في 8 أيار/ مايو عام 1980، شيّع اليوغوسلافيون رئيس جمهوريتهم الاتحادية جوزيف تيتو (1892 – 1980) دون أن يخطر في بال أحد منهم، ربما، أن وفاته ستكون بداية نهاية الاتحاد اليوغوسلافي الذي دخلت دوله ومكوناته العرقية في حروب وحشية دامية توصف بأنها الأشد فظاعةً في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فبعد نحو 11 عامًا على وفاته، أعلنت كلٌ من كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما عن يوغوسلافيا، التي كان الصرب يهيمنون على حكومتها وجيشها الذي خاض ضد الكروات حربًا استمرت قرابة 5 سنوات، وأخرى ضد سلوفينيا استمرت 10 أيام فقط. غير أن حرب البوسنة والهرسك التي اندلعت بين الصرب والمسلمين عام 1992 تبقى الأعنف والأشد فظاعةً لما شهدته من مذابح وعمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية بحق المسلمين البوشناق.
تُستعاد هذه الحروب اليوم بكثرة بسبب التوترات بين صربيا وكوسوفو، والمخاوف من تجدد الصراع العرقي بين الطرفين، الصرب والمسلمين الألبان، اللذين خاضا ضد بعضهما صراعًا داميًا أواخر القرن الماضي انتهى بقصف حلف الناتو ليوغوسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل والأسود) وإجبار قواتها على الانسحاب من إقليم كوسوفو، الذي أعلن في شباط/ فبراير عام 2008 استقلاله عن صربيا.
نرشّح لكم في هذه المقالة 3 أفلام تدور أحداثها في دول جمهورية يوغوسلافيا خلال التسعينيات، حيث دارت رحى أشد الحروب فظاعةً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. أفلامٌ تقدِّم ما يساعد على فهم تاريخ المنطقة، وتصوِّر طبيعة الحياة اليومية في ظل تلك الحروب الوحشية، وتسلط الضوء على الآثار التي خلّفتها داخل ضحاياها.
1- الدائرة الكاملة
أحد أهم الأفلام التي تناولت الحرب البوسنية وحصار سراييفو الذي استمر قرابة 4 أعوام، حاول الفيلم تصوير طبيعة حياة سكانها خلالها في ظل الفقر والجوع والعطش والذل والبرد إلى جانب الموت المنتشر في جميع أنحاء المدينة، التي تُروى قصتها من خلال قصة رجل يرفض مغادرتها رغم سفر زوجته وابنته وبقائه وحيدًا.
لكن وحدته هذه لن تستمر طويلًا، إذ يكتشف عند عودته إلى بيته وجود طفلين استطاعا النجاة من مذبحة ارتكبها الصرب وقُتل فيها جميع أفراد عائلتهما. وبظهورهما في حياته، تعود إليه مشاعر الأبوة والخوف والعجز وقلة الحيلة التي ظن أنه تخلّص منها بعد سفر زوجته وابنته، إذ تصير حمايتهما في ظل الحرب والحصار والجوع واجبًا عليه.
- Harrison's Flowers
يعرض الفيلم أهوال الحروب اليوغوسلافية وفظاعاتها والعنف المتبادل بين أطرافها من خلال قصة صحفي أمريكي سافر إلى يوغوسلافيا لتغطية الحرب الدائرة هناك بين الكروات والصرب. وبعد عدة أيام على وصوله، انتشر خبر وفاته ووصل إلى زوجته التي رفضت تصديقه، وقررت السفر إلى يوغوسلافيا للبحث عنه.
وخلال رحلة البحث، تواجه بطلتنا ما لم تكن تتوقعه، إذ يُقتل الشخص الذي رافقها إلى داخل يوغوسلافيا أمام عينيها، ويُحاول أحد الجنود اغتصابها، ويتعرض المكان الذي تقيم فيه للقصف، وتُحاصر بين نيران الكروات والصرب، كما تشهد كذلك على العديد من المذابح التي ارتُكبت بحق المدنيين.
3- Twice Born
يكشف الفيلم جانبًا من فظاعات حرب البوسنة والهرسك وما تعرّضت له المرأة خلالها من خلال قصة غريبة وصادمة بطلها مصوّر أمريكي (دييغو) وامرأة إيطالية (جيما)، جمعتهما قصة حب لافتة في مدينة سراييفو خلال سنوات الحرب.
وبسبب عدم قدرة جيما على الإنجاب، تعرض هي وزوجها مبلغًا من المال على فتاة مقابل منحهما طفلًا من علاقة غير شرعية مع دييغو. وبالفعل، تنجب لهما الفتاة طفلًا سيعيش برفقة جيما في إيطاليا. وبعد نحو 16 عامًا على الحادثة، تتلقى جيما دعوة لزيارة سراييفو، فتقرر أن تصطحب معها الطفل الذي أصبح شابًا ليتعرف على المدينة التي قُتل فيها والده. لكنها ستكتشف هناك بأن الفتى ليس ابن دييغو، وأن الفتاة حملت به بعد أن تعرضت للاغتصاب على يد مجموعة من المسلحين.
إنه فيلم عن آثار الحرب التي لا تُمحى، وعن مشاعر الخزي والعار التي تُلاحق من كان شاهدًا على فظاعات تلك الحرب دون أن يكون بوسعه منعها، وعن أولئك الذين رسمت لهم مصائر لا يستطيعون تغييرها.