"فنانو هليوبوليس".. تجارب معاصرة وتيمات متنوعة
مبدعون يوثقون أبرز مظاهر الحياة بين الواقعية والتجريد.
الثلاثاء 2023/05/23
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الفن يعبر عن الفنان ومحيطه
يميل الفنانون التشكيليون أكثر نحو الأساليب الفنية المعاصرة، لكنهم لا يستطيعون التخلي عن انتمائهم والتأثر بما خطته يد الزمن والأوطان في ذاكرتهم ونشأتهم الأولى، فتجدهم يعودون مهما ابتعدوا إلى تحرير ما علق في أذهانهم وإعادة تشكيله.
يجتمع عدد من الفنانين التشكيليين المصريين المعاصرين في غاليري أوديسي أحد المعالم المميزة بمنطقة الكوربة التاريخية، لاسيما وأن مقره الرئيسي هو أحد القصور التاريخية بالمنطقة، والذي يمتد تاريخه لأكثر من 120 عاما، لتسليط الضوء، كل وفق أسلوبه الفني الخاص، على قضايا من المجتمع.
ويشارك نحو ثلاثين فنانا تشكيليا بأعمال متنوعة منها ما يصور العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، ومنها ما يهتم بالمرأة أيقونة فنية، ومنها ما يستعيد ذكرى بعض المثقفين والفنانين، وبعضها الآخر يوثق المعالم الأثرية الشهيرة أو يعيد تركيبها في أعمال فسيفسائية ليؤكد وجوب الاهتمام بالتاريخ والحضارة، فمن لا يعرف تاريخه لا يعرف كيف يرسم مستقبله.
تأتي هذه الأعمال ضمن “أسبوع التراث” الذي ينظمه الغاليري في الفترة الممتدة من التاسع عشر وحتى الخامس والعشرين من مايو الحالي.
ويقول البيان المصاحب للحدث إن المعرض “رحلة فنية عبر الزمن، حيث يلتقي التاريخ والإبداع. يوفر مزيجًا رائعًا من الأنشطة وورش العمل” تدور كلها حول الفن التشكيلي وكل الأنشطة التي يمكن ممارستها في الفضاءات التاريخية.
غاليري أوديسي هو آخر مشروعات الراحل مصطفى نصار الأب الروحي لصناعة الذهب والمجوهرات والخبير المثمن العالمي الذي عُرف بشغفه بكل ما يتعلق بالفن والتراث.
الأعمال تأتي ضمن "أسبوع التراث" الذي ينظمه الغاليري في الفترة الممتدة من التاسع عشر وحتى الخامس والعشرين من مايو الحالي
هذا الغاليري بتصميمه المعماري المميز والذي يحافظ على طابعه الأثري، أصبح مساحة فنية تجمع بين المنتجات التراثية القديمة ومعروضات فنية عصرية دائمة تحت شعار “حكايا من كنوز مصرية”، حيث تضم معروضات متنوعة ما بين التحف وقطع الأثاث وحتى السيارات والأبواب وغيرها، إلى جانب عدد من المنتجات المعاد تصنيعها لتناسب الذوق والاستخدام العصري.
وتتنوع المدارس التشكيلية التي اعتمدها الفنانون في معرض “فناني هليوبوليس”، حيث يشارك الفنان مصطفى رحمة بـ”نسائه” المكتنزات اللواتي امتهن تصويرهن، وخصص تجربته الفنية للتعبير عنهن، ولجعلهن شخوصا راقصة لا يعيقه الجسد في عملية تحرره المستمرة من الضوابط الاجتماعية. نساؤه سمراوات بأجساد لم تعد محببة لجيل السوشيال ميديا الذي صارت السمنة لديه “عقدة” يحاول محاربتها، وكل اختلاف جسدي صار عنده محل تندر وسخرية وتنمر.
يسعى الفنان عبر لوحاته لتخليد النساء والزمن، ولوحاته تحتوي على الكثير من الحنين، حنينه الشخصي لعالم عاش فيه وكبر بين ثناياه وأحبه، إذ تعيدنا لوحاته إلى جلسات الطرب وملامح الجمال الأنثوية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.
جاءت أولى محاولات مصطفى لرسم المرأة، ولاعتمادها تيمة أساسية لتجربته التشكيلية، إثر انبهاره بجمهور أم كلثوم، الذي كان يحضر حفلاتها في أبهى حلته، وتبدو النساء حينها غريبات عن اللواتي يراهن اليوم في مجتمعه وأغلبهن يملن نحو “كبت” فرضه عليهن المجتمع الذكوري، وجعلهن يتعاملن مع أجسادهن بالكثير من الإنكار والاحتقار.
وهو يقول عن ذلك “كان لجمهور الست أم كلثوم الأثر الكبير على توجهي الفني، وخاصة النساء منهن.. تنظر إليهن فيأخذونك إلى زمان مضى ولن يعود”.
وفي رسمه النساء ببشرة سمراء، يقترب من أسلوب الفنان الكولومبي فرناندو بوتيرو (1930) المعروف باتباعه الفن التشخيصي، والذي تتميز رسوماته وأعماله النحتية بالأبعاد الضخمة وببدانة الهياكل البشريّة والحيوانية فيها. وهو يفسر استعماله للأشكال البدينة بقوله إن الفنان ينجذب إلى بعض الأشكال دون معرفة السبب.
ولا ينفي التشكيلي المصري التأثر بالفنان الكولومبي، بل يصر أيضا على رسم نساء بدينات لا تعوقهن السمنة عن الانخراط في الاحتفال بحيث يظهرن كأنهن آلات موسيقية، لكنهن نساء بروح عربية ومصرية، تنافسن نساء بوتيرو الكولومبيات.
مصطفى رحمة هو من مواليد عام 1952 بمحافظة الدقهلية، ولم يدرس الفن بشكل أكاديمي لكنه خاض تجربة التعلم بشكل فردي، وظهرت أعماله على صفحات مجلة “صباح الخير” المصرية وانتقل بعدها إلى مجلة “ماجد” الإماراتية.
كما تحضر أيضا أعمال الفنان التشكيلي أشرف رضا التي تنتمي إلى التجريد الهندسي والعضوي والزخرفي معا. وهو فنان مصمم بالأساس بعيون مثقفة ومطلعة على كل مجالات الإبداع. وهو أيضا فنان متحفظ ينتصر دائما للمنهج والأسلوب البنائي المدروس بنظام.
والفنان أشرف رضا حاصل على بكالوريوس من كلية الفنون الجميلة قسم ديكور شعبة العمارة الداخلية عام 1982 ثم ماجستير في الفنون الجميلة تخصص ديكور عام 1994. وحاصل على دكتوراه في الفلسفة في الفنون الجميلة قسم ديكور شعبة عمارة داخلية بعنوان القصور التاريخية بمصر وتوظيفها للمنشآت السياحية عام 2000.
وتخاطب لوحاته العين والفكر دون فلسفة أو تعقيد، فألوانه مفعمة بالضوء تخلق مع تأثير الظلال، في علاقات هندسية، إيقاعًا بصريًا.
ولوحاته في مجملها أشكال هندسية متنوعة، تمتزج مع الفن الحروفي، مزج بين الواقع والتعبير والخيال الخصب وذوق مبدع في تماه مبهر بين تكوينات فنية مبنية على تنوع التراث المصري، ومزج رموز الهوية المصرية بين فرعوني ونوبي بالحروف العربية الإسلامية.
ويمكن القول إن الفنان التشكيلي أشرف رضا يحول عبر أسطح لوحاته التراث المصري إلى سردية تجريدية متأثرة بالموتيفات التراثية القديمة.
وغير بعيد عن عالم الجسد وما يحدث من تغيرات في الأجساد البشرية منذ القِدم، تبرز لوحات الفنانة مونل جنحو، التي تقدم لنا سردا بصريا لمشاعر المرأة التي تعيشها من طفولتها إلى خريف العمر، بدءا من أحلامها وتخبطاتها وأمومتها وخوفها وحبها وترابط عائلتها، وعلاقاتها مع الرجل على كافة مستوياتها.
مونل جنحو فنانة من أصول متعددة الثقافات، تخرجت في كلية السياحة والفنادق، غيرت وظائفها عدة مرات لتصل أخيرا إلى حلمها الأول “أن تصبح فنانة”، التحقت بالعديد من المدارس وورش العمل الفنية في مصر وفلورنسا، وشاركت في العديد من المعارض منذ عام 2012.
ترى جنحو أن “الجسد يرهقنا، يتحدى البعض منّا في كيفية التعامل معه، يشغل حيزا كبيرا من تفكيرنا.. يسعدنا ويشقينا، يحتاج إلى الانطلاق أحيانًا وإلى الهُدنة أحيانًا أخرى وإلى الترويض في كثير من الأحيان. هذا الجسد يحتاج أن يُحبّ، أن يُحترم، أن يأخذ شكلًا مقبولا لنا.. قد تشغله نواقصه وأوجاعه.. قد يتغلّب على الروح ويذلها ويقهرها ولكن إذا حَسُنت إدارته فهو يتصالح مع الروح ويصيران كيانًا واحدًا لا ينفصلان أبدًا.. جسدي مقدس كذلك جسدك، لا ينفصل أبدًا عن روحي.. جسدنا مقدس إلى أن يوارى الثري”. لذلك فإنها تسخر ريشتها وألوانها ووقتها وأغلب لوحاتها لإعادة تشكيل الجسد محاولة استنطاقه وإظهار ملامحه المتغيرة بتغير مستويات الشعور.
بعيدا عن العالم البشري، قريبا من العالم الذي يصنعه البشر ويظل شاهدا عنهم حتى بعد فنائهم، تأتي لوحات الفنان مايكل صفوت الذي تخرج من الطب البشري، لكنه اختار أن يتبع الرسم وتحديدا الرسم الحضاري الذي يوثق معالم المدن.
يهتم هذا النوع من الرسم بإبراز كل العناصر المتواجدة في الحياة اليومية، وفق صفوت، مضيفا أن المعمار جزء كبير من الرسم الحضاري، وكذلك رسم الحياة اليومية التي حول المواطن.
ويتابع أنه يرسم الأشخاص والأشجار والسيارات والتفاعل الذي ما بينهم، ويعد نوعا من أنواع التوثيق وإحياء الماضي والتراث والشكل البهي الذي كان متواجدا بها، لافتا إلى أن الرسم الحضاري أتى له بمحض الصدفة بسبب أنه كان يسافر خارج مصر ووجد مجموعة من الأشخاص يرسمون مناظر لميدان شهير وأخذه الفضول لما يقومون به من رسم.
اهتم الفنان بتوثيق أهم المعالم المميزة في مصر وتحديدا مصر الجديدة، وأشهرها منزل مؤسس الحي قصر البارون أمبان، وكنيسة البازيليك المقامة على الطراز المعماري البيزنطي وتأسست في 1911، وكذلك قصر السلطانة ملك المواجه لقصر البارون.
وتظهر أعماله مدى اهتمامه بتوثيق صور الأماكن قبل وبعد الترميم، ومنها على سبيل المثال فيلا أوديسي التي أصبحت غاليري أوديسي والتي كانت مهجورة وأعيد ترميمها، لتتحول إلى أكبر مكان في المنطقة مخصص لاحتضان الأحداث الفنية والمعارض التشكيلية.
وإلى جانب أعمال الفنانين الذين تطرقنا إليهم، تحضر لوحات أخرى بعضها اعتمد الفسيفساء لتشكيل لوحات مستوحاة من التراث المعماري للمدينة وبعضها الآخر لمشاهد طبيعية، كما حضرت بورتريهات لممثلين وفنانين، ولوحات ترصد العادات والتقاليد الشهيرة التي ترتبط بالمناسبات السعيدة، إلى جانب صور فوتوغرافية لمشاهد طبيعية تحملها للمتلقي بكثير من الواقعية.
هي جميعها أعمال متنوعة تختلف من فنان إلى آخر، ومن أسلوب إلى آخر، لكنها تجمع “فناني هليوبوليس” (مدينة الشمس) التاريخية التي لم يتبق إلا القليل من معالمها الشاهدة على تفوقها بين المدن، لكنها لا تزال حاضنة لمبدعين قادرين على رصد الجمال الكامن فيها.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
حنان مبروك
صحافية تونسية
مبدعون يوثقون أبرز مظاهر الحياة بين الواقعية والتجريد.
الثلاثاء 2023/05/23
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الفن يعبر عن الفنان ومحيطه
يميل الفنانون التشكيليون أكثر نحو الأساليب الفنية المعاصرة، لكنهم لا يستطيعون التخلي عن انتمائهم والتأثر بما خطته يد الزمن والأوطان في ذاكرتهم ونشأتهم الأولى، فتجدهم يعودون مهما ابتعدوا إلى تحرير ما علق في أذهانهم وإعادة تشكيله.
يجتمع عدد من الفنانين التشكيليين المصريين المعاصرين في غاليري أوديسي أحد المعالم المميزة بمنطقة الكوربة التاريخية، لاسيما وأن مقره الرئيسي هو أحد القصور التاريخية بالمنطقة، والذي يمتد تاريخه لأكثر من 120 عاما، لتسليط الضوء، كل وفق أسلوبه الفني الخاص، على قضايا من المجتمع.
ويشارك نحو ثلاثين فنانا تشكيليا بأعمال متنوعة منها ما يصور العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، ومنها ما يهتم بالمرأة أيقونة فنية، ومنها ما يستعيد ذكرى بعض المثقفين والفنانين، وبعضها الآخر يوثق المعالم الأثرية الشهيرة أو يعيد تركيبها في أعمال فسيفسائية ليؤكد وجوب الاهتمام بالتاريخ والحضارة، فمن لا يعرف تاريخه لا يعرف كيف يرسم مستقبله.
تأتي هذه الأعمال ضمن “أسبوع التراث” الذي ينظمه الغاليري في الفترة الممتدة من التاسع عشر وحتى الخامس والعشرين من مايو الحالي.
ويقول البيان المصاحب للحدث إن المعرض “رحلة فنية عبر الزمن، حيث يلتقي التاريخ والإبداع. يوفر مزيجًا رائعًا من الأنشطة وورش العمل” تدور كلها حول الفن التشكيلي وكل الأنشطة التي يمكن ممارستها في الفضاءات التاريخية.
غاليري أوديسي هو آخر مشروعات الراحل مصطفى نصار الأب الروحي لصناعة الذهب والمجوهرات والخبير المثمن العالمي الذي عُرف بشغفه بكل ما يتعلق بالفن والتراث.
الأعمال تأتي ضمن "أسبوع التراث" الذي ينظمه الغاليري في الفترة الممتدة من التاسع عشر وحتى الخامس والعشرين من مايو الحالي
هذا الغاليري بتصميمه المعماري المميز والذي يحافظ على طابعه الأثري، أصبح مساحة فنية تجمع بين المنتجات التراثية القديمة ومعروضات فنية عصرية دائمة تحت شعار “حكايا من كنوز مصرية”، حيث تضم معروضات متنوعة ما بين التحف وقطع الأثاث وحتى السيارات والأبواب وغيرها، إلى جانب عدد من المنتجات المعاد تصنيعها لتناسب الذوق والاستخدام العصري.
وتتنوع المدارس التشكيلية التي اعتمدها الفنانون في معرض “فناني هليوبوليس”، حيث يشارك الفنان مصطفى رحمة بـ”نسائه” المكتنزات اللواتي امتهن تصويرهن، وخصص تجربته الفنية للتعبير عنهن، ولجعلهن شخوصا راقصة لا يعيقه الجسد في عملية تحرره المستمرة من الضوابط الاجتماعية. نساؤه سمراوات بأجساد لم تعد محببة لجيل السوشيال ميديا الذي صارت السمنة لديه “عقدة” يحاول محاربتها، وكل اختلاف جسدي صار عنده محل تندر وسخرية وتنمر.
يسعى الفنان عبر لوحاته لتخليد النساء والزمن، ولوحاته تحتوي على الكثير من الحنين، حنينه الشخصي لعالم عاش فيه وكبر بين ثناياه وأحبه، إذ تعيدنا لوحاته إلى جلسات الطرب وملامح الجمال الأنثوية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.
جاءت أولى محاولات مصطفى لرسم المرأة، ولاعتمادها تيمة أساسية لتجربته التشكيلية، إثر انبهاره بجمهور أم كلثوم، الذي كان يحضر حفلاتها في أبهى حلته، وتبدو النساء حينها غريبات عن اللواتي يراهن اليوم في مجتمعه وأغلبهن يملن نحو “كبت” فرضه عليهن المجتمع الذكوري، وجعلهن يتعاملن مع أجسادهن بالكثير من الإنكار والاحتقار.
وهو يقول عن ذلك “كان لجمهور الست أم كلثوم الأثر الكبير على توجهي الفني، وخاصة النساء منهن.. تنظر إليهن فيأخذونك إلى زمان مضى ولن يعود”.
وفي رسمه النساء ببشرة سمراء، يقترب من أسلوب الفنان الكولومبي فرناندو بوتيرو (1930) المعروف باتباعه الفن التشخيصي، والذي تتميز رسوماته وأعماله النحتية بالأبعاد الضخمة وببدانة الهياكل البشريّة والحيوانية فيها. وهو يفسر استعماله للأشكال البدينة بقوله إن الفنان ينجذب إلى بعض الأشكال دون معرفة السبب.
ولا ينفي التشكيلي المصري التأثر بالفنان الكولومبي، بل يصر أيضا على رسم نساء بدينات لا تعوقهن السمنة عن الانخراط في الاحتفال بحيث يظهرن كأنهن آلات موسيقية، لكنهن نساء بروح عربية ومصرية، تنافسن نساء بوتيرو الكولومبيات.
مصطفى رحمة هو من مواليد عام 1952 بمحافظة الدقهلية، ولم يدرس الفن بشكل أكاديمي لكنه خاض تجربة التعلم بشكل فردي، وظهرت أعماله على صفحات مجلة “صباح الخير” المصرية وانتقل بعدها إلى مجلة “ماجد” الإماراتية.
كما تحضر أيضا أعمال الفنان التشكيلي أشرف رضا التي تنتمي إلى التجريد الهندسي والعضوي والزخرفي معا. وهو فنان مصمم بالأساس بعيون مثقفة ومطلعة على كل مجالات الإبداع. وهو أيضا فنان متحفظ ينتصر دائما للمنهج والأسلوب البنائي المدروس بنظام.
والفنان أشرف رضا حاصل على بكالوريوس من كلية الفنون الجميلة قسم ديكور شعبة العمارة الداخلية عام 1982 ثم ماجستير في الفنون الجميلة تخصص ديكور عام 1994. وحاصل على دكتوراه في الفلسفة في الفنون الجميلة قسم ديكور شعبة عمارة داخلية بعنوان القصور التاريخية بمصر وتوظيفها للمنشآت السياحية عام 2000.
وتخاطب لوحاته العين والفكر دون فلسفة أو تعقيد، فألوانه مفعمة بالضوء تخلق مع تأثير الظلال، في علاقات هندسية، إيقاعًا بصريًا.
ولوحاته في مجملها أشكال هندسية متنوعة، تمتزج مع الفن الحروفي، مزج بين الواقع والتعبير والخيال الخصب وذوق مبدع في تماه مبهر بين تكوينات فنية مبنية على تنوع التراث المصري، ومزج رموز الهوية المصرية بين فرعوني ونوبي بالحروف العربية الإسلامية.
ويمكن القول إن الفنان التشكيلي أشرف رضا يحول عبر أسطح لوحاته التراث المصري إلى سردية تجريدية متأثرة بالموتيفات التراثية القديمة.
وغير بعيد عن عالم الجسد وما يحدث من تغيرات في الأجساد البشرية منذ القِدم، تبرز لوحات الفنانة مونل جنحو، التي تقدم لنا سردا بصريا لمشاعر المرأة التي تعيشها من طفولتها إلى خريف العمر، بدءا من أحلامها وتخبطاتها وأمومتها وخوفها وحبها وترابط عائلتها، وعلاقاتها مع الرجل على كافة مستوياتها.
مونل جنحو فنانة من أصول متعددة الثقافات، تخرجت في كلية السياحة والفنادق، غيرت وظائفها عدة مرات لتصل أخيرا إلى حلمها الأول “أن تصبح فنانة”، التحقت بالعديد من المدارس وورش العمل الفنية في مصر وفلورنسا، وشاركت في العديد من المعارض منذ عام 2012.
ترى جنحو أن “الجسد يرهقنا، يتحدى البعض منّا في كيفية التعامل معه، يشغل حيزا كبيرا من تفكيرنا.. يسعدنا ويشقينا، يحتاج إلى الانطلاق أحيانًا وإلى الهُدنة أحيانًا أخرى وإلى الترويض في كثير من الأحيان. هذا الجسد يحتاج أن يُحبّ، أن يُحترم، أن يأخذ شكلًا مقبولا لنا.. قد تشغله نواقصه وأوجاعه.. قد يتغلّب على الروح ويذلها ويقهرها ولكن إذا حَسُنت إدارته فهو يتصالح مع الروح ويصيران كيانًا واحدًا لا ينفصلان أبدًا.. جسدي مقدس كذلك جسدك، لا ينفصل أبدًا عن روحي.. جسدنا مقدس إلى أن يوارى الثري”. لذلك فإنها تسخر ريشتها وألوانها ووقتها وأغلب لوحاتها لإعادة تشكيل الجسد محاولة استنطاقه وإظهار ملامحه المتغيرة بتغير مستويات الشعور.
بعيدا عن العالم البشري، قريبا من العالم الذي يصنعه البشر ويظل شاهدا عنهم حتى بعد فنائهم، تأتي لوحات الفنان مايكل صفوت الذي تخرج من الطب البشري، لكنه اختار أن يتبع الرسم وتحديدا الرسم الحضاري الذي يوثق معالم المدن.
يهتم هذا النوع من الرسم بإبراز كل العناصر المتواجدة في الحياة اليومية، وفق صفوت، مضيفا أن المعمار جزء كبير من الرسم الحضاري، وكذلك رسم الحياة اليومية التي حول المواطن.
ويتابع أنه يرسم الأشخاص والأشجار والسيارات والتفاعل الذي ما بينهم، ويعد نوعا من أنواع التوثيق وإحياء الماضي والتراث والشكل البهي الذي كان متواجدا بها، لافتا إلى أن الرسم الحضاري أتى له بمحض الصدفة بسبب أنه كان يسافر خارج مصر ووجد مجموعة من الأشخاص يرسمون مناظر لميدان شهير وأخذه الفضول لما يقومون به من رسم.
اهتم الفنان بتوثيق أهم المعالم المميزة في مصر وتحديدا مصر الجديدة، وأشهرها منزل مؤسس الحي قصر البارون أمبان، وكنيسة البازيليك المقامة على الطراز المعماري البيزنطي وتأسست في 1911، وكذلك قصر السلطانة ملك المواجه لقصر البارون.
وتظهر أعماله مدى اهتمامه بتوثيق صور الأماكن قبل وبعد الترميم، ومنها على سبيل المثال فيلا أوديسي التي أصبحت غاليري أوديسي والتي كانت مهجورة وأعيد ترميمها، لتتحول إلى أكبر مكان في المنطقة مخصص لاحتضان الأحداث الفنية والمعارض التشكيلية.
وإلى جانب أعمال الفنانين الذين تطرقنا إليهم، تحضر لوحات أخرى بعضها اعتمد الفسيفساء لتشكيل لوحات مستوحاة من التراث المعماري للمدينة وبعضها الآخر لمشاهد طبيعية، كما حضرت بورتريهات لممثلين وفنانين، ولوحات ترصد العادات والتقاليد الشهيرة التي ترتبط بالمناسبات السعيدة، إلى جانب صور فوتوغرافية لمشاهد طبيعية تحملها للمتلقي بكثير من الواقعية.
هي جميعها أعمال متنوعة تختلف من فنان إلى آخر، ومن أسلوب إلى آخر، لكنها تجمع “فناني هليوبوليس” (مدينة الشمس) التاريخية التي لم يتبق إلا القليل من معالمها الشاهدة على تفوقها بين المدن، لكنها لا تزال حاضنة لمبدعين قادرين على رصد الجمال الكامن فيها.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
حنان مبروك
صحافية تونسية