هل فقدت الدراسة الجامعية جدواها؟
البرنامج الإماراتي يركز على التعريف بأبرز الجوانب التقنية والأمنية في قطاع الذكاء الاصطناعي، ويعزز معرفة المشاركين بمختلف الجوانب الأخلاقية للتكنولوجيا الجديدة.
الجمعة 2020/07/03
الجيل الصاعد يواجه عواقب ما يطوره الإنسان من ذكاء اصطناعي
فيما تضاعف دول جهودها عبر تطوير نظمها التعليمية، مواكبة التطور الحاصل في سوق العمل، في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي، ومراهنة على كسب التحدي، تبرز أزمة النظم التعليمية ومدى مواكبتها للتطور التكنولوجي الحاصل، كواحدة من أشد التحديات تعقيدا، وأكثرها إرباكا لبرامج ومخططات الدول في بلوغ أهدافها التنموية.
دبي – ما يتلقاه الطلاب من معارف في المدارس اليوم سيصبح عديم الجدوى عندما يبلغون من العمر 40 أو 50 عاما، والإنسان الحريص على أن تكون له فائدة عندما يكبر عليه أن يفكر باستمرار بمواكبة التطور السريع، لأن الوظائف ستختفي بشكل أسرع، مع ظهور الحاجة إلى خبراء في مجالات جديدة، وعليه من يريد أن يحافظ على مواكبة ما يحدث في العالم، يجب أن يجدد نفسه باستمرار.
وتبرز دولة الإمارات على رأس قائمة الدول التي وعت هذا التحدي منذ البدايات الأولى. وهي حريصة على تعزيز البنية التحتية والبيئة الحاضنة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما أكد ذلك عمر بن سلطان العلماء وزير الدولة للذكاء الاصطناعي، من خلال بناء القدرات الوطنية وتمكين الكوادر الحكومية من الأدوات والمهارات المستقبلية اللازمة لتطوير هذا القطاع الحيوي وابتكار الحلول لمختلف التحديات المستقبلية.
عمر سلطان العلماء: انعكاسات جائحة كورونا أكدت أهمية الاستثمار في البنية التحتية
جاء ذلك خلال مشاركة في حفل تخريج عن بعد لـ84 منتسبا للدفعة الثانية من برنامج الذكاء الاصطناعي، بحضور سفير الإمارات لدى المملكة المتحدة منصور عبدالله بالهول، وجوناثان ميشي رئيس كلية كيلوغ في جامعة أكسفورد.
دروس الجائحة
ويأتي تنظيم البرنامج التدريبي ضمن مبادرات البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي الهادفة إلى إعداد الكوادر الوطنية من موظفي الجهات الحكومية وتعزيز مهاراتهم في تبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عملهم.
بما يدعم جهود تحقيق أهداف إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، ويسهم في تعزيز مكانة الدولة الرائدة في تبني التقنيات الحديثة والاستعداد للمستقبل.
وقال عمر سلطان العلماء إن الانعكاسات التي أحدثتها جائحة فايروس كورونا المستجد على قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد والمجتمع، أكدت أهمية استثمار الدول في تطوير البنية التحتية التكنولوجية، بوصفه الخيار الأمثل لمواصلة مسيرة التطوير والتنمية، كما أكدت أهمية التعلم من دروس الجائحة من خلال تبني نهج استباقي يستشرف المستقبل ويصمم الحلول لمتغيراته وتحدياته الطارئة.
ويهدف البرنامج الذي ينظمه البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع كلية كيلوغ في جامعة أكسفورد، إلى تدريب الكوادر الوطنية وتعريفهم بأحدث التكنولوجيات والتوجهات العالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي ودورها المتزايد في حياتنا العملية، ويستهدف الموظفين الحكوميين في دولة الإمارات لتمكينهم بالمهارات اللازمة لتبني تقنية الذكاء الاصطناعي والتي ستساهم في تحقيق أهداف رؤية مئوية الإمارات 2071.
منصور عبدالله بالهول: المهارات الجديدة تعزز القطاعات الحيوية وتدعم الفرص المستقبلية
وقال عبدالله بالهول “تسعدنا رؤية تخريج مجموعة ثانية من الكوادر الإماراتية ضمن برنامج الذكاء الاصطناعي ونجاحهم باكتساب مهارات جديدة تعزز من مساهمتهم في تطوير القطاعات الحيوية في دولة الإمارات ودعم جهودها للاستعداد للتحديات والفرص المستقبلية”.
أما جوناثان ميشي، الذي عبر عن سعادته باختتام الدفعة الثانية لبرنامج الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات، والذي قدمت كلية كيلوغ في جامعة أكسفورد من خلاله برنامجا مخصصا وفريدا لأكثر من 80 مشاركا من موظفي القطاع الحكومي في دولة الإمارات، فركز على تعريف المشاركين بأبرز الجوانب التقنية والأمنية في قطاع الذكاء الاصطناعي، وتعزيز معرفتهم بمختلف جوانب أخلاقيات هذه التكنولوجيا.
وتضمن البرنامج مجموعة من المواضيع شملت استخدامات الذكاء الاصطناعي، والتحديات الأخلاقية، والتحليل الاستراتيجي، وجمع البيانات وتحليلها، وأمن المعلومات، والحوكمة، والتعليم الذاتي، والتشريعات، والنظم القائمة على الذكاء الاصطناعي.
وتم تقسيم المشاركين إلى مسارين؛ المسار التقني المتقدم ويستهدف المبرمجين والخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي، والمسار التعريفي للمبتدئين.
ويفتح البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي خلال الفترة المقبلة باب الترشح للدفعة الثالثة التي ستركز على توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم القطاعات الحيوية ما بعد كوفيد – 19.
وتعرف المنتسبون خلال مشاركتهم في البرنامج على أحدث التوجهات العالمية والتطورات التقنية في مجال الذكاء الاصطناعـي، والـدور المهـم الذي ستؤديه هــذه التقنيــات فــي الحيــاة اليوميــة، إضافة إلى تطوير مهارات إعداد وتنفيذ خطط شاملة لتسريع تبني الجهات الحكومية أدوات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز مهارات التخطيط الاستراتيجي، وتمكينهم من مهارات جمع وتحليل البيانات.
كما اطلع المنتسبون على أبرز تحديات تبني التكنولوجيات الحديثة والمخاطر الأمنية والأخلاقية المرتبطة بذلك، وعملوا على تطوير خطط عملية لدراسة مجالات توظيف الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية والمردود الاقتصادي المتوقعة، فيما مكن البرنامج المشاركين من مهارات تحليل واستنتاج المعلومات، والمخاطر والتحديات الناتجة عن تبني الذكاء الاصطناعي.
وتعمل أغلب الجامعات في الدول الكبرى وفي بعض الدول العربية، الخليجية خصوصا، جاهدة على التركيز على تطوير نظمها التعليمية ومواكبة أحدث التطورات التكنولوجية، إدراكا منها لضرورة التركيز على تخريج أجيال قادرة على التكيّف مع مختلف هذه التطورات ومسايرتها.
جون مكارثي: الذكاء الاصطناعي هو علم وهندسة صنع آلات ذكية تحل محل الإنسان
لكن هذا الطرح، وفق العلماء والمختصين في التعليم يصطدم بعدة عوائق، ذلك أن للمسألة وجوها متعددة تُطرح وسيناريوهات مفترضة تتطلب الفحص والتدقيق خصوصا إذا تعلق الأمر بمدى التطابق بين ما وصل إليه التقدم التكنولوجي والمستوى الذي يسير عليه تكوين الطلاب ومدى اطلاعهم على ذلك في بعض الجامعات.
ومن هذا المنطلق تبرز الأزمة القائمة في العلاقة بين الطرق التي تتم بواسطتها معالجة النظم التعليمية وتحديثها وتطويرها، ومدى مواكبة هذه النظم للتطور التقني الجارف الذي يكتسح العالم ويتقدم بثبات، وبات يعرف بالذكاء الاصطناعي.
وأضحى المصطلح كثير التداول، ويربط البعض بينه وبين الخوف من سيطرة الآلات واضمحلال دور العنصر البشري، بما يؤثر حتى على مواصلة تكوين الطلاب وتخريجهم.
وعرّف جون مكارثي، الذي وضع هذا المصطلح سنة 1955، الذكاء الاصطناعي على أنه “علم وهندسة صنع آلات ذكية”، فيما يقدم البعض تعريفهم الخاص للذكاء الاصطناعي على أنه “دراسة وتصميم أنظمة ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ إجراءات تزيد من فرص نجاحها”.
وتطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي كثيرا في السنوات الأخيرة، وتعد تقنية “التعلّم العميق”، التي ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي أسلوب الدماغ البشري، أي قدرتها على التجريب والتعلم والتطوير الذاتي دون تدخل البشر، من أبرز مظاهره.
سيناريوهات محتملة
أصدقاء أم أعداء
ويجمع الخبراء والمختصون في مجال التعليم على أن الغرض من التعليم العالي هو إعداد الطلاب وتحضيرهم لسوق الشغل. وفي هذا الإطار يقول شون غالاغر، وهو من كبار رواد الأعمال في العالم، إن “أحد الأهداف الأساسية للتعليم العالي هو إعداد الطلاب لسوق العمل. ومن المسلمات بين الناس اعتبار الغرض من التعليم العالي إنتاج كوادر مؤهلة لأداء وظائف في ظل اقتصاد عالمي معقد”.
وركز المهتمون بتطوير نظام التعليم العالي في الولايات المتحدة على هذا الهدف الأساس، جاعلين من تنمية رأس المال البشري الأساس لكل تصوراتهم. لكن، وفق ما يطرحه الخبراء، فإنه إذا صدقت التنبؤات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فإن العلاقة بين التعليم العالي والإعداد لسوق العمل لم تعد قائمة.
دانيال بينك: وصلنا إلى عصر ذكي يركز فيه التعليم على صفات معينة من الدماغ
وهنا يطرح سؤال شديد الأهمية: ما هي الغاية الأساسية من التعليم العالي، عندما يجعل الذكاء الاصطناعي من الحاجة البشرية (خريجي الجامعات) زائدة عن الحاجة؟
ولتفسير بعض الجوانب من هذه المقاربة المستعصية على الفهم، يتدخل المحللون والمهتمون بقطاع التعليم في العالم على رأسهم ديفيد ستيلي، لطرح ثلاثة سيناريوهات ممكنة، حيث تخيل كل واحد منهم العالم بعد مرور 25 عاما، أي عندما يكون الذكاء الاصطناعي مسيطرا في كل مكان، لتطرح مجموعة من الأسئلة منها: ما هو الدور الذي ستلعبه مؤسسات التعليم العالي، وكيف سيفكر قادة التعليم العالي بشكل استراتيجي من أجل الاستمرار في ظل الظروف الموصوفة؟
أما عن السيناريو الأول والذي يرى أن التعليم العالي قد عفا عليه الزمن، فيرى هؤلاء أنه مع تراجع عدد الوظائف التي تتطلب مهارات إدراكية بشرية، لم يعد تطوير رأس المال البشري أمرا حتميا، وبالتالي أصبح التعليم العالي غير ضروري بالنسبة إلى معظم الطلاب. وسيبقى هناك عدد قليل من مؤسسات التعليم العالي، كأماكن يذهب إليها الطلاب لتطوير إمكانياتهم العقلية، ولكن العديد من المؤسسات تكون قد أغلقت أبوابها، لأنها لم تعد مراكز لإعداد الطلاب لسوق العمل، وهي إحدى المهام الأساسية لمؤسسات التعليم العالي.
أما عن السيناريو الذي يرى أن التعليم العالي بشري بامتياز، فيحاجج أصحابه بأن التعليم العالي يرتبط أساسا بالحصول على المعلومات، ومع انتشار المعلومات وسهولة الحصول عليها، أصبح التعليم العالي يركز على تنمية المهارات.
ولن يوجد مستقبلا منهج محدد، أو مجموعة مقررات يتعين على الطالب دراستها في هذه الجامعة. وبدلا من ذلك، يتم تشجيع الطلاب على متابعة اهتماماتهم والانتقال من موضوع إلى موضوع وفقا لما يمليه الفضول لدى كل واحد منهم.
وهنا يقول الخبير دانيال بينك إن “سمات الجانب الأيمن من الدماغ، مثل اللعب وصنع المعاني، ستهيمن في عصر الآلات الذكية بعد أتمتة مهارات الجانب الأيسر من الدماغ”.
يوفال هراري: شريحة كاملة من البشر في المجتمع ستفقد وظائفها ومهامها
أما السيناريو الثالث والأخير، وهو المتعلق بالتعليم العالي المشترك، فإن هدف التعليم العالي في هذه الحالة هو إنتاج ذلك النوع من التعليم الهجين. وهنا ينفذ الذكاء الاصطناعي العديد من المهام المعرفية بكفاءة أكبر من البشر، ولكن الذكاء البشري ضروري أيضا لاستكمال العديد من المهام المعرفية.
وعلى النقيض من ذلك يرى الكاتب يوفال هراري أن شريحة كاملة في المجتمع ستصبح عديمة الفائدة، وستفقد وظائفها ومهامها، ومن ثم سيكون ذلك محفزا للإصابة بأمراض نفسية مختلفة.
وفي كتابه المنشور تحت عنوان “الموجز لتاريخ الغد” الذي يحاول فيه إلقاء الضوء على الطبقة المجتمعية “عديمة الفائدة” التي بدأ يخلقها التطور التكنولوجي المتسارع، يؤكد يوفال أن التكنولوجيا ستأخذ حيزا أكبر في المجتمع كلّما ازدادت تطورا وازداد اعتماد الإنسان عليها.
ويرى الكاتب من خلال طرحه لفكرة خلق القوة التكنولوجية، أن الإنسان قادر على صناعة تكنولوجيا تفوقه قوة وتفقده السيطرة عليها بعد حين من الزمن، وهو من مؤيدي القول إن للتكنولوجيا قوة “مدمرة” ستضر بحياة البشر وبالكرة الأرضية، كما يرى أن هذه القوة المدمرة قد بدأت تنشط بالمجتمع.
وهذا ما أكده في مقابلة له مع صحيفة “الغارديان” البريطانية، يقول فيها إن الجيل الصاعد هو الذي سيواجه عواقب ما يطوره الإنسان اليوم من الذكاء الاصطناعي، وأن لا ضمانات على قدرة الإنسان على السيطرة على التكنولوجيا.
هذا الإشكال يتولد عنه إشكال آخر يعتقد الخبراء أنه أكثر خطرا من الإشكال الأول، ويطرح تساؤلا: هل باعتمادنا المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي نصير أكثر غباء؟
إجابات بعض الباحثين على هذا السؤال حملت الكثير من المخاوف. في آخر كتاب له يقول البروفيسور البريطاني الراحل ستيفن هوكينغ، إن تطوير ذكاء اصطناعي حقيقي قد يكون الإنجاز الأكبر للبشرية وقد يكون آخرها، مبديا تخوفه من أن يطور العلماء يوما ما ذكاء اصطناعيا يدمر البشرية.
وأكد الطبيب البريطاني مايكل موسلي أنه ورغم اتفاقه مع مخاوف هوكينغ، لكنه يرى أن التهديد الأكثر إلحاحا يأتي من الاعتماد على الآلات، بدلا من أنفسنا، في ما يتعلق بأمورنا وشؤونا الحياتية البسيطة.
وإلى أن يخفت الجدل الذي أثاره الذكاء الاصطناعي، سيبقى الشيء المؤكد الوحيد هو أن أصحاب القرار حول العالم يحتاجون للبدء في التحضير لمثل هذا اليوم، وتحديد كيف ستتماشى مؤسسات التعليم العالي مع الواقع الجديد.
البرنامج الإماراتي يركز على التعريف بأبرز الجوانب التقنية والأمنية في قطاع الذكاء الاصطناعي، ويعزز معرفة المشاركين بمختلف الجوانب الأخلاقية للتكنولوجيا الجديدة.
الجمعة 2020/07/03
الجيل الصاعد يواجه عواقب ما يطوره الإنسان من ذكاء اصطناعي
فيما تضاعف دول جهودها عبر تطوير نظمها التعليمية، مواكبة التطور الحاصل في سوق العمل، في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي، ومراهنة على كسب التحدي، تبرز أزمة النظم التعليمية ومدى مواكبتها للتطور التكنولوجي الحاصل، كواحدة من أشد التحديات تعقيدا، وأكثرها إرباكا لبرامج ومخططات الدول في بلوغ أهدافها التنموية.
دبي – ما يتلقاه الطلاب من معارف في المدارس اليوم سيصبح عديم الجدوى عندما يبلغون من العمر 40 أو 50 عاما، والإنسان الحريص على أن تكون له فائدة عندما يكبر عليه أن يفكر باستمرار بمواكبة التطور السريع، لأن الوظائف ستختفي بشكل أسرع، مع ظهور الحاجة إلى خبراء في مجالات جديدة، وعليه من يريد أن يحافظ على مواكبة ما يحدث في العالم، يجب أن يجدد نفسه باستمرار.
وتبرز دولة الإمارات على رأس قائمة الدول التي وعت هذا التحدي منذ البدايات الأولى. وهي حريصة على تعزيز البنية التحتية والبيئة الحاضنة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما أكد ذلك عمر بن سلطان العلماء وزير الدولة للذكاء الاصطناعي، من خلال بناء القدرات الوطنية وتمكين الكوادر الحكومية من الأدوات والمهارات المستقبلية اللازمة لتطوير هذا القطاع الحيوي وابتكار الحلول لمختلف التحديات المستقبلية.
عمر سلطان العلماء: انعكاسات جائحة كورونا أكدت أهمية الاستثمار في البنية التحتية
جاء ذلك خلال مشاركة في حفل تخريج عن بعد لـ84 منتسبا للدفعة الثانية من برنامج الذكاء الاصطناعي، بحضور سفير الإمارات لدى المملكة المتحدة منصور عبدالله بالهول، وجوناثان ميشي رئيس كلية كيلوغ في جامعة أكسفورد.
دروس الجائحة
ويأتي تنظيم البرنامج التدريبي ضمن مبادرات البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي الهادفة إلى إعداد الكوادر الوطنية من موظفي الجهات الحكومية وتعزيز مهاراتهم في تبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عملهم.
بما يدعم جهود تحقيق أهداف إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، ويسهم في تعزيز مكانة الدولة الرائدة في تبني التقنيات الحديثة والاستعداد للمستقبل.
وقال عمر سلطان العلماء إن الانعكاسات التي أحدثتها جائحة فايروس كورونا المستجد على قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد والمجتمع، أكدت أهمية استثمار الدول في تطوير البنية التحتية التكنولوجية، بوصفه الخيار الأمثل لمواصلة مسيرة التطوير والتنمية، كما أكدت أهمية التعلم من دروس الجائحة من خلال تبني نهج استباقي يستشرف المستقبل ويصمم الحلول لمتغيراته وتحدياته الطارئة.
ويهدف البرنامج الذي ينظمه البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع كلية كيلوغ في جامعة أكسفورد، إلى تدريب الكوادر الوطنية وتعريفهم بأحدث التكنولوجيات والتوجهات العالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي ودورها المتزايد في حياتنا العملية، ويستهدف الموظفين الحكوميين في دولة الإمارات لتمكينهم بالمهارات اللازمة لتبني تقنية الذكاء الاصطناعي والتي ستساهم في تحقيق أهداف رؤية مئوية الإمارات 2071.
منصور عبدالله بالهول: المهارات الجديدة تعزز القطاعات الحيوية وتدعم الفرص المستقبلية
وقال عبدالله بالهول “تسعدنا رؤية تخريج مجموعة ثانية من الكوادر الإماراتية ضمن برنامج الذكاء الاصطناعي ونجاحهم باكتساب مهارات جديدة تعزز من مساهمتهم في تطوير القطاعات الحيوية في دولة الإمارات ودعم جهودها للاستعداد للتحديات والفرص المستقبلية”.
أما جوناثان ميشي، الذي عبر عن سعادته باختتام الدفعة الثانية لبرنامج الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات، والذي قدمت كلية كيلوغ في جامعة أكسفورد من خلاله برنامجا مخصصا وفريدا لأكثر من 80 مشاركا من موظفي القطاع الحكومي في دولة الإمارات، فركز على تعريف المشاركين بأبرز الجوانب التقنية والأمنية في قطاع الذكاء الاصطناعي، وتعزيز معرفتهم بمختلف جوانب أخلاقيات هذه التكنولوجيا.
وتضمن البرنامج مجموعة من المواضيع شملت استخدامات الذكاء الاصطناعي، والتحديات الأخلاقية، والتحليل الاستراتيجي، وجمع البيانات وتحليلها، وأمن المعلومات، والحوكمة، والتعليم الذاتي، والتشريعات، والنظم القائمة على الذكاء الاصطناعي.
وتم تقسيم المشاركين إلى مسارين؛ المسار التقني المتقدم ويستهدف المبرمجين والخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي، والمسار التعريفي للمبتدئين.
ويفتح البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي خلال الفترة المقبلة باب الترشح للدفعة الثالثة التي ستركز على توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم القطاعات الحيوية ما بعد كوفيد – 19.
وتعرف المنتسبون خلال مشاركتهم في البرنامج على أحدث التوجهات العالمية والتطورات التقنية في مجال الذكاء الاصطناعـي، والـدور المهـم الذي ستؤديه هــذه التقنيــات فــي الحيــاة اليوميــة، إضافة إلى تطوير مهارات إعداد وتنفيذ خطط شاملة لتسريع تبني الجهات الحكومية أدوات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز مهارات التخطيط الاستراتيجي، وتمكينهم من مهارات جمع وتحليل البيانات.
كما اطلع المنتسبون على أبرز تحديات تبني التكنولوجيات الحديثة والمخاطر الأمنية والأخلاقية المرتبطة بذلك، وعملوا على تطوير خطط عملية لدراسة مجالات توظيف الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية والمردود الاقتصادي المتوقعة، فيما مكن البرنامج المشاركين من مهارات تحليل واستنتاج المعلومات، والمخاطر والتحديات الناتجة عن تبني الذكاء الاصطناعي.
وتعمل أغلب الجامعات في الدول الكبرى وفي بعض الدول العربية، الخليجية خصوصا، جاهدة على التركيز على تطوير نظمها التعليمية ومواكبة أحدث التطورات التكنولوجية، إدراكا منها لضرورة التركيز على تخريج أجيال قادرة على التكيّف مع مختلف هذه التطورات ومسايرتها.
جون مكارثي: الذكاء الاصطناعي هو علم وهندسة صنع آلات ذكية تحل محل الإنسان
لكن هذا الطرح، وفق العلماء والمختصين في التعليم يصطدم بعدة عوائق، ذلك أن للمسألة وجوها متعددة تُطرح وسيناريوهات مفترضة تتطلب الفحص والتدقيق خصوصا إذا تعلق الأمر بمدى التطابق بين ما وصل إليه التقدم التكنولوجي والمستوى الذي يسير عليه تكوين الطلاب ومدى اطلاعهم على ذلك في بعض الجامعات.
ومن هذا المنطلق تبرز الأزمة القائمة في العلاقة بين الطرق التي تتم بواسطتها معالجة النظم التعليمية وتحديثها وتطويرها، ومدى مواكبة هذه النظم للتطور التقني الجارف الذي يكتسح العالم ويتقدم بثبات، وبات يعرف بالذكاء الاصطناعي.
وأضحى المصطلح كثير التداول، ويربط البعض بينه وبين الخوف من سيطرة الآلات واضمحلال دور العنصر البشري، بما يؤثر حتى على مواصلة تكوين الطلاب وتخريجهم.
وعرّف جون مكارثي، الذي وضع هذا المصطلح سنة 1955، الذكاء الاصطناعي على أنه “علم وهندسة صنع آلات ذكية”، فيما يقدم البعض تعريفهم الخاص للذكاء الاصطناعي على أنه “دراسة وتصميم أنظمة ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ إجراءات تزيد من فرص نجاحها”.
وتطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي كثيرا في السنوات الأخيرة، وتعد تقنية “التعلّم العميق”، التي ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي أسلوب الدماغ البشري، أي قدرتها على التجريب والتعلم والتطوير الذاتي دون تدخل البشر، من أبرز مظاهره.
سيناريوهات محتملة
أصدقاء أم أعداء
ويجمع الخبراء والمختصون في مجال التعليم على أن الغرض من التعليم العالي هو إعداد الطلاب وتحضيرهم لسوق الشغل. وفي هذا الإطار يقول شون غالاغر، وهو من كبار رواد الأعمال في العالم، إن “أحد الأهداف الأساسية للتعليم العالي هو إعداد الطلاب لسوق العمل. ومن المسلمات بين الناس اعتبار الغرض من التعليم العالي إنتاج كوادر مؤهلة لأداء وظائف في ظل اقتصاد عالمي معقد”.
وركز المهتمون بتطوير نظام التعليم العالي في الولايات المتحدة على هذا الهدف الأساس، جاعلين من تنمية رأس المال البشري الأساس لكل تصوراتهم. لكن، وفق ما يطرحه الخبراء، فإنه إذا صدقت التنبؤات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فإن العلاقة بين التعليم العالي والإعداد لسوق العمل لم تعد قائمة.
دانيال بينك: وصلنا إلى عصر ذكي يركز فيه التعليم على صفات معينة من الدماغ
وهنا يطرح سؤال شديد الأهمية: ما هي الغاية الأساسية من التعليم العالي، عندما يجعل الذكاء الاصطناعي من الحاجة البشرية (خريجي الجامعات) زائدة عن الحاجة؟
ولتفسير بعض الجوانب من هذه المقاربة المستعصية على الفهم، يتدخل المحللون والمهتمون بقطاع التعليم في العالم على رأسهم ديفيد ستيلي، لطرح ثلاثة سيناريوهات ممكنة، حيث تخيل كل واحد منهم العالم بعد مرور 25 عاما، أي عندما يكون الذكاء الاصطناعي مسيطرا في كل مكان، لتطرح مجموعة من الأسئلة منها: ما هو الدور الذي ستلعبه مؤسسات التعليم العالي، وكيف سيفكر قادة التعليم العالي بشكل استراتيجي من أجل الاستمرار في ظل الظروف الموصوفة؟
أما عن السيناريو الأول والذي يرى أن التعليم العالي قد عفا عليه الزمن، فيرى هؤلاء أنه مع تراجع عدد الوظائف التي تتطلب مهارات إدراكية بشرية، لم يعد تطوير رأس المال البشري أمرا حتميا، وبالتالي أصبح التعليم العالي غير ضروري بالنسبة إلى معظم الطلاب. وسيبقى هناك عدد قليل من مؤسسات التعليم العالي، كأماكن يذهب إليها الطلاب لتطوير إمكانياتهم العقلية، ولكن العديد من المؤسسات تكون قد أغلقت أبوابها، لأنها لم تعد مراكز لإعداد الطلاب لسوق العمل، وهي إحدى المهام الأساسية لمؤسسات التعليم العالي.
أما عن السيناريو الذي يرى أن التعليم العالي بشري بامتياز، فيحاجج أصحابه بأن التعليم العالي يرتبط أساسا بالحصول على المعلومات، ومع انتشار المعلومات وسهولة الحصول عليها، أصبح التعليم العالي يركز على تنمية المهارات.
ولن يوجد مستقبلا منهج محدد، أو مجموعة مقررات يتعين على الطالب دراستها في هذه الجامعة. وبدلا من ذلك، يتم تشجيع الطلاب على متابعة اهتماماتهم والانتقال من موضوع إلى موضوع وفقا لما يمليه الفضول لدى كل واحد منهم.
وهنا يقول الخبير دانيال بينك إن “سمات الجانب الأيمن من الدماغ، مثل اللعب وصنع المعاني، ستهيمن في عصر الآلات الذكية بعد أتمتة مهارات الجانب الأيسر من الدماغ”.
يوفال هراري: شريحة كاملة من البشر في المجتمع ستفقد وظائفها ومهامها
أما السيناريو الثالث والأخير، وهو المتعلق بالتعليم العالي المشترك، فإن هدف التعليم العالي في هذه الحالة هو إنتاج ذلك النوع من التعليم الهجين. وهنا ينفذ الذكاء الاصطناعي العديد من المهام المعرفية بكفاءة أكبر من البشر، ولكن الذكاء البشري ضروري أيضا لاستكمال العديد من المهام المعرفية.
وعلى النقيض من ذلك يرى الكاتب يوفال هراري أن شريحة كاملة في المجتمع ستصبح عديمة الفائدة، وستفقد وظائفها ومهامها، ومن ثم سيكون ذلك محفزا للإصابة بأمراض نفسية مختلفة.
وفي كتابه المنشور تحت عنوان “الموجز لتاريخ الغد” الذي يحاول فيه إلقاء الضوء على الطبقة المجتمعية “عديمة الفائدة” التي بدأ يخلقها التطور التكنولوجي المتسارع، يؤكد يوفال أن التكنولوجيا ستأخذ حيزا أكبر في المجتمع كلّما ازدادت تطورا وازداد اعتماد الإنسان عليها.
ويرى الكاتب من خلال طرحه لفكرة خلق القوة التكنولوجية، أن الإنسان قادر على صناعة تكنولوجيا تفوقه قوة وتفقده السيطرة عليها بعد حين من الزمن، وهو من مؤيدي القول إن للتكنولوجيا قوة “مدمرة” ستضر بحياة البشر وبالكرة الأرضية، كما يرى أن هذه القوة المدمرة قد بدأت تنشط بالمجتمع.
وهذا ما أكده في مقابلة له مع صحيفة “الغارديان” البريطانية، يقول فيها إن الجيل الصاعد هو الذي سيواجه عواقب ما يطوره الإنسان اليوم من الذكاء الاصطناعي، وأن لا ضمانات على قدرة الإنسان على السيطرة على التكنولوجيا.
هذا الإشكال يتولد عنه إشكال آخر يعتقد الخبراء أنه أكثر خطرا من الإشكال الأول، ويطرح تساؤلا: هل باعتمادنا المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي نصير أكثر غباء؟
إجابات بعض الباحثين على هذا السؤال حملت الكثير من المخاوف. في آخر كتاب له يقول البروفيسور البريطاني الراحل ستيفن هوكينغ، إن تطوير ذكاء اصطناعي حقيقي قد يكون الإنجاز الأكبر للبشرية وقد يكون آخرها، مبديا تخوفه من أن يطور العلماء يوما ما ذكاء اصطناعيا يدمر البشرية.
وأكد الطبيب البريطاني مايكل موسلي أنه ورغم اتفاقه مع مخاوف هوكينغ، لكنه يرى أن التهديد الأكثر إلحاحا يأتي من الاعتماد على الآلات، بدلا من أنفسنا، في ما يتعلق بأمورنا وشؤونا الحياتية البسيطة.
وإلى أن يخفت الجدل الذي أثاره الذكاء الاصطناعي، سيبقى الشيء المؤكد الوحيد هو أن أصحاب القرار حول العالم يحتاجون للبدء في التحضير لمثل هذا اليوم، وتحديد كيف ستتماشى مؤسسات التعليم العالي مع الواقع الجديد.