أجرى الباحثون المسح الأول في العالم لغشاء خلية حية وصولًا إلى المقياس النانومتري، كاشفين بذلك عن تفاصيل يمكنها إيضاح كيفية عملها.
يمكن للتقنية المستخدمة لإنشاء هذه الصورة المذهلة أن تغير كيفية دراسة البنى النانوية في الكائنات الحية تغييرا جذريًا.
تم إجراء البحث من قبل فريق العلماء في (مختبر أوك ردج الوطني-Oak Ridge National Laboratory) في تينيسي، الذي استخدم مزيجًا من تقنيات الوسم الوراثية والكيميائية لإدراج نظير الهيدروجين في أغشية خلايا (البكتيريا العصوية الرقيقة الحية-living Bacillus subtilis cells).
تتكون أغشية جميع الخلايا الحية من طبقات رقيقة من جزيئات دهنية أو الشحوم (الليبيدات)، والتي تدعم مجموعة متنوعة من المواد العضوية الأخرى مثل قنوات البروتين وسلاسل الكربوهيدرات.
تشكل هذه الطبقة الدسمة حاجزًا يفصل بين السائل داخل الخلوي والسائل خارج الخلوي.
وعادة ما تشكل البروتينات بوابات قنوية تتحكم فيما يخرج ويدخل من وإلى الخلية، وتعمل المواد الكيميائية الأخرى، مثل الكربوهيدرات، كعلامات تعريفية.
في حين يبدو الأمر بسيطًا، يوجد نقاش في علم الخلايا حول وجود ما يدعى (الطافيات الشحمية-lipid rafts). وهي أقسام من الغشاء تعمل كمجالات متميزة تجعل الغشاء الخلوي يبدو مثل مجموعة من القطع المركبة الغير مستقرة.
تقول الفرضيات أن حركة هذه الطافيات الشحمية قد تكون بمثابة آلية تحكم إضافية للخلية عن طريق تفعيل وتثبيط عمل البروتينات.
يقول الباحث الرئيسي جون كاتساراس «لقد صار الأمر جدلًا».
«اعتقد البعض وجودها، في حين اعتقد آخرون أنها غير موجودة، وتوجد الكثير من الأدلة الظرفية التي يمكن أن تدعم كلا الطرفين».
تُحلل بُنى الخلايا عادةً باستخدام الوسم التألقي الذي يبحث عن جزيء محدد ويَسمُه، مما يسهل إظهاره تحت المجهر الضوئي.
لسوء الحظ، لا توجد طريقة واضحة لتحديد بدء تشكل الطافيات الشحمية أو توقفها، وحتى لو وجدت، فمن المتوقع أن تكون صغيرة جدًا ولا يمكن رؤيتها بواسطة المجهر الضوئي.
وقد يساعد استخدام المجهر الإلكتروني في معرفة الحقيقة، ولكن الخلية لن تكون فاعلة أثناء مراقبتها.
لبناء صورة أكثر وضوحًا، استخدم فريق مختبر أوك ردج الوطني تقنية تسمى (تبعثر النيوترون-neutron scattering) لتبيان الاختلافات الدقيقة في ترتيب الجزيئات ضمن الغشاء الخلوي للبكتيريا.
لم تقدم هذه التقنية دقة هائلة على مستوى النانو فحسب، بل وأمكن القيام بها دون تعطيل وظائف الغشاء، مما أتاح لهم بناء صورة مفصلة للغاية عن الطبقات الخارجية للخلية دون تدميرها.
ولكن ما زال أمامهم تحديان يجب التغلب عليهم – أولًا، رغم أن الطاقة الناتجة عن تبعثر النيوترونات طفيفة وغير قاتلة للبكتيريا إلا أنها قد تتداخل مع العمليات البيولوجية.
ثانيًا، تمكنت النيوترونات من تمييز الأقسام المختلفة عن بعضها البعض، ولكن لحل مسألة الطافيات الشحمية، يجب تكون قادرة على التمييز بين جزيئات الدسم المختلفة.
وهنا يأتي دور النظائر.
إن النواة في مجمل ذرات الهيدروجين بالكون بنسبة (99.98%) تكون أحادية البروتون. لكن نسبة فائقة الصغر من ذرات الهيدروجين تحتوي على نيوترون مرتبط، ويدعى العنصر في هذه الحالة (ديوتيريوم-deuterium).
وفي حين أن كلًا من الهيدروجين والديوتيريوم يقومان بنفس الوظيفة في الجزيئات التي تشكل خلايانا، إلا أنهما يبعثران النيوترونات بطرق مختلفة قليلًا.
خلق الباحثون سلالة من العصويات الرقيقة تختلف نسب الهيدروجين والديوتيريوم قليلًا ضمن طبقتها الدسمة في غشائها الخلوي.
إذا كانت الفرضية أن الطافيات الشحمية لا تختزن الماء، فمن المتوقع أن نرى ترتيب موحد لجزيئات الدسم.
لكن بدلًا من ذلك، رأوا اختلافات مميزة في كيفية ترتيب المواد الدسمة في المناطق التي تتناسب مع الحجم المتوقع للمجالات الافتراضية.
في حين أن هذه الاختلافات غير واضحة في النموذج أدناه، إلا أنه يعطي فكرة عن بنية الخلية البكتيرية، والتي تبين السيتوبلازم في الأسفل، والجدار الخلوي في الأعلى تتوسطهما طبقة الدسم التي يدرسها الباحثون.
يقول الفريق أن تقنية تبعثر الديوتيريوم والنيوترون في الخلايا الحية يمكن أن تستخدم لتطوير طرق دراسة البنى النانوية في الكائنات الحية.
يقول كاتساراس «يميل الأشخاص الدارسون لهذه الأمور إلى استخدام أنواع معينة من المسابر».
«لم يستخدموا التبعثر النيوتروني لأنه ليس من مجالات اختصاص علماء الأحياء، و نهجنا التجريبي الجديد يفتح مجالات جديدة للبحث.»
من المجاهر إلى مسابر الحمض النووي، مثل هذه الابتكارات قدمت لنا رؤىً جديدة للحياة على مر التاريخ. ومن يدري عما ستكشفه هذه التقنية الجديدة من أمور مذهلة؟