مسكنه
Maskana - Maskana
مسكنة
يقع تل مسكنة، (مدينة إيمار القديمة) في محافظة حلب، على بعد 80كم جنوب منبج، على الضفة اليمنى لنهر الفرات، وهو اليوم مغمور بمياه بحيرة الأسد بعد إقامة سد الفرات.
نقبت في التل بعثة فرنسية بإدارة جان كلود مارغرون J.C.Margueron وذلك بين أعوام 1970- 1976، وكُشف عن مدينة إيمار العائدة إلى عصر البرونز الحديث. مع العلم أن اسم إيمار قد ورد في الكتابات القديمة، العائدة إلى الألف الثالث ق.م، ولكن لم يعثر على مدينة ذلك العصر والتي قد تكون اختفت بسبب تبدل مجرى نهر الفرات.
كانت إيمار مدينة كبرى، أدت دوراً مهماً وأساسياً في القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، بوصفها نقطة التقاء بين بلاد الرافدين وسورية والأناضول. وتبدو مظاهر القوة والعظمة واضحة في إيمار من بقايا المدينة المبنية على نتوء صخري قرب النهر والقلعة الواقعة على بعد نحو 12كم إلى الشمال من الموقع، والمهيمنة على وادي الفرات، وقد بنيتا في القرن الرابع عشر قبل الميلاد على يد الأمير الحثي «شوبيلوليوما» Shuppiluliuma أو «مورسيلي الثاني» Mursili II، وقد رافق إعادة بناء المدينة الجديدة، أعمال تنظيم وتحصين كبيرة، إذ قام البناؤون بإعادة تنظيم سطح الكتلة الصخرية ثم تشذيبها وترميمها، ولم يترددوا بحفر خندق على امتداد مئات الأمتار من الطول، و25متراً من الارتفاع، لتحصين المدينة. وبعد ذلك بنيت المدينة وفق مخطط مدروس، ثم شُيّد المعبد المخصص للإله بعل والإلهة عشتار في الجنوب الشرقي من المدينة، وبنيت أيضاً داخل المدينة بعض المعابد على شكل سطوح متتالية لتشكل نوعاً من المدرج الكبير أمام الوادي.
ويقع القصر الملكي في مكان يطل منه على جميع الجهات، وهو آبدة معمارية من نوع «حيلاني» المؤلف من مدخل بأعمدة يوصل إلى بهوين عرضيين، ويعد من أقدم نماذج هذا النوع من البناء في الشرق القديم.
كان الاكتشاف الأهم في إيمار؛ العثور على وثائق كتابية دلت على أن إيمار كانت في ذاك العصر عاصمة بلاد «اسطاطا» Astata، وأنها خضعت لسلطة الملك الحثي الكبير عبر نائبه في كركميش، وهناك نصوص دينية وأدبية مهمة كتبت بالبابلية، وقليل منها بالحثية والحورية. وقد ساعدت دراسة العديد من الأحياء السكنية، على تعرف كيفية تنظيمها وإطار الحياة اليومية فيها. وكان المنزل عموماً يتألف من غرفة رئيسية مفتوحة مباشرة على الخارج وغرفتين متجاورتين مقابل المدخل، وقد وجد في بعضها بقايا السيراميك المدهون والمصنوع من عجينة الزجاج، كما عثر من هذه الفترة على مجموعة من الأشكال البشرية والحيوانية ونماذج لمنازل بشكل أبراج كانت تؤدي دوراً مهماً في مجال العبادات.
تعود السويات العليا للتل إلى العصرين الروماني والبيزنطي عندما حملت المدينة اسم بارباليسوس Barbalissos، وبقي منها أجزاء من الأسوار الضخمة، وأبنية منسوبة إلى الامبراطور «جوستينيان» .Justinian
في العصر العربي الإسلامي ذكرت المدينة باسم بالس Balis التي بنيت فوق أنقاض مدينة إيمار ودامت نحو ستة قرون، وكانت مدينة مواجهة ومركز نشاط تجاري مهم في موقع يلتقي فيه الطريق بين حلب والموصل نهر الفرات، ومن بقايا هذه الفترة مئذنة جميلة يعود تاريخها إلى العهد الأيوبي، وقصر محصن في الجزء الأعلى من الموقع، وتجمعات سكنية كانت تمتد على نحو 15 هكتاراً، وكشف أيضاً عن بقايا المرفأ الجنوبي، والسوق الصغير وأسوار المدينة، والمحلات التجارية والمنازل التي لا تخلو من الزخارف الجميلة.
أهم اكتشاف قدمته بالس كان الجامع الكبير الذي تزدان جدرانه الداخلية بأشرطة وأطر جصية محفورة بزخارف نباتية وهندسية وكتابية غنية، وهو يتألف من ثلاثة أروقة متوازية، وتجويف في المنطقة الجنوبية (القبلة) وكان لكل رواق محراب محاط بإطار جصي محفور بالزخارف، وتتألف زخارف المحراب الأوسط من تزيينات نباتية وشريطين كتابيين، أما زخارف المحرابين الجانبيين فإنها ذات أهمية كبيرة، وذلك لأن الشريط الكتابي للمحراب الأيمن يحمل تاريخ 464هـ/1071م، ويحمل الشريط الكتابي للمحراب الأيسر تاريخ 469هـ /1076م، مما يدل على أن بناء الجامع قد مرّ بمرحلتين متعاقبتين، فهو في البدء كان مؤلفاً من الرواق الأوسط، ثم توسع بإضافة الرواقين الجانبين إليه. هجرت مدينة بالس إثر الغزو المغولي لبلاد الشام، في منتصف القرن الثالث عشر، ولم يبق إلا قرية متواضعة هي مسكنة الحالية.
علي القيم
Maskana - Maskana
مسكنة
نقبت في التل بعثة فرنسية بإدارة جان كلود مارغرون J.C.Margueron وذلك بين أعوام 1970- 1976، وكُشف عن مدينة إيمار العائدة إلى عصر البرونز الحديث. مع العلم أن اسم إيمار قد ورد في الكتابات القديمة، العائدة إلى الألف الثالث ق.م، ولكن لم يعثر على مدينة ذلك العصر والتي قد تكون اختفت بسبب تبدل مجرى نهر الفرات.
كانت إيمار مدينة كبرى، أدت دوراً مهماً وأساسياً في القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، بوصفها نقطة التقاء بين بلاد الرافدين وسورية والأناضول. وتبدو مظاهر القوة والعظمة واضحة في إيمار من بقايا المدينة المبنية على نتوء صخري قرب النهر والقلعة الواقعة على بعد نحو 12كم إلى الشمال من الموقع، والمهيمنة على وادي الفرات، وقد بنيتا في القرن الرابع عشر قبل الميلاد على يد الأمير الحثي «شوبيلوليوما» Shuppiluliuma أو «مورسيلي الثاني» Mursili II، وقد رافق إعادة بناء المدينة الجديدة، أعمال تنظيم وتحصين كبيرة، إذ قام البناؤون بإعادة تنظيم سطح الكتلة الصخرية ثم تشذيبها وترميمها، ولم يترددوا بحفر خندق على امتداد مئات الأمتار من الطول، و25متراً من الارتفاع، لتحصين المدينة. وبعد ذلك بنيت المدينة وفق مخطط مدروس، ثم شُيّد المعبد المخصص للإله بعل والإلهة عشتار في الجنوب الشرقي من المدينة، وبنيت أيضاً داخل المدينة بعض المعابد على شكل سطوح متتالية لتشكل نوعاً من المدرج الكبير أمام الوادي.
ويقع القصر الملكي في مكان يطل منه على جميع الجهات، وهو آبدة معمارية من نوع «حيلاني» المؤلف من مدخل بأعمدة يوصل إلى بهوين عرضيين، ويعد من أقدم نماذج هذا النوع من البناء في الشرق القديم.
كان الاكتشاف الأهم في إيمار؛ العثور على وثائق كتابية دلت على أن إيمار كانت في ذاك العصر عاصمة بلاد «اسطاطا» Astata، وأنها خضعت لسلطة الملك الحثي الكبير عبر نائبه في كركميش، وهناك نصوص دينية وأدبية مهمة كتبت بالبابلية، وقليل منها بالحثية والحورية. وقد ساعدت دراسة العديد من الأحياء السكنية، على تعرف كيفية تنظيمها وإطار الحياة اليومية فيها. وكان المنزل عموماً يتألف من غرفة رئيسية مفتوحة مباشرة على الخارج وغرفتين متجاورتين مقابل المدخل، وقد وجد في بعضها بقايا السيراميك المدهون والمصنوع من عجينة الزجاج، كما عثر من هذه الفترة على مجموعة من الأشكال البشرية والحيوانية ونماذج لمنازل بشكل أبراج كانت تؤدي دوراً مهماً في مجال العبادات.
تعود السويات العليا للتل إلى العصرين الروماني والبيزنطي عندما حملت المدينة اسم بارباليسوس Barbalissos، وبقي منها أجزاء من الأسوار الضخمة، وأبنية منسوبة إلى الامبراطور «جوستينيان» .Justinian
في العصر العربي الإسلامي ذكرت المدينة باسم بالس Balis التي بنيت فوق أنقاض مدينة إيمار ودامت نحو ستة قرون، وكانت مدينة مواجهة ومركز نشاط تجاري مهم في موقع يلتقي فيه الطريق بين حلب والموصل نهر الفرات، ومن بقايا هذه الفترة مئذنة جميلة يعود تاريخها إلى العهد الأيوبي، وقصر محصن في الجزء الأعلى من الموقع، وتجمعات سكنية كانت تمتد على نحو 15 هكتاراً، وكشف أيضاً عن بقايا المرفأ الجنوبي، والسوق الصغير وأسوار المدينة، والمحلات التجارية والمنازل التي لا تخلو من الزخارف الجميلة.
أهم اكتشاف قدمته بالس كان الجامع الكبير الذي تزدان جدرانه الداخلية بأشرطة وأطر جصية محفورة بزخارف نباتية وهندسية وكتابية غنية، وهو يتألف من ثلاثة أروقة متوازية، وتجويف في المنطقة الجنوبية (القبلة) وكان لكل رواق محراب محاط بإطار جصي محفور بالزخارف، وتتألف زخارف المحراب الأوسط من تزيينات نباتية وشريطين كتابيين، أما زخارف المحرابين الجانبيين فإنها ذات أهمية كبيرة، وذلك لأن الشريط الكتابي للمحراب الأيمن يحمل تاريخ 464هـ/1071م، ويحمل الشريط الكتابي للمحراب الأيسر تاريخ 469هـ /1076م، مما يدل على أن بناء الجامع قد مرّ بمرحلتين متعاقبتين، فهو في البدء كان مؤلفاً من الرواق الأوسط، ثم توسع بإضافة الرواقين الجانبين إليه. هجرت مدينة بالس إثر الغزو المغولي لبلاد الشام، في منتصف القرن الثالث عشر، ولم يبق إلا قرية متواضعة هي مسكنة الحالية.
علي القيم