الأردنية هيلدا حياري تصور معنى الحياة في "حلم تركوازي"
الفنانة تعتمد في معرضها على التشكيلات الفنية المبنية وفق معايير جمالية ووحدات هندسية تؤدي الغرض الجمالي من وجودها وتستفز البصر والفكر والعاطفة.
الثلاثاء 2023/05/23
انشرWhatsAppTwitterFacebook
وجوه دائمة التطلع إلى الأمام
عمّان - تؤثث الفنانة الأردنية هيلدا حياري لوحاتها في معرضها الأخير “حلم تركوازي” بالأشكال المتداخلة والمتكررة التي لا تترك فراغاً على سطح اللوحة إلا وتملأه.
وتظهر الأشكال الأساسية الكبيرة على السطح، ثم تتوزع القِطَع اللونية المتكررة (الموتيفات) في الخلفية على هيئة دوائر ونقاط تمثّل لدى الفنانة قراءة لمعنى الحياة التي تبدأ من نقطة وتنتهي إليها، وتمثل كذلك حياة الكون وأجرامه التي يتخذ أغلبها هذا الشكل الهندسي في دورانه واستمراره، مشيراً في الوقت نفسه إلى مفهوم التكرار التصويري الذي يبدو كإيقاع موسيقي يحمل النفس على التأمل والتفكر، لاسيما أن الفنانة تركز على اللون التركوازي (الفيروزي)، الذي يجسّد معاني الجمال وراحة النفس.
وتعتمد حياري في معرضها المقام على غاليري دار المشرق على تلك التشكيلات الفنية المبنية وفق معايير جمالية ووحدات هندسية تؤدي الغرض الجمالي من وجودها وتستفز البصر والفكر والعاطفة، إذ نسجت الفنانة العلاقات بين المساحات والفراغات والكتل اللونية بتأنٍّ مدروس على السطح التصويري، وجاءت الألوان الشرقية الحارة منسجمة ومتسقة مع أفكار الأعمال وموضوعاتها الفكرية والجمالية، وكان لها حضور قوي رغم اعتماد الفنانة على مساحات لونية أوسع ملأتها باللون الفيروزي.
لوحات الفنانة تستمد جمالها من التواشج مع رموز تراثية وشعبية، مبرزةً ما يحمله هذا الموروث من معانٍ حضارية ووجودية
وتستمد لوحات الفنانة، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة، جمالها من التواشج مع رموز تراثية وشعبية، مبرزةً ما يحمله هذا الموروث من معانٍ حضارية ووجودية وبطريقة حداثية تنهل من مدارس الفن فتأخذ ما تراه مناسباً منها، فالدمج ظاهر بين التعبيرية والرمزية والتجريدية بأسلوب استطاع أن يجسد هواجس الإنسان وتوقه للتحرر.
وتعبّر أغلب اللوحات عن وجوه تتطلع إلى الأمام حاملةً نظرة جادة وقوية، وتمت تغطية أجزاء من هذه الوجوه بألوان بدت مثل الظلال، بعضها يظلل الفم أو العين أو الرأس أو جزءاً من الوجه، وهي أشبه بنقوش أو قطع من القماش الخفيف تحرّض المتلقي على التأمل فيها أولاً، ثم معاينة الجزء الذي تمت تغطيته ومساءلة نفسه عن المعنى المراد من ذلك، لتقدم اللوحة بذلك تشكيلة بصرية لونية تنفتح على التأويل.
وجاءت معظم الوجوه في اللوحات لنساء جميلات ورشيقات، إذ اكتفت الفنانة في بعض اللوحات برسم وجه أنثوي من قرب، واختارت في بعضها الآخر ضمَّ مجموعة من الوجوه، مع إبراز رموز من الحيوانات، كلوحة المرأة التي تنظر إلى الديك وقد وقف قبالتها بألوانه المدهشة ورشاقته، ومن المعروف أن الديك يرمز في التراث العربي إلى معاني الجمال والإقدام على الحياة.
وفي خلفية أغلب اللوحات، رسمت حياري، الحاصلة على جائزة بينالي طهران عام 2013، بيوتا ذات أشكال هندسية، وجميعها جاءت باللون البنّي وتدرجاته، مع تخطيطات تُظهر الأبواب والشبابيك، ولعل اختيارها لهذا اللون حمل حنينا إلى البيوت القديمة وتشكيلاتها البسيطة وقبابها المنحنية.
أعمال حياري في هذا المعرض الذي يستمر حتى نهاية شهر مايو الحالي، تبدو كقصة لونية هادئة تتكئ على ذاكرة متعَبة مشرعة الأبواب – رغم ذلك – على الحلم والأمل.
PreviousNext
يذكر أن هيلدا حياري من مواليد عمّان عام 1969. حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية وعلم اجتماع من الجامعة الأردنية، وبكالوريوس فنون تشكيلية قسم الغرافيك من جامعة الزيتونة. وكانت عضو الهيئة الإدارية في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين 2001 – 2003. أقامت خلال مسيرتها الفنية العشرات من المعارض الفردية والجماعية في الأردن والدول العربية وأوروبا، وحققت مكانة مهمة من خلال أسلوبها المميز وحصولها على العديد من الجوائز الدولية عن أعمالها المفاهيمية وفن الفيديو والرسم، منها جائزة بينالي طهران عام 2013.
ومن أهم الجوائز التي حصلت عليها أيضا: الجائزة الأولى في بينالي القاهرة الدولي العاشر 2006 – 2007 عن عمل مركب بعنوان “طرابيش”. وهو مشروع عمل تركيبي وفيديو. وجائزة الشرف التقديرية في البينالي الآسيوي بمدينة دكا في بنغلادش. وقامت بتنفيذ جدارية بعنوان “كرنفال الربيع” في قلب العاصمة الأردنية وهي أحد مشاريع عمّان عاصمة الثقافة العربية عام 2002.
وتفضل الفنانة الألوان الصريحة والحارة، ولا تتمتع جميع أعمالها بتوازن لوني، فهناك لوحات يكون فيها 50 لونا. وتركز في أعمالها على الوجوه المهمشة والأجساد المتشظّية (المقطعة) إلى أجزاء دقيقة بتفاصيلها. كما تبني فوق سطوح لوحاتها طبقات انفعالية، ما يمنح رسوماتها وأعمالها التركيبية خصوصيتها التي اشتغلت عليها وطورتها على مدى مسيرتها الفنية.
الفنانة تعتمد في معرضها على التشكيلات الفنية المبنية وفق معايير جمالية ووحدات هندسية تؤدي الغرض الجمالي من وجودها وتستفز البصر والفكر والعاطفة.
الثلاثاء 2023/05/23
انشرWhatsAppTwitterFacebook
وجوه دائمة التطلع إلى الأمام
عمّان - تؤثث الفنانة الأردنية هيلدا حياري لوحاتها في معرضها الأخير “حلم تركوازي” بالأشكال المتداخلة والمتكررة التي لا تترك فراغاً على سطح اللوحة إلا وتملأه.
وتظهر الأشكال الأساسية الكبيرة على السطح، ثم تتوزع القِطَع اللونية المتكررة (الموتيفات) في الخلفية على هيئة دوائر ونقاط تمثّل لدى الفنانة قراءة لمعنى الحياة التي تبدأ من نقطة وتنتهي إليها، وتمثل كذلك حياة الكون وأجرامه التي يتخذ أغلبها هذا الشكل الهندسي في دورانه واستمراره، مشيراً في الوقت نفسه إلى مفهوم التكرار التصويري الذي يبدو كإيقاع موسيقي يحمل النفس على التأمل والتفكر، لاسيما أن الفنانة تركز على اللون التركوازي (الفيروزي)، الذي يجسّد معاني الجمال وراحة النفس.
وتعتمد حياري في معرضها المقام على غاليري دار المشرق على تلك التشكيلات الفنية المبنية وفق معايير جمالية ووحدات هندسية تؤدي الغرض الجمالي من وجودها وتستفز البصر والفكر والعاطفة، إذ نسجت الفنانة العلاقات بين المساحات والفراغات والكتل اللونية بتأنٍّ مدروس على السطح التصويري، وجاءت الألوان الشرقية الحارة منسجمة ومتسقة مع أفكار الأعمال وموضوعاتها الفكرية والجمالية، وكان لها حضور قوي رغم اعتماد الفنانة على مساحات لونية أوسع ملأتها باللون الفيروزي.
لوحات الفنانة تستمد جمالها من التواشج مع رموز تراثية وشعبية، مبرزةً ما يحمله هذا الموروث من معانٍ حضارية ووجودية
وتستمد لوحات الفنانة، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة، جمالها من التواشج مع رموز تراثية وشعبية، مبرزةً ما يحمله هذا الموروث من معانٍ حضارية ووجودية وبطريقة حداثية تنهل من مدارس الفن فتأخذ ما تراه مناسباً منها، فالدمج ظاهر بين التعبيرية والرمزية والتجريدية بأسلوب استطاع أن يجسد هواجس الإنسان وتوقه للتحرر.
وتعبّر أغلب اللوحات عن وجوه تتطلع إلى الأمام حاملةً نظرة جادة وقوية، وتمت تغطية أجزاء من هذه الوجوه بألوان بدت مثل الظلال، بعضها يظلل الفم أو العين أو الرأس أو جزءاً من الوجه، وهي أشبه بنقوش أو قطع من القماش الخفيف تحرّض المتلقي على التأمل فيها أولاً، ثم معاينة الجزء الذي تمت تغطيته ومساءلة نفسه عن المعنى المراد من ذلك، لتقدم اللوحة بذلك تشكيلة بصرية لونية تنفتح على التأويل.
وجاءت معظم الوجوه في اللوحات لنساء جميلات ورشيقات، إذ اكتفت الفنانة في بعض اللوحات برسم وجه أنثوي من قرب، واختارت في بعضها الآخر ضمَّ مجموعة من الوجوه، مع إبراز رموز من الحيوانات، كلوحة المرأة التي تنظر إلى الديك وقد وقف قبالتها بألوانه المدهشة ورشاقته، ومن المعروف أن الديك يرمز في التراث العربي إلى معاني الجمال والإقدام على الحياة.
وفي خلفية أغلب اللوحات، رسمت حياري، الحاصلة على جائزة بينالي طهران عام 2013، بيوتا ذات أشكال هندسية، وجميعها جاءت باللون البنّي وتدرجاته، مع تخطيطات تُظهر الأبواب والشبابيك، ولعل اختيارها لهذا اللون حمل حنينا إلى البيوت القديمة وتشكيلاتها البسيطة وقبابها المنحنية.
أعمال حياري في هذا المعرض الذي يستمر حتى نهاية شهر مايو الحالي، تبدو كقصة لونية هادئة تتكئ على ذاكرة متعَبة مشرعة الأبواب – رغم ذلك – على الحلم والأمل.
PreviousNext
يذكر أن هيلدا حياري من مواليد عمّان عام 1969. حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية وعلم اجتماع من الجامعة الأردنية، وبكالوريوس فنون تشكيلية قسم الغرافيك من جامعة الزيتونة. وكانت عضو الهيئة الإدارية في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين 2001 – 2003. أقامت خلال مسيرتها الفنية العشرات من المعارض الفردية والجماعية في الأردن والدول العربية وأوروبا، وحققت مكانة مهمة من خلال أسلوبها المميز وحصولها على العديد من الجوائز الدولية عن أعمالها المفاهيمية وفن الفيديو والرسم، منها جائزة بينالي طهران عام 2013.
ومن أهم الجوائز التي حصلت عليها أيضا: الجائزة الأولى في بينالي القاهرة الدولي العاشر 2006 – 2007 عن عمل مركب بعنوان “طرابيش”. وهو مشروع عمل تركيبي وفيديو. وجائزة الشرف التقديرية في البينالي الآسيوي بمدينة دكا في بنغلادش. وقامت بتنفيذ جدارية بعنوان “كرنفال الربيع” في قلب العاصمة الأردنية وهي أحد مشاريع عمّان عاصمة الثقافة العربية عام 2002.
وتفضل الفنانة الألوان الصريحة والحارة، ولا تتمتع جميع أعمالها بتوازن لوني، فهناك لوحات يكون فيها 50 لونا. وتركز في أعمالها على الوجوه المهمشة والأجساد المتشظّية (المقطعة) إلى أجزاء دقيقة بتفاصيلها. كما تبني فوق سطوح لوحاتها طبقات انفعالية، ما يمنح رسوماتها وأعمالها التركيبية خصوصيتها التي اشتغلت عليها وطورتها على مدى مسيرتها الفنية.