روماني (ادب)
roman literature -
الأدب عند الرومان
الأدب الروماني هو ذلك الأدب الذي ظهر في روما وامبراطوريتها باللغة اللاتينية منذ القرن الثالث قبل الميلاد، واستمر حتى سقوط روما في القرن الخامس الميلادي، وعبر بأشكال وصور وأساليب متنوعة عن إبداعات الأدباء والكتاب الرومان في شتى المجالات الفكرية والاجتماعية والتاريخية والعلمية.
يرتبط الأدب الروماني ارتباطاً وثيقاً بالحياة الفكرية والأدبية الإغريقية، فقد تلقى الرومان أبجديتهم وكتابتهم اللاتينية من مستعمرة كوماي الإغريقية الواقعة في وسط إيطاليا. وأقدم وثيقة كتبت بهذه الأبجدية تعود إلى القرن السابع ق.م واستخدمت الكتابة الجديدة لغايات عملية مثل تدوين العقود والقرارات والسجلات الكهنوتية وسواها. كما ارتبط تدوين أولى القوانين الرومانية في أواسط القرن الخامس ق.م (قوانين الألواح الاثني عشر) بالحضارة الإغريقية، وتعد من أقدم النصوص اللاتينية.
كان الرومان شعباً عملياً بالدرجة الأولى لذلك انصبت جهودهم زمناً طويلاً على بناء دولتهم ومؤسساتها السياسية والعسكرية والاجتماعية، ولكنهم بدؤوا منذ القرن الثالث ق.م وتحت تأثير الثقافة الإغريقية يهتمون بالحياة الفكرية والأدبية. وهكذا فقد نشأ الإنتاج الأدبي الروماني في كنف الأدب الإغريقي وبقي متأثراً به إلى حد كبير. ولهذا عانت دراسة الأدب الروماني من هذا الوضع فركزت على تبعيته وعناصره الإغريقية وأغفلت إسهامات الرومان وإنجازاتهم المتميزة، ذلك أن الأدب الروماني يتسم بالتنوع والتمايز فهو يضم ترجمات فجة لأصول إغريقية، مثلما يضم أعمالاً مستوحاة منها بأسلوب روماني، كما يشتمل على إبداعات الرومان الأدبية وهكذا يصعب تلمس العنصر الروماني الأصيل في ذلك الأدب خاصة وأن مؤلفين وكتاباً قلائل كانوا من أصل روماني.
مر الأدب الروماني عبر تاريخه الطويل بمراحل أساسية ثلاث؛ فقد امتدت المرحلة الباكرة في القرنين الثالث والثاني ق.م وهي مرحلة النشأة والتقليد والاقتباس، ثم تلتها المرحلة الكلاسيكية (الاتباعية) التي امتدت من شيشرون[ر] حتى موت أوغسطس[ر] (80 ق.م ـ14م) والتي تعد العصر الذهبي، وبعدها بدأت المرحلة الامبراطورية التي استمرت حتى سقوط روما وتمثل العصر الفضي. أما الأنواع الأدبية فهي تحاكي في غالبيتها مثيلتها عند الإغريق، الذين سبقوا الرومان في وضع قواعد الشعر الملحمي والتعليمي والمسرحي بشقيه التراجيدي والكوميدي، وكذلك الشعر الغنائي بصنوفه المختلفة وأبدعوا نماذج رائعة في سائر هذه الفنون، وأيضاً في فن الخطابة والكتابة التاريخية والحوار الفلسفي والعلوم المتخصصة الأخرى.
لم يوجد عند الرومان حتى نهاية الحرب البونية الأولى (241ق.م) إنتاج أدبي بالمعنى الحقيقي للكلمة، إلا بعض الأشعار والأناشيد الدينية ومراثي الموتى وأغان تمجد البطولات أو أشعار هزلية. وكان أول شاعر روماني معروف ليفيوس أندرونيكوس Livius Andronicus من أصل إغريقي، أسس في روما مدرسة وترجم الأوديسة[ر] إلى اللغة اللاتينية بالوزن اليوناني القديم المسمى الساتورني، كما اقتبس مسرحيات تراجيدية وكوميدية إغريقية أعاد صياغتها وقدمها في أول عرض مسرحي شهدته روما عام 240 ق.م ونال نجاحاً كبيراً جعل مجلس الشيوخ يضع الشعراء بين الكتّاب المعترف بهم. خلفه الشاعر غنايوس نايفيوس G.Naevius وهو من أصل إيطالي، ألف ثمان وعشرين مسرحية تراجيدية وكوميدية وفق النماذج الإغريقية لم يبق منها إلا شذرات وقطع متفرقة. وهي تظهر الطابع الروماني الغالب على أعمال هذا الشاعر الكوميدي والواقعي الذي كان متأثراً بالشاعر أريستوفان[ر] Aristophanes في نقده السياسي الصريح والمباشر وكان هذا مدعاة لسجنه ونفيه فمات في أوتيكا الأفريقية عام 201ق.م. ويرجع إليه ابتكار المسرحية الرومانية القومية المعروفة باسم فابولا بريتكستا Fabula praetexta. وتعد ملحمة «الحرب البونية» رائعة أشعاره وقد تأثر بها فرجيليوس[ر] في الإنيادة[ر] وهكذا خطا نايفيوس بالشعر الروماني من مرحلة الترجمة إلى مرحلة الإبداع والأصالة والموضوعات القومية.
جاء كوينتوس إنيوس (239ـ169ق.م) [ر] Q.Enniusمن جنوب إيطاليا وكان يتكلم ثلاث لغات: الإغريقية واللاتينية والأوسكية، ومن أشهر أعماله ملحمته المسماة «الحوليات» Annales التي صور فيها التاريخ الروماني بدءاً من إنياس حتى الحروب البونية. وينظر إليه بوصفه المؤسس الحقيقي للأدب الروماني، وقد سار على نهجه الشاعران باكوفيوس وأكيوس اللذان يقفان في نهاية عصر التراجيديا الرومانية. فقد بدأ الجمهور الروماني يفضل الكوميديا ولكن التراجيديا ستشهد بعثاً جديداً على يد الأديب الفيلسوف سينيكا[ر] Seneca الذي ألف عدة مسرحيات مأساوية.
كان بلوتوس[ر] M.T.Plautus (نحو250ـ184ق.م) بلا شك أشهر شعراء الكوميديا الرومانية. ألف عدداً كبيراً من المسرحيات الهزلية لم يبق منها سوى القليل وهي تفيض بالمواقف الساخرة الحية والنكتة الشعبية، ونالت إعجاب الجمهور الروماني، وكان لها تأثير كبير في كوميديا عصر النهضة الأوربية. أما تيرينس[ر] P.Terentius، المولود نحو عام 190ق.م في قرطاجة فقد تأثر بشعراء الكوميديا الحديثة وخاصة ميناندروس[ر] Menandros. كان يكتب بلغة مختارة رقيقة خالية من العبارات والكلمات السوقية، فنال استحسان حلقة سكيبيو[ر] الأدبية التي كان أحد أعضائها. ترك ست مسرحيات كوميدية جعلته من كبار الشعراء الكوميديين. وكان لوكيليوس C.Lucilius (نحو180ـ102ق.م) أول شاعر روماني ينتمي إلى الطبقة العليا مما يشير إلى ارتقاء مكانة الشعر في المجتمع، ويعد مبدع فن الهجاء الروماني (ساتورا Satura) الذي تضمن نقداً اجتماعياً لعصره، يجمع بين السخرية والتهكم اللاذع والمواعظ الأخلاقية ويسعى إلى تعليم القارئ وتثقيفه. وكان هو الآخر أحد الأعضاء البارزين في حلقة سكيبيو. ومع أن شعر الهجاء الروماني قد تأثر بنظيره الإغريقي، إلا أنه كان وثيق الصلة بالتراث الإيطالي المحلي. وهكذا فإن هجائيات لوكيليوس جاءت في مضمونها وأسلوبها رومانية أصيلة.
وقد تابع هذا التقليد الأدبي الشاعر الكبير هوراتيوس [ر] في ديوانه «الهجائيات» Satirae وفي «المحادثات» Sermones التي طرق فيها موضوعات مشابهة، ولكن بأسلوب أكثر رقة ودماثة وبتقنية شعرية عالية، لأن هدفه أن «يقول الحقيقة مبتسماً»، كما تابع هذا الفن في العصر الامبراطوري الشاعران برسيوس A.Persius ويوفينال [ر] D.Juvenalis ولكن بأسلوب جاد متزمت تنقصه روح الفكاهة والدعابة الهوراسية. وقد ابتكر العالم الموسوعي فارو (117ـ27ق.م)[ر] Varro نوعاً خاصاً من الساتورا اعتماداً على نماذج إغريقية سماها «المنبية» Saturae Menippeae التي جمعت بين النثر والشعر وكان القصد منها تربوياً. كما كتب الساتورا أيضاً شاعران آخران هما سينيكا وبترونيوس Petronius في «وليمة تريمالخوس»، وطورا هذا النوع الأدبي الروماني بامتياز.
أعرض الشعراء الشباب الذين عاشوا في زمن الحروب الأهلية وبداية العصر الامبراطوري عن الشعر الروماني التقليدي ونظموا أشعارهم على الطريقة الإغريقية متأثرين بشعراء الإسكندرية. كان شعارهم «الفن للفن» ورؤيتهم جمالية في المقام الأول وهدفهم إيجاد شكل أدبي متكامل قادر على نقل التجارب الحياتية الإنسانية والذاتية. وكان أشهر هؤلاء الشعراء كاتولوس[ر] G.V.Catullus الذي ولد في شمال إيطاليا عام 84ق.م ومات في الثلاثين من عمره. وتتجسد في قصائده التي بلغ عددها (116) كل سمات حركة التجديد.
بلغ شعر العشق (الاليج elegia) ذروته في عصر أوغسطس إذ انصرف الشبان إلى الاستمتاع بملذات الحياة والجري وراء الحب والمغامرات. وقد ذاع صيت ثلاثة شعراء:
تيبولوس (50ـ19ق.م) A.Tibullus كان شاعراً موهوباً بالفطرة. ويتألف ديوانه من أربعة كتب إليجية موضوعها الحب وتفيض أشعاره بالعواطف الجياشة لحبيبته ديليا بعذوبة ورقة فريدة. كما يمدح حياة الريف وبساطتها وجمالها. يضم ديوانه ست قصائد للشاعرة سولبيكيا Sulpicia وهي الشاعرة الرومانية الوحيدة المعروفة التي تغنت أيضاً بالحب. والشاعر الثاني هو بروبرتيوس (47ـ15ق.م) S.Propertius ويعدّ من أبرز الشعراء الرومان، قضى طفولته في غمار الحرب الأهلية ثم انغمس بعد ذلك في حياة روما الصاخبة وعاش قصة حب عنيفة مع هوستيا التي ألهمته أروع أشعاره في ديوانه الأول الذي صدر عام 28ق.م باسم كونثيا. كما أصدر بعض القصائد التي تدور حول الأساطير الرومانية. أما الشاعر الثالث فهو أوفيد[ر] (43ـ18ق.م) P.Ovidius ويُعد من أعظم الشعراء الرومان وأغزرهم إنتاجاً وإبداعاً. أشهر أشعاره «التحولات» Metamorphoses الذي صار المنهل الأول للأساطير الكلاسيكية في العصور الوسطى.
وكان عصر أغسطس العصر الذهبي للأدب الروماني. فقد كفل هذا الامبراطور الظروف التي تساعد على ازدهاره وكان هو نفسه ناقداً ذواقاً للأدب، كما عرف كيف يجذب إليه العباقرة من الأدباء ويشجعهم على الإبداع. وكان أيضاً عصر رعاة الأدب والفن من أمثال أسينيوس بوليو Asinius Pollio الذي شجع هوارتيوس وفرجيليوس في شبابهما واستن عادة نشر الأعمال الأدبية الجديدة عن طريق الإلقاء العام، وهناك ميسالا Messala الذي جمع حوله عدداً من الشعراء الغنائيين والاليجيين. إلا أن مِسيناس Maecenas كان في مقدمة هؤلاء الرعاة، وكان صديقاً وراعياً لكل شعراء عصره وقدم لهم خدمات جمة حتى أصبح مضرب الأمثال. لقد كان عصراً للشعر بالدرجة الأولى ظهرت فيه الأعمال الخلاقة التي صنعت للأدب الروماني مكانة مرموقة بين الآداب العالمية.
يعد فرجيليوس[ر] (70ـ19ق.م) P.Vergilius Maro الشخصية الرئيسية في هذا الأدب الأوغسطي كما أنه يكمن في قلب تراث الغرب الحضاري. تغنى في رعوياته بهدوء الريف وجماله ودعا في زراعياته Georgica إلى إحياء الزراعة في إيطاليا وربط الإنسان بالأرض والطبيعة وصنع للرومان ملحمتهم الوطنية الخالدة. أما هوراتيوس[ر] (65ـ8ق.م) Q.Horatius Flaccus فكان شاعر الرومان الغنائي الأول. تعكس دواوينه الشعرية الأولى مآسي الحرب الأهلية والفلسفات الشائعة في عصره وخاصة الرواقية[ر] والأبيقورية[ر] وتقدم صوراً حية للحياة اليومية في روما. وتبقى الأناشيد [ر: الأود] Odes أعظم أعماله الشعرية، كما اشتهر كتابه عن «فن الشعر» Ars Poetica وكان عظيم التأثير في الأدب الأوربي.
أما في فن الخطابة[ر] وفن الرسائل فيعد كاتو الأكبر[ر] (234ـ149ق.م) M.Porcius Cato أول كاتب روماني معروف بالاسم. كان خطيباً مفوهاً يؤثر في سامعيه بأسلوبه القوي الصريح البعيد عن أساليب البلاغة الإغريقية التي كان يرفضها ويحاربها، وكان أول روماني جمع خطبه وأصدرها. ألف كتباً كثيرة في الطب والحقوق والتاريخ وفن الخطابة ولم يبق منها سوى «فلاحة الأرض». كما كان أول روماني كتب عن تاريخ روما وإيطاليا باللغة اللاتينية، وكتابه «الأصول» Origines فريد من نوعه ويهدف إلى تأسيس اتجاه قومي في كتابة التاريخ الروماني.
أما فن كتابة الرسائل فقد بدأه كاتو الأكبر، واستمر مع رسالة كورنيليا إلى ابنها غايوس غراكوس. لكن شيشرون يبقى أعظم من دبج رسائل الرومان وقد وصل عددها إلى 900 رسالة جعلت منه أفضل شخصية تاريخية معروفة في الأزمنة القديمة. كذلك هناك رسائل بلينيوس الأصغر إلى الامبراطور ترايانوس[ر] ورسائل سينيكا الفلسفية والأخلاقية ورسائل هوارتيوس وأوفيد الشعرية ورسائل يوليوس قيصر وسالوست[ر] C.Sallustius التاريخية.
نالت كتابة التاريخ إضافة إلى الخطابة أكبر قدر من التقدير عند الرومان، وقد جاء بعض المؤرخين الأوائل من الأسر الرومانية العريقة مثل فابيوس بيكتور، وانطلق تدوين التاريخ من كتابة الحوليات Annales، وكان في البداية باللغة الإغريقية ولكن تحت تأثير كاتو بدأ كتاب الحوليات منذ عام 146ق.م يؤرخون باللغة اللاتينية وقد فقدت جميع هذه الكتابات. وبرز بعد ذلك يوليوس قيصر[ر] بوصفه أديباً ومؤرخاً تمتاز مؤلفاته بسحر خاص وبأسلوبها السهل الممتنع. وتعد مذكراته عن الحروب الغالية والحروب الأهلية من أشهر الكتب التاريخية، وأن كانت تهدف إلى توضيح آرائه ومواقفه السياسية، ويمتاز أسلوبه بالوضوح والدقة والسلاسة. ويحتل سالوستيوس مكانة خاصة بين مؤرخي الرومان، فالتأريخ بالنسبة لـه عمل فني بالدرجة الأولى، حاول السير على نهج ثوكيديدس[ر] لكنه كان يفتقد إلى قدرات هذا المؤلف وموضوعيته. أشهر مؤلفاته «مؤامرة كاتلينا» و«الحرب ضد يوغورتا» وتاريخ عصره الذي لم يبقَ منه سوى نبذ متفرقة، مكتوبة بأسلوب متميز يميل إلى استخدام المفردات والصيغ القديمة. ويعد تاريخ تيتوس ليفيوس [ر] (59ـ17ق.م) Titus Livius أعظم عمل أدبي، ذو طابع أوغسطي سواء من حيث عظمة الفكرة أو وجهة النظر الأخلاقية. ولم يبق من هذا التاريخ الضخم (142كتاباً) سوى (35) جزءاً. لقد أراد ليفيوس بتاريخه الملحمي أن يعيد بناء ماضي الشعب الروماني الحافل بالأمجاد.
أما تاكيتوس [ر] (55ـ120م) Cornelius Tacitus فكان أعظم المؤرخين الرومان قاطبة. كتب عدداً من الأبحاث الصغيرة ثم أصدر تواريخه المشهورة التي تغطي الفترة من 14 ـ 96م وهي بعنوان «الحوليات والتواريخ» لم يبق منها إلا بعض الكتب. كان لتاكيتوس تأثير كبير في المؤرخين اللاحقين وخاصة أميانوس مركلينوس (330ـ395م) Ammianus Marcellinus المولود في أنطاكية، الذي تابع تاريخ تاكيتوس وكتب عن سير الأحداث من عام 96م حتى 378م، وهو المؤرخ الوحيد في الشرق الهلنستي الذي كتب باللغة اللاتينية بدلاً من اللغة الإغريقية السائدة.
بدأ الأدب الفلسفي والعلمي بالظهور في روما منذ منتصف القرن الثاني ق.م، وكان الرومان انتقائيين يختارون من المدارس الفلسفية الإغريقية ما يناسبهم، ما عدا لوكريتيوس[ر] الذي أخلص للفلسفة الأبيقورية، وقد كان لشيشرون الفضل الأول في نقل المصطلحات الفلسفية والعلمية إلى اللغة اللاتينية في أبحاثه وكتاباته (الجمهورية، القوانين، الخطيب، القدر).
أما سينيكا فقد ترك أعمالاً فلسفية عديدة متسوحاة من الفلسفة الرواقية، وكان اهتمامه منصباً على المسائل الأخلاقية (الرأفة، الإحسان، الصبر والثبات، الحزن والغضب، السراء والضراء...) والتي عبر عنها بلغة لاتينية لا تبارى في دقتها وسحرها. أما في المجالات العلمية فأعظم موسوعة علمية رومانية هي «التاريخ الطبيعي» Historia Naturalis وكتبها بلينيوس الأكبر في 37 كتاباً شملت كل فروع المعرفة، و قضى عام 79م في ثورة بركان فيزوف فذهب ضحية فضوله العلمي.
وفي القرن الثاني الميلادي ظهر مؤلَفان رواقيان كُتِبا باللغة الإغريقية وهما كتاب «الأخلاق» للفيلسوف ابيكتيتوس Epictetos وكتاب «التأملات» للامبراطور ماركوس أوريليوس. ولكن بعد انتشار الديانة المسيحية بدأت كتابات آباء الكنيسة وعلى رأسهم أوغسطين[ر](354ـ430م) Augustinus الذي كان أغزر كتاب اللاتينية إنتاجاً إلا أن مؤلفاته تدخل في إطار الأدب المسيحي.
لم يجد الرومان تقاليد عريقة لكتابة الرواية عند الإغريق. فقد بدأ في القرن الأول ثم في القرن الثاني إنتاج الروايات والقصص في الأدبين الإغريقي واللاتيني. وتعد رواية بتروينوس «ساتيريكون» Satyricon من أوائل وأشهر الروايات التي يصور فيها المؤلف الحياة الصاخبة في العصر الامبراطوري ويمزج الشعر بالنثر مستخدماً لغة الشارع المبتذلة. وفي القرن الثاني ألف أبوليوس[ر] Apuleius القصة الوحيدة التي وصلت كاملة من العصور القديمة وهي «الحمار الذهبي» التي يتحول فيها شاب إلى حمار ثم يعود إلى شكله الأول بعد أن يتطهر بأقداس الإلهة إيزيس، وتتضمن قصة إله الحب وإلهة الرو (Amor et Psyche) وتعد من أروع الأعمال الأدبية الرومانية.
ارتبطت مسيرة الأدب الروماني بمصائر الامبراطورية الرومانية في تأسيسها وبنائها وصعودها وهبوطها، إذ برزت القوى الخلاقة المبدعة من شتى أرجائها في عصر نضجها وازدهارها وذوت إبداعاتها مع بداية الانحطاط والانهيار الذي أصابها. وكان لهذا الأدب إنجازات كبيرة في شتى الفنون والأنواع الأدبية لا تزال حية على ألسنة المثقفين. كما أن هذا الأدب أسهم إسهاماً كبيراً في صياغة ونقل التراث الأدبي والفكري الكلاسيكي والقديم إلى أوربا في بداية نهضتها وكان لـه تأثير كبير في آدابها وحياتها الفكرية.
محمد الزين
roman literature -
الأدب عند الرومان
الأدب الروماني هو ذلك الأدب الذي ظهر في روما وامبراطوريتها باللغة اللاتينية منذ القرن الثالث قبل الميلاد، واستمر حتى سقوط روما في القرن الخامس الميلادي، وعبر بأشكال وصور وأساليب متنوعة عن إبداعات الأدباء والكتاب الرومان في شتى المجالات الفكرية والاجتماعية والتاريخية والعلمية.
يرتبط الأدب الروماني ارتباطاً وثيقاً بالحياة الفكرية والأدبية الإغريقية، فقد تلقى الرومان أبجديتهم وكتابتهم اللاتينية من مستعمرة كوماي الإغريقية الواقعة في وسط إيطاليا. وأقدم وثيقة كتبت بهذه الأبجدية تعود إلى القرن السابع ق.م واستخدمت الكتابة الجديدة لغايات عملية مثل تدوين العقود والقرارات والسجلات الكهنوتية وسواها. كما ارتبط تدوين أولى القوانين الرومانية في أواسط القرن الخامس ق.م (قوانين الألواح الاثني عشر) بالحضارة الإغريقية، وتعد من أقدم النصوص اللاتينية.
كان الرومان شعباً عملياً بالدرجة الأولى لذلك انصبت جهودهم زمناً طويلاً على بناء دولتهم ومؤسساتها السياسية والعسكرية والاجتماعية، ولكنهم بدؤوا منذ القرن الثالث ق.م وتحت تأثير الثقافة الإغريقية يهتمون بالحياة الفكرية والأدبية. وهكذا فقد نشأ الإنتاج الأدبي الروماني في كنف الأدب الإغريقي وبقي متأثراً به إلى حد كبير. ولهذا عانت دراسة الأدب الروماني من هذا الوضع فركزت على تبعيته وعناصره الإغريقية وأغفلت إسهامات الرومان وإنجازاتهم المتميزة، ذلك أن الأدب الروماني يتسم بالتنوع والتمايز فهو يضم ترجمات فجة لأصول إغريقية، مثلما يضم أعمالاً مستوحاة منها بأسلوب روماني، كما يشتمل على إبداعات الرومان الأدبية وهكذا يصعب تلمس العنصر الروماني الأصيل في ذلك الأدب خاصة وأن مؤلفين وكتاباً قلائل كانوا من أصل روماني.
مر الأدب الروماني عبر تاريخه الطويل بمراحل أساسية ثلاث؛ فقد امتدت المرحلة الباكرة في القرنين الثالث والثاني ق.م وهي مرحلة النشأة والتقليد والاقتباس، ثم تلتها المرحلة الكلاسيكية (الاتباعية) التي امتدت من شيشرون[ر] حتى موت أوغسطس[ر] (80 ق.م ـ14م) والتي تعد العصر الذهبي، وبعدها بدأت المرحلة الامبراطورية التي استمرت حتى سقوط روما وتمثل العصر الفضي. أما الأنواع الأدبية فهي تحاكي في غالبيتها مثيلتها عند الإغريق، الذين سبقوا الرومان في وضع قواعد الشعر الملحمي والتعليمي والمسرحي بشقيه التراجيدي والكوميدي، وكذلك الشعر الغنائي بصنوفه المختلفة وأبدعوا نماذج رائعة في سائر هذه الفنون، وأيضاً في فن الخطابة والكتابة التاريخية والحوار الفلسفي والعلوم المتخصصة الأخرى.
لم يوجد عند الرومان حتى نهاية الحرب البونية الأولى (241ق.م) إنتاج أدبي بالمعنى الحقيقي للكلمة، إلا بعض الأشعار والأناشيد الدينية ومراثي الموتى وأغان تمجد البطولات أو أشعار هزلية. وكان أول شاعر روماني معروف ليفيوس أندرونيكوس Livius Andronicus من أصل إغريقي، أسس في روما مدرسة وترجم الأوديسة[ر] إلى اللغة اللاتينية بالوزن اليوناني القديم المسمى الساتورني، كما اقتبس مسرحيات تراجيدية وكوميدية إغريقية أعاد صياغتها وقدمها في أول عرض مسرحي شهدته روما عام 240 ق.م ونال نجاحاً كبيراً جعل مجلس الشيوخ يضع الشعراء بين الكتّاب المعترف بهم. خلفه الشاعر غنايوس نايفيوس G.Naevius وهو من أصل إيطالي، ألف ثمان وعشرين مسرحية تراجيدية وكوميدية وفق النماذج الإغريقية لم يبق منها إلا شذرات وقطع متفرقة. وهي تظهر الطابع الروماني الغالب على أعمال هذا الشاعر الكوميدي والواقعي الذي كان متأثراً بالشاعر أريستوفان[ر] Aristophanes في نقده السياسي الصريح والمباشر وكان هذا مدعاة لسجنه ونفيه فمات في أوتيكا الأفريقية عام 201ق.م. ويرجع إليه ابتكار المسرحية الرومانية القومية المعروفة باسم فابولا بريتكستا Fabula praetexta. وتعد ملحمة «الحرب البونية» رائعة أشعاره وقد تأثر بها فرجيليوس[ر] في الإنيادة[ر] وهكذا خطا نايفيوس بالشعر الروماني من مرحلة الترجمة إلى مرحلة الإبداع والأصالة والموضوعات القومية.
جاء كوينتوس إنيوس (239ـ169ق.م) [ر] Q.Enniusمن جنوب إيطاليا وكان يتكلم ثلاث لغات: الإغريقية واللاتينية والأوسكية، ومن أشهر أعماله ملحمته المسماة «الحوليات» Annales التي صور فيها التاريخ الروماني بدءاً من إنياس حتى الحروب البونية. وينظر إليه بوصفه المؤسس الحقيقي للأدب الروماني، وقد سار على نهجه الشاعران باكوفيوس وأكيوس اللذان يقفان في نهاية عصر التراجيديا الرومانية. فقد بدأ الجمهور الروماني يفضل الكوميديا ولكن التراجيديا ستشهد بعثاً جديداً على يد الأديب الفيلسوف سينيكا[ر] Seneca الذي ألف عدة مسرحيات مأساوية.
كان بلوتوس[ر] M.T.Plautus (نحو250ـ184ق.م) بلا شك أشهر شعراء الكوميديا الرومانية. ألف عدداً كبيراً من المسرحيات الهزلية لم يبق منها سوى القليل وهي تفيض بالمواقف الساخرة الحية والنكتة الشعبية، ونالت إعجاب الجمهور الروماني، وكان لها تأثير كبير في كوميديا عصر النهضة الأوربية. أما تيرينس[ر] P.Terentius، المولود نحو عام 190ق.م في قرطاجة فقد تأثر بشعراء الكوميديا الحديثة وخاصة ميناندروس[ر] Menandros. كان يكتب بلغة مختارة رقيقة خالية من العبارات والكلمات السوقية، فنال استحسان حلقة سكيبيو[ر] الأدبية التي كان أحد أعضائها. ترك ست مسرحيات كوميدية جعلته من كبار الشعراء الكوميديين. وكان لوكيليوس C.Lucilius (نحو180ـ102ق.م) أول شاعر روماني ينتمي إلى الطبقة العليا مما يشير إلى ارتقاء مكانة الشعر في المجتمع، ويعد مبدع فن الهجاء الروماني (ساتورا Satura) الذي تضمن نقداً اجتماعياً لعصره، يجمع بين السخرية والتهكم اللاذع والمواعظ الأخلاقية ويسعى إلى تعليم القارئ وتثقيفه. وكان هو الآخر أحد الأعضاء البارزين في حلقة سكيبيو. ومع أن شعر الهجاء الروماني قد تأثر بنظيره الإغريقي، إلا أنه كان وثيق الصلة بالتراث الإيطالي المحلي. وهكذا فإن هجائيات لوكيليوس جاءت في مضمونها وأسلوبها رومانية أصيلة.
وقد تابع هذا التقليد الأدبي الشاعر الكبير هوراتيوس [ر] في ديوانه «الهجائيات» Satirae وفي «المحادثات» Sermones التي طرق فيها موضوعات مشابهة، ولكن بأسلوب أكثر رقة ودماثة وبتقنية شعرية عالية، لأن هدفه أن «يقول الحقيقة مبتسماً»، كما تابع هذا الفن في العصر الامبراطوري الشاعران برسيوس A.Persius ويوفينال [ر] D.Juvenalis ولكن بأسلوب جاد متزمت تنقصه روح الفكاهة والدعابة الهوراسية. وقد ابتكر العالم الموسوعي فارو (117ـ27ق.م)[ر] Varro نوعاً خاصاً من الساتورا اعتماداً على نماذج إغريقية سماها «المنبية» Saturae Menippeae التي جمعت بين النثر والشعر وكان القصد منها تربوياً. كما كتب الساتورا أيضاً شاعران آخران هما سينيكا وبترونيوس Petronius في «وليمة تريمالخوس»، وطورا هذا النوع الأدبي الروماني بامتياز.
أعرض الشعراء الشباب الذين عاشوا في زمن الحروب الأهلية وبداية العصر الامبراطوري عن الشعر الروماني التقليدي ونظموا أشعارهم على الطريقة الإغريقية متأثرين بشعراء الإسكندرية. كان شعارهم «الفن للفن» ورؤيتهم جمالية في المقام الأول وهدفهم إيجاد شكل أدبي متكامل قادر على نقل التجارب الحياتية الإنسانية والذاتية. وكان أشهر هؤلاء الشعراء كاتولوس[ر] G.V.Catullus الذي ولد في شمال إيطاليا عام 84ق.م ومات في الثلاثين من عمره. وتتجسد في قصائده التي بلغ عددها (116) كل سمات حركة التجديد.
بلغ شعر العشق (الاليج elegia) ذروته في عصر أوغسطس إذ انصرف الشبان إلى الاستمتاع بملذات الحياة والجري وراء الحب والمغامرات. وقد ذاع صيت ثلاثة شعراء:
تيبولوس (50ـ19ق.م) A.Tibullus كان شاعراً موهوباً بالفطرة. ويتألف ديوانه من أربعة كتب إليجية موضوعها الحب وتفيض أشعاره بالعواطف الجياشة لحبيبته ديليا بعذوبة ورقة فريدة. كما يمدح حياة الريف وبساطتها وجمالها. يضم ديوانه ست قصائد للشاعرة سولبيكيا Sulpicia وهي الشاعرة الرومانية الوحيدة المعروفة التي تغنت أيضاً بالحب. والشاعر الثاني هو بروبرتيوس (47ـ15ق.م) S.Propertius ويعدّ من أبرز الشعراء الرومان، قضى طفولته في غمار الحرب الأهلية ثم انغمس بعد ذلك في حياة روما الصاخبة وعاش قصة حب عنيفة مع هوستيا التي ألهمته أروع أشعاره في ديوانه الأول الذي صدر عام 28ق.م باسم كونثيا. كما أصدر بعض القصائد التي تدور حول الأساطير الرومانية. أما الشاعر الثالث فهو أوفيد[ر] (43ـ18ق.م) P.Ovidius ويُعد من أعظم الشعراء الرومان وأغزرهم إنتاجاً وإبداعاً. أشهر أشعاره «التحولات» Metamorphoses الذي صار المنهل الأول للأساطير الكلاسيكية في العصور الوسطى.
وكان عصر أغسطس العصر الذهبي للأدب الروماني. فقد كفل هذا الامبراطور الظروف التي تساعد على ازدهاره وكان هو نفسه ناقداً ذواقاً للأدب، كما عرف كيف يجذب إليه العباقرة من الأدباء ويشجعهم على الإبداع. وكان أيضاً عصر رعاة الأدب والفن من أمثال أسينيوس بوليو Asinius Pollio الذي شجع هوارتيوس وفرجيليوس في شبابهما واستن عادة نشر الأعمال الأدبية الجديدة عن طريق الإلقاء العام، وهناك ميسالا Messala الذي جمع حوله عدداً من الشعراء الغنائيين والاليجيين. إلا أن مِسيناس Maecenas كان في مقدمة هؤلاء الرعاة، وكان صديقاً وراعياً لكل شعراء عصره وقدم لهم خدمات جمة حتى أصبح مضرب الأمثال. لقد كان عصراً للشعر بالدرجة الأولى ظهرت فيه الأعمال الخلاقة التي صنعت للأدب الروماني مكانة مرموقة بين الآداب العالمية.
يعد فرجيليوس[ر] (70ـ19ق.م) P.Vergilius Maro الشخصية الرئيسية في هذا الأدب الأوغسطي كما أنه يكمن في قلب تراث الغرب الحضاري. تغنى في رعوياته بهدوء الريف وجماله ودعا في زراعياته Georgica إلى إحياء الزراعة في إيطاليا وربط الإنسان بالأرض والطبيعة وصنع للرومان ملحمتهم الوطنية الخالدة. أما هوراتيوس[ر] (65ـ8ق.م) Q.Horatius Flaccus فكان شاعر الرومان الغنائي الأول. تعكس دواوينه الشعرية الأولى مآسي الحرب الأهلية والفلسفات الشائعة في عصره وخاصة الرواقية[ر] والأبيقورية[ر] وتقدم صوراً حية للحياة اليومية في روما. وتبقى الأناشيد [ر: الأود] Odes أعظم أعماله الشعرية، كما اشتهر كتابه عن «فن الشعر» Ars Poetica وكان عظيم التأثير في الأدب الأوربي.
أما في فن الخطابة[ر] وفن الرسائل فيعد كاتو الأكبر[ر] (234ـ149ق.م) M.Porcius Cato أول كاتب روماني معروف بالاسم. كان خطيباً مفوهاً يؤثر في سامعيه بأسلوبه القوي الصريح البعيد عن أساليب البلاغة الإغريقية التي كان يرفضها ويحاربها، وكان أول روماني جمع خطبه وأصدرها. ألف كتباً كثيرة في الطب والحقوق والتاريخ وفن الخطابة ولم يبق منها سوى «فلاحة الأرض». كما كان أول روماني كتب عن تاريخ روما وإيطاليا باللغة اللاتينية، وكتابه «الأصول» Origines فريد من نوعه ويهدف إلى تأسيس اتجاه قومي في كتابة التاريخ الروماني.
أما فن كتابة الرسائل فقد بدأه كاتو الأكبر، واستمر مع رسالة كورنيليا إلى ابنها غايوس غراكوس. لكن شيشرون يبقى أعظم من دبج رسائل الرومان وقد وصل عددها إلى 900 رسالة جعلت منه أفضل شخصية تاريخية معروفة في الأزمنة القديمة. كذلك هناك رسائل بلينيوس الأصغر إلى الامبراطور ترايانوس[ر] ورسائل سينيكا الفلسفية والأخلاقية ورسائل هوارتيوس وأوفيد الشعرية ورسائل يوليوس قيصر وسالوست[ر] C.Sallustius التاريخية.
نالت كتابة التاريخ إضافة إلى الخطابة أكبر قدر من التقدير عند الرومان، وقد جاء بعض المؤرخين الأوائل من الأسر الرومانية العريقة مثل فابيوس بيكتور، وانطلق تدوين التاريخ من كتابة الحوليات Annales، وكان في البداية باللغة الإغريقية ولكن تحت تأثير كاتو بدأ كتاب الحوليات منذ عام 146ق.م يؤرخون باللغة اللاتينية وقد فقدت جميع هذه الكتابات. وبرز بعد ذلك يوليوس قيصر[ر] بوصفه أديباً ومؤرخاً تمتاز مؤلفاته بسحر خاص وبأسلوبها السهل الممتنع. وتعد مذكراته عن الحروب الغالية والحروب الأهلية من أشهر الكتب التاريخية، وأن كانت تهدف إلى توضيح آرائه ومواقفه السياسية، ويمتاز أسلوبه بالوضوح والدقة والسلاسة. ويحتل سالوستيوس مكانة خاصة بين مؤرخي الرومان، فالتأريخ بالنسبة لـه عمل فني بالدرجة الأولى، حاول السير على نهج ثوكيديدس[ر] لكنه كان يفتقد إلى قدرات هذا المؤلف وموضوعيته. أشهر مؤلفاته «مؤامرة كاتلينا» و«الحرب ضد يوغورتا» وتاريخ عصره الذي لم يبقَ منه سوى نبذ متفرقة، مكتوبة بأسلوب متميز يميل إلى استخدام المفردات والصيغ القديمة. ويعد تاريخ تيتوس ليفيوس [ر] (59ـ17ق.م) Titus Livius أعظم عمل أدبي، ذو طابع أوغسطي سواء من حيث عظمة الفكرة أو وجهة النظر الأخلاقية. ولم يبق من هذا التاريخ الضخم (142كتاباً) سوى (35) جزءاً. لقد أراد ليفيوس بتاريخه الملحمي أن يعيد بناء ماضي الشعب الروماني الحافل بالأمجاد.
أما تاكيتوس [ر] (55ـ120م) Cornelius Tacitus فكان أعظم المؤرخين الرومان قاطبة. كتب عدداً من الأبحاث الصغيرة ثم أصدر تواريخه المشهورة التي تغطي الفترة من 14 ـ 96م وهي بعنوان «الحوليات والتواريخ» لم يبق منها إلا بعض الكتب. كان لتاكيتوس تأثير كبير في المؤرخين اللاحقين وخاصة أميانوس مركلينوس (330ـ395م) Ammianus Marcellinus المولود في أنطاكية، الذي تابع تاريخ تاكيتوس وكتب عن سير الأحداث من عام 96م حتى 378م، وهو المؤرخ الوحيد في الشرق الهلنستي الذي كتب باللغة اللاتينية بدلاً من اللغة الإغريقية السائدة.
بدأ الأدب الفلسفي والعلمي بالظهور في روما منذ منتصف القرن الثاني ق.م، وكان الرومان انتقائيين يختارون من المدارس الفلسفية الإغريقية ما يناسبهم، ما عدا لوكريتيوس[ر] الذي أخلص للفلسفة الأبيقورية، وقد كان لشيشرون الفضل الأول في نقل المصطلحات الفلسفية والعلمية إلى اللغة اللاتينية في أبحاثه وكتاباته (الجمهورية، القوانين، الخطيب، القدر).
أما سينيكا فقد ترك أعمالاً فلسفية عديدة متسوحاة من الفلسفة الرواقية، وكان اهتمامه منصباً على المسائل الأخلاقية (الرأفة، الإحسان، الصبر والثبات، الحزن والغضب، السراء والضراء...) والتي عبر عنها بلغة لاتينية لا تبارى في دقتها وسحرها. أما في المجالات العلمية فأعظم موسوعة علمية رومانية هي «التاريخ الطبيعي» Historia Naturalis وكتبها بلينيوس الأكبر في 37 كتاباً شملت كل فروع المعرفة، و قضى عام 79م في ثورة بركان فيزوف فذهب ضحية فضوله العلمي.
وفي القرن الثاني الميلادي ظهر مؤلَفان رواقيان كُتِبا باللغة الإغريقية وهما كتاب «الأخلاق» للفيلسوف ابيكتيتوس Epictetos وكتاب «التأملات» للامبراطور ماركوس أوريليوس. ولكن بعد انتشار الديانة المسيحية بدأت كتابات آباء الكنيسة وعلى رأسهم أوغسطين[ر](354ـ430م) Augustinus الذي كان أغزر كتاب اللاتينية إنتاجاً إلا أن مؤلفاته تدخل في إطار الأدب المسيحي.
لم يجد الرومان تقاليد عريقة لكتابة الرواية عند الإغريق. فقد بدأ في القرن الأول ثم في القرن الثاني إنتاج الروايات والقصص في الأدبين الإغريقي واللاتيني. وتعد رواية بتروينوس «ساتيريكون» Satyricon من أوائل وأشهر الروايات التي يصور فيها المؤلف الحياة الصاخبة في العصر الامبراطوري ويمزج الشعر بالنثر مستخدماً لغة الشارع المبتذلة. وفي القرن الثاني ألف أبوليوس[ر] Apuleius القصة الوحيدة التي وصلت كاملة من العصور القديمة وهي «الحمار الذهبي» التي يتحول فيها شاب إلى حمار ثم يعود إلى شكله الأول بعد أن يتطهر بأقداس الإلهة إيزيس، وتتضمن قصة إله الحب وإلهة الرو (Amor et Psyche) وتعد من أروع الأعمال الأدبية الرومانية.
ارتبطت مسيرة الأدب الروماني بمصائر الامبراطورية الرومانية في تأسيسها وبنائها وصعودها وهبوطها، إذ برزت القوى الخلاقة المبدعة من شتى أرجائها في عصر نضجها وازدهارها وذوت إبداعاتها مع بداية الانحطاط والانهيار الذي أصابها. وكان لهذا الأدب إنجازات كبيرة في شتى الفنون والأنواع الأدبية لا تزال حية على ألسنة المثقفين. كما أن هذا الأدب أسهم إسهاماً كبيراً في صياغة ونقل التراث الأدبي والفكري الكلاسيكي والقديم إلى أوربا في بداية نهضتها وكان لـه تأثير كبير في آدابها وحياتها الفكرية.
محمد الزين