لطالما لفتت طيور الفلامينغو الأنظار بوقوفها على قدم نحيلة وحيدة، حتى أثناء النوم، وقد وجد العلماء اليوم أنّ ذلك قد يتطلب جهدًاً أقل بالنسبة للفلامينغو من الوقوف على ساقين، وهو أمر معاكس للبديهة.
لكن بإمكان هذه النتيجة أن تصل إلى روبوتات أكثر ثباتًا، وأرجل صناعية أفضل.
سابقاً، اقترح الباحثون تفسيرات عدّة للغز وقوف الفلامينغو على ساق واحدة، كان أحدها بأنّ ذلك يحفظ حرارة الجسم، فيغمس الطائر ساقًا واحدة فقط في المياه الباردة حيث يقتات، وروى تفسير آخر بأن وضعيةً كهذه تقلل من التعب العضلي.
لكن حتى الآن، لم يتحرّ الباحثون مقدار النشاط العضلي الذي يحتاجه الطائر ليتوازن على ساق واحدة.
فراقبت سابقًا لينا تينغ (Lena Ting)- اختصاصية الآليات العصبية من جامعة إيموري- وفريقها كيف حافظ وقوف أشخاص على ساق واحدة على توازنهم، ممّا مهّد لاختصاصي الآليات العصبية المقارِن، يونغ-هوي تشانغ (Young-Hui Chang) من معهد جورجيا للتكنولوجيا، بأن يقترح تحري الأمر لدى طيور الفلامينغو.
فباشر وفريقه دراسة جثّتين مجمدتين لطائريّ فلامينغو، وأثناء نقلهما للمختبر، لاحظ تشانغ طول ساقي الطائرين الكبير جدًّاً، والعزل الحراري الفائق الذي يؤمنه الريش الذي يكسوهما، ولاحظ أنّه بحمل الطائر من ساقه -أسفل الركبة- بقي سائر جسمه ثابتًاً بشكل عجيب، حتى بزوايا إمالة واسعة وصلت لـ75°، لم يتزحزح أيّ من الركبة أو الورك.
فأظهرت جثث الفلامينغو أنّ بإمكان تلك الطيور إسناد أجسامها بلا جهد على ساق واحدة، ودون أيّ نشاط عضلي، مما يعني غالبًاً أنّ بإمكان طائر حيّ القيام بذلك أيضًاً.
ولكنّ ما يدعو للمفاجأة، أنّ الجثة لم تتمكّن من الحفاظ على وضعية تشمل الساقين معًاً، ما يدلّ على أنّ ذلك يتطلب جهدًاً عضليًّاً إضافيًّا من قبل تلك الطيور للثبات بوضعية ثنائية الساقين.
كما درس الباحثون ثماني طيور فلامينغو يافعة حية، أثناء وقوفها على صفيحة تقيس القوى التي تولدها تلك الطيور على الأرض، فلاحظوا تأرجحًاً أقل كلما خفّ نشاط الطيور.
فعندما غطّت الطيور في نومها، باذلةً على الأرجح نشاطًاً عضليًّاً زهيدًاً فقط، قلّ التأرجح الوضعي بنسبة 7 مرات بالمقارنة مع الحال أثناء النشاط.
وبالتالي تقترح هذه النتائج أنّ طيور الفلامينغو تعتمد على آليات منفعلة غير مجهدة، عوضًاً عن الجهد العضلي الفاعل، لإسناد أجسامها والتحكم بتوازنها أثناء وقوفها على ساق واحدة.
ويقول تشانغ: «ما زلنا غير مدركين للآليات التشريحية الدقيقة المشتركة في وضعية الساق الواحدة، لكن على حدّ علمنا، يتعلق الأمر بالتشريح الهيكلي، فعلينا تصويره أثناء السلوك السابق-مثلاً بواسطة أشعة إكس -لفهم هذه الآلية بدقّة، وذلك يُعدّ موجَّهًاً للأبحاث القادمة بهذا السياق.»
إذ يعتقد الباحثون أنّ وقوف الفلامينغو على ساق واحدة أشبه بنواس مقلوب شاقولي ومتوازن، فيمكن لهذا النواس من حيث المبدأ أن يحافظ على توازنه بجهد عضلي خفيف أو حتى دون أي جهد.
وتابع تشانغ قائلًا: «أعتقد أنّ فكرة استهلاك وضعية الساق الواحدة لطاقة أقلّ من تلك التي يستهلكها الوقوف على ساقين، مثيرةٌ جدًّاً، وتُعدّ معاكسة للبديهة، لأننا نجد الوقوف على ساق واحدة عادةً بغاية الصعوبة، ودومًا نميل لمعادلة أنّ الأشياء الصعبة تستهلك الكثير من الطاقة.»
يساعد هذا البحث في تفسير وقوف العديد من أنواع الطيور الأخرى على ساق واحدة.
كما قد يُلهم بتصميم روبوتات ذات أرجل أكثرَ فعاليّة، بالإضافة لأجهزة بديلة قوية.
ولكن حتى الآن فمن غير المؤكّد إن كانت طيور الفلامينغو تقف على ساق واحدة لإنقاص الجهد العضلي، أم لحفظ حرارة الجسم، أم لكليهما معًا، أو قد يكون السبب غير ذلك تمامًا..
إذ يحتاج الباحثون لإجراء قياس أكثر مباشرة للنشاط العضلي والفقد الحراري للطيور الحية، لاختبار تلك الأفكار بشكل أوسع وأدقّ.