مزيف في فن
Fake in art - Faux (art)
المزيّف في الفن
امتد التزييف إلى مختلف ميادين الحياة الفنية والثقافية والفكرية، والتزييف في الفن عملية مستمرة منذ القدم. وقد اختلفت وجهات النظر من موضوع التزييف من عصر إلى آخر. وللتزييف دوافع وبواعث عدة، منها الشعور بالنقص والعجز والضعف والرغبة في الظهور والربح.
شعر قدماء الرومان بعجزهم الفني وعدم قدرتهم على مجاراة الفنانين الإغريق مثل ميرون Myron وفيدياس Phidias وبوليكليت Polyclète وبراكستيل Praxitèle وليزيب Lysippe… وغيرهم؛ مما جعلهم يأخذون مجموعات من تلك الروائع الفنية الإغريقية، ويعهدون إلى الصناع الفنيين والفنانين المبتدئين بعمل نسخ لهم عن تلك الروائع الفنية الإغريقية، مثل تمثال «رامي القرص» للفنان ميرون. وهناك صورة المعركة الحاسمة بين الإسكندر المقدوني وداريوس الثالث، وهناك نسخة عنها، وهي لوحة فسيفساء تمثل الإسكندر وملك الملوك داريوس في معركة أربيل الحاسمة.
وفي عصر النهضة تذوق المجتمع روائع العمارة الإغريقية والرومانية، وطالب بالعودة إلى التراث الإغريقي والروماني وجمالياته المعتمدة على الإنسان الذي عدوه المثل الأعلى للجمال. فليس هناك أجمل من الإنسان، وليس هناك أذكى من الإنسان، وليس هناك أمهر من يد الإنسان… فأخذ كثيرون يستوحون، ويقلّدون تلك الروائع الكلاسية في ميادين العمارة والنحت والفسيفساء وغيرها.
وقد أسهم تذوق الأغنياء وهواة المجموعات الخاصة في ظهور مهنة صناعة القطع المزيفة وترميم القطع المكسورة والناقصة؛ وذلك بإضافة كل ما ينقصها لجعلها تبدو كاملة تلبي رغبة أولئك الأثرياء وهواة مجموعات الآثار الكلاسية.
وكثيراً ما كان هواة الأيقونات واللوحات الفنية يطلبون نسخاً عن الأيقونات واللوحات الأصلية؛ وذلك دون الاهتمام بفكرة الأصالة. وهكذا فقد انصرف كثيرون إلى تقليد الأيقونات المشهورة بموضوعاتها الدينية، وتقليد اللوحات الفنية الأصيلة وتقنياتها لتلبية رغبات أولئك الهواة.
وقد أوفد أولئك الأثرياء مندوبيهم إلى مختلف أقطار العالم لاقتناء القطع التي تسهم في إغناء مجموعاتهم الخاصة. مما دفع كثيرين من المزيِّفين في بعض الدول إلى تقليد القطع الأصيلة وصنع أشياء حديثة ذات موضوعات قديمة جعلت الأسواق السياحية زاخرة بهذه القطع المزيفة.
أثار اهتمام الأوساط العلمية بآثار اليمن طمع بعض الأشخاص الذين قاموا بتقليد الكتابات الأثرية اليمنية القديمة وبيعها بأسعار مرتفعة إلى المتاحف المختلفة. وقد برع أحد النحاسين في أساليب الغش والتزييف، وجعل من ذلك تجارة رابحة له، وقد فوجئ الباحثون أن هذه القطع المقتناة مزيفة، بعد أن تسرب بعضها إلى متاحف اصطنبول واللوڤر وبومباي وغيرها، وقد اكتشفوا تزييفها عند قراءتها، وتبيّن أن نصوصها ناقصة وتتألف من جمل متقطعة على الرغم من كونها مكتوبة على الحجر أو لوحات برونزية ليس فيها نقص أو كسر… ومع ذلك فقد وجد بعضهم في هذه القطع المزيفة فائدة نسبية؛ لأنها تتضمن عبارات من نص قديم.
وهناك قصص مثيرة وكثيرة تتعلق بالتزييف منها أن ميخائيل الله ويردي حضر مؤتمراً للموسيقيين في بغداد، واشترك برحلة علمية أعدت لهم، فعرض عليه أحد القرويين رقيماً مسمارياً اقتناه، وحرص عليه نحو أربعين سنة، وقبيل وفاته رغب في إهداء هذا الرقيم الطيني المسماري إلى المتحف الوطني بدمشق، فتبين للمختصين بقراءة النصوص المسمارية أنه مزيف، وأن النص المسماري يتألف من عبارة متكررة… وقد تُوفِّي صاحبه دون أن يدري تزييف هذا الرقيم الطيني المسماري الذي حرص عليه تلك المدة الطويلة. وقد أثارت الرغبة في الربح السريع جشع كثيرين مارسوا عملية التزييف وطمعهم دون أن يدركوا الجريمة التي ارتكبوها.
وهناك قطع مزيفة من الفخار والزجاج والمعدن والنقود وغيرها، وهناك تزييف المخطوطات باختيار أوراق قديمة والكتابة عليها، وقطع الأثاث والصناديق الخشبية الحديثة المعتقة.
برع المزيفون في التعتيق، مثل وضع الأيقونات الحديثة قرب دخان الموقد… أو دفن القطع الفخارية والزجاجية تحت التراب فترة من الزمن، واختيار الورق القديم الأصفر لكتابة نصوص المخطوطات عليها.
وتعد تجارة اللوحات تجارة رابحة لها تجارها وأسواقها وزبائنها، ومن القصص المتعلقة بالتزييف في التصوير:
تألق نجم المصور الهولندي الكبير فيرمير دو دلفت Vermeer de Delft ت(1632ـ1675). لم يلق في عصره التقدير الذي تستحقه مواهبه الفنية، وفي القرن التاسع عشر أنصفه المجتمع، وعدّه أحد أمجاد هولندا الفنية والجمالية وشاعر الحياة المنزلية الأليفة، من روائعه: «فتاة منصرفة إلى إبداع الدانتيلا» جميلة الوجه والملامح ومضيئة الجبهة و«السيدة ذات الميول الموسيقية». وبما أن الغموض يلف حياته وأعماله الفنية المرغوبة؛ عمل بعضهم على تقليدها وبيعها بأسعار خيالية، وهذا يدخل في مجال التزييف في اللوحات الفنية.
تميزت الدراسات الفنية باعتمادها على المناهج العلمية الحديثة وآفاقها التطبيقية. وإذا كانت أشعة رونتجن قد أسهمت جدياً في تقدم الطب؛ فإنها استخدمت أيضاً في الكشف عن تفاصيل فنية ساعدت الخبراء على تمييز اللوحات الأصيلة من المزيفة.
إن الإنسان زينة الكون ومن عناصر وجوده، ويتعذر فصله عن الفن والحركة الفنية. وقد سئل خبير فني عن الطريقة التي يتبعها في تمييز القطع الفنية الأصيلة، فأجاب مبتسماً: «إن القطع الأصيلة تتميز بالصدق الفني، فهي كالحسناء التي نكتشف جمالها الذي يسحرنا فور رؤيتها، ونميزها بسهولة من المرأة ذات الشعر المستعار».
بشير زهدي
Fake in art - Faux (art)
المزيّف في الفن
امتد التزييف إلى مختلف ميادين الحياة الفنية والثقافية والفكرية، والتزييف في الفن عملية مستمرة منذ القدم. وقد اختلفت وجهات النظر من موضوع التزييف من عصر إلى آخر. وللتزييف دوافع وبواعث عدة، منها الشعور بالنقص والعجز والضعف والرغبة في الظهور والربح.
"القديس بولس" من روائع فن الفسيفساء في كنيسة سان فيتال في مدينة رافينا الإيطالية. إن جمال فن الفسيفساء وسهولة تقليد روائعه شجعت كثيرين على صنع المزيفات من الفسيفساء |
وفي عصر النهضة تذوق المجتمع روائع العمارة الإغريقية والرومانية، وطالب بالعودة إلى التراث الإغريقي والروماني وجمالياته المعتمدة على الإنسان الذي عدوه المثل الأعلى للجمال. فليس هناك أجمل من الإنسان، وليس هناك أذكى من الإنسان، وليس هناك أمهر من يد الإنسان… فأخذ كثيرون يستوحون، ويقلّدون تلك الروائع الكلاسية في ميادين العمارة والنحت والفسيفساء وغيرها.
وقد أسهم تذوق الأغنياء وهواة المجموعات الخاصة في ظهور مهنة صناعة القطع المزيفة وترميم القطع المكسورة والناقصة؛ وذلك بإضافة كل ما ينقصها لجعلها تبدو كاملة تلبي رغبة أولئك الأثرياء وهواة مجموعات الآثار الكلاسية.
وكثيراً ما كان هواة الأيقونات واللوحات الفنية يطلبون نسخاً عن الأيقونات واللوحات الأصلية؛ وذلك دون الاهتمام بفكرة الأصالة. وهكذا فقد انصرف كثيرون إلى تقليد الأيقونات المشهورة بموضوعاتها الدينية، وتقليد اللوحات الفنية الأصيلة وتقنياتها لتلبية رغبات أولئك الهواة.
وقد أوفد أولئك الأثرياء مندوبيهم إلى مختلف أقطار العالم لاقتناء القطع التي تسهم في إغناء مجموعاتهم الخاصة. مما دفع كثيرين من المزيِّفين في بعض الدول إلى تقليد القطع الأصيلة وصنع أشياء حديثة ذات موضوعات قديمة جعلت الأسواق السياحية زاخرة بهذه القطع المزيفة.
إن شهرة تمثال الملكة نفرتيتي المحفوظ في متحف برلين دفعت كثيرين إلى صنع شبيهه حتى غزت هذه التماثيل أسواق مصر والعالم |
وهناك قصص مثيرة وكثيرة تتعلق بالتزييف منها أن ميخائيل الله ويردي حضر مؤتمراً للموسيقيين في بغداد، واشترك برحلة علمية أعدت لهم، فعرض عليه أحد القرويين رقيماً مسمارياً اقتناه، وحرص عليه نحو أربعين سنة، وقبيل وفاته رغب في إهداء هذا الرقيم الطيني المسماري إلى المتحف الوطني بدمشق، فتبين للمختصين بقراءة النصوص المسمارية أنه مزيف، وأن النص المسماري يتألف من عبارة متكررة… وقد تُوفِّي صاحبه دون أن يدري تزييف هذا الرقيم الطيني المسماري الذي حرص عليه تلك المدة الطويلة. وقد أثارت الرغبة في الربح السريع جشع كثيرين مارسوا عملية التزييف وطمعهم دون أن يدركوا الجريمة التي ارتكبوها.
وهناك قطع مزيفة من الفخار والزجاج والمعدن والنقود وغيرها، وهناك تزييف المخطوطات باختيار أوراق قديمة والكتابة عليها، وقطع الأثاث والصناديق الخشبية الحديثة المعتقة.
برع المزيفون في التعتيق، مثل وضع الأيقونات الحديثة قرب دخان الموقد… أو دفن القطع الفخارية والزجاجية تحت التراب فترة من الزمن، واختيار الورق القديم الأصفر لكتابة نصوص المخطوطات عليها.
إن أهمية الرقم المسمارية دفعت بعض المزيفين إلى صنع ألواح طينية حديثة اكتشف العلماء زيفها بعد فراءة نصوصها |
تألق نجم المصور الهولندي الكبير فيرمير دو دلفت Vermeer de Delft ت(1632ـ1675). لم يلق في عصره التقدير الذي تستحقه مواهبه الفنية، وفي القرن التاسع عشر أنصفه المجتمع، وعدّه أحد أمجاد هولندا الفنية والجمالية وشاعر الحياة المنزلية الأليفة، من روائعه: «فتاة منصرفة إلى إبداع الدانتيلا» جميلة الوجه والملامح ومضيئة الجبهة و«السيدة ذات الميول الموسيقية». وبما أن الغموض يلف حياته وأعماله الفنية المرغوبة؛ عمل بعضهم على تقليدها وبيعها بأسعار خيالية، وهذا يدخل في مجال التزييف في اللوحات الفنية.
التزييف في الفنون التطبيقية الخشبية |
دفعت جمالية فن الأبلق كثيراً من الأغنياء إلى تزييين بيوتهم بقطع مماثلة |
إن الإنسان زينة الكون ومن عناصر وجوده، ويتعذر فصله عن الفن والحركة الفنية. وقد سئل خبير فني عن الطريقة التي يتبعها في تمييز القطع الفنية الأصيلة، فأجاب مبتسماً: «إن القطع الأصيلة تتميز بالصدق الفني، فهي كالحسناء التي نكتشف جمالها الذي يسحرنا فور رؤيتها، ونميزها بسهولة من المرأة ذات الشعر المستعار».
بشير زهدي