الغساسنة Ghassanids من إزد اليمن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الغساسنة Ghassanids من إزد اليمن

    غساسنه

    Ghassanids - Ghassanides

    الغساسنة
    الغساسنة بإجماع النسابين من الأزد، أزد اليمن، نزحوا بعد حادثة سيل العرم، تحت قيادة زعيمهم عمر بن عامر مزيقياء، من جنوبي الجزيرة العربية إلى بلاد الشام، وغسّان في زعم الإخباريين مأخوذ من اسم ماء يقال له «غسان» نزل عليه الغساسنة بعد خروجهم من اليمن فنسبوا إليه، ويذكر المسعودي أن موضع الماء المعروف باسم غسان هو ما «بين زبيد ورمع، وادي الأشعريين بأرض اليمن» ويستشهد في دعم هذا التفسير ببيت من الشعر لحسان بن ثابت يقول فيه:
    إما سألت فإنا معشر نُجُبٌ
    الأزدُ نسبتنا والماءُ غسان
    يسمى الغساسنة أيضاً بآل جفنة، وذلك لأن أول ملوكهم هو جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر، وقيل: إن تسمية عمرو بن عامر، بمزيقيا، لأنه كان يمزق كل يوم من سني ملكه حلتين لئلا يلبسهما غيره، وقيل: إنما سمي بمزيقيا، لأن الأزد تمزقت على عهده كل ممزق عند هربهم من سيل العرم، ويعتقد المستشرق نولدكه أن هذا التفسير الأخير هـو الأصح ويـرى أنه مأخوذ من الآية الكريمة، )فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَاديثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلّ مُمَزَّقٍ، إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلّ صَبَّارٍ شكَوُرٍ( (سبأ 18).
    يذكر الأخباريون أن جد الغساسنة عمرو بن عامر، رحل بقومه الأزد من مأرب يريدون أرضاً تجمعهم يقيمون بها، فحلوا بأرض من أعمال الشام كان يملكها عرب، يعرفون باسم الضجاعمة، وهم في رأي النسابين العرب من نسل سليح بن حلوان من قضاعة، ويبدو مما يذكره نولدكه أن الضجاعمة كانوا عمالاً للروم على عرب مشارف الشام وأن جدهم ضجعم عاش في أواخر القرن الرابع الميلادي، ومنحه الرومان لقب فيلارك Filarc، وأنه تنصر وتنصَّر معه عدد كبير من اتباعه.
    لم يتغلب الغساسنة على الضجاعمة بسهولة ويسر، على أن النصر الذي أحرزه الغساسنة على بني سليح لم يؤد إلى زوال الضجاعمة، أوهجرهم للمنطقة، فقد ظلت بقاياهم تقيم في مواضع مختلفة من بلاد الشام، إذ يرد ذكر بني سليح بن حلوان في حاضر قنسرين، كما كان الضجاعمة من القبائل العربية المعروفة عند ظهور الإسلام، فقد وقفوا مع سكان دومة الجندل في عنادهم ومقاومتهم لخالد بن الوليد، وكان رئيسهم آنذاك ابن الحدرجان.
    كان أول من ملك من الغساسنة على زعم حمزة الأصفهاني جفنة بن عمرو ابن عامر، وكان ملكه زمن الامبراطور البيزنطي أنستازيوس الأول (491 ـ 518)، وتولى الحكم بعد جفنة على رواية حمزة ابنه عمرو بن جفنة الذي اعتنق النصرانية وبنى عدة أديرة، ثم خلفه ابنه ثعلبة ثم الحارث بن ثعلبة ثم جاء بعده جبلة بن الحارث. وجبلة بن الحارث هو أول الملوك الغساسنة الذين تذكرهم المصادر البيزنطية، وإليه يشير المؤرخ البيزنطي تيوفانس باسم Jabalac، وهو والد الحارث بن جبلة الذي يعدّ الملك ذا الشأن في تاريخ المنطقة، وصاحب الصلات مع البيزنطيين من جهة والمناذرة والفرس من جهة ثانية، ويقدر نولدكه أن فترة حكمه كانت بين سنتي 529ـ 569م، ويذكر المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس أن المنذر ملك العرب الذين كانوا في مملكة الفرس، لمّا أكثر من الغارات على حدود امبراطورية الروم، وعجزت قوات الروم ومشايخ القبائل المحالفين للروم عن صده والوقوف أمامه، رأى القيصر جستنيان أن يمنح الحارث بن جبلة الذي يحكم عرب العربية لقب ملك ليقف بوجه المنذر ملك الحيرة، وهذه أول إشارة إلى السلسلة الطويلة من المنازعات التي قامت بين المناذرة والغساسنة، والتي كان المناذرة فيها يمثلون مصالح الامبراطورية الفارسية، والغساسنة يمثلون المصالح البيزنطية في المنطقة.
    اشترك الحارث بن جبلة في المعركة التي نشبت بين الفرس والروم البيزنطيين في عام 531م والتي انتهت بهزيمة الروم بقيادة بلينراريوس قائد جستنيان المشهور، كذلك كان الحارث طرفاً في النزاع الذي قام مع الملك المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة على الأرض المعروفة باسم ستراتا STRATA (وهي البادية الممتدة على جانبي الطريق بين دمشق وتدمر) فادعى ملك الحيرة أن القبائل النازلة في هذه الأرض خاضعة لسلطانه وتدفع الجزية له، فنازعه الملك الغساني هذه السلطة ونشبت الحرب بين الطرفين، وعادت المنازعات من جديد بين بيزنطة وفارس واشتركت كل من الدولتين في نصرة حليفتها، وقد جرت هذه الحوادث كما يبدو سنة 540م.
    وفي سنة 544م عاد النزاع فتجدد بين الحارث والمنذر بن ماء السماء، وجرت بينهما معركة انتهت بهزيمة الحارث بن جبلة، ووقع أحد أبناء الحارث أسيراً في يد المنذر فقدمه ضحية للإله العزى، وأثار هذا الحادث الحقد في نفس الحارث، فجمع جموعه واشتبك من جديد مع المنذر في موقعة انتهت هذه المرة بهزيمة المنذر وفراره من المعركة تاركاً ولدين أسيرين في أيدي الغساسنة، واستمر القتال بعد ذلك سجالاً بين المناذرة والغساسنة على الرغم من الهدنة التي وقعت بين فارس وبيزنطة، ولم ينته القتال إلا بعد أن قتل المنذر ملك الحيرة في موقعة دارت بينه وبين خصمه الحارث سنة 554م قرب قنسرين، وهذه الموقعة هي المعروفة في التاريخ العربي باسم «يوم حليمة» نسبة إلى حليمة بنت الحارث التي كانت تطيب عسكر أبيها وتلبسهم الأكفان والدروع، أو نسبة إلى مرج حليمة المنسوب أيضاً إلى حليمة بنت الحارث.
    كان الحارث من أتباع مذهب الطبيعة الواحدة للسيد المسيح، ويقال إنه سعى لدى الامبراطورة تيودورا لتعيين يعقوب البرادعي أسقفاً للمقاطعة السورية، ونجح الحارث في مسعاه، وعُين البرادعي أسقفاً سنة 541م، وبذلك توطد هذا المذهب في سورية، وفي سنة 563م زار الحارث القسطنطينية، واستقبل استقبالاً حافلاً وترك أثراً عميقاً في نفوس أهل العاصمة وفي رجالات القصر والحاشية، ويبدو أن الهدف من وراء هذه الزيارة، كان مفاوضة الامبراطور في أمر من سيخلفه على عرشه من أولاده بعد وفاته، وفي السياسة التي يجب سلوكها تجاه ملوك الحيرة.
    بعد وفاة الحارث بن جبلة انتقلت إمارة الغساسنة إلى ابنه المنذر بن الحارث (569ـ 582م)، وقد قامت بين المنذر والامبراطور البيزنطي جوستين الثاني، خلافات ومشاحنات كان من جملة أسبابها تطرف المنذر في تأييده لمذهب الطبيعة الواحدة، فقطع البيزنطيون الإمدادات التي كانوا يرسلونها مدة ثلاث سنوات، وعندما أحس المنذر أن بيزنطة تدبر مؤامرة لاغتياله، غادر حاضرة ملكه وتوغل في البادية، وأعلن العصيان على الروم فاستغل الحيريون الفرصة وأخذوا يشنون غارات متتالية على بلاد الشام ويوقعون الرعب في نفوس سكان المنطقة، مما جعل الروم يشعرون بالفراغ الذي خلفه المنذر، فأخذوا يراسلونه مستلطفين ومعتذرين ليقنعوه بترك معقله في الصحراء، والعودة إلى حاضرة ملكه، وعقد الصلح بين الطرفين سنة 578م وعاد المنذر إلى أرضه ليقوم بالدفاع عنها وحمايتها. وفي شباط/فبراير من عام 580م زار المنذر القسطنطينية مصطحباً معه ابنه، فاستقبله الامبراطور تبيريوس (578ـ 582م) بكل احترام وأنعم عليه بلقب ركس REX وبالتاج، وهذا اللقب من أرفع الألقاب في الامبراطورية، وسعى المنذر في أثناء وجوده في العاصمة البيزنطية إلى إقناع رجالات الدولة بالتسامح مع جماعة الطبيعة الواحدة ومعاملتهم معاملة حسنة، وتنسب المصادر للمنذر عدة أعمال عمرانية في سورية، منها صهاريج لإيصال الماء إلى الرصافة مدينة القديس سرجيوس ذي المكانة الرفيعة عند عرب الشام وبناء كنيسة في تلك المدينة أو تجديدها.
    ساءت العلاقات بين المنذر والبيزنطيين في نهاية حكم تبيريوس، وألقي القبض عليه في أثناء حضوره الاحتفال ببناء كنيسة في حوَّارين، وأُرسل مخفوراً إلى القسطنطينية حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية، ولما انتقل العرش إلى الامبراطور موريس أمر بنفيه إلى صقلية، وقطع الإعانة التي كانت تدفعها بيزنطة للغساسنة كل عام، مما أثار غضب الغساسنة وثارت ثائرة أبناء المنذر فتركوا ديارهم وتوغلوا في البادية، رافعين راية العصيان، فلجأ ماغنوس Magnus حاكم بلاد الشام البيزنطي إلى الحيلة، وأرسل إلى النعمان كبير أبناء المنذر يعلمه أنه يريد مقابلته ليتفقا على شروط الصلح، ووقع النعمان في الشرك، فما كاد يصل إلى مقر ماغنوس حتى أُلقي القبض عليه وأرسل إلى العاصمة حيث احتجز هو أيضاً، وتصدع أمر الغساسنة بعد ذلك وانقسم أمراؤهم على أنفسهم، وأعقب هذا التصدع حدوث اضطرابات وفوضى في الأمن، ومما زاد الأمر سوءاً دخول الفرس واحتلالهم بلاد الشام سنة 613ـ 614م ففر بعض أمرائهم إلى بلاد الروم والتجأ بعضهم الآخر إلى داخل الصحراء، ومن الطبيعي ألا يترك الفرس في الشام أعمال الروم من العرب، وكانوا قد ذاقوا منهم الأمرّين، ويؤيد هذا الافتراض ما يذكره حسان بن ثابت من تهدم ملك بني غسان وكيف أن بطريق الفرس (أي قائد الفرس) سطا على ملك بني غسان وتربع في عقر دارهم، وأباح رعاية الإبل فيها حتى جبل الحارث في الجولان.
    في سنة 629م نجح الامبراطور هرقل باستعادة سورية من الفرس، وأعاد نصب الصليب المقدس الذي نهبه الفرس من القدس، ولكن هرقل لم يهنأ طويلاً بانتصاره، فقد اندفع العرب المسلمون خارج جزيرتهم يدكون عروش الأكاسرة والقياصرة ويقيمون صرح دولتهم الجديدة، ووقف الغساسنة في بادئ الأمر إلى جانب الروم، يذكر البلاذري أن هرقل جمع جموعاً كثيرة من الروم وأهل الشام وأهل الجزيرة وأرمينية وولى عليهم رجلاً من خاصته وبعث على مقدمته جبلة بن الأيهم الغساني[ر] الذي يعده الأخباريون آخر ملوك الغساسنة في مستعربة الشام من لخم وجذام وغيرهم، فلما هُزم الروم في اليرموك وعقد أبو عبيدة لحبيب بن مسلمة الفهري على خيل الطلب جعل يقتل من أدرك، فالتجأ جبلة بن الأيهم إلى الأنصار قائلاً «أنتم إخوتنا وبنو أبينا» وقضية إسلامه وارتداده كانت موضع نقاش بين الباحثين، إلاّ أنه من المؤكد أنه أنهى حياته في بلاد الروم.
    حضارة الغساسنة: كانت سلطة الغساسنة تشمل جميع القبائل النازلة في جنوبي سورية والأردن وفلسطين، وكانت ديارهم تمتد ما بين الجولان واليرموك وكانوا يقيمون بالقرب من دمشق في موضع على نهر بردى يعرف باسم جِلَّقَ يقول حسان بن ثابت:
    لله درُّ عصابـة نـادمتهم
    يوماً بجلق في الزمان الأول
    يسقون من وردَ البربصَ عليهم
    بردى يصفق بالرحيق السلسل
    ويذكر المسعودي ديارهم فيقول: «وكانت ديار ملوك غسان باليرموك والجولان وغيرهما وغوطة دمشق وأعماله ومنهم من نزل الأردن من أرض الشام، كما اتخذوا مدينة الجابية مركزاً لإمارتهم».
    أولى الغساسنة اهتمامهم بالزراعة لصلاح موقع بلادهم لهذا النوع من العمل واستغلوا مياه حوران وعمروا القرى والضياع، وانصرف اهتمامهم العمراني إلى بناء الأديرة والقناطر للمياه وإلى ترميم ما كان اللخميون يخربونه في أثناء غاراتهم على هذه البلاد، ويذكر كريزول Creswell في كتابه Early Muslim Architectere أن الأبنية التي تأكدت هويتها والتي لاتزال آثارها باقية في سورية هي أربع: البناء الأول هو كنيسة تقع خارج البوابة الشمالية لمدينة الرصافة وقد بناها المنذر بن الحارث، وتحمل هذه الكنيسة كتابة باليونانية فوق بعض نوافذها ذكر فيها اسمه. البناء الثاني، هو برج حجري قرب قرية الضمير الحالية وهو برج جانبي لبناء زال ولم يعد له أثر، والبناء الثالث هو منزل أقيم في الحيات الواقعة في منحدرات حوران الشمالية، وقد جاء في نقش وجد فيه أن الذي بناه هو فلافيوس سيوس Flavios Seos أحد رجالات المنذر بن الحارث سنة 578م، البناء الرابع هو الدير ذو البرج الموجود في قصر الحير الغربي، والذي بناه الحارث بـن جبلة سـنة 569م.
    نجدة خماش
يعمل...
X