طلال بيطار يرسم كائناته بموسيقا الروح |
|
ريم الحمش [email protected] بسيطة هي تلك الكائنات التي تحتلّ المشهد البصري عند الفنان التشكيلي طلال بيطار في صياغتها التكوينيّة وملبسها اللونيّ وممارساتها الحركيّة، وانسجامها اللامحدود مع محيطها الذي يمتدّ باندفاع خارج إطار مساحة اللوحة البيضاء.. شخوص ترسم عالمها في مشهد من المساحات اللونيّة المبهرة، وعالم يرسم ساكنيه على سطوح من خيال نتمنّى لو نعيش فيه ولو للحظة، إنه عالَمٌ يرسم ذاته. لا تأتي الأجواء الضوئية التي يصنعها طلال عبثاً بل لها منهجيات متعددة فيكون تأثير الضوء أحياناً طبيعياً محاكياً للواقع, وأحياناً أخرى يستخدم زاوية سقوط معينة, أو إضاءة مباشرة على وجوه شخصياته, أو إضاءة جانبية, مع إضفاء مسحة صفراء مشبعة بضوء الشمس يحضر فيها انطباع بصري بالبعد الزمني وتعكس مفرداته أحياناً ظلالاً ملونة على مساحة خلفيته كسمة تعبيرية يتخيلها كمشاعر وأحاسيس محيطة بالأشخاص.. يقول فنان الانطباعية ريونوار: الظل دائماً له لون وليس هناك ظل أسود؛ ففي الطبيعة لا يوجد غير الألوان، والأبيض والأسود ليسا لونين؛ فيتجاوز الفنان الرؤية التقليدية للوحة الواقعية إلى رؤية ينتقل فيها بين أزمنة مختلفة مبنية على زمن بصري واقعي حقيقي يقتنص فيه لحظات معينة وزمن بصري إبداعي عند تنفيذ العمل تتداخل فيه أزمنة مختلفة مستعيناً بما منحته له سورية من زاد فكري وخيالي, أينما حط رحاله, استنزف اللوحات حتى آخر رمقها الجمالي, وبالغ في تحميل الأشياء مكنونات جمالها فازدادت ريشته بلاغة من الكلاسيك إلى التجريد, مع حرصه الدائم على التأكيد على اللون والضوء كلغة بصرية مميزة لمشهده البصري وكمفاتيح تتيح للمتلقي الدخول في أجوائه النابضة بالجمال فلم يغب لون من الألوان عن لوحاته فاجتمعت كل الأحاسيس في حيوية لونه وطاقته ودرجاته بانسجام جميل, بالإضافة إلى حركة الفرشاة والسكين وتأثيراتها ومعالمها ككتل لونية أو ملامس لبناءات معمارية وانطباعات بصرية متجددة تحفظ التراث المتمسك بملامحه وتفتح المجال للخيال والتأويل أمام منتجه البصري. بإمعان النظر إلى هذه المساحات اللونيّة والبحث في محتواها يواجه المتلقي بين ثنايا صياغاتها البصريّة أحجية لها في كلّ مساحة لون وشكل, وكأنما هي تتجدّد وتتشكّل بحسب قاطني هذه الغابة اللونيّة، ولشدّة بساطتها اللغويّة يعجز الفهم من أن يجد لها الحل! كم هي محيّرة قراءة خريطة هذه الغابة التي تعجّ مكوّناتها بشتى أشكال الفرح. أراد الفنان بيطار من خلال أعماله الملونة أن يعبر عن آمال وتطلعات تكتنز في داخله، هي بالتأكيد تحمل في طياتها دلالات إنسانية قيّمة وأفكار وجدانية كبيرة تضرب في عمق التاريخ جذورها إلا أن أوراقها الخضراء مازالت تظلل الطريق التي فيه تمضي هذه الأجيال, وأنهُ مضى وسيمضي أبداً وهو يحمل بين أضلعه ذلك القنديل المتوهج ماراً بكل مدن الطفولة والصبا في بلده أو المدن التي سيقيم فيها ليزرع الدهشة اللونية وآثارها ذلك المسافر أبداً عبر مدن الدهشة اللونية. أن تكون رساماً في هذه الظروف الصعبة والأليمة فهذا يعني أنك تمتلك قلباً ليس من حديد أو أي معدن آخر؛ إنه قلب مكون من ضوء القمر ولمعان النجوم وظل أزهار الياسمين, قلب مكون من عوالم تخلق في صاحبها الدهشة وحالة من التفرد اللوني لا تستقر إلا في عمق المدى حين تصنع الشمس تلك الصبغة الحمراء في لحظة تجلي كوني في غاية الإتقان اللوني .. الفنان طلال بيطار خريج كلية الفنون الجميلة لعام 1984 قسم الاتصالات البصرية مدرس مادة الزخرفة العربية في معهد الفنون النسوية التابع لوزارة التربية لمدة عام , حصل على جائزة بابلو بيكاسو الثانية بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده عام 1984 من السفارة الإسبانية.. عالمي البيوت الدمشقية في أعمال فريدريك لايتون فريدريك لايتون فنان تشكيلي ورحالة إنكليزي, ولد عام 1830 وتوفي عام 1896, زار دمشق عام 1873 ونفذ لها عدة لوحات أشهرها لوحة بيت دمشقي التي يظهر فيها ثلاث نسوة, إحداهن تقوم بهزِّ شجرة الليمون بالعصا، والثانية تفتح ثوبها الفضفاض لتتلقى ثمارها، أما الثالثة فتتأملهما باهتمام بالغ. نفذ الفنان لايتون هذه اللوحة بدقة وإتقان بعد أن أنجز مجموعة من الدراسات الخطية واللونية السريعة بحيث تندرج ضمن الأعمال الفنيّة الكلاسيكيّة الرفيعة وهي غنية جداً بمفرداتها وطرزها المعماريّة والفنيّة، وبعناصرها الإنسانيّة المنتمية لطبقات اجتماعيّة متباينة، بدليل أنواع الثياب وأغطية الرأس التي ترتديها. الجدير بالذكر أن غالبية لوحات لايتون عن دمشق، موجودة حالياً في المتحف الذي يحمل اسمه في العاصمة البريطانية لندن وهو نفسه داره الذي كان قد بناه على طراز خاص، مزج فيه بين طابع العمارة الفيكتوريّة وخصائص العمارة الشرقيّة. |
طلال بيطار يرسم كائناته بموسيقا الروح
تقليص
X
-
طلال بيطار يرسم كائناته بموسيقا الروح
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد