الرسام السوري يستوحي متلازمة الفتاة الحسناء "رابونزيل" من قصة شهيرة للأخوين غريم
سامر محمد إسماعيل
ينحي سبهان آدم في معرضه الجديد "رابونزيل"، داخل صالة جوليا دومنا، البراعة الفنية في رسومه منتقلاً من أسلوبه المعروف في رسم كائناته ذات الهيئة الغرائبية إلى تشكيل رسوم الأطفال، ليمسي القماش لديه مرآة تعكس صورة الرسام البصرية والنفسية في طفولته.
لا يرسم آدم صور الأشياء كما يراها، بل يرسمها من مخيلته مباشرة، فيقارب الصور الفكرية للأشياء عبر استعارة مخيلة طفل لا يتجاوز الـ 10 من عمره، وكي تكون هذه الرسوم في طور التكوين والتكامل يعتمد آدم مراحل تطور الرسم وتكيف أجهزة الرؤية الفيزيولوجية والمعرفية عند الطفل، متكئاً على عمليات التشخيص والوصف والتقليد والمحاكاة لدى الأطفال.
ويضم معرض "رابونزيل" الذي انتقل من دمشق إلى مدينة دبي أكثر من 70 لوحة بأحجام ومواد مختلفة على قماش، اعتمد فيها الرسام السوري مواد صنعها بنفسه من الباستيل والأكريليك والألوان الزيتية والأحبار. وفيها جميعها تناول متلازمة "رابونزيل"، وهي متلازمة نفسية عصابية نادرة تدفع المرضى، لا سيما من النساء والفتيات، إلى نتف شعورهم ليلاً والتهامها، وهذا ما يتسبب غالباً بالموت جراء انسداد الأوعية الدموية وإتلاف الجهاز الهضمي.
والمتلازمة أخذت اسمها من القصة الشهيرة بالاسم نفسه للأخوين غريم، فالفتاة الحسناء التي تدعى رابونزيل تقع ضحية ساحرة شريرة تفرد شعرها الأشقر الطويل ليتمكن حبيبها الشاب من الصعود على جدائله إلى حجرتها في القلعة العالية، لكن الساحرة تكتشف ذلك فتنفي الفتاة إلى الصحراء كعقاب لها إلى أن يعثر الأمير العاشق عليها بعد رحلة بحث طويلة، فيفك عنها الرصد.
رسوم مستوحاة
القصة المأخوذة من التراث الألماني إلى جانب قصص أخرى من مثل "بياض الثلج" و"الجميلة النائمة" و"ساندريلا"، كان الأخوان فلهلم (1786-1859) ويعقوب غريم (1785-1863) قد جمعاها وأعادا كتابتها في القرن الـ 19. وتبدو قصص الأطفال هذه مواتية لأجواء المعرض الذي ينتقل في شهر أغسطس (آب) المقبل إلى مدينة نيويورك، كما يخبرنا سبهان آدم في حديث خاص لـ "اندبندنت عربية". ويضيف، "أمام ملكات الذكاء الاصطناعي الهائلة في نسخ أية لوحة فنية وتقليدها حرفياً بكامل حذافيرها، لا أجد سوى براءة الأطفال للتعبير عن سخطي وامتعاضي مما يحدث، وأرسم كطفل أو أحاول ذلك، لكنني متأكد أن مخيلة هذا الطفل هي التي ستتغلب على وحش الذكاء الاصطناعي الذي يهدد اليوم كثيراً من المهن الإبداعية، لعل أبرزها مهنة الرسم وليس آخرها فنون النحت والتلحين الموسيقي والتأليف الأدبي".
المناخ المرح والساخر لأعمال المعرض رافقتها شروح إلى جانب كل لوحة، وتدرجت من الفضي والذهبي والبنفسجي إلى الأحمر والأخضر والبرتقالي بدرجات لونية متفاوتة، لتبدو الشخوص داخل هذه الغابة اللونية المتجاورة والمتضادة في آن، مثل انعكاس لشغب طفولي يعلن تمرده وعدم انصياعه لأي تآلف لوني مرتقب، بل ويشهر قطيعته مع القوالب الجاهزة للرسم وتقنياته الأكاديمية، لتكون اللوحة بمثابة احتجاج على الذوق السائد وخروجاً على المتوقع وعلى مدارس الرسم التقليدية، فالشخصيات في أعمال آدم تبدو للوهلة الأولى منقطعة عن محيطها وتحاول بأجسامها الطويلة والنحيلة تارة والمنتفخة القصيرة تارة أخرى تجسيد مناخ من التهكم واللعب الحر والبريء مع المتلقي.
والمعرض الذي يخبرنا سبهان آدم بأنه خطوة في مسار 1000 لوحة يعمل حالياً على إنجازها، ويضيف "هذه الأعمال تنتمي الى جنة العقل، وهي نوع من النزهة مع الذات والرجوع إلى الفطرة الأولى، ولقد اتخذتها كمسار إنساني عاطفي صرف، وهذا المسار أعتقد أنه يعبر عن الاختلال الحاصل اليوم بين النسخة الأصل والنسخة المقلدة من العمل الفني عبر تقنيات الجيل الخامس، وكأن الإنسان تحول اليوم إلى نبضة إلكترونية داخل دماغ روبوت عملاق، فلوحتي خروج عن هذه الخوارزميات الصارمة وقد تكون ضد الجمهور وضد الذائقة السائدة، لكن الطفل الذي في داخلي يرسم كل هذا وأنا أصدقه".
ذهن الأطفال
تحتفي لوحات آدم بطرافة خاصة محاولة اقتفاء أساليب الطفل في الرسم، ففي البدء تكون صور الأشياء لديه كما لو أنها في ذهن الطفل غامضة وملتبسة، مما يجعل مهارة الرسام تنحو إلى مهمتين، الأولى مهمة تحليل وتفكيك صفات الشيء أو الشخصية التي يريد نقلها إلى القماش، وهذا يتطلب فصل الشيء و الشخصية عما يحيط بهما، وهو انسلاخ عن المشهد العام ومقارنته مع أشياء وشخصيات أخرى مجاورة، أما المهمة الثانية فهي مهمة التشبيه، وفي هذه المرحلة يحاول سبهان شرح شيء بشيء آخر كالطفل تماماً، ويجمع بين صورتين أو أجزاء منها، فتقنية رسوم الأطفال هي أثر لحركة يده وحاجته إلى تمثيل الأشياء وتشخيصها ومحاولة التعبير على رغم عدم نضج إمكاناته التقنية.
ونلاحظ في أعمال آدم تلك الخلفيات البيضاء والخضراء والحمراء للوحة وكيف تفعل فعلها في التأسيس وتقدم سماكات مختلفة لألوان دسمة وساطعة، فيترك سبهان الطفل في داخله يمزج ألوانه كما يحلو له على سطوح اللوحة، ويقدم مبالغات في الحجم وكتل الشخصيات التي تعاني عيوباً فيزيولوجية، لكن من غير أن تتحول إلى كاريكاتور.