وجد العلماء مؤخرًا تراكم بعض من مضادات الاكتئاب البشرية في أدمغة أنواع مختلفة من الأسماك تعيش في منطقة البحيرات العظمى كأسماك باس، والي، والعديد من الأسماك الأخرى.
ففي دراسة أجريت مؤخرًا تمّ الكشف عن أنواع عديدة من هذه المركبات الدوائية متراكمة في النسيج الدماغي لعشرة أنواع من الأسماك تعيش في نهر نياجرا، القناة المائية الحيوية التي تربط اثنتين من البحيرات الكبرى، بحيرة إيري وبحيرة أونتاريو، عبر شلالات نياجرا.
واكتشاف ترسبات مضادات الاكتئاب في الحياة المائية يثير مخاوف بيئية خطيرة، كما يقول قائد العلماء في مختبرات آغا وأستاذ علم الكيمياء في كلية الآداب والعلوم من جامعة بوفالو هنري إم. وودبرن- Henry M. Woodburn: «هذه المكونات الفعّالة من مضادات الاكتئاب، التي تأتي من محطات معالجة مياه الصرف الصحي، تتراكم في أدمغة الأسماك، وهي تشكّل تهديد للتنوع البيولوجي، وينبغي أن نكون قلقين للغاية حيال هذا الأمر».
وأتبع قائلًا: «هذه المركبات الفعالة من الممكن أن تؤثر على سلوك الأسماك، وعلى الرغم من أننا لم نراقب السلوك ضمن دراستنا، إلا أنّ فرقًا بحثيةً أخرى قد أظهرت بأن لمضادات الاكتئاب هذه القدرة على التأثير على السلوك التغذوي لدى الأسماك أو على غرائزهم بالبقاء على قيد الحياة فبعض الأسماك لن تقدر تمامًا خطورة وجود الحيوانات المفترسة».
يقول المؤلف المشارك للدراسة راندولف سينغ-Randolph Singh وهو دكتور خريج حديث من مختبر أغا: «لو أن مثل هذه التغيرات حصلت في الحيوانات البريّة فكان من الممكن أن تُحدث تعطيل التوازن الدقيق بين الأنواع التي تساعد على إبقاء النظام الإيكولوجي مستقرًا».
ويتابع قائلًا: «على الرغم من أنّ الكميات التي رُصدت ضمن أنسجة أدمغة الأسماك لا تُشكل خطرًا مباشرًا على من يأكل السمك، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال فالناس غير معتادة على أكل أعضاء مثل الأدمغة. إلا أنّ هذه الكميات كفيلة بإحداث خطر حقيقي على التنوع الحيوي، والعلماء لم يبدؤوا بفهم النتائج المتوقعة عن هذا التلوّث إلا مؤخرًا»
وقد اشتمل فريق البحث على علماء آخرين من جامعة وب، جامعة رامخامهاينغ، وجامعة خون كاين، وكلاهما في تايلند، ولاية سوني بوفالو. ونشرت الدراسة يوم 16 آب في مجلة العلوم البيئية والتكنولوجيا.
مزيج خطر من مضادات الاكتئاب ضمن المياه:
لقد قضت آغا حياتها تكتشف الملوثات، مثل المواد الصيدلانية، والمضادات الحيوية والمركبات الهرمونية المنتشرة في البيئة. وهو مجال ازداد الاهتمام به في الآونة الأخيرة بشكل خاص نتيجة الانتشار الكبير لاستخدام هذه المواد الكيميائية، فعلى سبيل المثال ارتفعت نسبة الأمريكيين الذين يتناولون مضادات الاكتئاب بنسبة 65 في المائة خلال الفترة الممتدة بين 1999-2002 و2011-2014، وفقًا للمركز الوطني للإحصاءات الصحية.
وقد فشلت مرافق معالجة المياه العادمة في مواكبة هذا الانتشار، وعادة ما تجاهلت هذه الأدوية، والتي يتم إطلاقها في البيئة دون أي معالجة، كما تقول آغا والتي عمدت ضمن دراستها للتبع آثار المنتجات الصيدلانية ومنتجات العناية الشخصية ضمن أنسجة عشرة أنواع مختلفة من الأسماك: باس، لارجموث باس، رود، باس الروك، باس الأبيض، جثم الأبيض، والي، بوفين، ستيلهيد وجثم الأصفر. ولكن مضادات الاكتئاب شكّلت المشكلة الأكبر لأنها وجدت هي و/أو مستقلباتها في أدمغة كافة الأنواع التي درسها العلماء.
أعلى تركيز تم العثور عليه كان لمركب واحد في باس الصخور، حوالي 400 نانوغرام من النورسرترالين – أحد مستقلبات السيرترالين، المادة الفعّالة في زولوفت، لكل غرام من أنسجة المخ.
وكان هذا بالإضافة إلى مزيج من المركبات الأخرى الموجودة في نفس نوع السمك، فقد وجد أيضًا مركب السيتالوبرام، المادة الفعّالة ضمن عقارالسيليكسا، و نورفلوكسيتين، مستقلب المادة الفعّالة في كل من بروزاك وسرافيم.
أكثر من نصف عينات أدمغة السمك التي تمّت دراستها احتوت على النورسرترالين بتركيز 100 نانوغرام أو أكثر لكل واحد غرام. بالإضافة إلى وجود مزيج من المضادات الحيوية الأخرى كما في سمك باس الصخري.
الأدلة العلمية على أن مضادات الاكتئاب من الممكن أن تؤثر على سلوك الأسماك أدت من دراسات مخبرية، حيث تمّ تعريض الحيوانات لكميات أكبر من تلك التي كُشفت ضمن الأسماك في نهر نياجرا، لكن الخطورة قائمة بأي حال، فالتراكيز الموجودة حاليًا تراكمت مع مر السنين فقد وصلت لتراكيز أعلى بمرات كثيرة من الموجودة في مياه النهر حاليًا وبالتالي فهي قابلة للازدياد.
في أدمغة باس سمالموث، باس لارجيموث، باس الصخري، باس أبيض ووالي، تم العثور على سيرترالين بتراكيز قُدرت ب 20 مرة أو أكثر من تراكيزه في مياه النهر. وكانت تراكيز المستقلب نورسرترالين أكبر من ذلك، لتصل إلى تراكيز أعلى مئات المرات من تلك الموجودة في النهر.
وقال أغا إن العلماء لم يفعلوا ما يكفي من الأبحاث حتى الآن لفهم كمية مضادات الاكتئاب التي تشكل خطرًا على الحيوانات، أو عن كيفية احتمال تآزر الأنواع المختلفة من الأدوية وتأثيرها التآزري على سلوكك الحيوانات.
محطات معالجة المياه صناعية عفا عليها الزمن:
أضاف أغا، أن هذه الدراسة أثارت ضجة حول محطات معالجة المياه التي لم تتطور آلياتها منذ زمن. فمعالجة مياه الصرف الصحي تتركز بشكل عام على قتل البكتيريا المسببة للأمراض واستخراج المواد الصلبة مثل البراز البشري. أما مضادات الاكتئاب، التي يتم كشفها في بول الأشخاص الذين يتعاطونها أو يستخدمونها، يتم تجاهلها إلى حد كبير، جنبًا إلى جنب مع المواد الكيميائية الأخرى المثيرة للقلق والتي أصبحت شائعة الاستخدام، كما يقول أغا.
ثم أضاف قائلًا: «تركز هذه المصانع على إزالة النتروجين والفوسفور والكربون العضوي المنحلّ، ولكن هناك الكثير من المواد الكيميائية الأخرى التي لا تُعطى الأولوية والتي تؤثر على بيئتنا، ونتيجة لذلك، تتعرض الحياة البرية لكافة هذه المواد الكيميائية. وتتلقى الأسماك هذا المزيج من المركبات المخدرة على مدار ال 24 ساعة يوميًا، والآن نحن نعثر عليها متراكمة في أدمغتهم«.
وما يزيد المشكلة تفاقمًا، حسب ما يقول سينغ، يأتي عبر تدفق مياه المجاري التي تنقل كميات كبيرة من المياه غير المعالجة إلى الأنهار والبحيرات، ففي آب / أغسطس، على سبيل المثال، أفادت صحيفة بوفالو نيوز أنه منذ أيار/ مايو من عام 2017، تدفق نصف بليون غالون من مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار إلى مجاري مائية محلية، بما في ذلك نهر نياجرا.