السّبرنية
السّبرنية cybernétrique كلمة يونانية الأصل تعني دفَّة السفينة، ثم أصبحت تعني فن التحكم. ويقصد بالسّبرنية في العلوم الحديثة حفظ المعلومات ونقلها ومعالجتها في نظام تحكم معقد. وهو نظام لا يقتصر على التحكم بالمعدات التقنية بل يتعداه إلى التحكم البيولوجي أو الإنشائي أو الاقتصادي أو السياسي.
استخدم مصطلح السّبرنية أول مرة، بعد الإغريق، عام 1834 من قبل العالم الفرنسي أمبير (1775ـ1838) وقد استخدمه في دراسة تصنيفية للمجتمعات البشرية. وما لبث أن تناسى الناس هذا المصطلح إلى أن ولد من جديد على يد العالم الأمريكي فينير (1894ـ1964) عندما اتخذه عنواناً لكتاب نشره عام 1948م.
ومع ظهور الحواسيب ونظم التحكم الآلي، في النصف الثاني من القرن العشرين، كان لابد من توجيه الاهتمام الشديد لعلم السّبرنية، فظهر عدد كبير من الأبحاث، كما نشر عدد من الكتب، ولكنها جميعاً لم تعط إجابات شافية عن أسئلة حيوية أظهرتها التطبيقات العلمية.
توجّه معظم المختصين في الحواسيب ونظم التحكم الآلي إلى السبرنية، وكان لمعظم طرائقهم ونتائجهم ارتباط بمسائل ذات تطبيقات حاسوبية، ولذلك تم توحيد أبحاثهم في علم جديد سمّي في الولايات المتحدة الأمريكية «علم الحواسيب» وفي فرنسا «علم الإنفورماتيك». وغدا استخدام مصطلح السبرنية أضيق، وصار يدل بوجه عام على المنطق الذي يربط بين الآلات والكائنات الحية في نظام تحكم.
يبين الشكل (1) المخطط العام لنظام تحكم.
يمكن تلخيص عمل هذا النظام كما يلي: ثمة دائرة معلومات ضرورية كي يعمل غرض التحكم بشكل نظامي. توجه البيانات من نظام التحكم عن طريق قناة الربط المباشر إلى غرض التحكم ومنه عبر قناة الربط الراجع feed back لتوليد تحكم جديد، ويتتابع تغير المعلومات بعد كل دورة. وهنا تمثل المعلومات في عمليات نظام التحكم بصورة مستمرة أو متقطعة.
تمثل المعلومات المستمرة عند النقل عادة على شكل متغيرات فيزيائية مختلفة (شدة التيار، زاوية الانعكاس، …)، وتعد متغيرات مرتبطة بدوالّ زمنية يمكن أن تسجل على شكل خط بياني أو متغيرات فيزيائية مستمرة (دوال أسية أو كثيرات حدود). وتعطي المتغيرات المستمرة على القنوات فضاء خطياً، أو مساحياً، أو حجمياً. في حين تمثل المعلومات المتقطعة على شكل متتاليات أو سلاسل لإشارات متقطعة منفصلة عن بعضها لحظياً أو ضمن مجالات زمنية.
كما يمكن أن تمثل المعلومات بصيغ مستمرة ومتقطعة ومن وجهات نظر مختلفة، ومن ثم فإن الأدوات الرياضية للسبرنية يمكن أن تكون: أما نظرية العمليات العشوائية وأما نظرية الألعاب وأما نظرية البيان وأما نظرية الحلول الإحصائية وأما طرق حل مسائل التجارب المعقدة مثل: البرمجة الخطية والمنحنية والبرمجة الديناميكية والإحصائية وطرق الأمثليات على البيانات وغير ذلك.
استخدامات السبرنية
من أقدم مسائل السبرنية اكتشاف قواعد حفظ المعلومات في مخ الإنسان ومعالجتها واسترجاعها. وكذلك نمذجة العينات ونظرية نظم المعادلات المشكلة آلياً، أو المشكلة والمحلولة آلياً، إضافة إلى نظرية الخوارزميات والأتمتة واللغات الصورية ودراسة الأغراض والظواهر تجريبياً.
يعبر عن الكثير من الأغراض والظواهر من خلال مجموعة من نظم العلاقات المعقدة، فيغدو استخدام الطرق الرياضية التقليدية عملياً متعذراً. وفي هذه الحالات نلجأ إلى الرياضيات التجريبية، إذ يكتب النظام الموافق في صيغة معادلات وطرق سبرنية، وتخزن البيانات العددية في ذاكرة الحاسوب. وبفضل السرعة الفائقة للحواسيب يتم الحصول بسرعة على عدد كبير من الحلول الممكنة للنظام، وذلك وفق القيم المختلفة للمعاملات، وتبنى قائمة آلية كبيرة أو رسم بياني من هذه الحلول نختار منها الملائم عند اللزوم.
إن التجارب الرياضية المستخدمة لبلوغ الهدف لا يمكن أن تكتب أو توصف بشكل رياضي دقيق أو بصيغ رياضية محددة تماماً، يمكن قبولها بنجاح للغرض الذي يملك فقط توصيفاً كمياً كافياً من حيث الدقة والكمال.
من الخواص الأساسية المهمة المميزة للنظم المعقدة عن النظم البسيطة امتلاكها قوانين عمل لا يمكن أن توصف أو تدرس بأرقام بسيطة ويلزمها قدر كبير من عوامل البحث. فقوانين عمل المنظومات والمتحكمات المختلفة في جسم الإنسان التي يدرسها العلماء، في تخصصات الطب المختلفة مثلاً، يمكن أن تجمع في خريطة متكاملة تسمح بنمذجة آلة تقوم ببعض أعمال الإنسان.
أقيمت نظم سبريانية ذاتية البنية مثل نظام أتمتة برهان النظريات الرياضية. ويعد تعاون الإنسان مع الآلة المثال الأكثر نجاحاً في هذا المضمار، إذ يمكن للإنسان أن يعطي فكرة البرهان، ويضع حدود الهدف، فتبحث الآلة في هذا الاتجاه، وفي حال حصول نجاح تصاغ نتائج البحث. يحتوي مثل هذا النوع من النظم على بنك معلومات توضع فيه الحقائق السابقة و أسسها. ولعملية أتمتة بنوك المعلومات العلمية قيمة عظيمة ومفيدة في الوقت الحاضر. وفي النهاية فإن هناك مكاناً متسعاً للاستخدامات العلمية للحاسوب والسبرنية في توصيف الآلات الذكية ونمذجتها.
قامت السبرنية والحواسيب بدور كبير في أتمتة المشاريع لمختلف الفروع التقنية، إذ تبين أنه يمكن للحواسيب من خلال نظم تشغيل خاصة أن ترسم أو أن تنتج أدوات وثائقية أخرى كالأفلام والأصوات. ويمكن لبنى بيانية أن تستدعي خطوطاً وأشكالاً أو مقاطع مركّبة منها تتحكم بمسار إنشاء أو أن تصنع نظاماً من المشاهِد المختلفة لغرض أو أن تعدّله. إن أتمتة نظم تستخدم تقانات معقدة لغرض ما يمكن أن تبنى مباشرة وفق هذا المبدأ ومن خلال معالجة بيانات تجريبية.
تطورت النظم المعقدة بسرعة، إذ قبلت عند بنائها فكرة التعلم والتنظيم الذاتي، مما مكّن النموذج من تطوير ذاته آلياً. أما الاتجاه الآخر في أتمتة التقانات فهو التحكم المبرمج الذي يملك قيماً بالغة الأهمية في بناء الآلات واختيار البنية الأكثر صلاحية لها من خلال تطوير نماذجها.
يمكن لبرامج التحكم أن تعدّل بسرعة من خلال إجراء تغييرات بسيطة على البرامج المخزنة على الأقراص المغنطيسية. وكذلك يمكن أن توضع برامج شاملة للأعمال الصناعية لتتم إذا أضيف إليها برامج تحكم خاصة بأتمتة الآلات، أي جُعلت الآلات تستقبل أوامر تشغيلها من مخارج نظام تحكّم مؤتمت، فتظهر في النتيجة إمكانية بناء ورش ومصانع مؤتمتة ومؤهلة لإعداد أشكال جديدة من الآلات بسرعة. وقد زاد الاهتمام في الآونة الأخيرة بإنشاء آلات إنسانية (روبوطية) يتم التحكم بها حاسوبياً، وكذلك إنشاء وسائط بسيطة تحاكي حركة البشر المتحكمين بها وتماثلها.
تعد مسائل أتمتة عمليات تقنية من المسائل المهمة وقد أطلق عليها اسم «السبرنية التقنية». كما أطلق على علم أتمتة كامل هذا الصنف من المسائل «النظم الإدارية». ويجب عند أتمتة نظم التحكم الإدارية، أتمتة تامة، أن تؤتمت الوسائط الوثائقية اللازمة لها. لقد تبين في الآونة الأخيرة أن هناك ميلاً للمزج بين نظم تحكم تقنية وأخرى إدارية، وأطلق على نظم التحكم هذه اسم «نظم الأتمتة المتكاملة للتحكم الإداري» ولهذه النظم انتشار واسع في الصناعة والمواصلات والبناء والمجمّعات الصناعية وغيرها.
بنوك المعلومات والبرامج التعليمية
يبدو أن الأهمية الأساسية التخصصية للسبرنية تركزت في دراسة جسم الإنسان وبالأخص مخه، ووضعت مسائل استخدام الحواسيب والسبرنية لهذا الهدف في قسم خاص من السبرنية يسمى «السبرنية البيولوجية». وبَدَهيّ أنه لا يستثنى من هذه الدراسات البحث في نماذج سبرنية لأجسام كائنات حية غير الإنسان.
عند دراسة نمذجة عمل المخ وأتمتة عمليات التفكير (الذكاء الصنعي) تظهر مجموعة من الأسئلة المبدئية ذات الطابع الفلسفي. وفي مقدمتها سؤال حول حدود أتمتة عمليات التفكير. وتعد إحدى نجاحات السبرنية المهمة حقيقة مفادها أن هذه الحدود مبدئياً غير موجودة، كما أن هناك دوماً جزء من عمليات التفكير لم يكتشف بعد .
ثمة سؤال آخر يتناول إمكانية ظهور أخطاء نادرة خطيرة في نظم التحكم المؤتمتة. إن السبب الأساسي لهذا التساؤل هو النمو السريع للفعالية الاقتصادية لنتائج النظم المؤتمتة عند كبر حجم النظم. وهذا يعني أن أخطاء تلك النظم تزداد باستمرار خلال الاستخدام الطويل المدى، ومن ثم فإن أخطاء جميع أجزاء النظام ستتراكم معاً عند معالجة الحلول الموافقة. وهكذا يظهر خطر في جدوى أتمتة النظم المرتبطة بحياة الناس أو أموالهم أمثال بنوك المعلومات الطبية والاقتصادية، ونظم مراقبة المطارات والموانئ ومحطات الطاقة الذرية وغيرها. ويظهر تاريخ تطور السبرنية ندرة حدوث مثل هذه الأخطاء (مع عدم نفي إمكانية حدوث ذلك). ويتم باستمرار دعم جدوى النظم السبرنية لا من خلال الاستمرار في تطوير جدوى عناصرها فقط، بل من خلال إدخال الاكتشافات السبرنية الحديثة التي تمكّن من بناء نظم ذات جدوى، بغض النظر عن جدوى العناصر المتفرقة. أما ما يتعلق بأخطاء بنى المعطيات والبرامج فإن الطرق العادية لعملها تبين أن احتمال وقوع أخطاء فيها ينمو مع كبر النظام. ولكن يمكن دعم تطوير هذه البرامج عند تخطيطها من خلال تطوير إمكانات تزويدها بوسائط شعور ذاتي بالأخطاء وإجراء مقاطعات وتداخلات فيها، وهذا يضمن استمرارية تقليل احتمال وقوعها أو استخدامها في الحلول النهائية.
غدا للسبرنية فروع منها:
1ـ السبرنية البيولوجية: وهي تدرس القوانين العامة لحفظ المعلومات المرتبطة بالنظم البيولوجية ومعالجتها ونقلها. وبما أن الطبيعة الحية صعبة ومتنوعة، فقد تم تقسيم السبرنية البيولوجية إلى عدة اتجاهات يدرس كل منها نظماً بيولوجية خاصة وعمل أجزائها المختلفة ؛ كالسبرنية الطبية التي تدرس بصورة أساسية بناء نماذج طبية إحصائية منطقية تستخدم للمساعدة في الكشف عن الأمراض ومعالجتها، وتدرس أيضاً عمليات التحكم في النظم الطبية والصحة العامة وبنوك المعلومات الطبية. والسبرنية الفيزيولوجية التي تدرس نمذجة أجزاء وأعضاء الجسم في الشروط الطبيعية وتعالجها من خلال استخدام نماذج طبية. والسبرنية العصبية التي تدرس نمذجة عمليات معالجة المعلومات في النظم العصبية ونقل المعلومات من المخ حتى الجزء المستهدف من الجسم عبر الأعصاب. والسبرنية السيكولوجية أو النفسية التي تدرس نمذجة أعمال نفسانية على أساس دراسة ما يبديه الإنسان المستهدف. وتعد السبرنية البيوتقنية عقدة الوصل ما بين السبرنية البيولوجية والسبرنية التقنية وتدرس إمكانية استخدام نماذج العمليات البيولوجية في التكنولوجيا.
2ـ السبرنية العسكرية: وهي واحدة من التقانات العلمية الحديثة التي تهتم بنمذجة الأعمال العسكرية الحربية ومعالجتها، وخاصة بناء نظم مؤتمتة للأعمال العسكرية. ولهذه السبرنية استخدامات واسعة في الوقت الحاضر، وقد أدت أبحاثها إلى تقانات حربية حديثة وابتكار أسلحة ذكية ووضع خطط واستراتيجيات وفنون قتال متطورة.
3ـ السبرنية الاقتصادية: تعد إحدى الاتجاهات المهمة في السبرنية، وتهدف إلى الوصول إلى بحث وتنظيم عمليات النظم الاقتصادية. فهي تدرس عمليات جمع وتكديس وحفظ ونقل المعلومات الخاصة بالأغراض والظواهر الاقتصادية. ويؤدي البحث في السبرنية الاقتصادية إلى مؤشرات ضرورية للتحكم بالأغراض الاقتصادية، وإلى اختيار أساليب الوصول والنقل والمعالجة لهذه المؤشرات بأقل عدد ممكن من الوسطاء أو الكلفة، بهدف إيجاد حلول ضرورية في ظروف غامضة. ويتم الحصول غالباً على منحنٍ يشتمل على حلول تُختار منها الحلول المقبولة.
علي سعيد جمال الدين
السّبرنية cybernétrique كلمة يونانية الأصل تعني دفَّة السفينة، ثم أصبحت تعني فن التحكم. ويقصد بالسّبرنية في العلوم الحديثة حفظ المعلومات ونقلها ومعالجتها في نظام تحكم معقد. وهو نظام لا يقتصر على التحكم بالمعدات التقنية بل يتعداه إلى التحكم البيولوجي أو الإنشائي أو الاقتصادي أو السياسي.
استخدم مصطلح السّبرنية أول مرة، بعد الإغريق، عام 1834 من قبل العالم الفرنسي أمبير (1775ـ1838) وقد استخدمه في دراسة تصنيفية للمجتمعات البشرية. وما لبث أن تناسى الناس هذا المصطلح إلى أن ولد من جديد على يد العالم الأمريكي فينير (1894ـ1964) عندما اتخذه عنواناً لكتاب نشره عام 1948م.
ومع ظهور الحواسيب ونظم التحكم الآلي، في النصف الثاني من القرن العشرين، كان لابد من توجيه الاهتمام الشديد لعلم السّبرنية، فظهر عدد كبير من الأبحاث، كما نشر عدد من الكتب، ولكنها جميعاً لم تعط إجابات شافية عن أسئلة حيوية أظهرتها التطبيقات العلمية.
توجّه معظم المختصين في الحواسيب ونظم التحكم الآلي إلى السبرنية، وكان لمعظم طرائقهم ونتائجهم ارتباط بمسائل ذات تطبيقات حاسوبية، ولذلك تم توحيد أبحاثهم في علم جديد سمّي في الولايات المتحدة الأمريكية «علم الحواسيب» وفي فرنسا «علم الإنفورماتيك». وغدا استخدام مصطلح السبرنية أضيق، وصار يدل بوجه عام على المنطق الذي يربط بين الآلات والكائنات الحية في نظام تحكم.
يبين الشكل (1) المخطط العام لنظام تحكم.
الشكل (1) |
تمثل المعلومات المستمرة عند النقل عادة على شكل متغيرات فيزيائية مختلفة (شدة التيار، زاوية الانعكاس، …)، وتعد متغيرات مرتبطة بدوالّ زمنية يمكن أن تسجل على شكل خط بياني أو متغيرات فيزيائية مستمرة (دوال أسية أو كثيرات حدود). وتعطي المتغيرات المستمرة على القنوات فضاء خطياً، أو مساحياً، أو حجمياً. في حين تمثل المعلومات المتقطعة على شكل متتاليات أو سلاسل لإشارات متقطعة منفصلة عن بعضها لحظياً أو ضمن مجالات زمنية.
كما يمكن أن تمثل المعلومات بصيغ مستمرة ومتقطعة ومن وجهات نظر مختلفة، ومن ثم فإن الأدوات الرياضية للسبرنية يمكن أن تكون: أما نظرية العمليات العشوائية وأما نظرية الألعاب وأما نظرية البيان وأما نظرية الحلول الإحصائية وأما طرق حل مسائل التجارب المعقدة مثل: البرمجة الخطية والمنحنية والبرمجة الديناميكية والإحصائية وطرق الأمثليات على البيانات وغير ذلك.
استخدامات السبرنية
من أقدم مسائل السبرنية اكتشاف قواعد حفظ المعلومات في مخ الإنسان ومعالجتها واسترجاعها. وكذلك نمذجة العينات ونظرية نظم المعادلات المشكلة آلياً، أو المشكلة والمحلولة آلياً، إضافة إلى نظرية الخوارزميات والأتمتة واللغات الصورية ودراسة الأغراض والظواهر تجريبياً.
يعبر عن الكثير من الأغراض والظواهر من خلال مجموعة من نظم العلاقات المعقدة، فيغدو استخدام الطرق الرياضية التقليدية عملياً متعذراً. وفي هذه الحالات نلجأ إلى الرياضيات التجريبية، إذ يكتب النظام الموافق في صيغة معادلات وطرق سبرنية، وتخزن البيانات العددية في ذاكرة الحاسوب. وبفضل السرعة الفائقة للحواسيب يتم الحصول بسرعة على عدد كبير من الحلول الممكنة للنظام، وذلك وفق القيم المختلفة للمعاملات، وتبنى قائمة آلية كبيرة أو رسم بياني من هذه الحلول نختار منها الملائم عند اللزوم.
إن التجارب الرياضية المستخدمة لبلوغ الهدف لا يمكن أن تكتب أو توصف بشكل رياضي دقيق أو بصيغ رياضية محددة تماماً، يمكن قبولها بنجاح للغرض الذي يملك فقط توصيفاً كمياً كافياً من حيث الدقة والكمال.
من الخواص الأساسية المهمة المميزة للنظم المعقدة عن النظم البسيطة امتلاكها قوانين عمل لا يمكن أن توصف أو تدرس بأرقام بسيطة ويلزمها قدر كبير من عوامل البحث. فقوانين عمل المنظومات والمتحكمات المختلفة في جسم الإنسان التي يدرسها العلماء، في تخصصات الطب المختلفة مثلاً، يمكن أن تجمع في خريطة متكاملة تسمح بنمذجة آلة تقوم ببعض أعمال الإنسان.
أقيمت نظم سبريانية ذاتية البنية مثل نظام أتمتة برهان النظريات الرياضية. ويعد تعاون الإنسان مع الآلة المثال الأكثر نجاحاً في هذا المضمار، إذ يمكن للإنسان أن يعطي فكرة البرهان، ويضع حدود الهدف، فتبحث الآلة في هذا الاتجاه، وفي حال حصول نجاح تصاغ نتائج البحث. يحتوي مثل هذا النوع من النظم على بنك معلومات توضع فيه الحقائق السابقة و أسسها. ولعملية أتمتة بنوك المعلومات العلمية قيمة عظيمة ومفيدة في الوقت الحاضر. وفي النهاية فإن هناك مكاناً متسعاً للاستخدامات العلمية للحاسوب والسبرنية في توصيف الآلات الذكية ونمذجتها.
قامت السبرنية والحواسيب بدور كبير في أتمتة المشاريع لمختلف الفروع التقنية، إذ تبين أنه يمكن للحواسيب من خلال نظم تشغيل خاصة أن ترسم أو أن تنتج أدوات وثائقية أخرى كالأفلام والأصوات. ويمكن لبنى بيانية أن تستدعي خطوطاً وأشكالاً أو مقاطع مركّبة منها تتحكم بمسار إنشاء أو أن تصنع نظاماً من المشاهِد المختلفة لغرض أو أن تعدّله. إن أتمتة نظم تستخدم تقانات معقدة لغرض ما يمكن أن تبنى مباشرة وفق هذا المبدأ ومن خلال معالجة بيانات تجريبية.
تطورت النظم المعقدة بسرعة، إذ قبلت عند بنائها فكرة التعلم والتنظيم الذاتي، مما مكّن النموذج من تطوير ذاته آلياً. أما الاتجاه الآخر في أتمتة التقانات فهو التحكم المبرمج الذي يملك قيماً بالغة الأهمية في بناء الآلات واختيار البنية الأكثر صلاحية لها من خلال تطوير نماذجها.
يمكن لبرامج التحكم أن تعدّل بسرعة من خلال إجراء تغييرات بسيطة على البرامج المخزنة على الأقراص المغنطيسية. وكذلك يمكن أن توضع برامج شاملة للأعمال الصناعية لتتم إذا أضيف إليها برامج تحكم خاصة بأتمتة الآلات، أي جُعلت الآلات تستقبل أوامر تشغيلها من مخارج نظام تحكّم مؤتمت، فتظهر في النتيجة إمكانية بناء ورش ومصانع مؤتمتة ومؤهلة لإعداد أشكال جديدة من الآلات بسرعة. وقد زاد الاهتمام في الآونة الأخيرة بإنشاء آلات إنسانية (روبوطية) يتم التحكم بها حاسوبياً، وكذلك إنشاء وسائط بسيطة تحاكي حركة البشر المتحكمين بها وتماثلها.
تعد مسائل أتمتة عمليات تقنية من المسائل المهمة وقد أطلق عليها اسم «السبرنية التقنية». كما أطلق على علم أتمتة كامل هذا الصنف من المسائل «النظم الإدارية». ويجب عند أتمتة نظم التحكم الإدارية، أتمتة تامة، أن تؤتمت الوسائط الوثائقية اللازمة لها. لقد تبين في الآونة الأخيرة أن هناك ميلاً للمزج بين نظم تحكم تقنية وأخرى إدارية، وأطلق على نظم التحكم هذه اسم «نظم الأتمتة المتكاملة للتحكم الإداري» ولهذه النظم انتشار واسع في الصناعة والمواصلات والبناء والمجمّعات الصناعية وغيرها.
بنوك المعلومات والبرامج التعليمية
يبدو أن الأهمية الأساسية التخصصية للسبرنية تركزت في دراسة جسم الإنسان وبالأخص مخه، ووضعت مسائل استخدام الحواسيب والسبرنية لهذا الهدف في قسم خاص من السبرنية يسمى «السبرنية البيولوجية». وبَدَهيّ أنه لا يستثنى من هذه الدراسات البحث في نماذج سبرنية لأجسام كائنات حية غير الإنسان.
عند دراسة نمذجة عمل المخ وأتمتة عمليات التفكير (الذكاء الصنعي) تظهر مجموعة من الأسئلة المبدئية ذات الطابع الفلسفي. وفي مقدمتها سؤال حول حدود أتمتة عمليات التفكير. وتعد إحدى نجاحات السبرنية المهمة حقيقة مفادها أن هذه الحدود مبدئياً غير موجودة، كما أن هناك دوماً جزء من عمليات التفكير لم يكتشف بعد .
ثمة سؤال آخر يتناول إمكانية ظهور أخطاء نادرة خطيرة في نظم التحكم المؤتمتة. إن السبب الأساسي لهذا التساؤل هو النمو السريع للفعالية الاقتصادية لنتائج النظم المؤتمتة عند كبر حجم النظم. وهذا يعني أن أخطاء تلك النظم تزداد باستمرار خلال الاستخدام الطويل المدى، ومن ثم فإن أخطاء جميع أجزاء النظام ستتراكم معاً عند معالجة الحلول الموافقة. وهكذا يظهر خطر في جدوى أتمتة النظم المرتبطة بحياة الناس أو أموالهم أمثال بنوك المعلومات الطبية والاقتصادية، ونظم مراقبة المطارات والموانئ ومحطات الطاقة الذرية وغيرها. ويظهر تاريخ تطور السبرنية ندرة حدوث مثل هذه الأخطاء (مع عدم نفي إمكانية حدوث ذلك). ويتم باستمرار دعم جدوى النظم السبرنية لا من خلال الاستمرار في تطوير جدوى عناصرها فقط، بل من خلال إدخال الاكتشافات السبرنية الحديثة التي تمكّن من بناء نظم ذات جدوى، بغض النظر عن جدوى العناصر المتفرقة. أما ما يتعلق بأخطاء بنى المعطيات والبرامج فإن الطرق العادية لعملها تبين أن احتمال وقوع أخطاء فيها ينمو مع كبر النظام. ولكن يمكن دعم تطوير هذه البرامج عند تخطيطها من خلال تطوير إمكانات تزويدها بوسائط شعور ذاتي بالأخطاء وإجراء مقاطعات وتداخلات فيها، وهذا يضمن استمرارية تقليل احتمال وقوعها أو استخدامها في الحلول النهائية.
غدا للسبرنية فروع منها:
1ـ السبرنية البيولوجية: وهي تدرس القوانين العامة لحفظ المعلومات المرتبطة بالنظم البيولوجية ومعالجتها ونقلها. وبما أن الطبيعة الحية صعبة ومتنوعة، فقد تم تقسيم السبرنية البيولوجية إلى عدة اتجاهات يدرس كل منها نظماً بيولوجية خاصة وعمل أجزائها المختلفة ؛ كالسبرنية الطبية التي تدرس بصورة أساسية بناء نماذج طبية إحصائية منطقية تستخدم للمساعدة في الكشف عن الأمراض ومعالجتها، وتدرس أيضاً عمليات التحكم في النظم الطبية والصحة العامة وبنوك المعلومات الطبية. والسبرنية الفيزيولوجية التي تدرس نمذجة أجزاء وأعضاء الجسم في الشروط الطبيعية وتعالجها من خلال استخدام نماذج طبية. والسبرنية العصبية التي تدرس نمذجة عمليات معالجة المعلومات في النظم العصبية ونقل المعلومات من المخ حتى الجزء المستهدف من الجسم عبر الأعصاب. والسبرنية السيكولوجية أو النفسية التي تدرس نمذجة أعمال نفسانية على أساس دراسة ما يبديه الإنسان المستهدف. وتعد السبرنية البيوتقنية عقدة الوصل ما بين السبرنية البيولوجية والسبرنية التقنية وتدرس إمكانية استخدام نماذج العمليات البيولوجية في التكنولوجيا.
2ـ السبرنية العسكرية: وهي واحدة من التقانات العلمية الحديثة التي تهتم بنمذجة الأعمال العسكرية الحربية ومعالجتها، وخاصة بناء نظم مؤتمتة للأعمال العسكرية. ولهذه السبرنية استخدامات واسعة في الوقت الحاضر، وقد أدت أبحاثها إلى تقانات حربية حديثة وابتكار أسلحة ذكية ووضع خطط واستراتيجيات وفنون قتال متطورة.
3ـ السبرنية الاقتصادية: تعد إحدى الاتجاهات المهمة في السبرنية، وتهدف إلى الوصول إلى بحث وتنظيم عمليات النظم الاقتصادية. فهي تدرس عمليات جمع وتكديس وحفظ ونقل المعلومات الخاصة بالأغراض والظواهر الاقتصادية. ويؤدي البحث في السبرنية الاقتصادية إلى مؤشرات ضرورية للتحكم بالأغراض الاقتصادية، وإلى اختيار أساليب الوصول والنقل والمعالجة لهذه المؤشرات بأقل عدد ممكن من الوسطاء أو الكلفة، بهدف إيجاد حلول ضرورية في ظروف غامضة. ويتم الحصول غالباً على منحنٍ يشتمل على حلول تُختار منها الحلول المقبولة.
علي سعيد جمال الدين