليم المختبري.
وقد خلف رايلي جي تومسون عام 1884م الذي بدأ بثورة فيزيائية أدت إلى اكتشاف الميكانيكيا الكمية عام 1920م، وخلال عهد تومسون سمحت الجامعة للتلامذة من خارج كامبريدج أن يقدموا إلى شهادة الدكتوراه الجديدة عام 1895م، ومن هذا الجيل الجديد لخريجين الفيزياء كان هناك إرنست رذرفورد وتشارلز ويلسون الذين حازوا، إضافة إلى جي تومسون، على جائزة نوبل على أبحاثهم، وكان اكتشاف الإلكترون من قبل تومسون، واختراع حجرة الضباب من قبل ويلسون، إضافةً إلى اكتشاف الانشطار النووي المفتعل من قبل رذرفورد الذي خير مثال على التطورات المبهرة التي شهدتها التقنية التجريبية، والتي أصبحت تعرف لاحقًا بالفيزياء الحديثة.
وخلف تومسون عام 1919م، تلميذه السابق رذرفورد، الذي اكتشف فرانسيس أستون في عهده النظائر في العناصر الكيميائية (isotopes of the chemical elements)، والتقط باتريك بلاكيت أول صورة فوتوغرافية لانشطاراتٍ نوويةٍ مفتعلة، واكتشف جيمس تشادويك النيوترون، وقام جون كوكروفت و إرنست والتون باختبارات أدّت إلى إنتاج أول عملية تفككٍ نوويٍ خاضعٌ للسيطرة، ناجمٌ عن تسريع جزيئيات عالية الطاقة، بالإضافة إلى قيامهم بتأكيد نظرية E = mc2 لأوّل مرةٍ عبر التجربة.
بعد ذلك في عام 1938م، تم تعيين لورانس براغ بعد رذرفورد كبروفيسور كافنديشي، وقام براغ بتطوير استخدام بلورات الأشعة السينية (x-ray)، كوسيلةٍ فعالةٍ؛ لفهم هيكلية المركبات البيولوجية (biological molecules)، وتوّجت هذه الدراسات باكتشاف الهيكل الحلزوني المزدوج للحمض النووي من قبل فرانسيس كريك وجيمس واتسون، وواصل نطاق الفيزياء بالتوسع عبر الأبحاث التي أُجريت في مختبر موند، التي تم فيها تخفيض الحرارة إلى درجاتٍ متدنيةٍ للغاية، والوصول إلى طاقةٍ عاليةٍ للغاية خلال إنشاء الجيل الجديد من مسرعات الجزئيات.
وحل نيفيل موت مكان براغ عام 1954م، وبقيادته أُجريت العديد من الدراسات الرائدة التي تعرف الآن تحت اسم فيزياء المادة المكثفة (condensed matter physics)، إضافةً إلى عمله في المواد الشبه موصلة غير البلورية (amorphous semiconductors) الأمر الذي أدى به إلى ربح جائزة نوبل، واستمرّ المختبر بالتوسع بوتيرةٍ مرتفعةٍ، إلى حدّ أصبحت فيه جامعة كامبريدج المركزية مكتظةً، ممّا ولّد الحاجة إلى اتنقالها لموقعٍ أخضر جديد غرب كامبريدج من قبل بريان بيبارد الذي خلف “موت” كبروفيسور كافنديشي عام 1971م.
تم الانتقال عام 1974م، وابتدأ عصر جديد من الاكتشافات، فقد تمّ تطوير مرافق كبيرةٍ لعلم الفلك اللاسلكي وشبه الموصلات، وما زال هذين المجالين يتّخذان حيّزًا أساسيًّا من الأبحاث في المختبر، وتمّ تبنّي مجالات فيزيائية جديدة كلّيًّا، وأصبح مجال المادة المكثفة اللينة (soft condensed matter) عنصرًا أساسيًّا في برنامج المختبر، بعد تعيين سام إدوارد خلفًا لبيبارد، وأدّت هذه التطوّرات إلى مبادراتٍ كبيرةٍ في مجالي الفيزياء البيولوجية والفيزياء الطبية، كما ازدهرت فيزياء شبه الموصل البوليموري (Polymer semiconductor physics) مع ريتشارد فريند، خَلَف إدوارد، ثم افتُتِحت في أوّل عقد القرن الواحد والعشرين أبوابًا جديدة في مجالات فيزياء تكنولوجيا النانو، وفيزياء الذرات الباردة، وفيزياء الحرارة المنخفضة.
والخطوة التالية في مرحلة التطور تكمن في إعادة إعمار المختبر ليوافي متطلبات وتحديات القرن الواحد والعشرين، ويستمرّ برنامج عملية إعادة التطوير الرئيسية متّبعًا تقليد الابتكار والإبداع الذي طالما كان في صميم برنامج المختبر منذ تأسيسه.