كراوس (كارل) Kraus (Karl-) - Kraus (Karl-)
كراوس (كارل ـ)
(1874 ـ 1936)
كارل كراوس Karl Kraus كاتب مسرحي وناقد وصحافي نمساوي، يُعدُّ من أبرز كتّاب الهجاء في اللغة الألمانية. ولد في مدينة يِتْشين Jecin (في الامبراطورية النمساوية الهنغارية حينذاك، وحالياً في الجمهورية التشيكية)، وهو سليل عائلة يهودية ثرية من أصحاب مصانع الورق، انتقلت إلى العاصمة ڤيينا وهو في الثالثة من عمره. تلقى تعليمه في مدارس العاصمة، وبدأ ممارسة التمثيل والإخراج قبل أن يلتحق بالجامعة. ونزولاً عند رغبة أبويه التحق بكلية الحقوق؛ إلا أنه سرعان ما تحول إلى دراسة اللغة والأدب الألماني، وبدأ في الوقت نفسه بنشر مقالاته في صحف نمساوية وألمانية معروفة، وعندما تأكد من قدرته على كسب عيشه من الكتابة تخلى عن الدراسة الجامعية عام 1895، وكرَّس جلّ وقته للصحافة والأدب والمسرح. أعلن في عام 1899 خروجه من الديانة اليهودية وتحول إلى الكاثوليكية؛ لكنه احتجاجاً على استخدام أمكنة الكنيسة لأنشطة ثقافية ذات طابع تجاري أعلن خروجه منها أيضاً. تعرف عام 1913 البارونة سيدوني نادْهِرني فون بوروتين Sidonie Nádherny von Borutin، واستمرت علاقتهما المتقلبة طوال حياته، ونتج عنها مجموعة رسائل مهمة ذات طابع ثقافي نشرت بعد وفاته في ڤيينا.
وجه كراوس في مقالاته النقدية هجوماً صريحاً على تضليل الصحافة الرأسمالية جمهور القراء وتلاعبها بآرائه ووعيه، فأسس عام 1899 صحيفته الخاصة «المشعل» Die Fackel التي صار منذ عام 1911 حتى 1936 كاتبها الوحيد، ومع ذلك فقد تمكن من إصدار 922 عدداً كان لها أثر ملحوظ وفاعل في الأوساط السياسية والأدبية والفنية، مستخدماً أسلوب التوليف بين الوثائق والمقبوسات ومعارضتها بأسلوبه الساخر عن طريق التعليق اللمّاح الذي يكشف الغطاء عن جوهر الفساد بأشكاله كافة. وقد رأى كراوس أن تشويه اللغة الألمانية في الصحافة بلغ حداً مآله انهيار الأمة مع تصعيد السلطة السياسية ودعاماتها الاقتصادية الأمور باتجاه الحرب. وبمرور الوقت تحول النقد في أسلوب كرواس من كونه محض فضح لمظاهر الفساد إلى محكمة عليا أخلاقية اجتماعية تتناول بنية النظام الحاكم تحليلاً وتفسيراً وتنبؤاً بما ستؤول إليه الأوضاع. وفي أثناء نضاله الذي سبب له كثيراً من العداوات مُنعت عنه جائزة نوبل للأدب في عامي 1923 و1924. كان كراوس يصر على ضرورة إبراز دور الفن الحقيقي في بناء وعي جديد يتخطى الهاوية المحتملة، وعلى دور الفنان والأديب المتنور في مواجهة السلطة المضلِّلة. وقد جعلت منه نتائج الحرب العالمية الأولى وثورة 1919 في ألمانيا عدواً لدوداً لجميع ما يمت إلى العسكر بصلة.
إن ما يؤكد ملَكَة كراوس المسرحية -إضافة إلى انشغاله المستمر في التمثيل والكتابة- هو أمسيات القراءات المسرحية التي أخذ يقيمها منذ عام 1893 لأعماله ولأعمال غيره من الكلاسيكيين والمحدثين ببداهة مونولوجيست monologist يعايش كتابته تمثيلاً، فيقدم مادته لجمهوره من المستمعين لا يعدّها أدباً مُمَثلاً، بل تمثيلاً منطوقاً، وحقق بها نجاحات لافتة، ولاسيما أنه أحيا بأسلوبه مفهوم المسْرَحَة theatricalization في أعمال شكسبير[ر] (الذي أعاد ترجمة بعض أعماله) وغوته[ر] وهاوبتمَن[ر] وڤدِكيند[ر]، فبعثهم من النسيان. وتعد مسرحيته «آخر أيام البشرية» Die letzten Tage der Menschheit (1915-1918) ذروة إبداعه المسرحي، وهي هائلة الحجم تتألف من 220 مشهداً تظهر فيها نحو 500 شخصية تستعرض، وتشخِّص -عن طريق الوثائق والرواة والسرد الملحمي- وقائع الحرب العالمية الأولى مُستخلصة كونها الخطوة الممهدة لدمار البشرية. وهذه المسرحية هي المخاض الذي ولدت عنه حركة المسرح الوثائقي مع بيسكاتور E.Piscator والمسرح الملحمي مع بريشت B.Brecht. وبسبب أهميتها التاريخية جرت محاولات عديدة في النمسا وألمانيا لإعدادها بشكل يناسب أمسية واحدة على الخشبة. ومن مسرحياته الأخرى «أدب أو ستنجلي الحقيقة» Literatur oder Man Wird doch da sehn (1921) التي كشف فها الثورية المفتعلة لدى التعبيريين، و«موطن العصافير في السُحب» Wolkenkuckucksheim (1923) التي اقتبسها من أريستوفانيس[ر]، و«الصامدون» Unüberwindlichen (1928) التي فضح فيها انحياز القضاء لمصلحة البرجوازية ضد الطبقة العاملة.
اشتهر كراوس بكتابة الحِكَم aphorism التي جمع بعضها تحت عنوان «حِكَم ومتناقضات» Sprüche und Widersprüche (1909)؛ وبعضها الآخر بعنوان «ليلاً» Nachts (1919). أما مقالاته العديدة فقد جمعها، وفسرها حسب موضوعاتها، مثل «الأخلاق والجريمة» Sittlichkeit und Kriminalität (1908)، و«سور الصين» Die Chinesische Mauer (1910)، و«يوم الحساب» Weltgericht (1919)، و«نهاية العالم بالسحر الأسود» Untergarg der Welt durch schwarze Magie (1922)، و«أدب وكذب» Literatur und Lüge (1929). أما مقالته النبوئية الخطيرة «ليلة الساحرات الثالثة» Die dritte Walpurgisnacht التي كتبها عشية اعتلاء النازيين السلطة في ألمانيا؛ فلم تنشر إلا في عام 1952، وقد حلل فيها جوهر النازية بتفكيكه لغتها الدعائية «الديماغوجية»، وربط ذلك نبوئياً بخططها التوسعية التي ستؤدي إلى الانهيار الكامل.
كتب كراوس كثيراً من الأشعار، غالباً في الهجاء؛ لكنه لم يهتم بجمعها فبقيت موزعة بين مقالاته وحِكَمه ورسائله ومسرحياته.
نبيل الحفار
كراوس (كارل ـ)
(1874 ـ 1936)
كارل كراوس Karl Kraus كاتب مسرحي وناقد وصحافي نمساوي، يُعدُّ من أبرز كتّاب الهجاء في اللغة الألمانية. ولد في مدينة يِتْشين Jecin (في الامبراطورية النمساوية الهنغارية حينذاك، وحالياً في الجمهورية التشيكية)، وهو سليل عائلة يهودية ثرية من أصحاب مصانع الورق، انتقلت إلى العاصمة ڤيينا وهو في الثالثة من عمره. تلقى تعليمه في مدارس العاصمة، وبدأ ممارسة التمثيل والإخراج قبل أن يلتحق بالجامعة. ونزولاً عند رغبة أبويه التحق بكلية الحقوق؛ إلا أنه سرعان ما تحول إلى دراسة اللغة والأدب الألماني، وبدأ في الوقت نفسه بنشر مقالاته في صحف نمساوية وألمانية معروفة، وعندما تأكد من قدرته على كسب عيشه من الكتابة تخلى عن الدراسة الجامعية عام 1895، وكرَّس جلّ وقته للصحافة والأدب والمسرح. أعلن في عام 1899 خروجه من الديانة اليهودية وتحول إلى الكاثوليكية؛ لكنه احتجاجاً على استخدام أمكنة الكنيسة لأنشطة ثقافية ذات طابع تجاري أعلن خروجه منها أيضاً. تعرف عام 1913 البارونة سيدوني نادْهِرني فون بوروتين Sidonie Nádherny von Borutin، واستمرت علاقتهما المتقلبة طوال حياته، ونتج عنها مجموعة رسائل مهمة ذات طابع ثقافي نشرت بعد وفاته في ڤيينا.
وجه كراوس في مقالاته النقدية هجوماً صريحاً على تضليل الصحافة الرأسمالية جمهور القراء وتلاعبها بآرائه ووعيه، فأسس عام 1899 صحيفته الخاصة «المشعل» Die Fackel التي صار منذ عام 1911 حتى 1936 كاتبها الوحيد، ومع ذلك فقد تمكن من إصدار 922 عدداً كان لها أثر ملحوظ وفاعل في الأوساط السياسية والأدبية والفنية، مستخدماً أسلوب التوليف بين الوثائق والمقبوسات ومعارضتها بأسلوبه الساخر عن طريق التعليق اللمّاح الذي يكشف الغطاء عن جوهر الفساد بأشكاله كافة. وقد رأى كراوس أن تشويه اللغة الألمانية في الصحافة بلغ حداً مآله انهيار الأمة مع تصعيد السلطة السياسية ودعاماتها الاقتصادية الأمور باتجاه الحرب. وبمرور الوقت تحول النقد في أسلوب كرواس من كونه محض فضح لمظاهر الفساد إلى محكمة عليا أخلاقية اجتماعية تتناول بنية النظام الحاكم تحليلاً وتفسيراً وتنبؤاً بما ستؤول إليه الأوضاع. وفي أثناء نضاله الذي سبب له كثيراً من العداوات مُنعت عنه جائزة نوبل للأدب في عامي 1923 و1924. كان كراوس يصر على ضرورة إبراز دور الفن الحقيقي في بناء وعي جديد يتخطى الهاوية المحتملة، وعلى دور الفنان والأديب المتنور في مواجهة السلطة المضلِّلة. وقد جعلت منه نتائج الحرب العالمية الأولى وثورة 1919 في ألمانيا عدواً لدوداً لجميع ما يمت إلى العسكر بصلة.
إن ما يؤكد ملَكَة كراوس المسرحية -إضافة إلى انشغاله المستمر في التمثيل والكتابة- هو أمسيات القراءات المسرحية التي أخذ يقيمها منذ عام 1893 لأعماله ولأعمال غيره من الكلاسيكيين والمحدثين ببداهة مونولوجيست monologist يعايش كتابته تمثيلاً، فيقدم مادته لجمهوره من المستمعين لا يعدّها أدباً مُمَثلاً، بل تمثيلاً منطوقاً، وحقق بها نجاحات لافتة، ولاسيما أنه أحيا بأسلوبه مفهوم المسْرَحَة theatricalization في أعمال شكسبير[ر] (الذي أعاد ترجمة بعض أعماله) وغوته[ر] وهاوبتمَن[ر] وڤدِكيند[ر]، فبعثهم من النسيان. وتعد مسرحيته «آخر أيام البشرية» Die letzten Tage der Menschheit (1915-1918) ذروة إبداعه المسرحي، وهي هائلة الحجم تتألف من 220 مشهداً تظهر فيها نحو 500 شخصية تستعرض، وتشخِّص -عن طريق الوثائق والرواة والسرد الملحمي- وقائع الحرب العالمية الأولى مُستخلصة كونها الخطوة الممهدة لدمار البشرية. وهذه المسرحية هي المخاض الذي ولدت عنه حركة المسرح الوثائقي مع بيسكاتور E.Piscator والمسرح الملحمي مع بريشت B.Brecht. وبسبب أهميتها التاريخية جرت محاولات عديدة في النمسا وألمانيا لإعدادها بشكل يناسب أمسية واحدة على الخشبة. ومن مسرحياته الأخرى «أدب أو ستنجلي الحقيقة» Literatur oder Man Wird doch da sehn (1921) التي كشف فها الثورية المفتعلة لدى التعبيريين، و«موطن العصافير في السُحب» Wolkenkuckucksheim (1923) التي اقتبسها من أريستوفانيس[ر]، و«الصامدون» Unüberwindlichen (1928) التي فضح فيها انحياز القضاء لمصلحة البرجوازية ضد الطبقة العاملة.
اشتهر كراوس بكتابة الحِكَم aphorism التي جمع بعضها تحت عنوان «حِكَم ومتناقضات» Sprüche und Widersprüche (1909)؛ وبعضها الآخر بعنوان «ليلاً» Nachts (1919). أما مقالاته العديدة فقد جمعها، وفسرها حسب موضوعاتها، مثل «الأخلاق والجريمة» Sittlichkeit und Kriminalität (1908)، و«سور الصين» Die Chinesische Mauer (1910)، و«يوم الحساب» Weltgericht (1919)، و«نهاية العالم بالسحر الأسود» Untergarg der Welt durch schwarze Magie (1922)، و«أدب وكذب» Literatur und Lüge (1929). أما مقالته النبوئية الخطيرة «ليلة الساحرات الثالثة» Die dritte Walpurgisnacht التي كتبها عشية اعتلاء النازيين السلطة في ألمانيا؛ فلم تنشر إلا في عام 1952، وقد حلل فيها جوهر النازية بتفكيكه لغتها الدعائية «الديماغوجية»، وربط ذلك نبوئياً بخططها التوسعية التي ستؤدي إلى الانهيار الكامل.
كتب كراوس كثيراً من الأشعار، غالباً في الهجاء؛ لكنه لم يهتم بجمعها فبقيت موزعة بين مقالاته وحِكَمه ورسائله ومسرحياته.
نبيل الحفار