كرامر ضد كرامر Kramer Versus
Kramer
هادي ياسين
يُنظر الى هذا الفيلم ، الصادر عام 1979 ، كواحد من الأفلام و الفعاليات التي ساهمت في تغيير العالم . و قد يتساءل البعض كيف يمكن لفيلمٍ أن يُسهم في هذا التغيير . بطبيعة الحال لا يمكن لفيلم أن يفعل ذلك لوحده بل هو جزء من منظومة تضم السينما و التشكيل و العمارة و الموسيقى و العلم و الطروحات الفلسفية و الشعر و الرقص و الرياضة .... . دفعت جميعُها العالمَ الى الأمام . ولكن السينما باتت الفن الذي يمثل رأس الحربة في هذا الإتجاه بسبب جماهيريته و توظيفه جميع الفنون الأخرى في بوتقته .
فيلم ( كرامر ضد كرامر ) عالج قضيةً إجتماعية لم تكن مطروحةً سينمائياً سابقاً ، هي قضية الطلاق ، و حتى و إن كانت قد طُرحت من قبل إلا أنها لم تُعالَج كما في هذا الفيلم الذي جاء في سياق التحولات الإجتماعية و الفكرية و الأخلاقية التي شهدتها سبعينيات القرن العشرين . و الواقع أن الفيلم لم يصدم مشاهديه ، بل أصابهم بالدهشة ، و الدهشة لا يصنعها غير عمل إبداعي غير مألوف ، و هذه كانت الميزة الأساسية لفيلم ( كرامر ضد كرامر ) الذي استمد عنوانه من المرافعة القضائية التي وقف خلالها الطليقان " تيدي كرامر " و " جوانا كرامر " ضد بعضهما في المحكمة .
و كما نعلم فأن عناصر مجتمِعةً هي التي تتضافر و تقدم لنا فيلماً ناجحاً ، و في هذا الفيلم المأخوذ عن رواية للكاتب " أفري كورمان " ، صادرة عام 1977 ، توفر السيناريو المتقن الذي نال الفيلم جائزة الأوسكار عنه كأفضل سيناريو مقتبس ، و الذي كتبه مخرج الفيلم " روبرت بنتون " و كاتب الرواية نفسه " أفري كورمان " ، أما ضربة النجاح فقد جاءت على يدي الممثلين المُدهشين " داستن هوفمان " و " ميرل ستريب " و كلاهما نال جائزة الأوسكار عن دوريهما في هذا الفيلم لما قدماه من أداء بارع مدهش أوصل رسالة الفيلم ببراعة . كل هذه العناصر كانت بإدارة متقنة من مخرج الفيلم " روبرت بنتون " الذي خطف بدورة جائزة الأوسكار كأفضل مخرج ، و بهذا يكون الفيلم قد حاز خمس جوائز أوسكار هي جوائز : أفضل فيلم ، أفضل ممثل في دور رئيس ، أفضل ممثلة في دور مساعد ، أفضل سيناريو مقتبس ، أفضل مخرج .
تلك كانت أول جائزة أوسكار حصلت عليها " ميرل ستريب " ، ولكن كان هذا ترشيحها الثاني . ففي المرة الأولى ترشحت عن دورها في فيلم ( صائد الغزلان ) ، ولكنها لم تفز ، غير أن ذلك الترشيح كان منطلقها لتضرب الرقم القياسي في الترشيح للأوسكار عبر كل تاريخ السينما ، إذ بلغ عدد ترشيحاتها 21 مرة حتى الآن ، و هو الرقم الذي لم يسبقها اليه أحد ، فقد ترشحت 17 مرة لجائزة أفضل ممثلة في دور رئيس و أربع مرات لأفضل ممثلة في دور مساعد .
في هذا الفيلم كان " داستن هوفمان " أكثر خبرةً من " ميرل ستريب " و أعمق تجربةً في التمثيل و درايةً بكواليس السينما ، مع أنها تنطوي على موهبةٍ فريدة في التمثيل ، لذلك صدمها أكثر من مرة أمام الكاميرا ، فجرّها الى التمثيل التلقائي دون علمها ، فمرّة تعمّد أن يتصرف خارج السيناريو حين انقلب سلوكهُ أثناء الحديث فقام غاضباً و غادر و هو يضرب كأس النبيذ ، فارتعبت " ميرل ستريب " ، فأبقى المخرجُ على هذا المشهد لما فيه من تلقائية . و مرةً صفعها بصورة مفاجئة فترك أثراً لكفه على خدها ، فجاء رد فعلها عفوياً من أثر الصدمة ، و عندما سُئل " داستن هوفمان " إنْ كانت الصفعة تطبيقاً لما درسه في ( ستوديو الممثل ) أجاب بالنفي ، و أوضح في حديث لمجلة "هوليوود ريبورتر" في عام 2012 ، قال فيه إنه ( في فترة تصوير الفيلم كان منفصلا حديثا عن زوجته ، وترك نفسه للمخدرات لينسي أحزانه ، وكانت سلوكياته عصبية في تلك الفترة ) و وفقاً لهذه الرواية يمكن تفسير صفعه لـ " ميرل ستريب " بأن " هوفمان " كان يتمنى أن يصفع زوجته ، فكانت الصفعة من نصيب " ستريب " . ولكن هذا التصرف ــ على الرغم من سوئه ــ منح الفيلم دفقاً عندما منح " ستريب " شحنةً من التلقائية .
يتناول الفيلم قضية سائدة في المجتمع الغربي ، هي مسألة الطلاق . و لهذه القضية ــ في الفيلم ، كما في المجتمع الغربي ــ قطبان يخصان عائلة صغيرة مكونة من الزوج " تيد " ( داستن هوفمان ) و الزوجة " جوانا " ( ميرل ستريب ) ، هذان القطبان يتمثلان في ( الإنشغال ) و ( الفراغ ) ، فالزوج منشغل طَوال يومه بعمله في مجال الإعلانات ، و الإنشغال في العمل هو أحد أبرز معالم الحياة في المجتمع الإستهلاكي الغربي ، فيما تشعر الزوجة أن حياتها بلا معنى في ظل غياب زوجها عن البيت الذي تعيش بين جدرانه فراغاً مرعباً يدفعها الى طلب الطلاق بحثاً عن معنىً لحياتها ، و حول هذه القضية تتشكل عقدة الفيلم و التي ستنتج عنها عقدة مصغرة ولكنها أشد مضاءً و هي مشكلة مَن منهما يتبنى طفلهما " بيلي " ، الأمر الذي سيدفع الى قضيةٍ هي أكبر من قضية الإنفصال ، و هو ما سيقود الى طرحها في المحكمة ، و تفيد المعلومات بأن " ميرل ستريب " كتبت بنفسها الخطاب الذي القته في المحكمة ، كما تفيد ذات المعلومات بأن المخرج " روبرت بنتون " سمح لها بإعادة صياغة حوارين في الفيلم كي تظهر كإمرأة تريد الإنفصال و ليست ذات طبيعة عدوانية .
رابط الفيلم في التعليق الأول
Kramer
هادي ياسين
يُنظر الى هذا الفيلم ، الصادر عام 1979 ، كواحد من الأفلام و الفعاليات التي ساهمت في تغيير العالم . و قد يتساءل البعض كيف يمكن لفيلمٍ أن يُسهم في هذا التغيير . بطبيعة الحال لا يمكن لفيلم أن يفعل ذلك لوحده بل هو جزء من منظومة تضم السينما و التشكيل و العمارة و الموسيقى و العلم و الطروحات الفلسفية و الشعر و الرقص و الرياضة .... . دفعت جميعُها العالمَ الى الأمام . ولكن السينما باتت الفن الذي يمثل رأس الحربة في هذا الإتجاه بسبب جماهيريته و توظيفه جميع الفنون الأخرى في بوتقته .
فيلم ( كرامر ضد كرامر ) عالج قضيةً إجتماعية لم تكن مطروحةً سينمائياً سابقاً ، هي قضية الطلاق ، و حتى و إن كانت قد طُرحت من قبل إلا أنها لم تُعالَج كما في هذا الفيلم الذي جاء في سياق التحولات الإجتماعية و الفكرية و الأخلاقية التي شهدتها سبعينيات القرن العشرين . و الواقع أن الفيلم لم يصدم مشاهديه ، بل أصابهم بالدهشة ، و الدهشة لا يصنعها غير عمل إبداعي غير مألوف ، و هذه كانت الميزة الأساسية لفيلم ( كرامر ضد كرامر ) الذي استمد عنوانه من المرافعة القضائية التي وقف خلالها الطليقان " تيدي كرامر " و " جوانا كرامر " ضد بعضهما في المحكمة .
و كما نعلم فأن عناصر مجتمِعةً هي التي تتضافر و تقدم لنا فيلماً ناجحاً ، و في هذا الفيلم المأخوذ عن رواية للكاتب " أفري كورمان " ، صادرة عام 1977 ، توفر السيناريو المتقن الذي نال الفيلم جائزة الأوسكار عنه كأفضل سيناريو مقتبس ، و الذي كتبه مخرج الفيلم " روبرت بنتون " و كاتب الرواية نفسه " أفري كورمان " ، أما ضربة النجاح فقد جاءت على يدي الممثلين المُدهشين " داستن هوفمان " و " ميرل ستريب " و كلاهما نال جائزة الأوسكار عن دوريهما في هذا الفيلم لما قدماه من أداء بارع مدهش أوصل رسالة الفيلم ببراعة . كل هذه العناصر كانت بإدارة متقنة من مخرج الفيلم " روبرت بنتون " الذي خطف بدورة جائزة الأوسكار كأفضل مخرج ، و بهذا يكون الفيلم قد حاز خمس جوائز أوسكار هي جوائز : أفضل فيلم ، أفضل ممثل في دور رئيس ، أفضل ممثلة في دور مساعد ، أفضل سيناريو مقتبس ، أفضل مخرج .
تلك كانت أول جائزة أوسكار حصلت عليها " ميرل ستريب " ، ولكن كان هذا ترشيحها الثاني . ففي المرة الأولى ترشحت عن دورها في فيلم ( صائد الغزلان ) ، ولكنها لم تفز ، غير أن ذلك الترشيح كان منطلقها لتضرب الرقم القياسي في الترشيح للأوسكار عبر كل تاريخ السينما ، إذ بلغ عدد ترشيحاتها 21 مرة حتى الآن ، و هو الرقم الذي لم يسبقها اليه أحد ، فقد ترشحت 17 مرة لجائزة أفضل ممثلة في دور رئيس و أربع مرات لأفضل ممثلة في دور مساعد .
في هذا الفيلم كان " داستن هوفمان " أكثر خبرةً من " ميرل ستريب " و أعمق تجربةً في التمثيل و درايةً بكواليس السينما ، مع أنها تنطوي على موهبةٍ فريدة في التمثيل ، لذلك صدمها أكثر من مرة أمام الكاميرا ، فجرّها الى التمثيل التلقائي دون علمها ، فمرّة تعمّد أن يتصرف خارج السيناريو حين انقلب سلوكهُ أثناء الحديث فقام غاضباً و غادر و هو يضرب كأس النبيذ ، فارتعبت " ميرل ستريب " ، فأبقى المخرجُ على هذا المشهد لما فيه من تلقائية . و مرةً صفعها بصورة مفاجئة فترك أثراً لكفه على خدها ، فجاء رد فعلها عفوياً من أثر الصدمة ، و عندما سُئل " داستن هوفمان " إنْ كانت الصفعة تطبيقاً لما درسه في ( ستوديو الممثل ) أجاب بالنفي ، و أوضح في حديث لمجلة "هوليوود ريبورتر" في عام 2012 ، قال فيه إنه ( في فترة تصوير الفيلم كان منفصلا حديثا عن زوجته ، وترك نفسه للمخدرات لينسي أحزانه ، وكانت سلوكياته عصبية في تلك الفترة ) و وفقاً لهذه الرواية يمكن تفسير صفعه لـ " ميرل ستريب " بأن " هوفمان " كان يتمنى أن يصفع زوجته ، فكانت الصفعة من نصيب " ستريب " . ولكن هذا التصرف ــ على الرغم من سوئه ــ منح الفيلم دفقاً عندما منح " ستريب " شحنةً من التلقائية .
يتناول الفيلم قضية سائدة في المجتمع الغربي ، هي مسألة الطلاق . و لهذه القضية ــ في الفيلم ، كما في المجتمع الغربي ــ قطبان يخصان عائلة صغيرة مكونة من الزوج " تيد " ( داستن هوفمان ) و الزوجة " جوانا " ( ميرل ستريب ) ، هذان القطبان يتمثلان في ( الإنشغال ) و ( الفراغ ) ، فالزوج منشغل طَوال يومه بعمله في مجال الإعلانات ، و الإنشغال في العمل هو أحد أبرز معالم الحياة في المجتمع الإستهلاكي الغربي ، فيما تشعر الزوجة أن حياتها بلا معنى في ظل غياب زوجها عن البيت الذي تعيش بين جدرانه فراغاً مرعباً يدفعها الى طلب الطلاق بحثاً عن معنىً لحياتها ، و حول هذه القضية تتشكل عقدة الفيلم و التي ستنتج عنها عقدة مصغرة ولكنها أشد مضاءً و هي مشكلة مَن منهما يتبنى طفلهما " بيلي " ، الأمر الذي سيدفع الى قضيةٍ هي أكبر من قضية الإنفصال ، و هو ما سيقود الى طرحها في المحكمة ، و تفيد المعلومات بأن " ميرل ستريب " كتبت بنفسها الخطاب الذي القته في المحكمة ، كما تفيد ذات المعلومات بأن المخرج " روبرت بنتون " سمح لها بإعادة صياغة حوارين في الفيلم كي تظهر كإمرأة تريد الإنفصال و ليست ذات طبيعة عدوانية .
رابط الفيلم في التعليق الأول