الصور المركبة بين الفن والتقنية
دايفيد هوكين يقول أنه لم يبدأ باستعمال الصورة كمساعد للذاكرة إلا عام ١٩٦٨ .
وقبل أن يباشر بالرسم كان ياخذ عشرات الأفلام للموضوع المراد رسمه أو للديكور من مفروشات او جدران ، بالإضافة الى الوجوه ، الأيدي ، بعض التعابير والحركات والأوضاع .
ويضيف أنه لم يضخ بطريقة الصورة الواقعية بل استعمل الصورة فقط لتنشيط ذاكرته ، وبعد ذلك اشتری کامیرا اخرى وقرر إعتماد عدسة أكبر .
كان هوكين يطمح من وراء هذه الطريقة الى إدراك مساحة الغرفة كاملة ، أو حتى الأشخاص من النظرة الأولى ، ولكن النتيجة كانت مقيتة وشعر بالخطا الكبير . وهذه النتيجة ليست بسبب الإنحناءات والالتواءات بل لان العين البشرية لا تلتقط أبدأ مثل هذه المجموعة من الصور بنظرة واحدة ، وشعر أن صوره تفتقر إلى الواقعية والحيوية ، وانه بحاجة إلى هيكل أو إطار نظري لموضوعه ، ولكي يحصل على رؤية أكثر عمقاً ، اعتمد طريقة أخذ عدة صور للشخص الواحد ، أو للحركة الواحدة ، ومن عدة زوايا اي عن قرب وعن بعد ، وبعد ذلك قام بصفها الواحدة قرب الأخرى فلم تؤلف الا نوعاً من الأحجية ، واللقطات غير المفهومة .
وكان هدفة في البداية الحصول على رؤية عامة للموضوع الذي يبدو له أكثر وضوحاً ، و أكثر قرباً إلى الحقيقة ، لكنه لاحظ بسرعة أن هذه الملصقات خالية من أي مضمون .
وحين قام بجمع خمسة نماذج رأى أن من الضروري تاملها خمس مرات أكثر .
وبدا له أن الصورة الكلاسيكية تنقصها الواقعية في دوام الحركة فهي لا تستطيع ان تنقل
إلا لمحة ماخوذة من جزء من الثانية ولكن منذ فترة وجيزة إستطاع التوصل الى نتيجة مهمة وهي ان كل شيء يتأثر بالوقت الذي نخصصه لانجاز الصورة - فإذا كان رصف النماذج المصورة غير واضح ـ أي إذا لم تكن هذه النماذج معبرة الواحدة بالنسبة الى الأخرى - تبدو كأحجية أمام أعيننا وعندها لا نستطيع ان تلقي عليها ولو نظرة خاطفة .
وقد أدرك هوكين في ذلك اليوم أنه استطاع حل مشكلته ، وفهم أن هذه الملصقات تتطلب بعض الانتباه والتمهل حتى نفهمها جيداً . وهنا تكمن إعادة خلق النظرة الانسانية ، التي لا تستطيع ابدأ أن تلتقط مجموعة من الصور ، بل تلمح بلمسات سرية أو خفية ، لكنها غير قابلة لان تفصل عن بعضها ، وهي قادرة على أن تزيد معرفتنا بالعالم الذي يحيطنا ويتابع هوكين - عندما أرى شخصاً ما فإن مئات التأثيرات الفورية لـحظة بلحظة تتضافر في تفكيري حتى تعطيني فكرة شاملة وواضحة عن طبع هذا الشخص ، وهذا عجيب ... تصوروا أنني بدلا من ان أحلل هذه التأثيرات في تفكيري لأتمكن من تكوين صورة عنها ، اراه كله دفعة واحدة و . اسجنه ، في نظرة واحدة باردة .
عندما تموت المغامرة ، نصبح كما لو أننا نشاهد صورة فوتوغرافية معدومة الحياة ، بينما الصورة في الحقيقة ليست اكثر من مساعد للمخيلة ، وعلينا أن نميز بينها وبين الفن والتقنية ووسيلة التعبير ، كما أن استعمال آلة التصوير لا يتعلق ، لا بالفن ولا بالتقنية ولا الحرفية ولا التسلية ، فهي ليست إلا وسيطاً مدهشاً مساعداً للرسم .
يضيف هوكين :
- إنها تجعلني أشعر كما لو أنني أنتمي إلى ثقافة ما وحيث أن القلم لا يفيد الا بوضع النقاط ، وفجاة تمنحني هذه الآلة القدرة على فهم هذه الخطوط ، وتجعلني أشعر بالحرية وبشكل خاص فإن فرح المشاهدة هو الذي قادني إلى هذه الملصقات ، وادركت مدى إرتباط التفكير بالنظر ومدى ارتباطه بترتيب المشاهد التي تلتقطها العين والتي يقوم الدماغ بترجمتها لتعطي معنى واضحاً ومفهوما .
فمنظوراتنا العامة تقسم في الحقيقة الى ملايين المنظورات الجزئية ، تلعب الذاكرة فيها الدور الحاسم في عملية الإدراك .
و اكبر غلط في مفهوم الفن في القرن العشرين يتاتى من موقف الأكثرية والنقاد منهم بشكل خاص ، حيث يدعون أن . التكعيبية . - إسلوب في الرسم والنحت تمثل فيه الأشياء بمكعبات و أشكال هندسية أخرى - يجب أن توصل حتما إلى التجريد ، لكن العكس هو الصحيح فالتكعيبية تستوحي افكارها من الواقع إذا هذا الإدعاء ليس إلا محاولة لاسترجاع مركز الرسام التصويري .
وقد قيل أن التصوير يجعل الرسم التصويري مبتذلا ، فما كان من اصحاب المدرسة التكعيبية الأ ان وجهوا انتقاداً كان بمثابة رد على إدعاءات النقاد ، فقد برهنوا أن بعض المنظورات ومنها حقيقة الإدراك الانساني - لا يمكن أن يعبر عنها بالصورة ، وأن عيني ويدي المصور فقط تستطيع أن تدركها .
وكان بنتيجة الانجازات الأولى لـ « بيكاسو . و . براك ، أن ظهرت اتجاهات عديدة ، كان التجريد احدها . لكن الغريب ان التكعيب أثر بالفنانين التجريديين منذ بداية الثلاثينات وحتى الخمسينات .
غير أنه لم يلق اهتماماً من قبل الفنانين الواقعيين ، بل يمكننا القول أنه ظل مجهولا من قبلهم وليس أمامنا الا الرجوع الى التكعيبية ، فما زال لديه الكثير لنتعلمه منه .
ويوضح هوكين هنا قائلاً كثيراً ما اتهمت بانني اعطيت تفسيراً خاطئاً ، وهذه سذاجة فانا اعتقد أن الوقت هو وقت الأسلوب التكعيبي .
وهذا ما يفسر أن ظهور هذه الحركة في السنوات التي تلت انتشار الصورة لم يكن مجرد صدفة عندما بدأت هذه الملصقات كنت أتبع قاعدة جامدة : - لا تقطع النيجاتيف . وقد بدا الأمر مهما بالنسبة لي لتنفيذ مشروعي : فببعض اللمسات على الصورة ، قليل فقط من الحياة يبقى سجين الإطار بينما الباقي منها يتأرجح على هواه . وقد كنت مهتما بضبط الصورة لان متعة النظر هي في التعبير عن المساحة والشكل ، ولكن ما كان يهمني أكثر هو وصف الحركة في الجو وبما أن الألوان تبهت على الملصقات لأنه ما من شيء يستطيع أن يقاوم الزمن ، كذلك تخف شهرة الفنان ولا يستطيع أن يقوم بأي شيء حيال هذا الأمر وهكذا فإن الخطوط لها ما للألوان من أهمية في هذه الملصقات .
لكن فئة من الناس لم تقدر عملي ابدأ . ورداً عليهم أبديت رأيي في هذا الأمر وشرحت وجهة نظري وهي أن هذا العمل ليس الا متعة مجردة للعين⏹
دايفيد هوكين يقول أنه لم يبدأ باستعمال الصورة كمساعد للذاكرة إلا عام ١٩٦٨ .
وقبل أن يباشر بالرسم كان ياخذ عشرات الأفلام للموضوع المراد رسمه أو للديكور من مفروشات او جدران ، بالإضافة الى الوجوه ، الأيدي ، بعض التعابير والحركات والأوضاع .
ويضيف أنه لم يضخ بطريقة الصورة الواقعية بل استعمل الصورة فقط لتنشيط ذاكرته ، وبعد ذلك اشتری کامیرا اخرى وقرر إعتماد عدسة أكبر .
كان هوكين يطمح من وراء هذه الطريقة الى إدراك مساحة الغرفة كاملة ، أو حتى الأشخاص من النظرة الأولى ، ولكن النتيجة كانت مقيتة وشعر بالخطا الكبير . وهذه النتيجة ليست بسبب الإنحناءات والالتواءات بل لان العين البشرية لا تلتقط أبدأ مثل هذه المجموعة من الصور بنظرة واحدة ، وشعر أن صوره تفتقر إلى الواقعية والحيوية ، وانه بحاجة إلى هيكل أو إطار نظري لموضوعه ، ولكي يحصل على رؤية أكثر عمقاً ، اعتمد طريقة أخذ عدة صور للشخص الواحد ، أو للحركة الواحدة ، ومن عدة زوايا اي عن قرب وعن بعد ، وبعد ذلك قام بصفها الواحدة قرب الأخرى فلم تؤلف الا نوعاً من الأحجية ، واللقطات غير المفهومة .
وكان هدفة في البداية الحصول على رؤية عامة للموضوع الذي يبدو له أكثر وضوحاً ، و أكثر قرباً إلى الحقيقة ، لكنه لاحظ بسرعة أن هذه الملصقات خالية من أي مضمون .
وحين قام بجمع خمسة نماذج رأى أن من الضروري تاملها خمس مرات أكثر .
وبدا له أن الصورة الكلاسيكية تنقصها الواقعية في دوام الحركة فهي لا تستطيع ان تنقل
إلا لمحة ماخوذة من جزء من الثانية ولكن منذ فترة وجيزة إستطاع التوصل الى نتيجة مهمة وهي ان كل شيء يتأثر بالوقت الذي نخصصه لانجاز الصورة - فإذا كان رصف النماذج المصورة غير واضح ـ أي إذا لم تكن هذه النماذج معبرة الواحدة بالنسبة الى الأخرى - تبدو كأحجية أمام أعيننا وعندها لا نستطيع ان تلقي عليها ولو نظرة خاطفة .
وقد أدرك هوكين في ذلك اليوم أنه استطاع حل مشكلته ، وفهم أن هذه الملصقات تتطلب بعض الانتباه والتمهل حتى نفهمها جيداً . وهنا تكمن إعادة خلق النظرة الانسانية ، التي لا تستطيع ابدأ أن تلتقط مجموعة من الصور ، بل تلمح بلمسات سرية أو خفية ، لكنها غير قابلة لان تفصل عن بعضها ، وهي قادرة على أن تزيد معرفتنا بالعالم الذي يحيطنا ويتابع هوكين - عندما أرى شخصاً ما فإن مئات التأثيرات الفورية لـحظة بلحظة تتضافر في تفكيري حتى تعطيني فكرة شاملة وواضحة عن طبع هذا الشخص ، وهذا عجيب ... تصوروا أنني بدلا من ان أحلل هذه التأثيرات في تفكيري لأتمكن من تكوين صورة عنها ، اراه كله دفعة واحدة و . اسجنه ، في نظرة واحدة باردة .
عندما تموت المغامرة ، نصبح كما لو أننا نشاهد صورة فوتوغرافية معدومة الحياة ، بينما الصورة في الحقيقة ليست اكثر من مساعد للمخيلة ، وعلينا أن نميز بينها وبين الفن والتقنية ووسيلة التعبير ، كما أن استعمال آلة التصوير لا يتعلق ، لا بالفن ولا بالتقنية ولا الحرفية ولا التسلية ، فهي ليست إلا وسيطاً مدهشاً مساعداً للرسم .
يضيف هوكين :
- إنها تجعلني أشعر كما لو أنني أنتمي إلى ثقافة ما وحيث أن القلم لا يفيد الا بوضع النقاط ، وفجاة تمنحني هذه الآلة القدرة على فهم هذه الخطوط ، وتجعلني أشعر بالحرية وبشكل خاص فإن فرح المشاهدة هو الذي قادني إلى هذه الملصقات ، وادركت مدى إرتباط التفكير بالنظر ومدى ارتباطه بترتيب المشاهد التي تلتقطها العين والتي يقوم الدماغ بترجمتها لتعطي معنى واضحاً ومفهوما .
فمنظوراتنا العامة تقسم في الحقيقة الى ملايين المنظورات الجزئية ، تلعب الذاكرة فيها الدور الحاسم في عملية الإدراك .
و اكبر غلط في مفهوم الفن في القرن العشرين يتاتى من موقف الأكثرية والنقاد منهم بشكل خاص ، حيث يدعون أن . التكعيبية . - إسلوب في الرسم والنحت تمثل فيه الأشياء بمكعبات و أشكال هندسية أخرى - يجب أن توصل حتما إلى التجريد ، لكن العكس هو الصحيح فالتكعيبية تستوحي افكارها من الواقع إذا هذا الإدعاء ليس إلا محاولة لاسترجاع مركز الرسام التصويري .
وقد قيل أن التصوير يجعل الرسم التصويري مبتذلا ، فما كان من اصحاب المدرسة التكعيبية الأ ان وجهوا انتقاداً كان بمثابة رد على إدعاءات النقاد ، فقد برهنوا أن بعض المنظورات ومنها حقيقة الإدراك الانساني - لا يمكن أن يعبر عنها بالصورة ، وأن عيني ويدي المصور فقط تستطيع أن تدركها .
وكان بنتيجة الانجازات الأولى لـ « بيكاسو . و . براك ، أن ظهرت اتجاهات عديدة ، كان التجريد احدها . لكن الغريب ان التكعيب أثر بالفنانين التجريديين منذ بداية الثلاثينات وحتى الخمسينات .
غير أنه لم يلق اهتماماً من قبل الفنانين الواقعيين ، بل يمكننا القول أنه ظل مجهولا من قبلهم وليس أمامنا الا الرجوع الى التكعيبية ، فما زال لديه الكثير لنتعلمه منه .
ويوضح هوكين هنا قائلاً كثيراً ما اتهمت بانني اعطيت تفسيراً خاطئاً ، وهذه سذاجة فانا اعتقد أن الوقت هو وقت الأسلوب التكعيبي .
وهذا ما يفسر أن ظهور هذه الحركة في السنوات التي تلت انتشار الصورة لم يكن مجرد صدفة عندما بدأت هذه الملصقات كنت أتبع قاعدة جامدة : - لا تقطع النيجاتيف . وقد بدا الأمر مهما بالنسبة لي لتنفيذ مشروعي : فببعض اللمسات على الصورة ، قليل فقط من الحياة يبقى سجين الإطار بينما الباقي منها يتأرجح على هواه . وقد كنت مهتما بضبط الصورة لان متعة النظر هي في التعبير عن المساحة والشكل ، ولكن ما كان يهمني أكثر هو وصف الحركة في الجو وبما أن الألوان تبهت على الملصقات لأنه ما من شيء يستطيع أن يقاوم الزمن ، كذلك تخف شهرة الفنان ولا يستطيع أن يقوم بأي شيء حيال هذا الأمر وهكذا فإن الخطوط لها ما للألوان من أهمية في هذه الملصقات .
لكن فئة من الناس لم تقدر عملي ابدأ . ورداً عليهم أبديت رأيي في هذا الأمر وشرحت وجهة نظري وهي أن هذا العمل ليس الا متعة مجردة للعين⏹
تعليق