مطهر جرموزي
Al-Mutahir al-Djurmuzi - Al-Mutahir al-Djurmuzi
المُطَهَّر الجُرْموزيّ
(1003 ـ 1077هـ/1595 ـ 1667م)
المُطَهَّر بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن المنتصر، الشريف الحسنيّ الجرموزيّ، عالم، مؤرخ يماني، اشتهر بالجرموزيّ نسبة إلى مسقط رأسه (بني جرموز) وهي قرية من بلاد الحارث شمال صنعاء حيث نشأ في كنف والده، وكان لقربه من الأسرة القاسمية الأثر البالغ في تحصيله العلمي، حيث نال حظاً وافراً من العلم، فصار عالماً فقيهاً صاحب دراسة ومعرفة دقيقة بعلوم الدين ولاسيما الأصول والفقه منها. وهو بذلك بحسب المحبّي قد: «كان من أعيان الدهر وأفراد العصر علماً وعملاً ونباهة وفضلاً»، قرّبه الإمام الزيدي القاسم بن محمد صاحب اليمن (1016-1029هـ) إليه، فكانت له مكانة عالية لديه، فيما ولاه ابنه الإمام المؤيد بالله محمد (ت 1054هـ) القضاء على نواحي آنِس ووُصاب وعُتُمة (من أعمال زبيد)، وأبقاه في منصبه كذلك الإمام المتوكل على الله إسماعيل (ت1087هـ) إلى أن تُوفَّي في قرية المحروم من عُتُمة عن عمر ناف على السبعين عاماً، ودفن ببعض نواحي مديرية عُتُمة، وقبره مشهور يزوره الناس.
غفلت مطولات التراجم اليمنية عن ذكر تفصيلات دقيقة عن نشأته أو المشايخ الذين تتلمذ على أيديهم، فهو لم يُذكر في كتاب «مطلع البدور ومجمع البحور» لمعاصره القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال؛ ولعل مردّ ذلك إلى أن أبا الرجال لم يتناول في تراجمه سوى من تفقهوا في المذهب الزيدي، وكذلك لم يشر إليه العلّامة المؤرخ محمد بن علي الشوكاني في مؤلفّه «البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع».
وللجرموزيّ عشرة أبناء نجباء شعراء؛ هم (محمد، وعلي، والحسن، والحسين، والهادي، وأحمد، وعبد الله، والقاسم، وجعفر، وإسماعيل) وقد جمع أخبارَهم كتاب «قلائد الجوهر في أنباء آل المطهّر» لعلم الدين قاسم بن أحمد الخالدي.
تعدّ الفترة الزمنية (1538-1635م) إحدى الفترات التاريخية المهمّة في تاريخ اليمن الحديث؛ هي فترة الوجود العثماني في اليمن، وهذه الفترة التاريخية التي عاشها المؤرخ الجرموزيّ كان لها بالغ الأثر في صقل شخصه سياسياً ومؤرِّخاً، وقد تضافرت عوامل عدّة أثرت في نتاجه الفكري وفي رفع شأنه مؤرِّخاً منها قرابته للأئمة الزيدية -أسرة القاسم- وارتباطه المباشر بأركان الدولة القاسمية لكونه أحد المسؤولين فيها، ومثّلت سيره الثلاث التي كتبها عن الإمام القاسم بن محمد وولديه الإمام المؤيد بالله محمد، والإمام المتوكل على الله إسماعيل مصدراً مهماً وموثوقاً به في التاريخ اليمني الحديث، وفي حقيقة الأمر فإن الجرموزيّ يُعدّ أحد النماذج البارزة بين مؤرخي عصره؛ وذلك لغزارة مادته التاريخية ولعمق نظرته وتحليلاته.
كتب الجرموزيّ في سِنِي حياته أربعة مؤلفات، أرّخ في ثلاثة منها للدولة القاسمية، وهي سير للأئمة الثلاثة؛ وهي:
1- «النبذة المشيرة إلى جُملٍ من عيون السيرة» تناول فيه سيرة الإمام القاسم بن محمد (ت1029هـ/1619م)؛ وهناك مسمى آخر لهذه السيرة هو «الدرّة المضيّة في السيرة القاسميّة»، وتناول فيه جوانب من حياة الإمام القاسم الشخصية والعلمية والسياسية والحربية، وقد ضمن المؤرخ كتابه العديد من الرسائل التي تبادلها الإمام القاسم مع مؤيديه ومناصريه. وأبدى اهتماماً كبيراً بثورة الإمام القاسم التي خاضها ضد الوجود العثماني الأول في اليمن، وأورد بإسهاب المعارك التي دارت بين الجانبين الإمامي والعثماني في أثناء الثورة، كما أنه أورد تراجم لعدد من العلماء والفقهاء وغيرهم من الأدباء ممن عاصروا الإمام القاسم.
2- «الجوهرة المنيرة في تاريخ الخلافةالمؤيدية» تحدث فيه عن سيرة الإمام المؤيد بالله محمد منذ توليه الإمامة عقب وفاة أبيه الإمام القاسم حتى وفاته سنة 1054هـ/1635 وأفرد الجرموزي جانباً كبيراً من كتابه لثورة الإمام المؤيد بالله محمد ضد العثمانيين حيث سجل وقائع الحروب التي خاضها معهم، انتهاءً بخروجهم من اليمن سنة 1036هـ/1635م.
3- «تحفة الأسماع والأبصار بما في السيرة المتوكلية من غرائب الأخبار» تناول المؤرخ الجرموزيّ في كتابه سيرة الإمام المتوكل على الله إسماعيل (1087هـ/1676م)، وتطرق كذلك إلى الحياة السياسية والعلمية آنذاك، كما أنه ترجم للمعاصرين من علماء وفقهاء وأدباء ممن عاصروا الإمام، ورصد النهضة العلمية التي شهدها عصره.
4- «عقد الجواهر البهيّة في معرفة المملكة اليمنيّة»، تناول فيه أخبار من مَلك اليمن منذ عهد النبيr حتى عصره، ولم يقدّر أهمية هذا الكتاب كما يقول مؤرخ معاصر: «سوى ناس قليلين منهم الشيخ حمد الجاسر الذي يمتلك نسخة من الأمّ المجهولة».
تعدّ المرحلة التي تناولها الجرموزيّ في كتبه من أهم المراحل التاريخية لليمن الحديث؛ لكونها حددت الملامح والمعالم للسياسة اليمنية في القرن السابع عشر الميلادي بما فيه من مجريات الأحداث التي أفرزها الواقع السياسي في هذا القرن؛ بعد خروج الأتراك وصولاً إلى توحيدها في عهد الإمام المتوكل على الله إسماعيل، وتبرز أهمية المؤلفات أيضاً في دقة معلوماتها وشموليتها إلى جانب أن مؤلفها كان شاهد عيان لأحداثها، بل وأكثر من ذلك قربه من الإمام القاسم وولديه، فكانت صورة متكاملة لتلك الحقبة الزمنية من تاريخ اليمن المستقل، في الوقت الذي لم يتطرق إليه المؤرخون المعاصرون لها أو ممن كتب عنها على النحو الذي تناولته هي، ولم تَعْدُ دراساتهم سوى إشارات سريعة لسرد حوادثها.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤلفاته التاريخية لم تقتصر في محتوياتها على الجانب السياسي وإن هو حظي بالنصيب الأكبر والأوفر من اهتمام الجرموزيّ، بل تناولت أيضاً الجانب الاقتصادي وما حدث من جدب ومجاعات وغلاء؛ والجانب الاجتماعي من عادات وتقاليد كانت سائدة، والجانب العمراني وما تم فيه من بناء أو إصلاح أو ترميم للمساجد والمدارس؛ والجانب العلمي وذكره عدداً كبيراً من العلماء والفقهاء الذين عاصروه؛ وذكره بعض الظواهر الطبيعية التي حدثت في تلك الفترة من الزمن، من ذلك تتبعه لسير أحد النجوم، وذكره العواصف التي هبّت على مدينة ذمار سنة (1056هـ/1646م)، فدمرت فيها المباني، وزلزلت البيوت؛ على أن اهتمامات الجرموزيّ بالتأريخ للوقائع والأحداث لم تصرفه عن الأدب، فاتخذ له مساحة لا بأس بها في اهتماماته عامة، فكان ممن يقرض الشعر؛ إلا أن المصادر التي تناولت ترجمته قد أغفلت الإشارة إلى مثل ذلك، ومما قاله في الإمام القاسم بن محمد يمدحه:
كالقاسمِ المنصورِ شَمْرِ العدى
وفارسِ الهيجاءِ لَيْثِ الضِّرابْ
محيي رسومِ الدَّينِ منْ بَعْدِ ما
أَضْحَتْ مبانيهِ جَميعاً خرابْ
قامَ فَجَلَّى نَورُهُ ظُلْمةَ الفحــ
ـشاءِ وأحيا الدَّينَ بعْدَ الذَّهابْ
منى الحسن
Al-Mutahir al-Djurmuzi - Al-Mutahir al-Djurmuzi
المُطَهَّر الجُرْموزيّ
(1003 ـ 1077هـ/1595 ـ 1667م)
المُطَهَّر بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن المنتصر، الشريف الحسنيّ الجرموزيّ، عالم، مؤرخ يماني، اشتهر بالجرموزيّ نسبة إلى مسقط رأسه (بني جرموز) وهي قرية من بلاد الحارث شمال صنعاء حيث نشأ في كنف والده، وكان لقربه من الأسرة القاسمية الأثر البالغ في تحصيله العلمي، حيث نال حظاً وافراً من العلم، فصار عالماً فقيهاً صاحب دراسة ومعرفة دقيقة بعلوم الدين ولاسيما الأصول والفقه منها. وهو بذلك بحسب المحبّي قد: «كان من أعيان الدهر وأفراد العصر علماً وعملاً ونباهة وفضلاً»، قرّبه الإمام الزيدي القاسم بن محمد صاحب اليمن (1016-1029هـ) إليه، فكانت له مكانة عالية لديه، فيما ولاه ابنه الإمام المؤيد بالله محمد (ت 1054هـ) القضاء على نواحي آنِس ووُصاب وعُتُمة (من أعمال زبيد)، وأبقاه في منصبه كذلك الإمام المتوكل على الله إسماعيل (ت1087هـ) إلى أن تُوفَّي في قرية المحروم من عُتُمة عن عمر ناف على السبعين عاماً، ودفن ببعض نواحي مديرية عُتُمة، وقبره مشهور يزوره الناس.
غفلت مطولات التراجم اليمنية عن ذكر تفصيلات دقيقة عن نشأته أو المشايخ الذين تتلمذ على أيديهم، فهو لم يُذكر في كتاب «مطلع البدور ومجمع البحور» لمعاصره القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال؛ ولعل مردّ ذلك إلى أن أبا الرجال لم يتناول في تراجمه سوى من تفقهوا في المذهب الزيدي، وكذلك لم يشر إليه العلّامة المؤرخ محمد بن علي الشوكاني في مؤلفّه «البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع».
وللجرموزيّ عشرة أبناء نجباء شعراء؛ هم (محمد، وعلي، والحسن، والحسين، والهادي، وأحمد، وعبد الله، والقاسم، وجعفر، وإسماعيل) وقد جمع أخبارَهم كتاب «قلائد الجوهر في أنباء آل المطهّر» لعلم الدين قاسم بن أحمد الخالدي.
تعدّ الفترة الزمنية (1538-1635م) إحدى الفترات التاريخية المهمّة في تاريخ اليمن الحديث؛ هي فترة الوجود العثماني في اليمن، وهذه الفترة التاريخية التي عاشها المؤرخ الجرموزيّ كان لها بالغ الأثر في صقل شخصه سياسياً ومؤرِّخاً، وقد تضافرت عوامل عدّة أثرت في نتاجه الفكري وفي رفع شأنه مؤرِّخاً منها قرابته للأئمة الزيدية -أسرة القاسم- وارتباطه المباشر بأركان الدولة القاسمية لكونه أحد المسؤولين فيها، ومثّلت سيره الثلاث التي كتبها عن الإمام القاسم بن محمد وولديه الإمام المؤيد بالله محمد، والإمام المتوكل على الله إسماعيل مصدراً مهماً وموثوقاً به في التاريخ اليمني الحديث، وفي حقيقة الأمر فإن الجرموزيّ يُعدّ أحد النماذج البارزة بين مؤرخي عصره؛ وذلك لغزارة مادته التاريخية ولعمق نظرته وتحليلاته.
كتب الجرموزيّ في سِنِي حياته أربعة مؤلفات، أرّخ في ثلاثة منها للدولة القاسمية، وهي سير للأئمة الثلاثة؛ وهي:
1- «النبذة المشيرة إلى جُملٍ من عيون السيرة» تناول فيه سيرة الإمام القاسم بن محمد (ت1029هـ/1619م)؛ وهناك مسمى آخر لهذه السيرة هو «الدرّة المضيّة في السيرة القاسميّة»، وتناول فيه جوانب من حياة الإمام القاسم الشخصية والعلمية والسياسية والحربية، وقد ضمن المؤرخ كتابه العديد من الرسائل التي تبادلها الإمام القاسم مع مؤيديه ومناصريه. وأبدى اهتماماً كبيراً بثورة الإمام القاسم التي خاضها ضد الوجود العثماني الأول في اليمن، وأورد بإسهاب المعارك التي دارت بين الجانبين الإمامي والعثماني في أثناء الثورة، كما أنه أورد تراجم لعدد من العلماء والفقهاء وغيرهم من الأدباء ممن عاصروا الإمام القاسم.
2- «الجوهرة المنيرة في تاريخ الخلافةالمؤيدية» تحدث فيه عن سيرة الإمام المؤيد بالله محمد منذ توليه الإمامة عقب وفاة أبيه الإمام القاسم حتى وفاته سنة 1054هـ/1635 وأفرد الجرموزي جانباً كبيراً من كتابه لثورة الإمام المؤيد بالله محمد ضد العثمانيين حيث سجل وقائع الحروب التي خاضها معهم، انتهاءً بخروجهم من اليمن سنة 1036هـ/1635م.
3- «تحفة الأسماع والأبصار بما في السيرة المتوكلية من غرائب الأخبار» تناول المؤرخ الجرموزيّ في كتابه سيرة الإمام المتوكل على الله إسماعيل (1087هـ/1676م)، وتطرق كذلك إلى الحياة السياسية والعلمية آنذاك، كما أنه ترجم للمعاصرين من علماء وفقهاء وأدباء ممن عاصروا الإمام، ورصد النهضة العلمية التي شهدها عصره.
4- «عقد الجواهر البهيّة في معرفة المملكة اليمنيّة»، تناول فيه أخبار من مَلك اليمن منذ عهد النبيr حتى عصره، ولم يقدّر أهمية هذا الكتاب كما يقول مؤرخ معاصر: «سوى ناس قليلين منهم الشيخ حمد الجاسر الذي يمتلك نسخة من الأمّ المجهولة».
تعدّ المرحلة التي تناولها الجرموزيّ في كتبه من أهم المراحل التاريخية لليمن الحديث؛ لكونها حددت الملامح والمعالم للسياسة اليمنية في القرن السابع عشر الميلادي بما فيه من مجريات الأحداث التي أفرزها الواقع السياسي في هذا القرن؛ بعد خروج الأتراك وصولاً إلى توحيدها في عهد الإمام المتوكل على الله إسماعيل، وتبرز أهمية المؤلفات أيضاً في دقة معلوماتها وشموليتها إلى جانب أن مؤلفها كان شاهد عيان لأحداثها، بل وأكثر من ذلك قربه من الإمام القاسم وولديه، فكانت صورة متكاملة لتلك الحقبة الزمنية من تاريخ اليمن المستقل، في الوقت الذي لم يتطرق إليه المؤرخون المعاصرون لها أو ممن كتب عنها على النحو الذي تناولته هي، ولم تَعْدُ دراساتهم سوى إشارات سريعة لسرد حوادثها.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤلفاته التاريخية لم تقتصر في محتوياتها على الجانب السياسي وإن هو حظي بالنصيب الأكبر والأوفر من اهتمام الجرموزيّ، بل تناولت أيضاً الجانب الاقتصادي وما حدث من جدب ومجاعات وغلاء؛ والجانب الاجتماعي من عادات وتقاليد كانت سائدة، والجانب العمراني وما تم فيه من بناء أو إصلاح أو ترميم للمساجد والمدارس؛ والجانب العلمي وذكره عدداً كبيراً من العلماء والفقهاء الذين عاصروه؛ وذكره بعض الظواهر الطبيعية التي حدثت في تلك الفترة من الزمن، من ذلك تتبعه لسير أحد النجوم، وذكره العواصف التي هبّت على مدينة ذمار سنة (1056هـ/1646م)، فدمرت فيها المباني، وزلزلت البيوت؛ على أن اهتمامات الجرموزيّ بالتأريخ للوقائع والأحداث لم تصرفه عن الأدب، فاتخذ له مساحة لا بأس بها في اهتماماته عامة، فكان ممن يقرض الشعر؛ إلا أن المصادر التي تناولت ترجمته قد أغفلت الإشارة إلى مثل ذلك، ومما قاله في الإمام القاسم بن محمد يمدحه:
كالقاسمِ المنصورِ شَمْرِ العدى
وفارسِ الهيجاءِ لَيْثِ الضِّرابْ
محيي رسومِ الدَّينِ منْ بَعْدِ ما
أَضْحَتْ مبانيهِ جَميعاً خرابْ
قامَ فَجَلَّى نَورُهُ ظُلْمةَ الفحــ
ـشاءِ وأحيا الدَّينَ بعْدَ الذَّهابْ
منى الحسن