محمد (فتحي)
Mohammad (Fathi-) - Mohammad (Fathi-)
محمد (فتحي ـ)
(1917ـ 1958)
ولد الفنـان فتحي محمد قباوة في حي الشماعين بمدينة حـلب، وهو حي عريق، انتشرت فيه صناعة الآنية الفخارية، فكان المسرح الأول لعبث الفنان بمادة الطين، وتشكيلها على شكل دمى صغيرة يتسلى بها، وحين غدا طالباً في المرحلة الثانوية اكتشف موهبته أستاذ الرسم منيب النقشبندي الذي حثّه على متابعة اهتماماته الفنية ودراسة الفن.
وحين عاد إلى حلب كل من الفنانين غالب سالم، ووهبي الحريري من روما في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين بعد إنهاء دراستهما في أكاديميتها تعرّفهما فتحي، وسعى إلى الاستفادة من خبراتهما، وراح يتردد على مرسم الحريري، ويتلّقى المعرفة والتشجيع.
وفي عام 1944 فاز فتحي بجائزة المجمع العلمي بدمشق عن تمثاله «أبو العلاء المعري» الذي جسّد فيه ملامح الشاعر العربي الفذ مُظهراً جوانبه النفسية وطبيعته الفلسفية؛ ومجسّداً تشاؤمه وكبرياءه بأسلوب واقعي مثالي، يُظهر تأثره بالمنحوتات النصفية اليونانية من خلال الصوغ المتقن لوجه المعري ولحيته. وفي هذه المناسبة أتيحت لفتحي فرصة تعرّف عميد الأدب العربي طه حسين الذي نصحه بمتابعة دراسته الفنية في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، حيث استطاع السفر إليها ودراسة التصوير والنحت فيها، وأظهر تفوقاً ملحوظاً تجلّى في تمثاله الذي أنجزه للزعيم الوطني سعد الله الجابري، فقد برزت في هذا التمثال مقدرة الفنان في فهم النسب التشريحية وتقصي الملامح ببراعة واضحة. وقد أشاد أستاذه حسين بيكار بمقدرته في التصوير الزيتي، وأكد براعته في تصوير الشخصيات تصويراً دقيقاً صادقاً يمتاز بوضوح الملامح ودقة التفاصيل بعيداً عن القيم المستحدثة في التصوير، فقد ظلّ مخلصاً للقيم الواقعية في الفن.
وفي عام 1948 سافر فتحي محمد إلى روما؛ ليتابع دراسته في أكاديميتها على نفقة بلدية حلب، فاجتاز الامتحانات بتفوق كبير، وأخذ أسلوبه يتطور، ويتحرر من القيم التسجيلية الجامدة، ويتقدّم نحو الواقعية المتحررة من التفصيلات الفائضة، وهذا ما يبدو في تمثال «المفكِّرة» الذي أنجزه في روما عام 1950. وحين شارفت دراسته على نهايتها عام 1951 عكف على إنجاز تمثال «اليافع» الذي جعله واقفاً، وقد تجلّت فيه براعته ونضجه، وفي ذلك يقول أستاذه غويريزي: «كان فتحي يحب الطبيعة، وقد تجلى ذلك في تمثاله «اليافع»، ففي هذا التمثال وضحت لأول مرة الإرادة القوية التي كشفت عن رجل مخلص لفنه وواثق من مقدرته» وبذلك استحق فتحي على تمثاله هذا العلامة التامة في النحت، ونال شهادة دبلوم بدرجة شرف بتاريخ 9 حزيران 1951، ووقع اختيار لجنة التحكيم على تمثال فتحي لوضعه في متحف فلورنسا.
وفي العام نفسه اشترك فتحي في معرض خريجي الأكاديميات الإيطالية الذي أقيم في مدينة نابولي، وكان الموضوع المطروح (الجمال العاري المؤنث) وتقدّم فتحي بتمثال لامرأة مستلقية منحنية إلى الخلف وعلى ثغرها ابتسامة ممزوجة بشيء من الحزن، وفاز بالجائزة الأولى مرة أخرى، ومنح شهادة من أكاديمية الفنون العليا بنابولي.
تابع فتحي محمد دراسته في روما، فانتسب إلى مدرسة فن الميداليات، كما انتسب إلى الأكاديمية؛ ليدرس في فرع التصوير الزيتي عام 1952، فدخل السنة الثالثة فيها نظراً لشهاداته، وقد أنجز ميداليات عدة، من أبرزها ميدالية «الغفران» التي نال بها شهادة دبلوم، كما أنجز عدداً كبيراً من اللوحات الزيتية التي صورها بإشراف أستاذه سيفرو، وهي دراسات لنماذج عارية تبرز مهارته في تصوير الجسد الإنساني عبر لمسات فنية متحررة، وحسّ واقعي لايخلو من مهارة في التشريح والقيم اللونية الواقعية.
ومع اهتماماته تلك أنتج فتحي عدداً من الأعمال النحتية، كان أبرزها تمثالا «الموجة» و«الخريف»؛ ويُلاحظ فيهما ابتعاد الفنان عن الأساليب التقليدية وانطلاقه نحو عوالم الحداثة، والابتكار، والبحث عن صوغ جديد، ويُعدّ تمثال «الموجة» رمزاً لمعركة الحياة بكل قساوتها، في حين يمضي الفنان في تمثال «الخريف» نحو الفنون المعاصرة، فيلامس التجريد حيث تثور الخطوط، وتتبعثر في تكوين فني، يعبر عن قلق الفنان ورغبته في اجتياح عالم الحداثة والانعتاق من القيود التي فرضتها السنوات التي خضع فيها للدراسة الواقعية، وهو يعد بحق أحد أبرز رواد الحركة التشكيلية في سورية في القرن العشرين.
عاد فتحي بعد انتهاء دراسته إلى حلب عام 1954 ليعمل في بلديتها خبيراً فنياً، ثم أوفد إلى دمشق؛ ليصنع تمثالاً للعقيد الشهيد عدنان المالكي، ولكنه اضطر إلى العودة إلى حلب؛ ليدخل مستشفى القديس لويس في 8 آذار 1958 وهو يعاني آلاماً في أمعائه؛ وتُوفِّي في 16 نيسان من العام ذاته إثر عملية أجريت له لاستئصال ورم خبيث فيها.
أقيم للفنان الراحـل حفل تأبيني فـي مدينة حلب، ثم أُحـدث مركز للفنون التشكيلية باسمه، ضمّ عدداً من أبرز منحوتاته وأعماله الزيتية إضافة إلى مجموعة من الميداليات والمحفورات التي أنجزها في حياته ضُمَّ بعضها إلى جناح الفن الحديث في المتحف الوطني بحلب.
طاهر البني
Mohammad (Fathi-) - Mohammad (Fathi-)
محمد (فتحي ـ)
(1917ـ 1958)
وحين عاد إلى حلب كل من الفنانين غالب سالم، ووهبي الحريري من روما في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين بعد إنهاء دراستهما في أكاديميتها تعرّفهما فتحي، وسعى إلى الاستفادة من خبراتهما، وراح يتردد على مرسم الحريري، ويتلّقى المعرفة والتشجيع.
وفي عام 1944 فاز فتحي بجائزة المجمع العلمي بدمشق عن تمثاله «أبو العلاء المعري» الذي جسّد فيه ملامح الشاعر العربي الفذ مُظهراً جوانبه النفسية وطبيعته الفلسفية؛ ومجسّداً تشاؤمه وكبرياءه بأسلوب واقعي مثالي، يُظهر تأثره بالمنحوتات النصفية اليونانية من خلال الصوغ المتقن لوجه المعري ولحيته. وفي هذه المناسبة أتيحت لفتحي فرصة تعرّف عميد الأدب العربي طه حسين الذي نصحه بمتابعة دراسته الفنية في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، حيث استطاع السفر إليها ودراسة التصوير والنحت فيها، وأظهر تفوقاً ملحوظاً تجلّى في تمثاله الذي أنجزه للزعيم الوطني سعد الله الجابري، فقد برزت في هذا التمثال مقدرة الفنان في فهم النسب التشريحية وتقصي الملامح ببراعة واضحة. وقد أشاد أستاذه حسين بيكار بمقدرته في التصوير الزيتي، وأكد براعته في تصوير الشخصيات تصويراً دقيقاً صادقاً يمتاز بوضوح الملامح ودقة التفاصيل بعيداً عن القيم المستحدثة في التصوير، فقد ظلّ مخلصاً للقيم الواقعية في الفن.
المفكرة (1950) (متحف حلب) |
وفي العام نفسه اشترك فتحي في معرض خريجي الأكاديميات الإيطالية الذي أقيم في مدينة نابولي، وكان الموضوع المطروح (الجمال العاري المؤنث) وتقدّم فتحي بتمثال لامرأة مستلقية منحنية إلى الخلف وعلى ثغرها ابتسامة ممزوجة بشيء من الحزن، وفاز بالجائزة الأولى مرة أخرى، ومنح شهادة من أكاديمية الفنون العليا بنابولي.
تابع فتحي محمد دراسته في روما، فانتسب إلى مدرسة فن الميداليات، كما انتسب إلى الأكاديمية؛ ليدرس في فرع التصوير الزيتي عام 1952، فدخل السنة الثالثة فيها نظراً لشهاداته، وقد أنجز ميداليات عدة، من أبرزها ميدالية «الغفران» التي نال بها شهادة دبلوم، كما أنجز عدداً كبيراً من اللوحات الزيتية التي صورها بإشراف أستاذه سيفرو، وهي دراسات لنماذج عارية تبرز مهارته في تصوير الجسد الإنساني عبر لمسات فنية متحررة، وحسّ واقعي لايخلو من مهارة في التشريح والقيم اللونية الواقعية.
ومع اهتماماته تلك أنتج فتحي عدداً من الأعمال النحتية، كان أبرزها تمثالا «الموجة» و«الخريف»؛ ويُلاحظ فيهما ابتعاد الفنان عن الأساليب التقليدية وانطلاقه نحو عوالم الحداثة، والابتكار، والبحث عن صوغ جديد، ويُعدّ تمثال «الموجة» رمزاً لمعركة الحياة بكل قساوتها، في حين يمضي الفنان في تمثال «الخريف» نحو الفنون المعاصرة، فيلامس التجريد حيث تثور الخطوط، وتتبعثر في تكوين فني، يعبر عن قلق الفنان ورغبته في اجتياح عالم الحداثة والانعتاق من القيود التي فرضتها السنوات التي خضع فيها للدراسة الواقعية، وهو يعد بحق أحد أبرز رواد الحركة التشكيلية في سورية في القرن العشرين.
عاد فتحي بعد انتهاء دراسته إلى حلب عام 1954 ليعمل في بلديتها خبيراً فنياً، ثم أوفد إلى دمشق؛ ليصنع تمثالاً للعقيد الشهيد عدنان المالكي، ولكنه اضطر إلى العودة إلى حلب؛ ليدخل مستشفى القديس لويس في 8 آذار 1958 وهو يعاني آلاماً في أمعائه؛ وتُوفِّي في 16 نيسان من العام ذاته إثر عملية أجريت له لاستئصال ورم خبيث فيها.
أبو العلاء ا لمعري (1944) (المكتبة الوطنية،حلب) |
جزء من تمثال عدنان المالكي (1958) |
طاهر البني