التاريخ يهتم الإنسان بدراسة تاريخه وتدوينه، لأنّ وعيه بحاضره ومستقبله لا يتحقّق دون وعيه بماضيه، ومن هنا ظهر اهتمام المؤرّخين والفلاسفة بدراسة وتحليل التاريخ، فظهر ما يُعرف بفلسفة التاريخ. يُعتبر التاريخ علمٌ ينصبّ على الماضي، يحاول استنطاق الآثار والوثائق لاستعادة حدث ما وقع وانتهى؛ سواء أكان حدثاً طبيعياً أم سياسياً أم فكرياً. التاريخ فلسفياً مفهوم التاريخ في الفلسفة ليس مجرّد سرد لأحداثٍ ووقائع؛ إنما هو دراسة وتحليل هذه الوقائع، ومعرفة السبب وراء حدوثها، وتأثيرها على الإنسان، ودوره في صنعها؛ ففلسفة التاريخ تهتمّ بدراسة الوقائع دراسةً كليّةً، لتستنبط القوانين التي تحكم حركة المجتمعات وتقرأ دور الإنسان في صناعة التاريخ، أو تكبُّده. مفهوم التاريخ عند الفلاسفة هيجل: يعرّف التاريخ على أنه حركة منطقية جدلية، يستخدم فيها الشعوب أدوات في تحقيق النمو والتطور نحو الحرية، ويرى أن المبدأ الأساسي للتاريخ هو التغيير؛ إذ لا شيء خالد. ماركس: يرى أنّ التاريخ يتمثل في الصراع الاجتماعي أو الطبقي الذي يؤدّي إلى التحول من نمط إنتاج إلى آخر أكثر تقدّماً وتطوّراً. سارتر: يؤكّد أن التاريخ ليس قدَراً أو قوى تتحكّم في الإنسان، إنّما هو من يصنعه ويُحوّله عمليّاً ونظرياً؛ أي إنّ التاريخ يعتمد على وعي وإرادة الإنسان. ابن خلدون: يعتبر أن التاريخ سيرورة العمران البشري، والمعرفة التاريخية هي تدوين لهذه السيرورة، ويضع ابن خلدون مفهومي ظاهر وباطن التاريخ؛ فيعرّف ظاهره بأنّه سرد لأخبار الدول وأصول الماضي، أما باطن التاريخ فهو تحقيق ودراسة وتحليل وعلم بالكيفيات والأسباب. التفسير الفلسفي للتاريخ ومجرياته عمد الفلاسفة بعد دراستهم وتحليلهم لمجريات التاريخ إلى استنباط قوانين عامة تحكُم سير واتجاه التاريخ وتفسّره، ومن هذه الظواهر: التفسير اللاهوتي: يقضي بأن التاريخ يسير وفقاً للإرادة الإلهية. التفسير الدوري: يعتبر أن التاريخ يسير بمقتضى قانون العوْد الأبدي؛ أي أنه لا ينّفك يكرر نفسه. التفسير العضوي: الذي يعتبر الحضارة كالإنسان يولد طفلاً ويزدهرُ في شبابه ثم يهرمُ ليموت أخيراً. التفسير الميتافيزيقي: يرى أن العقل البشري المطلق هو من يتحكم في سير التاريخ ومجرياته. التفسير الاقتصادي: يعتبر المادة المحرّك الأساسي للحضارات، وما يقود الصراعات ويسيّر التاريخ. تنويه ننوّه إلى أنّ الفلسفة تهتم بقراءة الماضي ودراسته، لا لأنّه يُكرّر نفسه بنفسه، إنما لارتباطه بإرادة الإنسان، وبالتالي محاولة الكشف عن القوانين المحرّكة للمجتمعات والغاية التي تنتهي إليها، يمكننا إذن اعتبار فلسفة التاريخ وسيلةً لوعي الحضارات بنفسها كماضٍ وحاضر.