السكان (علم ـ)
يعد علم السكان demography واحداً من العلوم الاجتماعية التي تُعنى بقضايا المجتمع الإنساني ومشكلاته وتغيراته، ويختص بمسائل السكان وعوامل نموهم وتوازنهم النوعي والكمي، وتتأثر مفاهيمه وتعاريفه بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها المجتمعات الإنسانية المعاصرة، كما تختلف النظرة إليه وإلى الدراسات المنبثقة عنه باختلاف الفلسفات الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى أن مسارات علم السكان تأثرت أيضاً بتطور المعارف العلمية في المجالات المختلفة، وقد أطلق الباحثون الأوائل على علمهم صفات عدة، ومصطلحات كانت من أهمها:
الديموغرافية Demography:لفظ يوناني الأصل مؤلف من شقيـن هما: Demosويعني الشعـب أو السكـان، وgraphs ويعني الوصف، وبهذا يصبح المعنى الحرفي الكلي لهذا المصطلح وصف السكان أو الدراسة الوصفية لهم. ويُعتقد أن آشيل غِيّارA.Guillard هو أول من استعمل هذا اللفظ وذلك في عام 1855 في كتابه «مبادئ الإحصاء البشري»، وقد عرّفها غِيّار بأنها التاريخ الطبيعي والاجتماعي للجنس البشري، فهي دراسة عددية للسكان وتحركاتهم العامة وظروفهم الطبيعية وأحوالهم المدنية وصفاتهم العقلية والأخلاقية. ويتضح من هذا التعريف أنها تهتم بالتأريخ الكمي للسكان من مختلف النواحي، سواء الطبيعية منها أم المجتمعية، وهذا يعني أن من مهام الديموغرافية دراسة السكان من حيث الحجم والنمو والتطور، ومن حيث بنية السكان الطبيعية والمكانية والاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك دراسة توزع السكان الجغرافي وتركيبهم العمري والجنسي أو النوعي، كما يتضمن تعريف غِيّار، أيضاً، تتبع هذا العلم لواقعات المواليد والوفيات والهجرة والزواج، ودراسة مناشط السكان الاقتصادية المختلفة. ولابد من الإشارة، أيضاً، إلى أن هذا التعريف لم يقتصر على الدراسة المباشرة لبنية السكان وحركتهم فقط، بل تعدى ذلك إلى الحديث عن البحث في خصائصهم العقلية والأخلاقية، وهو ما يفهم منه ضرورة ربط الدراسات الديموغرافية بقيم السكان وعاداتهم وتقاليدهم، إضافة إلى خصائصهم النوعية المباشرة مثل: الحالة المهنية والعملية والمستوى التعليمي والفني خاصة للقوة البشرية.
كما يؤكد تعريف غِيّار للديموغرافية ارتباط الدراسات السكانية الكيفية (أو النوعية) بالدراسات الإحصائية (الكمية) أو الرقمية، فالديموغرافية، وفق هذا التصور، هي دراسة سكانية تعتمد بالدرجة الأولى على البيانات الكمية في وصف الواقع السكاني وتحليله وتفسيره.
وارتباط علم السكان (أو الديموغرافية) بالرقم الإحصائي وبعلم الإحصاء بصورة عامة، مسألة أكدها معظم المهتمين بعلم السكان، لهذا فإنه ليس من المستغرب أن يدخل هذا التأكيد على الربط ما بين علم السكان وعلم الإحصاء في تعريف الديموغرافية، وهذا ما ذهب إليه اميل لوفاسور E.Levasseur في تعريفه لهذا المفهوم في المعلمة الفرنسية الكبرى في مادة «ديموغرافية» ما ترجمته: أنها علم يعتمد على الإحصاء فيبحث في الحياة البشرية، ولاسيما الولادة والزواج والموت، والعلائق الناشئة من هذه الظواهر، وأحوال السكان العامة الناجمة عن ذلك، وهو يبرز العناصر الصميمية التي يتألف السكان منها وكيف تستقر المجتمعات البشرية وتستمر وتتكاثر أو تتناقص، وكيف يتجمع البشر أو يتفرقون، وما أسباب هذا التغير المادية والمعنوية.
وعدا تأكيد لوفاسور ربط الدراسات السكانية بعلم الإحصاء، في تعريفه السابق، فهو يضيف إلى الديموغرافية عنايتها المباشرة بدراسة الظواهر والعمليات السكانية، فيجب أن تهتم بدراسة الروابط ما بين هذه الظواهر والعمليات وانعكاساتها على مختلف الظواهر والعمليات المجتمعية الأخرى، وخاصة فيما يتعلق بتشكل المجتمعات البشرية وتغيرها وتطورها وثباتها أو استقرارها أو انهيارها أو زوالها.
ويعرف القاموس الديموغرافي لهيئة الأمم المتحدة الديموغرافية بأنها: «دراسة علمية للجنس البشري من حيث حجمه وتركيبه وما يحدث فيهما من تطور». وواضح أن هذا التعريف على الرغم من شموله لأهم مجالات الدراسة السكانية، فإنه يميل إلى وجهة النظر التي ترى في الديموغرافية مجرد وصف للعمليات والظواهر السكانية المباشرة، في حين تهتم بالكشف والتفسير (أو التحليل) والتنبؤ أو التحكم بالظواهر والعمليات السكانية، إذا ما نظر إليها على أنها علم، ويمكن أن تصل إلى صوغ مجموعة من النتائج والقوانين التي تحكم حركة السكان. وهي بذلك تقوم بالوظائف التي يقوم بها أي فرع علمي آخر، فهي تتعدى مسألة الوصف والتوصيف إلى التحليل والتفسير والتنبؤ أو التحكم.
الديمولوجية demology: يلاحظ أن ما يراد من مفهوم الديموغرافيــة هو التعبير عن علم السكان، بكل ما تحمله مفاهيم العلم الحديث ووظائفه من معان ومضامين، وعليه، فإن اختزال مفهوم الديموغرافية في المعنى الحرفي للكلمة لا يعبر عن وجهة نظر معظم علماء السكان الذين يطابقون ما بين مفهومهم لعلم السكان وفهمهم للديموغرافية. من هنا، ونتيجة لتطور علم السكان من حيث النظرية والمنهج وطرائق البحث والأدوات المستخدمة في دراساته قام بعض علماء السكان باستبدال لفظ «الديمولوجية» بلفظ «الديموغرافية» محاولين تحديد خصائص هذا العلم وهويته ومطابقة الشكل مع الجوهر، أو الاسم مع المسمى أو المضمون، وذلك بإضافة الصفة العلمية على تسميته على نحو ما هو مطبق في بقية فروع العلم الأخرى. فكلمة «لوجي» logyتشير، كما هو معلوم، إلى ربط الصفة الأولى لميدان المعرفة بأسس العلوم ومناهجها، غير أن لفظ «الديمولوجية» على الرغم من تعبيره عن المعنى الدقيق لعلم السكان شكلاً ومضموناً، وعلى الرغم من دقته الحرفية أكثر من لفظ «الديموغرافية» لم يكتب له الانتشار في الاستخدام كما هي عليه الحال للفظ الديموغرافية الذي ظل يستخدم للتعبير عن علم السكان أو كل ما يتعلق بالدراسات السكانية.
المورفولوجية الاجتماعية Social Morphology: يستخدم فريق من علماء الاجتماع، بتأثير الفلسفة الاجتماعية، مصطلح المورفولوجية الاجتماعية للدلالة على الديموغرافية أو على الدراسات السكانية المنطلقة من منظور اجتماعي. ويعد إميل دوركهايم[ر] E.Durkheim من الأوائل الذين استخدموا هذا المفهوم، فمن وجهة نظره، إن المورفولوجية الاجتماعية أو علم التشكل الاجتماعي هو ذلك العلم الذي يتضمن الدراسات السكانية التي تهتم بتشكل المجتمعات وأشكالها وصيغها المادية والعناصر التي تتألف منها وبتوزع السكان الجغرافي والهجرة الداخلية والخارجية وأنماط السكن والمساكن وغير ذلك. من هنا فضل موريس هلفاكس وهو تلميذ دوركهايم أن يطلق على علم السكان اسم «المورفولوجية الاجتماعية» عوضاً عن «الديموغرافية»، لأن الأخيرة تعني الوصف المحض، في حين تسعى المورفولوجية لتتبع تطور المجتمعات التعاقبي وكيفية تشكلها وانتقالها من طور لآخر. وقد وضع هلفاكس في ذلك كتابا أطلق عليه اسم «المورفولوجية الاجتماعية» يبحث فيه قضايا السكان وتوزعهم الجغرافي وتنقلهم من مكان لآخر (الهجرة) إضافة إلى تناوله لمباحث عدة في أعمار السكان والعديد من الوقائع السكانية مثل: الولادة والوفاة والزواج والطلاق وغير ذلك، ولشدة اقتناع بعضهم بمصطلحي المورفولوجية والديموغرافية معاً استخدموا لفظ «المورفولوجية الديموغرافية» للدلالة على الدراسات التي تتناول الخصائص الديموغرافية للسكان. غير أنه لم يكتب لهذا المصطلح (الديمولوجية) الانتشار كسابقه، على الرغم من تعديل المصطلح من« المورفولوجية الاجتماعية» إلى «المورفولوجية الديموغرافية»، على اعتبار أن المصطلح الأول يشير إلى الدراسات المجتمعية بوجه عام، في حين أن المصطلح الثاني يراد منه أن يعبر عن الدراسات السكانية فقط. ومع كل ذلك ظل مصطلح الديموغرافية هو الأعم والأكثر شيوعاً أو انتشاراً وظل يعبر عن الدراسات السكانية عموماً، وعن علم السكان بوجه خاص، وعليه يمكن القول:
- لم تعد الديموغرافية (أو علم للسكان) تعني مجرد تسجيل أو وصف للوقائع السكانية، بل يستخدم هذا المصطلح للدلالة على علـم السكان، وبات هذا المصطلح هو الأكـثر استخداماً وشيوعاً منذ ظهوره في منتصف القرن التاسع عشر حتى اليوم.
- الديموغرافية (أو علم السكان) تهتم بدراسة السكان في حالتي الثبات والحركة، أي من حيث واقعهم الحالي ومن حيث نموهم وتطورهم.
- الديموغرافية (أو علم السكان) علم يتناول الظواهر والعمليات السكانية بالدراسة من خلال ارتباطها بظواهر وعمليات المجتمع الأخرى.
- الديموغرافية علم له صلة وثيقة ببقية الفروع العلمية الأخرى، وخاصة منظومة العلــوم الإنسانية التي ينتمي إليها، وعلى الأخص علم الإحصاء والاجتماع والاقتصاد.
وتأسيساً على ما سبق، يمكن الخلوص إلى تعريف عام لعلم السكان بأنه العلم الذي يُعنى بالمعرفة العلمية بقضايا السكان والمجتمع التي يتم الوصول إليها من خلال تطبيق المنهج العلمي المستخدم في بقية فروع العلم الأخرى. ولعلم السكان طرائقه ووسائله وأدواته الخاصة التي يستخدمها في دراسة البيانات السكانية. ومن المصطلحات التي لابد من الإشارة إليها: التكاثر السكاني والتضخم السكاني، فالتكاثر السكاني هو تعبير يستخدم للدلالة على مفهوم النمو أو التزايد في عدد السكان، أما التضخم السكاني فيراد منه التعبير عن سرعة النمو المتزايدة التي يشهدها الإنسان في المرحلة الراهنة، وخاصة منذ بداية القرن العشرين. ويمكن ملاحظة ثلاثة مجالات بحث أساسية للدراسات السكانية هي:
البنى السكانية: وهي من أهم مجالات البحث السكاني المتخصص، الهادفة إلى تقديم صورة عرضا نية (شعاعية) عن المجتمع السكاني من النواحي العمرية والجنسية والجغرافية والتعليمية والزواجية والإثنية المختلفة. ويتناول الباحث في هذا المجال العديد من الموضوعات السكانية، مثل: هرم السكان أو فتوتهم، ونسب الجنس أو التأنيث في المجتمع أو عند الولادة، وموضوعات أخرى، كالكثافة السكانية بمختلف أنواعها، والبنية الريفية- الحضرية للسكان ومسائل الاكتظاظ السكاني في المدن، والهرم التعليمي، بما في ذلك مختلف الموضوعات المرتبطة بالأمية والتعليم الإلزامي والتسرب من المدارس. كما يمكن للباحث أن يتناول مختلف الموضوعات المرتبطة بنظام الزواج بوصفه واقعة سكانية، بما في ذلك مسائل الطلاق والترمل أو حتى العزوف عن الزواج أو العنوسة أو سن الزواج لكلا الجنسين. ويشمل البحث في هذا المجال، أيضا، موضوعات ذات علاقة بالبنية الإثنية كمسائل الجنسية والتجنس والتنوع الثقافي والقيمي والقومي والديني وما شابه ذلك.
الحركة السكانية: وهي حركة طبيعية كالولادات والوفيات، ومكانية، كالهجرة أو النزوح، واجتماعية، يستدل عليها من السلوك المجتمعي الذاتي للسكان، وهو ما اصطلح على تسميته بالحراك الاجتماعي، المتمثل بصورة أساسية في انتقال الفرد من حالة اجتماعية إلى حالة اجتماعية أخرى، كانتقاله من حالة العزوبية إلى حالة الزواج، ومن الزواج إلى الطلاق أو العكس، أو انتقاله من مرحلة الدراسة إلى مرحلة العمل، أو من مهنة إلى أخرى وغير ذلك.
القوة البشرية: يتركز البحث في هذا المجال من مجالات الدراسات السكانية على نحو أساسي في العلاقة ما بين السكان والمجتمع، أي في الدور الوظيفي للسكان بوصفهم منتجين ومستهلكين في الوقت ذاته، وبهذا فإن الباحث في هذا المجال يتناول موضوعات ذات علاقة بالقوة البشرية والقوة العاملة والبطالة والاستخدام والعمالة وغير ذلك.
محمد أكرم القش
يعد علم السكان demography واحداً من العلوم الاجتماعية التي تُعنى بقضايا المجتمع الإنساني ومشكلاته وتغيراته، ويختص بمسائل السكان وعوامل نموهم وتوازنهم النوعي والكمي، وتتأثر مفاهيمه وتعاريفه بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها المجتمعات الإنسانية المعاصرة، كما تختلف النظرة إليه وإلى الدراسات المنبثقة عنه باختلاف الفلسفات الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى أن مسارات علم السكان تأثرت أيضاً بتطور المعارف العلمية في المجالات المختلفة، وقد أطلق الباحثون الأوائل على علمهم صفات عدة، ومصطلحات كانت من أهمها:
الديموغرافية Demography:لفظ يوناني الأصل مؤلف من شقيـن هما: Demosويعني الشعـب أو السكـان، وgraphs ويعني الوصف، وبهذا يصبح المعنى الحرفي الكلي لهذا المصطلح وصف السكان أو الدراسة الوصفية لهم. ويُعتقد أن آشيل غِيّارA.Guillard هو أول من استعمل هذا اللفظ وذلك في عام 1855 في كتابه «مبادئ الإحصاء البشري»، وقد عرّفها غِيّار بأنها التاريخ الطبيعي والاجتماعي للجنس البشري، فهي دراسة عددية للسكان وتحركاتهم العامة وظروفهم الطبيعية وأحوالهم المدنية وصفاتهم العقلية والأخلاقية. ويتضح من هذا التعريف أنها تهتم بالتأريخ الكمي للسكان من مختلف النواحي، سواء الطبيعية منها أم المجتمعية، وهذا يعني أن من مهام الديموغرافية دراسة السكان من حيث الحجم والنمو والتطور، ومن حيث بنية السكان الطبيعية والمكانية والاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك دراسة توزع السكان الجغرافي وتركيبهم العمري والجنسي أو النوعي، كما يتضمن تعريف غِيّار، أيضاً، تتبع هذا العلم لواقعات المواليد والوفيات والهجرة والزواج، ودراسة مناشط السكان الاقتصادية المختلفة. ولابد من الإشارة، أيضاً، إلى أن هذا التعريف لم يقتصر على الدراسة المباشرة لبنية السكان وحركتهم فقط، بل تعدى ذلك إلى الحديث عن البحث في خصائصهم العقلية والأخلاقية، وهو ما يفهم منه ضرورة ربط الدراسات الديموغرافية بقيم السكان وعاداتهم وتقاليدهم، إضافة إلى خصائصهم النوعية المباشرة مثل: الحالة المهنية والعملية والمستوى التعليمي والفني خاصة للقوة البشرية.
كما يؤكد تعريف غِيّار للديموغرافية ارتباط الدراسات السكانية الكيفية (أو النوعية) بالدراسات الإحصائية (الكمية) أو الرقمية، فالديموغرافية، وفق هذا التصور، هي دراسة سكانية تعتمد بالدرجة الأولى على البيانات الكمية في وصف الواقع السكاني وتحليله وتفسيره.
وارتباط علم السكان (أو الديموغرافية) بالرقم الإحصائي وبعلم الإحصاء بصورة عامة، مسألة أكدها معظم المهتمين بعلم السكان، لهذا فإنه ليس من المستغرب أن يدخل هذا التأكيد على الربط ما بين علم السكان وعلم الإحصاء في تعريف الديموغرافية، وهذا ما ذهب إليه اميل لوفاسور E.Levasseur في تعريفه لهذا المفهوم في المعلمة الفرنسية الكبرى في مادة «ديموغرافية» ما ترجمته: أنها علم يعتمد على الإحصاء فيبحث في الحياة البشرية، ولاسيما الولادة والزواج والموت، والعلائق الناشئة من هذه الظواهر، وأحوال السكان العامة الناجمة عن ذلك، وهو يبرز العناصر الصميمية التي يتألف السكان منها وكيف تستقر المجتمعات البشرية وتستمر وتتكاثر أو تتناقص، وكيف يتجمع البشر أو يتفرقون، وما أسباب هذا التغير المادية والمعنوية.
وعدا تأكيد لوفاسور ربط الدراسات السكانية بعلم الإحصاء، في تعريفه السابق، فهو يضيف إلى الديموغرافية عنايتها المباشرة بدراسة الظواهر والعمليات السكانية، فيجب أن تهتم بدراسة الروابط ما بين هذه الظواهر والعمليات وانعكاساتها على مختلف الظواهر والعمليات المجتمعية الأخرى، وخاصة فيما يتعلق بتشكل المجتمعات البشرية وتغيرها وتطورها وثباتها أو استقرارها أو انهيارها أو زوالها.
ويعرف القاموس الديموغرافي لهيئة الأمم المتحدة الديموغرافية بأنها: «دراسة علمية للجنس البشري من حيث حجمه وتركيبه وما يحدث فيهما من تطور». وواضح أن هذا التعريف على الرغم من شموله لأهم مجالات الدراسة السكانية، فإنه يميل إلى وجهة النظر التي ترى في الديموغرافية مجرد وصف للعمليات والظواهر السكانية المباشرة، في حين تهتم بالكشف والتفسير (أو التحليل) والتنبؤ أو التحكم بالظواهر والعمليات السكانية، إذا ما نظر إليها على أنها علم، ويمكن أن تصل إلى صوغ مجموعة من النتائج والقوانين التي تحكم حركة السكان. وهي بذلك تقوم بالوظائف التي يقوم بها أي فرع علمي آخر، فهي تتعدى مسألة الوصف والتوصيف إلى التحليل والتفسير والتنبؤ أو التحكم.
الديمولوجية demology: يلاحظ أن ما يراد من مفهوم الديموغرافيــة هو التعبير عن علم السكان، بكل ما تحمله مفاهيم العلم الحديث ووظائفه من معان ومضامين، وعليه، فإن اختزال مفهوم الديموغرافية في المعنى الحرفي للكلمة لا يعبر عن وجهة نظر معظم علماء السكان الذين يطابقون ما بين مفهومهم لعلم السكان وفهمهم للديموغرافية. من هنا، ونتيجة لتطور علم السكان من حيث النظرية والمنهج وطرائق البحث والأدوات المستخدمة في دراساته قام بعض علماء السكان باستبدال لفظ «الديمولوجية» بلفظ «الديموغرافية» محاولين تحديد خصائص هذا العلم وهويته ومطابقة الشكل مع الجوهر، أو الاسم مع المسمى أو المضمون، وذلك بإضافة الصفة العلمية على تسميته على نحو ما هو مطبق في بقية فروع العلم الأخرى. فكلمة «لوجي» logyتشير، كما هو معلوم، إلى ربط الصفة الأولى لميدان المعرفة بأسس العلوم ومناهجها، غير أن لفظ «الديمولوجية» على الرغم من تعبيره عن المعنى الدقيق لعلم السكان شكلاً ومضموناً، وعلى الرغم من دقته الحرفية أكثر من لفظ «الديموغرافية» لم يكتب له الانتشار في الاستخدام كما هي عليه الحال للفظ الديموغرافية الذي ظل يستخدم للتعبير عن علم السكان أو كل ما يتعلق بالدراسات السكانية.
المورفولوجية الاجتماعية Social Morphology: يستخدم فريق من علماء الاجتماع، بتأثير الفلسفة الاجتماعية، مصطلح المورفولوجية الاجتماعية للدلالة على الديموغرافية أو على الدراسات السكانية المنطلقة من منظور اجتماعي. ويعد إميل دوركهايم[ر] E.Durkheim من الأوائل الذين استخدموا هذا المفهوم، فمن وجهة نظره، إن المورفولوجية الاجتماعية أو علم التشكل الاجتماعي هو ذلك العلم الذي يتضمن الدراسات السكانية التي تهتم بتشكل المجتمعات وأشكالها وصيغها المادية والعناصر التي تتألف منها وبتوزع السكان الجغرافي والهجرة الداخلية والخارجية وأنماط السكن والمساكن وغير ذلك. من هنا فضل موريس هلفاكس وهو تلميذ دوركهايم أن يطلق على علم السكان اسم «المورفولوجية الاجتماعية» عوضاً عن «الديموغرافية»، لأن الأخيرة تعني الوصف المحض، في حين تسعى المورفولوجية لتتبع تطور المجتمعات التعاقبي وكيفية تشكلها وانتقالها من طور لآخر. وقد وضع هلفاكس في ذلك كتابا أطلق عليه اسم «المورفولوجية الاجتماعية» يبحث فيه قضايا السكان وتوزعهم الجغرافي وتنقلهم من مكان لآخر (الهجرة) إضافة إلى تناوله لمباحث عدة في أعمار السكان والعديد من الوقائع السكانية مثل: الولادة والوفاة والزواج والطلاق وغير ذلك، ولشدة اقتناع بعضهم بمصطلحي المورفولوجية والديموغرافية معاً استخدموا لفظ «المورفولوجية الديموغرافية» للدلالة على الدراسات التي تتناول الخصائص الديموغرافية للسكان. غير أنه لم يكتب لهذا المصطلح (الديمولوجية) الانتشار كسابقه، على الرغم من تعديل المصطلح من« المورفولوجية الاجتماعية» إلى «المورفولوجية الديموغرافية»، على اعتبار أن المصطلح الأول يشير إلى الدراسات المجتمعية بوجه عام، في حين أن المصطلح الثاني يراد منه أن يعبر عن الدراسات السكانية فقط. ومع كل ذلك ظل مصطلح الديموغرافية هو الأعم والأكثر شيوعاً أو انتشاراً وظل يعبر عن الدراسات السكانية عموماً، وعن علم السكان بوجه خاص، وعليه يمكن القول:
- لم تعد الديموغرافية (أو علم للسكان) تعني مجرد تسجيل أو وصف للوقائع السكانية، بل يستخدم هذا المصطلح للدلالة على علـم السكان، وبات هذا المصطلح هو الأكـثر استخداماً وشيوعاً منذ ظهوره في منتصف القرن التاسع عشر حتى اليوم.
- الديموغرافية (أو علم السكان) تهتم بدراسة السكان في حالتي الثبات والحركة، أي من حيث واقعهم الحالي ومن حيث نموهم وتطورهم.
- الديموغرافية (أو علم السكان) علم يتناول الظواهر والعمليات السكانية بالدراسة من خلال ارتباطها بظواهر وعمليات المجتمع الأخرى.
- الديموغرافية علم له صلة وثيقة ببقية الفروع العلمية الأخرى، وخاصة منظومة العلــوم الإنسانية التي ينتمي إليها، وعلى الأخص علم الإحصاء والاجتماع والاقتصاد.
وتأسيساً على ما سبق، يمكن الخلوص إلى تعريف عام لعلم السكان بأنه العلم الذي يُعنى بالمعرفة العلمية بقضايا السكان والمجتمع التي يتم الوصول إليها من خلال تطبيق المنهج العلمي المستخدم في بقية فروع العلم الأخرى. ولعلم السكان طرائقه ووسائله وأدواته الخاصة التي يستخدمها في دراسة البيانات السكانية. ومن المصطلحات التي لابد من الإشارة إليها: التكاثر السكاني والتضخم السكاني، فالتكاثر السكاني هو تعبير يستخدم للدلالة على مفهوم النمو أو التزايد في عدد السكان، أما التضخم السكاني فيراد منه التعبير عن سرعة النمو المتزايدة التي يشهدها الإنسان في المرحلة الراهنة، وخاصة منذ بداية القرن العشرين. ويمكن ملاحظة ثلاثة مجالات بحث أساسية للدراسات السكانية هي:
البنى السكانية: وهي من أهم مجالات البحث السكاني المتخصص، الهادفة إلى تقديم صورة عرضا نية (شعاعية) عن المجتمع السكاني من النواحي العمرية والجنسية والجغرافية والتعليمية والزواجية والإثنية المختلفة. ويتناول الباحث في هذا المجال العديد من الموضوعات السكانية، مثل: هرم السكان أو فتوتهم، ونسب الجنس أو التأنيث في المجتمع أو عند الولادة، وموضوعات أخرى، كالكثافة السكانية بمختلف أنواعها، والبنية الريفية- الحضرية للسكان ومسائل الاكتظاظ السكاني في المدن، والهرم التعليمي، بما في ذلك مختلف الموضوعات المرتبطة بالأمية والتعليم الإلزامي والتسرب من المدارس. كما يمكن للباحث أن يتناول مختلف الموضوعات المرتبطة بنظام الزواج بوصفه واقعة سكانية، بما في ذلك مسائل الطلاق والترمل أو حتى العزوف عن الزواج أو العنوسة أو سن الزواج لكلا الجنسين. ويشمل البحث في هذا المجال، أيضا، موضوعات ذات علاقة بالبنية الإثنية كمسائل الجنسية والتجنس والتنوع الثقافي والقيمي والقومي والديني وما شابه ذلك.
الحركة السكانية: وهي حركة طبيعية كالولادات والوفيات، ومكانية، كالهجرة أو النزوح، واجتماعية، يستدل عليها من السلوك المجتمعي الذاتي للسكان، وهو ما اصطلح على تسميته بالحراك الاجتماعي، المتمثل بصورة أساسية في انتقال الفرد من حالة اجتماعية إلى حالة اجتماعية أخرى، كانتقاله من حالة العزوبية إلى حالة الزواج، ومن الزواج إلى الطلاق أو العكس، أو انتقاله من مرحلة الدراسة إلى مرحلة العمل، أو من مهنة إلى أخرى وغير ذلك.
القوة البشرية: يتركز البحث في هذا المجال من مجالات الدراسات السكانية على نحو أساسي في العلاقة ما بين السكان والمجتمع، أي في الدور الوظيفي للسكان بوصفهم منتجين ومستهلكين في الوقت ذاته، وبهذا فإن الباحث في هذا المجال يتناول موضوعات ذات علاقة بالقوة البشرية والقوة العاملة والبطالة والاستخدام والعمالة وغير ذلك.
محمد أكرم القش