سودرغران (إيديت ـ)
(1892ـ1923)
إيديت سودرغران Edith Södergranشاعرة غنائية فنلندية ناطقة باللغة السويدية، كان شعرها أول اختراق للحداثة في الشعر الفنلندي ـ السويدي، وأثرت في أجيال لاحقة من الشعراء. ولدت في سان بطرسبورغ في روسيا القيصرية، وحصلت هناك على تعليمها في مدرسة خاصة ببنات العائلات البرجوازية، فتعلمت اللغات وكانت أولى قصائدها بالألمانية والاسبانية والروسية. أمضت الجزء الأكبر من حياتها في قرية رايفولا Raivola في كاريليا Kareliaالفنلندية، التي كانت منتجعاً لأغنياء سان بطرسبورغ، وتوفيت فيها.
كان والد سودرغران مريضاً بالسل، وتوفي وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وبعد ذلك بوقت قصير ظهرت لديها أعراض هذا المرض، وكان لذلك أثر هز كيانها، كما كان نقطة تحول في مجرى حياتها القصيرة، وجعل الموت هاجسها، خوفاً وضياعاً وتمرداً واستسلاماً، بل شوقاً إليه عندما أضناها المرض. أمضت بعض الوقت في المصحات في فنلندا وسويسرا فتحسنت صحتها وعادت إلى قريتها الوادعة عام 1913، وكانت تلك أسعد مرحلة في حياتها إذ عاشت قصة حب قصيرة، إلا أنها انتهت بالإحباط وخيبة الأمل. وتظهر معالم هذه القصة في أول ديوان لها « قصائد» (1916) Dikter. فقد تحدثت في قصيدة «ويبرد النهار»Dagen svalnar عن الحب في جميع مراحله. وكانت قد أعلنت في قصيدة سابقة بعنوان «عذراء حديثة» Vierge moderne ولادة المرأة الجديدة، بأسلوب تداعي الأفكار وبتقنية شعرية عالية، إذ تقول: «أنا لست امرأة. أنا بلا جنس. أنا طفلٌ وولدٌ وقرارٌ جريء». وتأخذ هذه الجرأة مساراً أشد حدة في ديوانها التالي «قيثارة أيلول» (1918)Septemberlyran، خاصة في ما يتعلق بالصور البلاغية ومحسنات الشعر الحر، مما حدا ببعض الكتاب والنقاد المحافظين إلى الاستهزاء بشعرها، واتهامها بالتمركز حول الذات وبالتعاطف مع البلشفية، إلا أن آخرين كثراً وقفوا للدفاع عنها. وكتبت حول هذا في مقدمة الديوان تقول «إن ثقتي بنفسي تلك تنبع من أنني اكتشفت أبعادي، ومن غير اللائق أن أجعل نفسي أصغر مما أنا».
كانت ثورة 1917 الروسية حدثاً حاسماً في حياة سودرغران وعائلتها، فقد ذهب ضحيتها العديد من الأصدقاء، وفقدت العائلة كل ممتلكاتها، ووصلت الحرب إلى أبواب بيتها الذي اتخذه «البيض» مقراً لهم في أثناء الحرب الأهلية الفنلندية التي تلت. وعاشت الشاعرة أهوال الحرب من دمار وموت، وأوصلتها إلى حالة فقر مدقع طول ما تبقى لها من حياتها. فقد اضطرت في كثير من الأحيان إلى بيع حاجياتها الشخصية كي تتمكن من العيش، مما جعل صحتها في تدهور مستمر. وفي هذه المرحلة صار نيتشه وفلسفته رائدها واستمدت منه القدرة على تحمل المصائب. ويظهر هذا التأثير في الصور البلاغية التي أخذتها عنه كالعواصف والحيوانات البرية كما في القصائد: «العالم في حمّام دم» Välden badar i blod و«سر القمر» Månens hemlighet التي ضمّها ديوان «قيثارة أيلول».
انقطعت سودرغران عن الكتابة بعد عام 1920، ونشدت الإيمان تستعين به على المرض، ولم يُنشر آخر ديوان لها «البلد المتخيل» (1925) Landet som icke är إلا بعد وفاتها، بعد أن جمع صديق العائلة الأديب إلمر ديكتونيوس[ر] Elmer Diktonius قصائدها التي وجدتها أمها مخبأة في درج مكتبها، ومن ضمنها قصيدة «اشتاق إلى البلد المتخيل» التي تعلن فيها استعدادها للموت.
كتبت سودرغران ونشرت مجموعات أخرى من الشعر بالتميز ذاته، تستحضر إلى الأذهان شاعرات أخريات كن زميلاتها في الثورة والتمرد والتفرد، مثل السويدية المعاصرة لها كارين بويه على الساحل الآخر لبحر البلطيق والأمريكية اللاحقة سيلفيا بلاث على الساحل الآخر للأطلسي، اللواتي تأثرن بتيارات الرمزية والتعبيرية وآذنّ بشعر نسائي حديث.
طارق علوش
(1892ـ1923)
كان والد سودرغران مريضاً بالسل، وتوفي وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وبعد ذلك بوقت قصير ظهرت لديها أعراض هذا المرض، وكان لذلك أثر هز كيانها، كما كان نقطة تحول في مجرى حياتها القصيرة، وجعل الموت هاجسها، خوفاً وضياعاً وتمرداً واستسلاماً، بل شوقاً إليه عندما أضناها المرض. أمضت بعض الوقت في المصحات في فنلندا وسويسرا فتحسنت صحتها وعادت إلى قريتها الوادعة عام 1913، وكانت تلك أسعد مرحلة في حياتها إذ عاشت قصة حب قصيرة، إلا أنها انتهت بالإحباط وخيبة الأمل. وتظهر معالم هذه القصة في أول ديوان لها « قصائد» (1916) Dikter. فقد تحدثت في قصيدة «ويبرد النهار»Dagen svalnar عن الحب في جميع مراحله. وكانت قد أعلنت في قصيدة سابقة بعنوان «عذراء حديثة» Vierge moderne ولادة المرأة الجديدة، بأسلوب تداعي الأفكار وبتقنية شعرية عالية، إذ تقول: «أنا لست امرأة. أنا بلا جنس. أنا طفلٌ وولدٌ وقرارٌ جريء». وتأخذ هذه الجرأة مساراً أشد حدة في ديوانها التالي «قيثارة أيلول» (1918)Septemberlyran، خاصة في ما يتعلق بالصور البلاغية ومحسنات الشعر الحر، مما حدا ببعض الكتاب والنقاد المحافظين إلى الاستهزاء بشعرها، واتهامها بالتمركز حول الذات وبالتعاطف مع البلشفية، إلا أن آخرين كثراً وقفوا للدفاع عنها. وكتبت حول هذا في مقدمة الديوان تقول «إن ثقتي بنفسي تلك تنبع من أنني اكتشفت أبعادي، ومن غير اللائق أن أجعل نفسي أصغر مما أنا».
كانت ثورة 1917 الروسية حدثاً حاسماً في حياة سودرغران وعائلتها، فقد ذهب ضحيتها العديد من الأصدقاء، وفقدت العائلة كل ممتلكاتها، ووصلت الحرب إلى أبواب بيتها الذي اتخذه «البيض» مقراً لهم في أثناء الحرب الأهلية الفنلندية التي تلت. وعاشت الشاعرة أهوال الحرب من دمار وموت، وأوصلتها إلى حالة فقر مدقع طول ما تبقى لها من حياتها. فقد اضطرت في كثير من الأحيان إلى بيع حاجياتها الشخصية كي تتمكن من العيش، مما جعل صحتها في تدهور مستمر. وفي هذه المرحلة صار نيتشه وفلسفته رائدها واستمدت منه القدرة على تحمل المصائب. ويظهر هذا التأثير في الصور البلاغية التي أخذتها عنه كالعواصف والحيوانات البرية كما في القصائد: «العالم في حمّام دم» Välden badar i blod و«سر القمر» Månens hemlighet التي ضمّها ديوان «قيثارة أيلول».
انقطعت سودرغران عن الكتابة بعد عام 1920، ونشدت الإيمان تستعين به على المرض، ولم يُنشر آخر ديوان لها «البلد المتخيل» (1925) Landet som icke är إلا بعد وفاتها، بعد أن جمع صديق العائلة الأديب إلمر ديكتونيوس[ر] Elmer Diktonius قصائدها التي وجدتها أمها مخبأة في درج مكتبها، ومن ضمنها قصيدة «اشتاق إلى البلد المتخيل» التي تعلن فيها استعدادها للموت.
كتبت سودرغران ونشرت مجموعات أخرى من الشعر بالتميز ذاته، تستحضر إلى الأذهان شاعرات أخريات كن زميلاتها في الثورة والتمرد والتفرد، مثل السويدية المعاصرة لها كارين بويه على الساحل الآخر لبحر البلطيق والأمريكية اللاحقة سيلفيا بلاث على الساحل الآخر للأطلسي، اللواتي تأثرن بتيارات الرمزية والتعبيرية وآذنّ بشعر نسائي حديث.
طارق علوش