غريزه
Instinct - Instinct
الغريـزة
تبدو الغريزة instinct في الميل الفطري إلى الأعمال التي تحقق أهدافاً نهائية من دون سابق علم الكائن بهذه الأهداف أو تلك الأعمال، ومن دون سابق خبرة أو تعلم. ويطلق علماء النفس كلمة الغريزة على السلوك الغريزي، والدافع الفطري الذي يدفع الكائن إلى السلوك، وعلى النهاية التي ينتهي إليها السلوك والهدف الذي يحققه.
وتظهر الغرائز عند الحيوان أنماطاً سلوكية تثير الحيرة والدهشة، فهذه بويضات نحل العسل التي عُزَلت في مكان ما حتى تفقس، فإن نحلها يقوم ببناء الخلية بالنقش والصورة المعهودين في جميع الخلايا النحلية، مع أنه لم ير خلية بنيت أمامه. وينطبق هذا على دودة القز التي تخترع وسائل دفاعية عن نفسها، مثل التمويه خوفاً من احتمال عثور الطيور عليها. فتوصف مثل هذه الأنماط السلوكية بالفطرية وهي غير مكتسبة بالخبرة والتعلم والمحاكاة، وتخلو من التفكير والمنطق والهدف، وإن هدفت الغرائز إلى أهداف ترمي إليها الطبيعة.
وعليه فإن السلوك الغريزي فطري بين جميع أفراد النوع، ويتوافر السلوك الغريزي في الكائنات الدنيا. وكلما تقدمت الكائنات الحية في سلم الارتقاء يبدو في سلوكها أثر واضح للعوامل المكتسبة وللتعلم والذكاء، ويصبح السلوك مؤدياً إلى الهدف الغريزي، مع تعديل في هذا السلوك بحسب الخبرة والتعلم والاكتساب والاستبصار.
نظر فرويد[ر] Freud إلى الإنسان على أنه مخلوق موجَّه نحو اللذة، تدفعه الغرائز التي تدفع الحيوانات الأدنى. وقد اعتمد فرويد فئتين عامتين من الغرائز: غريزة الحياة life instinct وغريزة الموت death instinct. وتخدم غريزة الحياة غرض الحفاظ على حياة الفرد وتكاثر الجنس ويندرج تحت هذه الفئة: الجوع والعطش والجنس. ويطلق على صورة الطاقة التي تستخدمها غريزة الحياة في أداء عملها اسم الليبيدو[ر] libido. أما غريزة الموت فتقوم بعملها بصورة أقل وضوحاً بالمقارنة مع غريزة الحياة، ولكنه لايعرف عنها إلا القليل، وكل فرد يموت في النهاية.
تبدو الغريزة عند الحيوانات آلية فطرية معقدة كاملة، أما عند البشر فتبدو على صورة دوافع كامنة تتحكم فيها التربية وتوجهها. وهذا ما جعل معظم علماء النفس يؤثرون استخدام كلمة دافع[ر] Motive بدلاً من كلمة غريزة عندما يدور الحديث عن الإنسان.
إن غريزة الجنس مثلاً عند الإنسان لا تختلف عنها عند الحيوان في أنها حاجة بيولوجية، ولكنها تختلف عنها بأنها حاجة نفسية واجتماعية أيضاً، ترتبط عند الإنسان بمعان أخلاقية سامية، فهو أبدع الفن وكتب الشعر وسما إلى الحب وكوّن أسرة. وهذا يعني أن الإنسان يستطيع أن يطور دوافعه (غرائزه) ويصعِّدها. أما غرائز الحيوان فهي محدودة في عددها ونوعها، فأغلب نشاط الحيوان يدور حول الغذاء والشراب والتناسل، في حين نجد أن دوافع الإنسان غير محدودة، لأنه قادر على إرضاء دوافعه وإيجاد دوافع جديدة. ويرجع ذلك إلى قدرته الهائلة على التعلم والاكتساب بسبب جملته العصبية المعقدة. ولهذا ليس من الضروري أن تكون الغريزة عند الانسان مدفوعة بدافع فيزيولوجي دوماً، فقد يكون وراء السلوك الغريزي دافع أو أكثر، وقد تظهر الغرائز (الدوافع) في ظروف لايُلحظ فيها وجود دافع فيزيولوجي معروف، وقد تتعاون الدوافع وتتصارع عند الانسان.
الدوافع عند الإنسان: تعرف الدافعية [ر. الدافعية والدوافع] بأنها حال داخلية جسمية أو نفسية تنتج من حاجة ما وتدفع الفرد نحو السلوك في ظروف معينة وتوجهه نحو إشباع حاجة أو تحقيق هدف محدد، وتؤدي إلى خفض التوتر، أي إنها قوة محركة ومنشطة وموجهة لتحقيق هدف والشعور بالارتياح، ويكمن وراء كل سلوك، دافع أو دوافع عدة تقوم بتحريكه وتوجيهه نحو الهدف؛ فالعالِم يبحث ويتعب بدافع حب الاطلاع، والطالب يجد ويجتهد بدافع التفوق، والجائع يبحث عن الطعام حتى يشبع معدته.
وتكمن أهمية الدوافع في أنها تساعد الإنسان على زيادة معرفته بنفسه وبغيره، وتدفعه إلى التصرف بما تقتضيه الظروف والمواقف المختلفة وتجعل الفرد أكثر قدرة على تفسير تصرفات الآخرين والتنبؤ بالسلوك الإنساني وتوجيهه. والدوافع عند الإنسان نوعان:
1ـ الدوافع الفطرية: وهي الدوافع المزود بها الإنسان منذ ولادته، مثل دوافع العطش والجوع والجنس والأمومة.
2ـ الدوافع المكتسبة: وهي تلك الدوافع التي يكتسبها الإنسان من البيئة من خلال التفاعل معها، مثل دوافع الانتماء والتحصيل والسيطرة وحب الاستطلاع وتأكيد الذات والمنافسة.
الغريزة والحاجة العضوية: تتطلب الحاجة العضوية الإشباع الحتمي، وإذا لم تشبع يموت الإنسان، وهي تتحرك داخلياً من ذاتها وتثار للإشباع من خارجها، كالحاجة إلى الطعام والشراب، بخلاف الغريزة التي تتطلب الإشباع فقط وإذا لم تشبع يقلق الإنسان ولكنه لا يموت ويبقى حياً، مثل غريزة الجنس، فهي لا تتحرك داخلياً ولا يحصل الشعور بالحاجة إلى الإشباع إلا بمثير خارجي، فإذا وجد ما يثير هذه الغريزة من الخارج تحركت وظهرت الحاجة إلى الإشباع، وإذا لم يوجد المثير الخارجي تبقى الغريزة كامنة ولا يوجد شعور بالحاجة إلى الإشباع. فالحاجة تكمن وراء الدوافع لأنها تحركها وتوجه السلوك إلى إشباعها وتعيد للعضوية توازنها.
الغريزة والتعلم:
أوضحت أبحاث بافلوف[ر] Pavlov آليات التعلم وتكوين العادات من خلال نظرية الإشراط الكلاسيكي [ر. الإشراط]، ولا سيما تجاربه على الحيوانات، وخاصة المنعكس اللعابي للكلب، إذ افترض بافلوف عمليتين متكاملتين في الجهاز العصبي: التنبيه أو الإثارة مع تكوّن المنعكسات الشرطية، والكف inhibition، الذي يمنع حدوث الاستجابة للمثيرات غير المعززة.
وهناك طريقة تعليمية تدريبية طورها سكنر[ر] Skinner، وتنصب على السلوك الملاحظ للحيوان والإنسان إذ يعدّ التعلم تغيراً في احتمال حدوث الاستجابة، ويتم هذا التغير في معظم الحالات بوساطة الإشراط الإجرائي [ر. الإشراط]، فالحيوان يتعلم من خلال طريقه إلى الهدف في المتاهة سلسلة من الاستجابات لمثيرات محددة عند كل مفصل داخل المتاهة، لأن الحيوان كما الإنسان يتعلم طبوغرافية المتاهة، ويحل مرتسماتها سواء تطلب الأمر جرياً، أم سباحة، أم خوضاً ليصل إلى الصندوق الهدف (تايلور وآخرون، 1996).
ويحاول الإنسان من خلال التعلم أن يكيِّف سلوكه، لكي ينجح في الموقف الذي يدركه لتحقيق دافع ما، وكما يقال: لكي يتعلم شخص لابد أن يحتاج إلى شيء، وأن يلاحظ شيئاً، وأن يقوم بعمل شيء، وأن يحصل على شيء.
إن للدوافع تأثيراً مهماً في عملية التعلم، إذ يمكننا أن نشعر الطالب بأهمية شيء معين لحفزه على تعلمه، كما تزداد فاعلية المدرس مع تزايد فهمه لدوافع طلابه. وإن معرفة الدوافع عند الإنسان أمر يهم رجل الصناعة كي يحفز العمال على العمل، ويهم القائد العسكري الذي يتعامل مع جنوده، والوقوف على القوى المحركة لسلوكهم وتهيئة فرص التعلم عن طريق إثارة دوافعهم.
كمال بلان
Instinct - Instinct
الغريـزة
تبدو الغريزة instinct في الميل الفطري إلى الأعمال التي تحقق أهدافاً نهائية من دون سابق علم الكائن بهذه الأهداف أو تلك الأعمال، ومن دون سابق خبرة أو تعلم. ويطلق علماء النفس كلمة الغريزة على السلوك الغريزي، والدافع الفطري الذي يدفع الكائن إلى السلوك، وعلى النهاية التي ينتهي إليها السلوك والهدف الذي يحققه.
وتظهر الغرائز عند الحيوان أنماطاً سلوكية تثير الحيرة والدهشة، فهذه بويضات نحل العسل التي عُزَلت في مكان ما حتى تفقس، فإن نحلها يقوم ببناء الخلية بالنقش والصورة المعهودين في جميع الخلايا النحلية، مع أنه لم ير خلية بنيت أمامه. وينطبق هذا على دودة القز التي تخترع وسائل دفاعية عن نفسها، مثل التمويه خوفاً من احتمال عثور الطيور عليها. فتوصف مثل هذه الأنماط السلوكية بالفطرية وهي غير مكتسبة بالخبرة والتعلم والمحاكاة، وتخلو من التفكير والمنطق والهدف، وإن هدفت الغرائز إلى أهداف ترمي إليها الطبيعة.
وعليه فإن السلوك الغريزي فطري بين جميع أفراد النوع، ويتوافر السلوك الغريزي في الكائنات الدنيا. وكلما تقدمت الكائنات الحية في سلم الارتقاء يبدو في سلوكها أثر واضح للعوامل المكتسبة وللتعلم والذكاء، ويصبح السلوك مؤدياً إلى الهدف الغريزي، مع تعديل في هذا السلوك بحسب الخبرة والتعلم والاكتساب والاستبصار.
نظر فرويد[ر] Freud إلى الإنسان على أنه مخلوق موجَّه نحو اللذة، تدفعه الغرائز التي تدفع الحيوانات الأدنى. وقد اعتمد فرويد فئتين عامتين من الغرائز: غريزة الحياة life instinct وغريزة الموت death instinct. وتخدم غريزة الحياة غرض الحفاظ على حياة الفرد وتكاثر الجنس ويندرج تحت هذه الفئة: الجوع والعطش والجنس. ويطلق على صورة الطاقة التي تستخدمها غريزة الحياة في أداء عملها اسم الليبيدو[ر] libido. أما غريزة الموت فتقوم بعملها بصورة أقل وضوحاً بالمقارنة مع غريزة الحياة، ولكنه لايعرف عنها إلا القليل، وكل فرد يموت في النهاية.
تبدو الغريزة عند الحيوانات آلية فطرية معقدة كاملة، أما عند البشر فتبدو على صورة دوافع كامنة تتحكم فيها التربية وتوجهها. وهذا ما جعل معظم علماء النفس يؤثرون استخدام كلمة دافع[ر] Motive بدلاً من كلمة غريزة عندما يدور الحديث عن الإنسان.
إن غريزة الجنس مثلاً عند الإنسان لا تختلف عنها عند الحيوان في أنها حاجة بيولوجية، ولكنها تختلف عنها بأنها حاجة نفسية واجتماعية أيضاً، ترتبط عند الإنسان بمعان أخلاقية سامية، فهو أبدع الفن وكتب الشعر وسما إلى الحب وكوّن أسرة. وهذا يعني أن الإنسان يستطيع أن يطور دوافعه (غرائزه) ويصعِّدها. أما غرائز الحيوان فهي محدودة في عددها ونوعها، فأغلب نشاط الحيوان يدور حول الغذاء والشراب والتناسل، في حين نجد أن دوافع الإنسان غير محدودة، لأنه قادر على إرضاء دوافعه وإيجاد دوافع جديدة. ويرجع ذلك إلى قدرته الهائلة على التعلم والاكتساب بسبب جملته العصبية المعقدة. ولهذا ليس من الضروري أن تكون الغريزة عند الانسان مدفوعة بدافع فيزيولوجي دوماً، فقد يكون وراء السلوك الغريزي دافع أو أكثر، وقد تظهر الغرائز (الدوافع) في ظروف لايُلحظ فيها وجود دافع فيزيولوجي معروف، وقد تتعاون الدوافع وتتصارع عند الانسان.
الدوافع عند الإنسان: تعرف الدافعية [ر. الدافعية والدوافع] بأنها حال داخلية جسمية أو نفسية تنتج من حاجة ما وتدفع الفرد نحو السلوك في ظروف معينة وتوجهه نحو إشباع حاجة أو تحقيق هدف محدد، وتؤدي إلى خفض التوتر، أي إنها قوة محركة ومنشطة وموجهة لتحقيق هدف والشعور بالارتياح، ويكمن وراء كل سلوك، دافع أو دوافع عدة تقوم بتحريكه وتوجيهه نحو الهدف؛ فالعالِم يبحث ويتعب بدافع حب الاطلاع، والطالب يجد ويجتهد بدافع التفوق، والجائع يبحث عن الطعام حتى يشبع معدته.
وتكمن أهمية الدوافع في أنها تساعد الإنسان على زيادة معرفته بنفسه وبغيره، وتدفعه إلى التصرف بما تقتضيه الظروف والمواقف المختلفة وتجعل الفرد أكثر قدرة على تفسير تصرفات الآخرين والتنبؤ بالسلوك الإنساني وتوجيهه. والدوافع عند الإنسان نوعان:
1ـ الدوافع الفطرية: وهي الدوافع المزود بها الإنسان منذ ولادته، مثل دوافع العطش والجوع والجنس والأمومة.
2ـ الدوافع المكتسبة: وهي تلك الدوافع التي يكتسبها الإنسان من البيئة من خلال التفاعل معها، مثل دوافع الانتماء والتحصيل والسيطرة وحب الاستطلاع وتأكيد الذات والمنافسة.
الغريزة والحاجة العضوية: تتطلب الحاجة العضوية الإشباع الحتمي، وإذا لم تشبع يموت الإنسان، وهي تتحرك داخلياً من ذاتها وتثار للإشباع من خارجها، كالحاجة إلى الطعام والشراب، بخلاف الغريزة التي تتطلب الإشباع فقط وإذا لم تشبع يقلق الإنسان ولكنه لا يموت ويبقى حياً، مثل غريزة الجنس، فهي لا تتحرك داخلياً ولا يحصل الشعور بالحاجة إلى الإشباع إلا بمثير خارجي، فإذا وجد ما يثير هذه الغريزة من الخارج تحركت وظهرت الحاجة إلى الإشباع، وإذا لم يوجد المثير الخارجي تبقى الغريزة كامنة ولا يوجد شعور بالحاجة إلى الإشباع. فالحاجة تكمن وراء الدوافع لأنها تحركها وتوجه السلوك إلى إشباعها وتعيد للعضوية توازنها.
الغريزة والتعلم:
أوضحت أبحاث بافلوف[ر] Pavlov آليات التعلم وتكوين العادات من خلال نظرية الإشراط الكلاسيكي [ر. الإشراط]، ولا سيما تجاربه على الحيوانات، وخاصة المنعكس اللعابي للكلب، إذ افترض بافلوف عمليتين متكاملتين في الجهاز العصبي: التنبيه أو الإثارة مع تكوّن المنعكسات الشرطية، والكف inhibition، الذي يمنع حدوث الاستجابة للمثيرات غير المعززة.
وهناك طريقة تعليمية تدريبية طورها سكنر[ر] Skinner، وتنصب على السلوك الملاحظ للحيوان والإنسان إذ يعدّ التعلم تغيراً في احتمال حدوث الاستجابة، ويتم هذا التغير في معظم الحالات بوساطة الإشراط الإجرائي [ر. الإشراط]، فالحيوان يتعلم من خلال طريقه إلى الهدف في المتاهة سلسلة من الاستجابات لمثيرات محددة عند كل مفصل داخل المتاهة، لأن الحيوان كما الإنسان يتعلم طبوغرافية المتاهة، ويحل مرتسماتها سواء تطلب الأمر جرياً، أم سباحة، أم خوضاً ليصل إلى الصندوق الهدف (تايلور وآخرون، 1996).
ويحاول الإنسان من خلال التعلم أن يكيِّف سلوكه، لكي ينجح في الموقف الذي يدركه لتحقيق دافع ما، وكما يقال: لكي يتعلم شخص لابد أن يحتاج إلى شيء، وأن يلاحظ شيئاً، وأن يقوم بعمل شيء، وأن يحصل على شيء.
إن للدوافع تأثيراً مهماً في عملية التعلم، إذ يمكننا أن نشعر الطالب بأهمية شيء معين لحفزه على تعلمه، كما تزداد فاعلية المدرس مع تزايد فهمه لدوافع طلابه. وإن معرفة الدوافع عند الإنسان أمر يهم رجل الصناعة كي يحفز العمال على العمل، ويهم القائد العسكري الذي يتعامل مع جنوده، والوقوف على القوى المحركة لسلوكهم وتهيئة فرص التعلم عن طريق إثارة دوافعهم.
كمال بلان