الأخوان غراكوس The Gracchi زعيمان رومانيان كبيران

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأخوان غراكوس The Gracchi زعيمان رومانيان كبيران

    غراكوس (اخوان)

    The Gracchi - Les Gracchi


    غراكوس (الأخوان ـ)



    الأخوان غراكوس The Gracchi زعيمان رومانيان كبيران تقلّدا منصب محامي الشعب tribunus populi، وقادا من خلاله حركة إصلاحية ثورية كانت منطلق ما صار يعرف في الدراسات التاريخية الحديثة باسم عصر الثورة الرومانية (133ـ 30 ق.م).

    كان والدهما تيبريوس غراكوس ينتمي إلى أسرة مرموقة من طبقة العامة، وأحد الزعماء البارزين على الساحة السياسية والعسكرية الرومانية في القرن الثاني قبل الميلاد. أما والدتهما كورنيليا Cornelia فكانت سليلة أحد عظماء الرومان، وهو كورنيليوس سكيبيو الأكبر Cornelius Scipio، الذي انتصر على هانيبال في الحرب البونية الثانية (218ـ 202ق.م). وكانت أماً رومانية مثالية أنجبت اثني عشر ولداً، مشهورة بحكمتها وأخلاقها الفاضلة. وقد نال الابنان تيبريوس وغايوس أفضل تربية، وتشربا مبادئ الفلسفة الإغريقية والأفكار الاجتماعية والإنسانية.

    1ـ تيبريوس سمبرونيوس غراكوس (162ـ 133ق.م) Tiberius Sempronius Gracchus، الأخ الأكبر، شهد في مطلع شبابه دمار قرطاجة عام 146 ق.م برفقة قريبه سكيبيو الأصغر Scipio Minor وتقلد منصب كويسيتور (خازن) في إسبانيا. تزوج ابنة القنصل أبيوس كلاوديوس، الذي كان زعيم مجلس الشيوخ آنذاك ومن الداعمين للإصلاح. انتخب عام 133ق.م نقيباً للعامة (محامي الشعب)، وصمم على إصلاح الأوضاع البائسة لطبقة الفلاحين، الذين قامت على أكتافهم حروب الدولة الرومانية وأمجادها، ولكنهم عادوا ليجدوا أراضيهم ومزارعهم وقد استولى عليها كبار المالكيين من طبقة الشيوخ الأرستقراطية، الذين وضعوا أيديهم أيضاً على الأملاك الأميرية ager publicus من غير أن يأبهوا بقانون زراعي يعود إلى سنة 367ق.م، ويحدد مقدار حيازة الأراضي العامة بـ 125هكتاراً، وهكذا اضطر الفلاحون الذين لم يعد لهم أرض أو عمل ـ بسبب استخدام العبيد في الأعمال الزراعية ـ إلى الهجرة إلى مدينة روما ليكونوا جيشاً من البروليتاريا العاطلة عن العمل.

    وقد وصف تيبريوس في إحدى خطبه حال أولئك الفلاحين بكلمات مؤثرة، وأنهم أسوأ حالاً من الوحوش، «ذلك أن الوحوش التي تعيش في إيطاليا لها جحور وكهوف تأوي إليها، أما الرجال الذين حاربوا وماتوا من أجل روما، فإنهم يهيمون على وجوههم مع زوجاتهم وأطفالهم بلا بيت وبلا وطن».

    وهكذا تقدم إلى الجمعيات الشعبية بمشروع يمكن تسميته «قانون إصلاح زراعي» طالب فيه بتوزيع الأراضي الأميرية على صغار الفلاحين الذين فقدوا أراضيهم، وكذلك تحديد الملكية الزراعية من الأراضي العامة بمقدار 500 فدان روماني (= 125 هكتاراً) للشخص الواحد، و250 فداناً لكل واحد من الأبناء، وطالب بتشكيل لجنة ثلاثية لتنفيذ القانون، مخولة بفض المنازاعات التي يمكن أن تنشأ عند التطبيق.

    كان الهدف من هذا القانون حل مشكلة الفقر والبطالة والهجرة من الريف إلى روما، وزيادة أعداد الرومان (المالكين للأرض) لتأدية الخدمة العسكرية، ولكن اعتراض veto أحد محامي الشعب ويدعى أوكتافيوس Octavius، الذي تمكن المحافظون وكبار مالكي الأراضي من تجنيده لصالحهم أوقف مشروع القانون، فما كان من تيبريوس إلا أن قام بطرد أوكتافيوس من منصبه ـ وهي سابقة لا مثيل لها في التاريخ الروماني وتقاليده الدستورية ـ وهكذا تمت الموافقة على القانون.

    وبما أن المزارعين الجدد كانوا في حاجة إلى مساعدات مالية، فقد اقترح تيبريوس أن يوزع عليهم قسماً من ثروة ملك بزعامة أتالوس، التي أوصى بها للرومان، وبذلك حُلَّت المشكلة المالية.

    ولكن عندما أراد تيبريوس ترشيح نفسه لمحاماة الشعب للسنة القادمة، لكي يتابع تنفيذ برنامجه الإصلاحي، اتهمه خصومه بالسعي إلى الدكتاتورية، وقاد الكاهن الأكبر سكيبيو نازيكا Scipio Nasica رهطاً من الشيوخ المعارضين وأتباعهم وهاجموا تيبريوس الذي قتل وكثير من أنصاره على الكابيتول.

    وكانت تلك جريمة خطيرة انتهكت قدسية منصب محامي الشعب، وشكلت بداية العنف الدموي على الساحة السياسية، وأول شرخ في صفوف الطبقة الأرستقراطية الحاكمة، وانطلاقة الحزب الشعبي في السياسة الرومانية.

    ـ غايوس سمبرونيوس غراكوس (153ـ 121ق.م) Gaius Sempronius Gracchus هو الأخ الأصغر لتبريوس، ونال مثله تربية ممتازة، خدم تحت قيادة سكييبو الأصغر في حرب نومانيتة الاسبانية (134/133ق.م) ثم عاد إلى روما، وقد وضع نصب عينه الثأر لمقتل أخيه ومتابعة اصلاحاته، خاصة وأنه كان عضواً في اللجنة الزراعية.

    تقلد منصب الكويستور عام 123ق.م، وخدم في جزيرة سردينيا. انتخب محامياً للشعب عام 123ق.م، وجدّد انتخابه في السنة التالية. كان يتمتع بكثير من مؤهلات الزعامة كالذكاء والمقدرة وقوة الشخصية، وكان رجلاً عملياً، أشد من أخيه حماسةً وأوسع أفقاً، وقد شهد شيشرون[ر] بموهبته الخطابية الفذة. تبنى برنامجاً إصلاحياً لا يدانيه في شموله أي برنامج لنقيب عوام آخر طوال العصر الجمهوري.

    يبدو أن غايوس قد استخلص العبرة من إخفاق أخيه وسعى إلى تأليف جبهة من طبقتي العوام الفقراء والفرسان الأغنياء لتنفيذ مشروعاته الإصلاحية ومواجهة طبقة الشيوخ الأرستقراطية، وهكذا تمكن من استصدار مجموعة من القوانين أهمها:

    ـ قانون الغلال Lex Sempr Frumentaria الذي يحدد أسعاراً ثابتة مخفضة للقمح مدعومة من الدولة، ولعله كان متأثراً بقوانين مشابهة معروفة في الشرق الهلنستي. فقد كانت مراقبة أسعار القمح أمراً مألوفاً في أثينا في القرن الخامس، وكذلك في الإسكندرية زمن البطالمة في القرن الثالث ق.م، وقد زاد هذا القانون شعبيته في أوساط العامة والطبقات الفقيرة.

    ـ أحيا قانون الإصلاح الزراعي لأخيه، وبدأ تطبيقه بجدية وحماس كبير.

    ـ اقترح مشروعاً بإنشاء عدد من المستعمرات Colonia لتخفيف أزمة التضخم السكاني في روما ومنح المستوطنين أراضيَ جديدة، وكان أهمها إعادة تأسيس قرطاجة المدمرة، فشارك ستة آلاف من الرومان. وقد وجد الساسة من بعده أن إنشاء المستعمرات خير وسيلة لمعالجة مشكلة البطالة والعطالة المزمنة بسبب انتشار الرق.

    ـ إعادة تشكيل محكمة الابتزاز التي تقاضي حكام الولايات، بأن جعل محلفيها من طبقة الفرسان بدلاً من الشيوخ، وذلك من أجل كسب تأييدها مشروعاته، وإضعاف نفوذ خصومه من النبلاء.

    ـ مشروع قانون يقضي بمنح الحقوق اللاتينية للإيطاليين والجنسية الرومانية للاتين، وهو يدل على سعه أفقه السياسي ونظرته البعيدة إلى مستقبل الامبراطورية الرومانية، ومع هذا فقد كان أول خطوة على طريق سقوطه السياسي، وكان مجلس الشيوخ قد تواطأ مع أحد نقباء العامة، ويدعى ليفيوس دروسوس Livius Drusus على تقويض شعبيته والمزايدة عليه بمشروعات براقة.

    لقي مشروع الجنسية معارضة شديدة من الشيوخ وعامة الشعب الروماني، بدافع من الأنانية الضيقة والاستئثار بكل امتيازات المواطنة.

    ومن العوامل التي أدت إلى تضاؤل شعبية غايوس ونفوذه، هو أن خصومه دبروا له مهمة الإشراف على إنشاء مستعمرة قرطاجة لإبعاده عن روما، واستغلوا غيابه لترويج الشائعات والأكاذيب عنه. وعندما عاد وجد شعبيته بين عامة روما هبطت إلى الحضيض. وهكذا أخفق في الانتخابات عندما رشح نفسه نقيباً للمرة الثالثة، وصار مواطناً معتاداً مجرداً من حصانة المنصب، واستغل خصومه ذلك للتخلص منه، فبدؤوا يستفزونه ويتحرشون به، مما اضطره إلى حشد أنصاره وحدثت مناوشات مع مناوئيه، وعندها أعلن مجلس الشيوخ حال الطوارئ وكلف قنصل أوبيميوس Opimius عام 121ق.م، المشهور بعدائه لغايوس وإصلاحاته، حماية الدولة من خطره. فبادر القنصل إلى تعبئة قوة مسلحة من مؤيدي الشيوخ وأتباعهم وعبيدهم وهاجم غايوس وأنصاره الذين اعتصموا على تل الأفنتين، وحدثت مجزرة رهيبة وأمر غايوس أحد عبيده بأن ينهي حياته، كي لايقع في أيدي خصومه، وقُبض على عدد كبير من أنصاره ثم أعدموا وألقيت جثثهم في نهر التيبر، وقيل إن عددهم وصل إلى ثلاثة آلاف.

    هكذا كانت نهاية غايوس المأساوية ومن قبله نهاية أخيه، ولكن الأخوين غراكوس تركا أثراً كبيراً في التاريخ الروماني، فقد ظلت ذكراهما ماثلة في أذهان الناس وأفرد لهما المؤرخ بلوتارخوس[ر] بعد أكثر من قرنين على مقتلهما مكاناً بارزاً في سير عظماء الإغريق والرومان.

    ومع أنهما لم يصلا إلى تحقيق أهدافهما كلها، فإن إصلاحاتهما ساعدت على التخفيف من حدة المشكلات القائمة في المجتمع الروماني.

    أما النتائج المباشرة فكانت أكثر أهمية: فقد حصل الإيطاليون على حقوق المواطنة الرومانية، ولكن بعد حرب ضارية، وصارت طبقة الفرسان قوة سياسية لها وزنها في روما إلى جانب الشيوخ، وإن زاد تعسفهم واستغلالهم لسكان الولايات الرومانية، كما تنبه العامة إلى قوتهم وأهمية نقبائهم في الحياة السياسية.

    وهكذا فإن حركة الأخوين غراكوس، تمثل نقطة تحول خطيرة في تاريخ الجمهورية الرومانية، فقد فتحا باب الثورة الاجتماعية على مصراعيه، وعجّلا قيام الثورات والحروب الأهلية والاجتماعية التي انتهت بسقوط النظام الجمهوري الارستقراطي وقيام النظام الامبراطوري الروماني.

    محمد الزين
يعمل...
X