Chadia Atassi :
كنت وهذا الإذعان الجميل لما يجري، أتذوق الطعم العذب، لسحر الحالة التي أنا فيها. أنا أجلس في مطار مزدحم، مع رجل يقول عن نفسه أنه كوردي، يحدثني عن حياته وفكره وسنواته الأجمل، ياله من محدث!وأنا كم تفتنني التفاصيل. هزتني نشوة استمديتها ربما من ذلك الاكتظاظ الجواني الذي يشعل روح هذا الرجل القادم من عفرين.
لم يكن هذا الحديث ليجري وأنا في دمشق، اكتشفت فجأة وأنا في أرض محايدة، إلى أنني أملك القرار، ومع أنني كنت أتلفت حولي في كل مرة خوفا من آذان الغرباء كما اعتدت أن أفعل، إلا أنني أدركت فجأة، أنني حرة،أتحدث كما أشاء ، ومع من أشاء دون خوف. سحرني الأمر،، اكتشفت بعمق مقدار المتعة في ذلك، أدركت كم أنا بحاجة لحديث مختلف، مع انسان مختلف.
ومع أنه كان سوريا مثلي، إلا أنه تجنب أن يحدثني عن هدير الطائرات وهي تجوب سماء دمشق، ولا عن معنى أن تأوي الى الفراش وحيدا مع مغيب الشمس، لأنه لا كهرباء ولا صديق، ولا عن الرعب الذي يجتاحك عند سماعك رنين الهاتف المريب عند الفجر، نعم لم يتحدث عن ساعات الانتظار الطويلة للتخويف والإذلال، لمجرد أنك تكتب عن غربة الإنسان في بلده، ثم يقال لك انقلع هذا البلد ليس بلدك.
كنت بحاجة لحديث آخر.
كان هذا ما أريده في تلك اللحظة، أن أبقى مع هذا الرجل في هذا المكان المليء بالضجة والبشر، نشرب تلك القهوة اللذيذة، ونقول للنادل نريد منها أكثر، ويحدثني بتلك التفاصيل الصغيرة المليئة بالدهشة والسحر والحزن التي يتقن سردها.
كان علينا أن نفترق، أستقل انا الطائرة المتجهة إلى وجهتي، ويستقل هو الطائرة إلى وجهته.
قال مودعاً :
«لا بد من ذلك».
«نعم لا بد من ذلك».
«هل أنت على ما يرام؟» سأل
«نعم»
«إذا ستذهبين»
«نعم".
«سأتصل بك لأطمئن عليك».
لم أقل له إنني أنتظره منذ الآن ليطمئن علي.
#شاديةالأتاسي
رواية