عندما نأتي للحديث عن النشر العلمي، علينا أن نعرف أنّ المجلات العلمية تزدهر وتندثر بطريقة تصنيف تُسمّى «معامل تأثير المجلة-JIF»، الّتي تقيس مدى (تأثير) و(اعتبارية) ما يُنشر في المجلة.
ولكنّ بحثًا جديدًا توصّل إلى ما كان يَشكّ العلماء بحقيقته، أي أنّ معامل تأثير المجلات العلمية لا يعني الكثير كما كنا نظن، ولا يمكن أن يعطي مؤشرًا حقيقيًا عن مدى تأثير المقالات في الواقع!
وتُعد علاقة العلماء بمعامل تأثير علاقة حب وكراهية في الوقت ذاته، كلما ارتفع معامل التأثير، ازداد عدد الباحثين الراغبين بالنشر فيها، وازدادت قدرتها على المنافسة، وهذا يعني أنّ الأكاديميّين يجب أن يتخطوا كلّ أنواع العراقيل لجعل أوراقهم البحثيّة مقبولة، وبالرغم من ذلك يعتقد العديد من الناس أنّ معامل التأثير عديم الفائدة.
وفي الوقت نفسه، تستخدم اللجان المتعاقدة والأشخاص الذين يقومون بتوزيع المنح معامل التأثير هذا لمساعدتهم في تقرير مَن سيحصل على وظيفة أو منصب معين. بعبارة أخرى، لا يستطيع العلماء العيش بمعامل التأثير، لكن بالتأكيد لا يستطيعون العيش بدونه.
لكن هل يعمل نظام التصنيف هذا بسهولة؟
في الواقع، حساب معامل التأثير بسيط جدًا، هو عبارة عن حساب متوسط عدد المرّات التي استشهد فيها بالأوراق البحثيّة المنشورة في المجلة خلال العامين الماضيين، ويكون الناتج الذي ستحصل عليه، هو معامل تأثير المجلة.
على سبيل المثال، إذا كان معامل التأثير لمجلة (Nature) هو 41,456، يعني ذلك أنه في المتوسط تم الاستشهاد بمقالاتها خلال العامين الماضيين بمعدل 41 استشهادًا لكل مقال. ليس سيئًا على الإطلاق، ويبرر ذلك سبب كونها جذابة بالنسبة للباحثين ليتنافسوا على موضع نشر فيها.
لكن هناك مشكلتان كبيرتان مع ذلك العدد، أولا: عملية الحساب تتم خلف الأبواب المغلقة من قبل شركة خاصة تدعى تومسون رويترز (Thomson Reuters) -وهي وكالة أنباء عالمية-، والتي تجعل الناس يدفعون للوصول إلى بيانات الاستشهادات التي استخدمتها لاستنباط معامل التأثير، كما أنّها لا تملك شفافية حول العمليات التي تستخدمها لعد ومراقبة الاستشهادات.
ثانيًا: يبين البحث الأخير الذي شمل أكاديميين من بعض أكبر دور النشر في العالم أنّ ذلك العدد يمكن أن يكون مضللًا للغاية (الشيء الذي طالما اشتبه فيه العديد من العلماء).
كتب الصحفي جون بوهانون لمجلة (Science) قائلًا: «إذا كان عدد الاستشهادات من المقالات كبير، سيكون العدد المتوسط غنيًّا بالمعلومات». وأضاف: «لكن ينحرف توزيع الاستشهادات للغاية بالنسبة للمقالات المنشورة في أي مجلة محكمة. يحصل جزء صغير من الأوراق البحثية المؤثرة على معظم عدد الاستشهادات، في حين أن الغالبية العظمى من الأوراق تحصل على عدد قليل أو لا شيء على الإطلاق من الاستشهادات».
في الدراسة الأخيرة، تعاون باحثون من كلية لندن الجامعية وجامعة مونتريال مع أكاديميين من المكتبة العامة للعلوم والمجلة العملية للطب الحيوي وعلوم الحياة (eLife) وشركة النشر العلمي Springer Nature)) والجمعية الملكية ومنظمة البيولوجيا الجزيئية الأوروبية EMBO)) والجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، مع جميع ناشري المجلات الرائدة، التي من بينها مجلات نشرت في عام 2013 و2014 أكثر من 366,000 مقالة بحثية؛ ليعرفوا مدى دقة معامل تأثير المجلة، ودفعوا مالًا للوصول إلى قاعدة بيانات تومسون رويترز وحسبوا يدويًا كل إشارة مفردة لكل ورقة من الأوراق البحثية في عام 2015 وقد تحقق باحثون جامعيون مستقلون من النتائج.
فوجدوا أنّ ما يصل إلى 70% من المقالات في أي مجلة محكمة لديها عدد استشهادات أقل بكثير من معامل تأثير المجلة. وهذا يعني أنّ الباحثين الذين يستخدمون معامل التأثير لمحاولة التنبؤ بعدد المرات التي سيستشهد فيها بعملهم عادة ما ستصيبهم النتائج الفعلية بخيبة أمل. كما كشفت الدراسة أيضًا العديد من المشاكل في قاعدة بيانات تومسون رويترز، بوجود العديد من الاستشهادات غير المطابقة للمقالة الأصلية.
كتب الفريق في مسودة ورقة علمية نُشرت على موقع الوصول المفتوح أو الحر (bioRxiv) قولهم: «نأمل أن يكشف هذا التحليل القيمة المبالغ فيها المنسوبة إلى معامل تأثير المجلة ويعزز الرأي القائل بأنه مؤشر غير مناسب لتقييم البحوث أو الباحثين».
وقد وضع الباحثون ذلك البحث على الموقع ليمكن لنظرائهم تدارسه وتصفحه قبل تقديمه للنشر بالمجلة، وقد مدّوا يد العون بنتائجهم للعاملين في تومسون رويترز، ووجدوا تجاوبًا منهم لتحسين النظام وبدء حوارٍ أفضل مع الناشرين، لكن من الواضح أنّهم لا يريدون التخلص من نظام معامل تأثير المجلة، باعتباره مصدر كسب أموال لهم.
لكنهم اعترفوا أنّ معامل تأثير المجلة ينبغي أن يكون سببًا فقط من الأسباب التي يحددها الباحثون عندما يختارون مجلة للنشر بها، وليس السبب الوحيد كما هو الحال غالبًا الآن.
أخبر جيمس برينجل رئيس تطوير الصناعة والابتكار وبروتوكول الإنترنت والعلوم بمؤسسة تومسون رويترز مجلة Science)) قائلًا: «إن الكُتّاب على صواب عندما يشيرون إلى أنّ معامل تأثير المجلة ينبغي استخدامه فقط كعامل مساعد لفهم تأثير المجلة، لأنّ معامل تأثير المجلة ما هو إلا انعكاس لأداء الاستشهادات من المجلة كوحدة كاملة، وليس كتركيب من مواد منشورة متنوعة».
وإذا عدنا للوراء من حيث بدأنا، فلدينا الآن على الأقل بعض البيانات لدعم الإجماع العام على عدم جدوى معامل تأثير المجلة.
بالنسبة لكثير من الباحثين، يعد ذلك مجرد مشكلة واحدة صغيرة مع صناعة النشر الأكاديمي ككل، بدأ العديد من العلماء الاحتجاج ضد نماذج المجلات التي تتبع نظام حظر الاشتراك غير المدفوع -وهو نظام يمنع مستخدمي الإنترنت من الوصول إلى محتوى صفحة على الإنترنت بدون دفع اشتراك-، وأكثر فأكثر اختاروا نشر أبحاثهم على مواقع نشر مسودات الأوراق العلمية قبل نشرها بالمجلات حيث يتمكن العامة من الوصول إليها مجانًا.
أخبر ديفيد سميث خبير النشر الأكاديمي في أكسفورد شاير في المملكة المتحدة والذي لم يشارك في الدراسة مجلةScience) ) قائلًا: «تعد تلك النتائج من عدد محدود من المجلات مثيرة للإعجاب وتستحق المزيد من البحث». كما أضاف: «لكن ليس معامل التأثير هو المشكلة، إنّما المشكلة هي الطريقة التي نفكر بها حول التقدم العلمي والتي تحتاج لمزيد من العمل».