المؤرخ تامر الزغاري - Regent Tamer Zghari
1 يونيو 2022 ·
تلخيص تاريخ المغرب
من زمن الفينيقيين إلى الإستقلال، إن المغرب لوحده كتاب تاريخ، وكأن المغرب عالم مستقل لوحده.
ويتميز المغرب بأنه حافظ على درجة معينة من الإستقلال والشخصية الوطنية الفريدة.
وهذا تلخيص لتاريخ المغرب العظيم والمقصود في هذا المقال تاريخ المغرب الأقصى فيما يعرف حاليا بالمملكة المغربية.
-
-
الزمن الفينيقي
-
-
يعتبر الفينيقيون هم رواد الحضارة في بلاد المغرب. فقبل ألف ومائتي سنة قبل الميلاد، وصل هؤلاء الكنعانيون من الشام إلى السواحل المتوسطية الغربية والأطلسية. فنقلوا الكتابة وفتحوا المراكز التجارية وبنوا أقدم المدن في المغرب ومنها وشاله قرب الرباط و الليكسوس التي ما زالت أطلالها مشهودة قرب العرائش وطنجة حيث مازالت قبور الفينيقيين المنحوتة في الصخر ماثلة للعيان.
وخلال هذه الفترة انتشر في المنطقة، استخدام الفينيقية (البونيقية) التي تعتبر لغة سامية تشترك مع العربية في المعجم الأصلي وفي طريقة الكتابة من اليمين إلى اليسار.
-
-
الزمن الروماني.
-
-
بعد إنتهاء الحكم الفينيقي عام ١٤٦ قبل الميلاد، خضع المغرب للحكم الروماني، وظهر في المغرب أنذاك المملكة الموريطنية فكان الرومان يحكمون أغلب البلاد بشكل مباشر إلا المغرب الذي حافظ على مساحة من الإستقلالية، وكان بجوار المغرب مملكة نوميديا، وكانت العلاقة بينهما متأرجحة بين تحالف وتنافس إلى أن إنتهت مملكة نوميديا ثم المملكة الموريطنية على يد الرومان، والتي على الرغم من إنتهائها بقي المغرب يحكمه حكام من سكانها.
-
-
الفتح الإسلامي والحكم الأموي.
-
-
وصلت الفتوحات الإسلامية إلى المغرب في عهد الخلافة الأموية، وكان ذلك على مرحلتين الأولى في عام ٦٨٤ م على يد عقبة بن نافع ولكن فتحه لم يستقر وخرج المغرب من الحكم الأموي، والمرحلة الثانية في عام ٧٠٤ م على يد موسى بن نصير وعبر لاحقا من المغرب إلى الأندلس، وبقي المغرب تحت الحكم الأموي حتى عام ٧٤٠ م حيث إستقل بعد ثورة قادها ميسرة المطغري.
-
-
العصر العباسي
-
-
في عصر الخلافة العباسية دخل المغرب في التبعية العباسية بعد سيطرتهم على الحكم في عام ٧٤٩ م، وتم إعتباره جزء من ولاية إفريقية والتي مركزها القيروان، ولكن المغرب تمرد وخرج من الحكم العباسي عام ٧٥٥ م، وهنا أدرك الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور قيمة المغرب وصعوبة حكمها بسبب بعدها، وبعد أن إسترد المغرب الأقصى عام ٧٥٧ م قام بمنح المغرب صلاحيات إضافية، فلم يكن الخليفة يرسل لها والي من بغداد، بل جعل المغرب الأقصى ولاية وراثية في بنو مدرارا وعاصمتها سجلماسة.
وخلال فترة حكم بنو مدرارا ظهر الأدارسة في المغرب الأقصى، بعد فرار ادريس الأول نتيجة موقعة الفخ في عهد الخليفة العباسي موسى الهادي، وتمرد إدريس الأول إلى أن قام الخليفة العباسي هارون الرشيد بقتله عام ٧٩١ م، ولاحقا تمرد إدريس الثاني فقام الخليفة العباسي عبد الله المأمون بقتله عام ٨٢٨ م، وبقي العباسيون يعتبرون الأدراسة أعداء إلى أن أتى عهد الخليفة العباسي أحمد المعتضد.
واستمر العباسيون في دعم بنو مدرارا وإعتبارهم ولاتهم في المغرب الأقصى، ويرفعون العلم الأسود ويخطبون للخليفة ويرسلون الخراج ويتلقون أوامر الخليفة، وبقي حكم بنو مدرارا حتى عام ٩٠٩ م حينما ظهرت الدولة العبيدية.
-
-
زمن المرابطين والموحدين
-
-
دخل المغرب في فوضى وتفكك قبائلي بعد زمن من حكم العبيديين وولاتهم بنو زيري، وإستمر الوضع هكذا حتى ظهرت دولة المرابطين عام ١٠٥٦ م والتي إستطاعت توحيد المغرب ثم إنقاذ الأندلس في معركة الزلاقة عام ١٠٨٦ م، وبعد سنوات قام المرابطون بضم الأندلس إليهم، واتخذوا من مدينة مراكش التي بنوها عاصمة لهم.
واستمر حكم المرابطين وإنشغلوا في القتال في الأندلس لتوسيع حدودها، فاستغل الموحدين هذا الإنشغال، فقاموا بالتمرد على المرابطين إلى أن إستطاع الموحدين القضاء عليهم في عام ١١٤٧م، وأعلنوا أنفسهم خلفاء ورفضوا أن يبايعوا الخليفة العباسي في بغداد كما كان يفعل المرابطون، وإتخذوا من مراكش عاصمة لهم، واستطاعوا الإنتصار على القشتاليين في الأندلس في معركة الأرك عام ١١٩٥ م، ولكنهم هزموا أمامهم في معركة العقاب عام ١٢١٢ م، وكانت هذه الهزيمة بداية التراجع إلى أن تم القضاء عليهم على يد المرينيين في عام ١٢٦٩م.
-
-
الحكم المريني
-
-
وتميزت دولة بنو مرين عن بقية الدول التي سبقتها في حكم المغرب كونها لم تصل إلى الحكم تحت شعار فكرة دينية كما فعل المرابطين والموحدين، بل اعتمدوا على قوتهم العددية وتنظيماتهم القبلية، واتخذوا من مدينة فاس عاصمة لهم، وكان المرينيون يخطبون للخليفة العباسي في القاهرة إلى أن قام السلطان أبو عنان المريني بإلغاء البيعة وإعلان نفسه خليفة، وقام بنو الأحمر في الأندلس بمبايعتهم، وبقي بنو مرين هم المساندين للأندلس إلى أن سقطت سبتة بيد البرتغاليين عام ١٤١٥م فانقطع الدعم المريني للأندلس، والتي ستسقط بعد عقود.
وارتكب المرينيون خطأ حينما قاموا بإبادة الوطاسيين بعد أن أقاموا لهم مذبحة كبيرة سنة ١٤٥٨ م، والتي نجا منها محمد الشيخ الوطاسي. وجعل السلطان عبد الحق الثاني المريني هارون بن بطاش اليهودي على رئاسة دولته، الأمر الذي ساء أثره في المسلمين فثار سكان فاس على السلطان، وتزعم الفقهاء الثورة الشعبية، وقتلوه سنة ١٤٦٥م، وبايعوا الشريف الإدريسي محمد بن علي العمراني الجوطي، الذي لن يدوم طويلا، حيث سيتغلب فرع آخر من المرينيين من غير سلالة عبد الحق؛ وهم الوطاسيون بقيادة الناجي من المذبحة محمد الشيخ الوطاسي في عام ١٤٧٢م
-
-
الحكم الوطاسي والسعدي.
-
-
إستغل البرتغاليين صراع الوطاسيين والمرينيين، فبسيطرة محمد الشيخ الوطاسي على الحكم في العاصمة فاس، تعرضت مدينة أصيلا للغزو البرتغالي، وكان على الوطاسيين أن يقودوا حملات عسكرية ضد البرتغاليين في الثغور الشمالية: سبتة وطنجة وأصيلا وأن يقوموا في نفس الوقت بالقضاء على الإمارات الصغيرة التي استغلت ضعف السلطة المركزية مثل أسرة المنظري وبني راشد وإمارة دبدو، إلا أن الخطر الحقيقي على الوطاسيين كان يمثله السعديون، واستطاع السعديون القضاء على الوطاسيين في عام ١٥٥٤ م وسيطروا على العاصمة فاس.
وأما السعديين فقد إستطاعوا الحفاظ على إستقلال المغرب وبل تحويله إلى إمبراطورية، ومنعوا العثمانيين من السيطرة عليه كباقي الدول العربية وفي نفس الوقت تصدوا للحملات البرتغالية والإسبانية، وبل إستطاعوا القضاء على الإمبراطورية البرتغالية في معركة وادي المخازن عام ١٥٧٨م، ودخل السعديون في عصرهم الذهبي.
ولكن بعد سنة ١٦٠٣م قسمت المملكة السعدية وبدأت معها مرحلة التقهقر. فحكم فرع السعديين في فاس حتى عام ١٦٢٦م، وقتل آخر السلاطين السعديين في مراكش سنة ١٦٥٩م وأصبح أمر المغرب في أيدي أبناء عمومتهم من الأسرة الفيلالية.
-
-
الحكم الفيلالي
-
-
يعتبر الشريف بن علي الفيلالي هو مؤسس الأسرة حينما تمت مبايعته في سجلماسة عام ١٦٣١م، وأما إبنه الرشيد فهو المؤسس الفعلي لدولة العلويين. فاتخذ مدينة الرباط عاصمة لمواجهة الإمارات الثلاث القوية التي كانت تتقاسم البلاد، فانطلق من الرباط متوجها ضد الدلائيين وانتصر عليهم عام ١٦٦٨م، وضد الشبانات في مراكش في العام نفسه؛ وبدخوله إلى إيليغ عام ١٦٧٠ م أعلنت بلاد سوس طاعتها، وبذلك أعاد المولى الرشيد إلى المغرب وحدته الداخلية بعد سنوات من الحروب أهلية.
وفي عهد إسماعيل الفيلالي تمت إستعادة السيطرة على العديد من المدن الساحلية التي تحتلها انجلترا وإسبانيا، ووضع حدًا نهائيًا للمحاولات العثمانية للسيطرة على المغرب، وجعل إسماعيل لبلده قوة مساوية للقوى الأوروبية لدرجة أنه أجبرهم على دفع الفدية للإفراج عن الأسرى الأوروبيين الذين يقوم المغاربة بأسرهم، ولكن بعد وفاة السلطان إسماعيل الفيلالي دخل المغرب في فترات الاضطراب بين ١٧٢٧ إلى ١٧٥٧ م بسبب صراع أبناء إسماعيل على السلطة واستمر الإضطراب إلى أن إستطاع محمد بن عبد الله السيطرة على أركان الحكم وإنهاء الفوضى.
وأما النفوذ الفرنسي فبدأ عام ١٨٤٥ م بعد هزيمة عبد الرحمن الفيلالي في معركة ايسيلي، فوقع المغرب إتفاقية مغنية بعد المعركة، وأما بداية النفوذ الإسباني فبدأ عام ١٨٥٩م بعد حروب مغربية إسبانية أدت لتوقيع إتفاقية واد راس، وكانت هذه الإتفاقية بابا للتدخل إلى أن تم التوقيع على إتفاقية فاس عام ١٩١٢م.
واستمر النفوذ الفرنسي الذي قاومه المغاربة وأشهرهم الزعيم عبد الكريم الخطابي الذي إستطاع أن يؤسس جمهورية الريف في شمال المغرب من عام ١٩٢١م إلى أن انتهت ١٩٢٦م، فزاد الفرنسيون من طغيانهم وتحكمهم إلى أن إستطاع السلطان محمد الخامس الفيلالي إستغلال هزيمة الفرنسيين وظهور حكومة فيشي، وأصبح السلطان يصدر قرارات ويقوم برحلات خارجية ويعقد مؤتمرات رغم المعارضة الفرنسية حتى بعد إنهيار حكومة فيشي، وأصدر السلطان بيان الإستقلال عام ١٩٤٤م، واستمر النزاع بين الفرنسيين والسلطان إلى أن قاموا بإزاحته عن الحكم عام ١٩٥٣م وقاموا بنفيه إلى مدغشقر، وبقي محمد الخامس مصرا على إستقلال المغرب دون دعوة أي دولة خارجية، فكان محمد الخامس شخصية محورية في الإستقلال فيما عرف تاريخيا بثورة الملك والشعب، والذي كان فيه نضال الشعب المغربي سببا في عودة محمد الخامس للحكم عام ١٩٥٥ م، وفي عام ١٩٥٦م تحقق إستقلال المغرب، وبقي المغرب بلدا ملكيا لم يتأثر بالموجات اليسارية والعسكرية في الخمسينات والستينات والتي فيها تحولت الكثير من البلاد العربية من ملكية إلى جمهورية.
*****************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري