توضح محفورةٌ جديدةُ نادرةُ للغاية، لجمجمة حيوانٍ صغيرٍ تعود لما قبل التاريخ شكلَ السلفِ المشترِك للبشر مع القرود.
لم يكن للبشر المعروفين حاليًا – هومو سابينس Homo sapiens- وجودًا قبل 300 ألف سنةٍ أو أقل، -حسب القصة التي يفضل سماعها عن نشأة البشرية- ففي تاريخ الأرض، تُعد نشأة البشرية مجرد ومضةٍ على الشاشة.
وقد أظهر الباحثون أن السلفَ المشترك لنا مع الشمبانزي هو أقرب سلالة لنا، عاشت في أفريقيا من 6 إلى 7 مليون سنةٍ، ونحن لا نعرف سوى القليل عن أسلافنا مع القرود الحديثة التي عاشت في أفريقيا منذ 10 مليون سنةٍ.
قد تساعد الجمجمة المعروفة حديثًا، التي يعود عمرها إلى 13 مليون سنةٍ، في إلقاء الضوء على المكان الذي جاءت منه أسلافنا وكيف كان شكلها، وتنتمي الجمجمة التي اكتُشِفت عام 2014م في كينيا، لطفلٍ من نوعٍ منقرضٍ أسماه الباحثون (نيانزابيثكوس أليسي Nyanzapithecus Alesi)، وتعني (أليسي) كلمة سلفٍ في اللغة المحلية لكينيا.
وتعد جمجمة (أليسي) أكثر الجماجم المكتشفة اكتمالًا لنوعٍ منقرضٍ، وتشير العديد من مظاهرها إلى علاقتها بالقرود الحالية – كما نُشر في مجلة نيتشر-، يقول الباحث أيسيا نينغو (Isaiah Nengo): “نيانزابيثكوس أليسي هي جزءٌ من مجموعةٍ من الرئيسيات التي عاشت في أفريقيا منذ 10 مليون سنةٍ، ويُظهر الاكتشاف أن تلك المجموعة قريبةٌ من الأصل المشترك للقرود والبشر، وأن هذا الأصل هو من أفريقيا”.
وأظهرت أسنان أليسي أنها نوعٌ جديدٌ، وكانت الجمجمة محفوظةً جيدًا، مما مكَّن الباحثين من تقدير العمر الذي عاشه هذا الكائن على أنه 16 شهرًا فقط، وبما أننا لا نعرف إلا القليل عن السلف المشترك بين القرود الحية والبشر، فإن هذه المحفورة قد تظهر كيف كان شكل هذا السلف المشترك.
مكان حياة المحفورة الجديدة
هناك جدالٌ قائمٌ حول مكان السلف المشترك، هل جاء من أفريقيا أم أوروبا أم آسيا، وبالرغم من ذلك فإن هذا الاكتشاف يشير أخيرًا إلى أفريقيا، وبالطبع لا يمكن الجزم بأن القرود الحديثة والبشر قد تطوروا مباشرةً من هذا النوع المكتشف، ويجب أن نعثر على محفوراتٍ أخرى من أزمنةٍ مختلفةٍ؛ حتى تتضح الصورة، و تتشارك سمات هذه العينة مع القرود الحديثة، مما يجعل الأمر محتملًا أن تكون المحفورة على الأقل قريبةً من السلف المشترك الذي جاءت منه جميع القرود والبشر الحاليين.
شكل المحفورة الجديدة
للجمجمة أنفٌ صغيرٌ من الخارج بحجم الليمونة، يشبه أنف صغير حيوان الجيبون، والجيبون الحديث هو أحد أنواع القرود الصغيرة، التي تشبه السعادين، ولكنه بلا ذيول كالقرود، يتأرجح على الأشجار وينطلق من فرعٍ لآخر كما تفعل السعادين.
يُظهٍر فحص الجمجمة بأشعة إكس، أن هذا النوع لديه عضوٌ يساعده على الاتزان، إذ يمتلك القنوات الهلالية semicircular canals – عضو الاتزان في الأذن الداخلية- التي يمكن مقارنتها بتلك الموجودة في الشمبانزي والغوريلا، ما يعني أن أليسي كانت تتحرك ببطءٍ وبصورةٍ حذرةٍ عنهم.
وبناءً على محفورةٍ لذراعٍ يعود إلى 15 مليون سنةٍ، لنوعٍ قريب من أليسي، يرجح الباحثون أن أليسي لم يكن لديها أطرافٌ طويلةٌ تُمكِّنها من التأرجح بين فروع الأشجار كما يفعل الجيبون.
يكتب عالم الأنثروبولوجيا بريندا بينيفت (Brenda Benefit) في مجلة نيشتر مقالًا له صلةٌ بذلك، يقول: ” إن محفورات القرود القديمة نادرةٌ الوجود للغاية؛ وذلك ربما لأن الغابات الاستوائية بيئةٌ فقيرةٌ للتحفير، ومن ذلك نسعد نحن إذا وجدنا أيًا منها، حتى لو كانت محفورةً لأسنانٍ قديمةٍ فقط”.
ويضيف: “لقد وجد نينغو محفورةً نادرةً للغاية لم يخطر ببالي أننا سنجدها أبدًا؛ وهذا سيساعد الاكتشاف في تغطية الفجوة المعلوماتية فيما يخص التكيفات التي أثرت على تاريخ البشر والقرود التطوري، وسيُلقى الضوء على الأسرار القائمة عن نوع مبهم من أنواع القرود على الأقل”.
وبالرغم من أن المسار الذي اتخذه السلف المشترك غير واضحٍ، يُعد اكتشاف أي مفتاح مساعدًا مهمًا لنا في فهم شكل ومكان النوع المشترك بين البشر والقرود، وهو اكتشافٌ عظيم.