"سمر الأشقر" .. تطريز التراث بالخيط والإبرة
رهان حبيب
السويداء
تعودت "سمر الأشقر" على مراقبة والدتها وهي تطرز بخيط دقيق على أطراف مناديل الرأس، وتشكيل أغطية منمنمة للطاولات لتصنع لوحات فنية دقيقة، وهو ما جذبها لهذه الحرفة التي مارستها طيلة ثلاثين عاماً الماضية، لتحجز لنفسها مكاناً في ساحة هذا الفن العريق الذي يبحث عمن يحميه من الاندثار.
مسيرة التحدي
في بداية مشوارها درست "الأشقر" في المعهد الزراعي لكنها لم ترغب بالوظيفة والالتزام بها فطلبت من أمها أن تعلمها فنون الإبرة والخيط، وهي تعلم سلفاً أنها من الفنون الصعبة التي تحتاج للصبر والدقة بقدر ماهي حرفة مسلية تتلاقى فيها صفات الجمال والأناقة، بداية من الخيط إلى النقوش التي تطرز بالإبرة بدقة وحرفية عالية.
تتحدث "سمر الأشقر" /54/ عاماً عن ساعات من المتعة تقضيها برفقة الإبرة الدقيقة التي جسدت فيها أجمل النقوش على مناديل الرأس التراثية للسيدات في منطقة جبل العرب، مستعينة بمهارات فنية أتقنتها على مدار السنوات الماضية التي تضيف للمنديل جمالاً إضافياً وأناقة ترغب بها النساء مع الزي العربي أو العصري.
سمر الأشقر
وتقول: «يعتبر منديل الرأس في "السويداء" قطعة أساسية تكمل زي النساء القديم أو الحديث في منطقتنا، وهذا المنديل يفصّل من قماش ناعم الملمس خفيف الوزن، ودرجت عادة تزيين إطار المنديل بالاستفادة من خبرات تراثية قديمة في "جرمانا" و"لبنان" وانتقلت إلى المنطقة، فمهارة الإبرة والخيط تزيد جمال المنديل برسوم متوارثة دقيقة، تجسد فيها زهوراً أو فراشات ورسومات ناعمة مقتبسة من رسوم التطريز المتوارثة، نعيدها بطريقة العد فلكل رسمة عدد معين من الغرز تنفذ وفق أصول المهنة».
وتضيف: «بدايتي في الحرفة كانت منذ ثلاثين عاماً، تعلمت الطريقة وأحببتها كونها شكلت تحدياً بالنسبة لي، ما دفعني لاختيار الأصعب ودخول التجربة التي أثرت في تعاملي مع الحياة بهدوء وتروي، يشبه تعاملي مع تفاصيل الرسومات وعد الغرز والعودة من الصفر في حال أخطأت في واحدة منها».
ليندا أبو الفضلتفاصيل العمل
من أعمال سمر الأشقر
الاهتمام بالتفاصيل عنوان هذه الحرفة، تقول "الأشقر"، فالعمل يعتمد على عد الغرز وشكلها وفي حال الخطأ فإن "العرق" أي الرسوم المطلوب تشكيلها ستتغير وستفقد توازنها وجمالها، بالتالي لابد من التروي والدقة، ومن هنا تعلمت الكثير، إذ إن إهمال تفصيل بسيط قد يذهب بجمال القطعة، وهذا غير مستحب، وكثيراً ما نمضي وقت طويلاً مع السيدة لاختيار الشكل بما ينسجم مع عمرها وزيها وتفاصيل لها أثر كبير في انتاج منديل أنيق وجميل.
السيدة التي تتعامل مع قماش عالي الجودة وبسعر غالي لاحظت أن الحرفة بفعل هذه التحديات تواجه خطر الاندثار، وما كان منها إلى السعي لتعليم من يرغب بتعلم هذه الحرفة التراثية الجميلة، واستقبلت بالفعل عدداً من الشابات بأعمار صغيرة وسيدة أكبر سناً لتعلم الحرفة كما تعلمتها من والدتها، وبالفعل خلال العام الفائت دربت أربع سيدات استطاعت إيصالهن لمرحلة إتقان المهنة لثقتها أن هذه الحرفة لها جذور عميقة، ويجب أن تستمر خاصة أن هناك من يحتاجها، وباتت مطلوبة بشكل مقبول رغم الغلاء الذي لم ينصف الحرفية فأجور العمل لم تعد تفي بما تبذله من تعب ووقت لإنتاج قطعة مميزة.
تتعامل السيدة مع تداعيات الغلاء وارتفاع سعر القماش كونها في هذه الفترة تطلب القماش من دول الخليج، مما رفع سعر القطعة بشكل كبير، فضلاَ عن كلفة الخيوط الباهظة وفترة إنجاز العمل التي يحتاج للدقة، إذ لا يمكن إنتاج المنديل بأقل من نصف شهر.
وتضيف: «صعوبات العمل بالحرفة كثيرة، فانخفاض القدرة الشرائية يحرم الحرفية من طلب أجور تناسب التعب والجهد، لذا فإن ارتفاع سعر المنديل يعود للتاجر، الذي يبيعنا الخيوط ولمن يستورد القماش، وأجورنا في تراجع ولاتنسجم مع التعب، لكن بالنسبة لي فقد تعودت على العمل الذي يشغل وقتي ويقدم لي تسلية كبيرة سواء في تطريز المناديل أو حياكة قطع مميزة، لأغطية الطاولات أو تزيين المنزل، فهذه الحرفة تتضمن فنوناً كثيرة ويجب حمايتها من الاندثار».
مهارة وحرفية
طلبت "ليندا أبو الفضل" من الحرفية "سمر" منديلاً مع رسومات معينة وكان لها ذلك كون التزيين يزيد من جمال المنديل وأناقته كما تقول: «هذه المناديل هي قطعة أساسية للسيدة ترتديها في الأفراح والأتراح، بالتالي يجب أن تكون أنيقة ومناسبة خاصة عندما تنتجها حرفية ذات مهارة وخبرة مثل "سمر" التي تتعامل مع الحرفة بالطريقة التراثية، وقد عملت على تطويرها بأنواع الرسوم وأشكالها لكنها لم تغير الطريقة الأصلية، وهي لا تتوقف عن العمل ليس فقط بهدف الحصول على دخل مادي، فالمهنة لديها هواية، وهي تقدم كل يوم نقوشاً أكثر جمالاً، خاصة أنها أخذت تقتبس من شبكات التواصل من فنون سيدات "لبنان وأوروبا وتركيا" لتطوير الرسوم وإضفاء ملامح عصرية ترضي النساء ولاقت الاستحسان».
في هذه المنطقة قد تكون "سمر" إضافة إلى سيدة أخرى، الوحيدة من الحرفيات في مجال التطريز بالخيط والإبرة على المناديل وبجهودها، دربت شابات وسيدات لتحافظ على الحرفة من الاندثار خاصة في ظل زيادة الطلب رغم ارتفاع الكلفة لإنتاج منديل جميل.
تخبرنا "أميرة مكارم" في عقدها الخامس كيف ساعدتها "سمر" بتعلم الحرفة التي لا تخلو من الصعوبة لكنها قدمت لها الطريقة بيسر وهدوء لتتقنها بوقت قياسي. وتضيف: «خلال الجلسات الأولى وجدت صعوبة بالتعلم لكن بفضل أسلوبها وخبرتها تابعت حتى أنتجت أول منديل، وتعلقت بالحرفة وأخذت أعد مناديل أخرى وفق الطلب فهذه الحرفة مطلوبة وفيها كثير من الجمال والفن الذي نحتاجها لتزيين الزي الشعبي أو الازياء العصرية».
تتابع "الأشقر" وهي أم لشابين، عملها إلى جانب مهمة تعليم متدربات جدد للمحافظة على هذه الحرفة التي تضفي رونقاً وجمالاً لمناديل النساء، وقد تكون مصدر دخل مقبول لمن ترغب من الشابات، وتظل المهمة الأسمى المحافظة على هذا الإرث الجميل.
رهان حبيب
السويداء
تعودت "سمر الأشقر" على مراقبة والدتها وهي تطرز بخيط دقيق على أطراف مناديل الرأس، وتشكيل أغطية منمنمة للطاولات لتصنع لوحات فنية دقيقة، وهو ما جذبها لهذه الحرفة التي مارستها طيلة ثلاثين عاماً الماضية، لتحجز لنفسها مكاناً في ساحة هذا الفن العريق الذي يبحث عمن يحميه من الاندثار.
مسيرة التحدي
في بداية مشوارها درست "الأشقر" في المعهد الزراعي لكنها لم ترغب بالوظيفة والالتزام بها فطلبت من أمها أن تعلمها فنون الإبرة والخيط، وهي تعلم سلفاً أنها من الفنون الصعبة التي تحتاج للصبر والدقة بقدر ماهي حرفة مسلية تتلاقى فيها صفات الجمال والأناقة، بداية من الخيط إلى النقوش التي تطرز بالإبرة بدقة وحرفية عالية.
خلال الجلسات الأولى وجدت صعوبة بالتعلم لكن بفضل أسلوبها وخبرتها تابعت حتى أنتجت أول منديل، وتعلقت بالحرفة وأخذت أعد مناديل أخرى وفق الطلب فهذه الحرفة مطلوبة وفيها كثير من الجمال والفن الذي نحتاجها لتزيين الزي الشعبي أو الازياء العصرية
تتحدث "سمر الأشقر" /54/ عاماً عن ساعات من المتعة تقضيها برفقة الإبرة الدقيقة التي جسدت فيها أجمل النقوش على مناديل الرأس التراثية للسيدات في منطقة جبل العرب، مستعينة بمهارات فنية أتقنتها على مدار السنوات الماضية التي تضيف للمنديل جمالاً إضافياً وأناقة ترغب بها النساء مع الزي العربي أو العصري.
سمر الأشقر
وتقول: «يعتبر منديل الرأس في "السويداء" قطعة أساسية تكمل زي النساء القديم أو الحديث في منطقتنا، وهذا المنديل يفصّل من قماش ناعم الملمس خفيف الوزن، ودرجت عادة تزيين إطار المنديل بالاستفادة من خبرات تراثية قديمة في "جرمانا" و"لبنان" وانتقلت إلى المنطقة، فمهارة الإبرة والخيط تزيد جمال المنديل برسوم متوارثة دقيقة، تجسد فيها زهوراً أو فراشات ورسومات ناعمة مقتبسة من رسوم التطريز المتوارثة، نعيدها بطريقة العد فلكل رسمة عدد معين من الغرز تنفذ وفق أصول المهنة».
وتضيف: «بدايتي في الحرفة كانت منذ ثلاثين عاماً، تعلمت الطريقة وأحببتها كونها شكلت تحدياً بالنسبة لي، ما دفعني لاختيار الأصعب ودخول التجربة التي أثرت في تعاملي مع الحياة بهدوء وتروي، يشبه تعاملي مع تفاصيل الرسومات وعد الغرز والعودة من الصفر في حال أخطأت في واحدة منها».
ليندا أبو الفضلتفاصيل العمل
من أعمال سمر الأشقر
الاهتمام بالتفاصيل عنوان هذه الحرفة، تقول "الأشقر"، فالعمل يعتمد على عد الغرز وشكلها وفي حال الخطأ فإن "العرق" أي الرسوم المطلوب تشكيلها ستتغير وستفقد توازنها وجمالها، بالتالي لابد من التروي والدقة، ومن هنا تعلمت الكثير، إذ إن إهمال تفصيل بسيط قد يذهب بجمال القطعة، وهذا غير مستحب، وكثيراً ما نمضي وقت طويلاً مع السيدة لاختيار الشكل بما ينسجم مع عمرها وزيها وتفاصيل لها أثر كبير في انتاج منديل أنيق وجميل.
السيدة التي تتعامل مع قماش عالي الجودة وبسعر غالي لاحظت أن الحرفة بفعل هذه التحديات تواجه خطر الاندثار، وما كان منها إلى السعي لتعليم من يرغب بتعلم هذه الحرفة التراثية الجميلة، واستقبلت بالفعل عدداً من الشابات بأعمار صغيرة وسيدة أكبر سناً لتعلم الحرفة كما تعلمتها من والدتها، وبالفعل خلال العام الفائت دربت أربع سيدات استطاعت إيصالهن لمرحلة إتقان المهنة لثقتها أن هذه الحرفة لها جذور عميقة، ويجب أن تستمر خاصة أن هناك من يحتاجها، وباتت مطلوبة بشكل مقبول رغم الغلاء الذي لم ينصف الحرفية فأجور العمل لم تعد تفي بما تبذله من تعب ووقت لإنتاج قطعة مميزة.
تتعامل السيدة مع تداعيات الغلاء وارتفاع سعر القماش كونها في هذه الفترة تطلب القماش من دول الخليج، مما رفع سعر القطعة بشكل كبير، فضلاَ عن كلفة الخيوط الباهظة وفترة إنجاز العمل التي يحتاج للدقة، إذ لا يمكن إنتاج المنديل بأقل من نصف شهر.
وتضيف: «صعوبات العمل بالحرفة كثيرة، فانخفاض القدرة الشرائية يحرم الحرفية من طلب أجور تناسب التعب والجهد، لذا فإن ارتفاع سعر المنديل يعود للتاجر، الذي يبيعنا الخيوط ولمن يستورد القماش، وأجورنا في تراجع ولاتنسجم مع التعب، لكن بالنسبة لي فقد تعودت على العمل الذي يشغل وقتي ويقدم لي تسلية كبيرة سواء في تطريز المناديل أو حياكة قطع مميزة، لأغطية الطاولات أو تزيين المنزل، فهذه الحرفة تتضمن فنوناً كثيرة ويجب حمايتها من الاندثار».
مهارة وحرفية
طلبت "ليندا أبو الفضل" من الحرفية "سمر" منديلاً مع رسومات معينة وكان لها ذلك كون التزيين يزيد من جمال المنديل وأناقته كما تقول: «هذه المناديل هي قطعة أساسية للسيدة ترتديها في الأفراح والأتراح، بالتالي يجب أن تكون أنيقة ومناسبة خاصة عندما تنتجها حرفية ذات مهارة وخبرة مثل "سمر" التي تتعامل مع الحرفة بالطريقة التراثية، وقد عملت على تطويرها بأنواع الرسوم وأشكالها لكنها لم تغير الطريقة الأصلية، وهي لا تتوقف عن العمل ليس فقط بهدف الحصول على دخل مادي، فالمهنة لديها هواية، وهي تقدم كل يوم نقوشاً أكثر جمالاً، خاصة أنها أخذت تقتبس من شبكات التواصل من فنون سيدات "لبنان وأوروبا وتركيا" لتطوير الرسوم وإضفاء ملامح عصرية ترضي النساء ولاقت الاستحسان».
في هذه المنطقة قد تكون "سمر" إضافة إلى سيدة أخرى، الوحيدة من الحرفيات في مجال التطريز بالخيط والإبرة على المناديل وبجهودها، دربت شابات وسيدات لتحافظ على الحرفة من الاندثار خاصة في ظل زيادة الطلب رغم ارتفاع الكلفة لإنتاج منديل جميل.
تخبرنا "أميرة مكارم" في عقدها الخامس كيف ساعدتها "سمر" بتعلم الحرفة التي لا تخلو من الصعوبة لكنها قدمت لها الطريقة بيسر وهدوء لتتقنها بوقت قياسي. وتضيف: «خلال الجلسات الأولى وجدت صعوبة بالتعلم لكن بفضل أسلوبها وخبرتها تابعت حتى أنتجت أول منديل، وتعلقت بالحرفة وأخذت أعد مناديل أخرى وفق الطلب فهذه الحرفة مطلوبة وفيها كثير من الجمال والفن الذي نحتاجها لتزيين الزي الشعبي أو الازياء العصرية».
تتابع "الأشقر" وهي أم لشابين، عملها إلى جانب مهمة تعليم متدربات جدد للمحافظة على هذه الحرفة التي تضفي رونقاً وجمالاً لمناديل النساء، وقد تكون مصدر دخل مقبول لمن ترغب من الشابات، وتظل المهمة الأسمى المحافظة على هذا الإرث الجميل.