مشكلة جائزة نوبل والمرأة
حاز ما مجموعه 203 عالم على جائزة نوبل في الفيزياء، لكن امرأتين فقط هما اللتان حصلتا على الجائزة (السيدة ماري كوري 1903م وماريا غوبيرت ماير 1963م).
يقول العديد من العلماء أن هذه الأرقام تشير إلى وجود مشكلة أساسية في منح الجوائز.
كتب الفيزيائي ماثيو فرانسيس على مدونته أن الجائزة تفضل الرجال ذوي الأصول الأوروبية، والباحثين الأوروبيين والأمريكيين بشكلٍ عام.
وأشار كاتبًا إلى أن هذا الانحياز ما هو إلا جزءٌ من المشكلة الأكبر في استبعاد المرأة والأقليات والتي يجب النظر فيها.
كتب فرانسيس عبر البريد الإلكتروني للايف ساينس Live Science: “من الصعب تكريم العلم دون أن نغفل عن تكريم بعض العلماء الذين شاركوا في منح العلم هذا الشرف”
المرأة والعلم
تقول كاندا بريسكود وينستن عالمة الفيزياء الفلكية النظرية في جامعة واشنطن في سياتل: “لا أعتقد أن نوبل لديها مشكلة في العلاقات العامة”.
وعلقت وينستن على موقع التواصل الاجتماعي تويتر على هاشتاغ #NobelforVeraRubin فيما يتعلق بالعالمة فيرا روبن التي اكتشفت الشذوذ في طريقة دوران المجرات مقدمةً دليلًا على وجود المادة المظلمة، واحدة من أكثر المواضيع العلمية غموضًا: “لم يتم تكريم هذا العمل من قِبَل جائزة نوبل، على الرغم من أن العديد من العلماء وغير العلماء رأوا أنه إنجاز يستحق التقدير”.
وناشد الكثيرون على هاشتاغ #NobelforVeraRubin من أجل الإشادة بمجهود روبن، حيث أن جائزة نوبل لا تُعطى لشخصٍ متوفى، وروبن تبلغ اليوم من العمر 88 عامًا.
وكما كتبت الكاتبة في مجال العلوم ريتشل فيلتمان من واشنطن بوست: “فيرا روبن تستحق جائزة نوبل بجدارة، من الوارد أنها لن تحصل عليها في الوقت المناسب”.
وغرّدت إميلي ليفيسك الأستاذة المشاركة في علم الفلك من جامعة واشنطن: “إنه عام آخر يمضي دون أن يُكرم مجهود فيرا روبن في الكشف عن المادة المظلمة من قبل #جائزة_نوبل”.
وأضافت: “لقد أحدثت المادة المظلمة ثورة هائلة في مفهومنا عن الكون، لقد أضافت فروعًا تخصصية جديدة في الفيزياء تحت هذا المسمى”.
غياب المرأة عن الصورة لا يكمن فقط في الفيزياء، فوفقًا للموقع الإلكتروني للجنة نوبل، فاز 171 عالمًا بجائزة نوبل في الكيمياء، من بينهم أربع نساء فقط: ماري كوري 1911م وابنتها إرين جوليو كوري 1935م، دورثي هودجكن 1964م وأدا يوناث 2009م.
أما في الطب والأدب فقد كان للمرأة حضورٌ ألمع، فمن بين 211 فائز بجائزة نوبل في الطب والفيسيولوجي كانت الجائزة من نصيب 12 عالمة، وبين 112 فائز بجائزة نوبل في الأدب كان للمرأة 15جائزة.
كما استحوذت المرأة على 15 جائزة من بين 129 مقدمة لجهودهن في السلام العالمي. أما جائزة نوبل في الاقتصاد فقد كُرّمت سيدة واحدة فقط من أصل 76جائزة مقدمة.
وعلى الرغم من أن المرأة قد حازت على ترشيحات عديدة للحصول على الجائزة إلا أن العدد لا يزال قليلًا.
فقد رُشحت ليزا مايتنر لما لا يقل عن 48 مرة من قبل الكثيرين بين عام 1937 و1965 لتكريمها في مجالي الفيزياء والكيمياء. (توفيت مايتنر عام 1968 دون أن تنال تكريم نوبل).
ورُشحت عالمة الفيزياء الفلكية مارغريت بوربدج في عام 1964م لتنال جائزة نوبل في الفيزياء، إلا أنها كانت من نصيب تشارلز تونز ونيكولاي غاندفيتش باسوف وأليكساندر ميخالوفيتش بروخوروف لعملهم في الإلكترونيات لتصميم نوع جديد من الترانزيستورات.
طبيعة الجائزة
يقول بعض الباحثين إن الطريقة التي تتبعها لجنة نوبل لتحديد من هم المستحقون قد تُفسّر نوعًا ما سبب تهميشها للمرأة.
فبالبداية يتحتم عليها تقييم مدى التأثير الذي تركه العمل العلمي المقصود، الأمر الذي قد يستغرق عقودًا، إلا أن ذلك لا يشمل كل الحالات.
مشكلة أخرى تكمن في أن جائزة نوبل في الفيزياء لا تُقسم على أكثر من ثلاثة أشخاص، الأمر الذي لا ينصف العمل العلمي بتاتًا خاصة في مجال الفيزياء.
فبعض الدراسات تكون ثمرة عمل مئات الباحثين، ولأجل إنصاف عمل الجميع تجد أن أسماء المشاركين في ورقٍة بحثيةٍ ما في الفيزياء قد رُتبت ترتيبًا هجائيًا.
كُتب في مقالة حديثة على الموقع الإلكتروني ساينس: أنه في حال كانت الجائزة هذا العام من نصيب فريق ليغو لرصدهم موجات الجاذبية، فمن المحتمل أن يحوز عليها بيري باريش والذي كان له الدور الرئيسي في بناء مقياس التداخل.
تقول وينستن: “أعتقد تمامًا أن تقديم الجائزة لفريق يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار”.
ففي عام 2011م مثلًا حاز ثلاثة رجال على الجائزة لاكتشافهم أن توسع الكون في تسارع، المفهوم الذي يعرف باسم التسارع الكوني”.
وأشارت وينستن: “لقد كان مفهوم التسارع الكوني ثمرة عمل فريق كامل، بما في ذلك التأكد من صحة تفسير المعلومات بعد النظر فيها للمرة الأولى”.
أشارت ماريا فون كونو مديرة الاتصالات الإعلامية لدى نوبل إلى أن وصية ألفريد نوبل والأكاديمية السويدية للعلوم قد وضعا معايير الترشيح لنيل الجائزة.
إن جائزة نوبل للسلام تُقدم لمنظمات ومجموعات، لكن القوانين التي وضعت من أجل تقديم جائزة نوبل في الفيزياء هي قوانين مختلفة.
من الممكن تغيير تلك القوانين، وأنظمة مؤسسة نوبل قد وضحت الإجراءات بخصوص هذا الأمر، لكن لم يتم اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه بعد، على الأقل ليس علنًا.
كما أضاف فرانسيس في رسالته البريدية: “يجب أن يكون هناك مجموعة متدرجة من الجوائز، سواء أطلق عليها اسم نوبل أو لا، وذلك تقديرًا لجهود الباحثين ورواد العمل والمساعدين على حد سواء، والتركيز على الأعمال الحديثة بدلًا من الأعمال التي مضى عليها عقودٌ من الزمن”.
أضافت وينستن: “لا عيب في تصحيح السهوات السابقة”.
ففي عام 1974م مُنحت جائزة نوبل لأنتوني هيويش ومارتن رايل لاكتشافهما البولسارات (النجوم النابضة) عام 1967م، في حين أن المكتشفة الحقيقية كانت جوسلين بيل بعد قراءتها المتمعنة للبيانات من التليسكوب الراديوي.
وأوضحت: “يجب أن تتمكن الجائزة من تصحيح أخطائها بأثرٍ رجعي، فعلى سبيل المثال، يجب أن تحوز جوسلين بيل على جائزتها تقديرًا لجهودها وليس مستشارها”.
هل يمكن إصلاح جائزة نوبل؟
تقول وينستن أن على اللجنة تقبّل فكرة تغيير استراتيجيتها في منح الجوائز.
وأشارت وينستن قائلة: “مع الوقت بدأنا نفقد ثقتنا باختيارات اللجنة، حيث أننا نجهل العوامل التي تأخذها بعين الاعتبار، إلا أننا نعلم تمامًا أنها وبطريقة ما ينتهي بها المطاف باختيار رجالٍ بيض أو آسيويين”.
السير ويليام آرثر لويس هو الرجل الأسود الوحيد الحائز على جائزة علمية من نوبل في الاقتصاد عام 1979، كما حاز عليها ستة فائزين فقط من أصول لاتينية.
بقيت الترشيحات والمشاورات بخصوص الجائزة سريةً على مدى خمسين عامًا، لذا فمن الصعب معرفة ما إذا رُشحت نساء أكثر خلال السبعينيات والثمانينيات، كما أننا لن نعرف ذلك خلال العقود المقبلة، فمن الممكن أن تكون روبن قد رُشّحت في مرحلةٍ ما لكنها لم تفز.
قد يعتقد البعض مثل فرانسيس أنها مسألة وقت فقط حتى يحين موعد تقاعد جائزة نوبل، فيقول: “إن أساسياتهم لا تعكس الصورة المناسبة للعلم الحقيقي، وهم يعززون أسوأ جوانب ثقافة العلم، يبدو أنه حان الوقت ليتنحوا جانبًا من أجل أن نبدأ نحن من جديد”.