غزال (يحيي حكم بكري)
Al-Ghazal (Yahya ibn Hakam al-Bakri-) - Al-Ghazal (Yahya ibn Hakam al-Bakri-)
الغَزَال (يحيى بن حَكَم البكري ـ)
(156ـ 250هـ/772 ـ 864م)
يحيى بن حكم البكري، الجياني، المشهور بلقب الغزال وهو من الشخصيات الأندلسية التي تركت آثاراً مهمة في عدد من الجوانب، وهو كما تدل نسبته ينتمي في أسرة عربية أصيلة، وبلدته التي خرجته هي (جَيّان) التي كانت مركز كُورة في الأندلس. أما الغزال فهو لقبٌ لزمه، حتى إن الأمير الأموي عبد الرحمن الأوسط استقبله مرة بشطر من الشعر، فقال: «جاء الغزال بحسنه وجماله»، وأجاز الغزال شطر الأمير فقال:
قـال الأميـر مداعبـاً بمقالـه
جاء الغزال بحسنه وجماله
أين الجمالُ من امرئ أربى على
متعدد السبعين من أحواله
في قطعة شعرية حسنة، والخبر يدل على استمتاع الغزال بجماله وحسن هيئة إلى شيخوخته.
والغزال يدخل في كبار الشعراء، ويعد في أوائل الرحّالين الأندلسيين، وهو أشهر دبلوماسي لهذه المدة المبكرة من حياة الإسلام في الأندلس، وكان للغزال مشاركة قوية في العلوم العقلية، واشتهر بلقب «العرّاف» لخبرته في علم النُّجوم (الفلك)، إضافةً إلى خبرته ومعرفته بالعلوم النقّلية.
أدرك يحيى بن حكم في حياته إمارة خمسة من حكام الأندلس الأموييّن: عبد الرحمن الداخل (ت 172) وهشام ابن عبد الرحمن (ت 180) والحكم بن هشام (ت 206) وعبد الرحمن الأَوسط ابن الحكم (ت 238) ومحمد بن عبد الرحمن (ت 273)، ومن هنا قال الغزال:
أدركتُ بالمِصرِ ملوكاً أَرْبَعِهْ
وخامساَ هذا الّذي نَحنُ مَعَهْ
ولم تذكر التواريخ مكان ولادته، ويَرْجُح أنه ولد ونشأ في (جَيّان)، ثم العاصمة قرطبة، حيث عاش فيها سائر حياته، واحْتَفظ بنسبته إلى بلدته الأصلّية الجَيّاني.
كان ليحيى عمر مديد، أتاح له أن يَبْرُز في أكثر من صعيد، وأن تتنوع جوانب حياته، وأن تكون له علاقات ومُداخلات في طبقات المجتمع المختلفة، وفي شعره الباقي ما يدل على هذه العلاقات الاجتماعية التي ترجمها شعُره إلى قصائد ذات مَزايا وخصوصيّة، وفيه مَا يُفصِح عن الجوانب المتعددة التي عالجها على الصَّعيد الشخصي والصعيد الرسمي.
كان في صفات الغَزال: الذكاء الذي يَرْقى إلى درجة الألمعيّة، والبساطة في مداورة شُؤون الحَياة المختَلفة، وروح الدَّعابة التي لاتفارقه في المواقف الصَّعبة، والجُرأة في النّقد الاجتماعي؛ حتى إنه طال في نقده الّلاذع وهجائه بعض كبار رجال الدّولة، وكان شعر الغزال مرآةً لهذه الأوصاف من شخصيته، وحكايةً لكثير من مجريات حياته، وتعبيراً عن مواقفه الّلاذعة، وتسجيلاً لجوانب من أَحداث زمانه.
كان الغزال موصول اليد بالدولة الأُمَويّة: تولّى الأعمال المختلفة، وتولّى السّفارة عنها في رحلتين مشهورتين، وكان من جلساء الأُمراء. وفي أخبار الغزال أنَّه رحل إلى المشرق، وأن رحلته كانت طواعيةً من عند نفسه، وليست نفياً كما وقع في بعض الدراسات المعاصرة.
قام الغزال برحلتين سفاريّتين مبعوثاً من الأمير الأمويّ عبد الرحمن (الأوسط)؛ إحداهما إلى القسطنطينية سنة 225هـ في رسالة جوابية إلى الإمبراطور تيوفيل (سماه أبو تمام في البائية: توفلس)، وكانت بيزنطة (دولة الروم) بعد هزيمتها في (عمّورية) سنة 223هـ رغبت في التقرُّب إلى دولة بني مروان بالأندلس؛ في محاولة لتّخفيف الضّغط عنها. وكانت الرّحلة السفارية الثانية على الأرجح إلى جُنْلَند (الدنمارك؛ بلاد النُّرمان) سنة 230هـ. وكانت رحلته رحلة جوابيّة ردّاً على رسالة، مع وفد دنمارك الذي قدم برغبة ملكهم في عقد علاقات سلميّة، ومعاهدة صداقة، وكان النرمانديون قد أغاروا على إشبيلية وغيرها ثم هزمهم الأندّلسيون. وللغزال في رحلته وفي لقائه الملك والملكة شعر حسَن. وعلّق كراتشكوفسكي هنا فقال: «إن الغزال أدى دور الدّبلوماسي مرّتين، وهو شاعر فنان، وعلى معرفة بعدد من اللّغات. وفي الملكة النرَّماندية يقول:
كلفّتِ في قلبي هوى متعباً
غالبْتُ منـه الضّيغمَ الأغَلْبَا
إنّي تعلَّقْتُ مَجُوســـِيَّة
تأبى لشمسِ الحُسْنِ أن تغربا
وقد نجحت مهمّة الغَزال، وسَجّل السبق بريادة السّفارات الديبلوماسّية الأندلسية.
نَظَم الغَزالُ، في أغراض شَتى من الشّعر: الغَزل والهِجَاء والتعريض، والمَدْح، والوَصْف، والحكمة، والتأمّل في شؤون الحياة، وبَرزتْ مقدرته على مُعالجة النقد الاجتماعيّ في موضوعات متعدّدة، ومن أغراض الشاعر البارزة في شعره الباقي الهجاء والتعريض، وممّن أصابه هجاء الغزال: المغنّي زرياب، ونَصْر الخصيّ ذو النفوذ، ويبرز في شعر النقد الاجتماعي قضايا الغنى والفقر، وعلاقة الرّجُل والمَرأة، والألعاب المُلِهية، واستغلال النفّوذ، وكان للشّاعر نَفَسٌ ممدودٌ في التعّبير عن ظُروفِ حياته.
ومن شعره الساخر:
إذا أُخبرتَ عن رجل بريءٍ
من الآفات ظاهره صحيحُ
فَسًلْهُم عنه: هل هو آدميّ ؟
فإن قالوا نعم فالقول ريحُ!
ديوان الغَزال سِفْر كبير غزير الشّعر، جَمَعَه حبيب بن أحمد الشّطجيري الأَندلسي، ورتبه على حروف المُعجم.
وألّف أيضاً تاريخاً منظوماً (أُرجوزة) ذكر فيها فتح الأندلس ومجريات الأحداث فيها إلى زمانه، وقد بقي من شعر الغزال قَدْرٌ جيد في كُتب التراث الأندلسي، وليس للديوان الذي جمعه الشطجيري ذِكرٌ في فهارس المكتبات المعروفة خاصة وعامّة، جمع الباقي من شعر الغزال أَوّل مرّة صالح بنداق وضم فيه بضعاً وثلاثين قصيدة وقطعة. ثم قمتُ بإعادة جمع شعره فوصل إلى نحو خمس وستين قصيدة وقطعة رُتبت على حروف المعجم، وصُنع لها شرح ومقدّمات.
وظهرت نصوص جديدة للغزال تضاف إلى مجموع شعره، في السفر الثاني من كتاب «المقتبس» لابن حَيّان.
محمد رضوان الداية
Al-Ghazal (Yahya ibn Hakam al-Bakri-) - Al-Ghazal (Yahya ibn Hakam al-Bakri-)
الغَزَال (يحيى بن حَكَم البكري ـ)
(156ـ 250هـ/772 ـ 864م)
يحيى بن حكم البكري، الجياني، المشهور بلقب الغزال وهو من الشخصيات الأندلسية التي تركت آثاراً مهمة في عدد من الجوانب، وهو كما تدل نسبته ينتمي في أسرة عربية أصيلة، وبلدته التي خرجته هي (جَيّان) التي كانت مركز كُورة في الأندلس. أما الغزال فهو لقبٌ لزمه، حتى إن الأمير الأموي عبد الرحمن الأوسط استقبله مرة بشطر من الشعر، فقال: «جاء الغزال بحسنه وجماله»، وأجاز الغزال شطر الأمير فقال:
قـال الأميـر مداعبـاً بمقالـه
جاء الغزال بحسنه وجماله
أين الجمالُ من امرئ أربى على
متعدد السبعين من أحواله
في قطعة شعرية حسنة، والخبر يدل على استمتاع الغزال بجماله وحسن هيئة إلى شيخوخته.
والغزال يدخل في كبار الشعراء، ويعد في أوائل الرحّالين الأندلسيين، وهو أشهر دبلوماسي لهذه المدة المبكرة من حياة الإسلام في الأندلس، وكان للغزال مشاركة قوية في العلوم العقلية، واشتهر بلقب «العرّاف» لخبرته في علم النُّجوم (الفلك)، إضافةً إلى خبرته ومعرفته بالعلوم النقّلية.
أدرك يحيى بن حكم في حياته إمارة خمسة من حكام الأندلس الأموييّن: عبد الرحمن الداخل (ت 172) وهشام ابن عبد الرحمن (ت 180) والحكم بن هشام (ت 206) وعبد الرحمن الأَوسط ابن الحكم (ت 238) ومحمد بن عبد الرحمن (ت 273)، ومن هنا قال الغزال:
أدركتُ بالمِصرِ ملوكاً أَرْبَعِهْ
وخامساَ هذا الّذي نَحنُ مَعَهْ
ولم تذكر التواريخ مكان ولادته، ويَرْجُح أنه ولد ونشأ في (جَيّان)، ثم العاصمة قرطبة، حيث عاش فيها سائر حياته، واحْتَفظ بنسبته إلى بلدته الأصلّية الجَيّاني.
كان ليحيى عمر مديد، أتاح له أن يَبْرُز في أكثر من صعيد، وأن تتنوع جوانب حياته، وأن تكون له علاقات ومُداخلات في طبقات المجتمع المختلفة، وفي شعره الباقي ما يدل على هذه العلاقات الاجتماعية التي ترجمها شعُره إلى قصائد ذات مَزايا وخصوصيّة، وفيه مَا يُفصِح عن الجوانب المتعددة التي عالجها على الصَّعيد الشخصي والصعيد الرسمي.
كان في صفات الغَزال: الذكاء الذي يَرْقى إلى درجة الألمعيّة، والبساطة في مداورة شُؤون الحَياة المختَلفة، وروح الدَّعابة التي لاتفارقه في المواقف الصَّعبة، والجُرأة في النّقد الاجتماعي؛ حتى إنه طال في نقده الّلاذع وهجائه بعض كبار رجال الدّولة، وكان شعر الغزال مرآةً لهذه الأوصاف من شخصيته، وحكايةً لكثير من مجريات حياته، وتعبيراً عن مواقفه الّلاذعة، وتسجيلاً لجوانب من أَحداث زمانه.
كان الغزال موصول اليد بالدولة الأُمَويّة: تولّى الأعمال المختلفة، وتولّى السّفارة عنها في رحلتين مشهورتين، وكان من جلساء الأُمراء. وفي أخبار الغزال أنَّه رحل إلى المشرق، وأن رحلته كانت طواعيةً من عند نفسه، وليست نفياً كما وقع في بعض الدراسات المعاصرة.
قام الغزال برحلتين سفاريّتين مبعوثاً من الأمير الأمويّ عبد الرحمن (الأوسط)؛ إحداهما إلى القسطنطينية سنة 225هـ في رسالة جوابية إلى الإمبراطور تيوفيل (سماه أبو تمام في البائية: توفلس)، وكانت بيزنطة (دولة الروم) بعد هزيمتها في (عمّورية) سنة 223هـ رغبت في التقرُّب إلى دولة بني مروان بالأندلس؛ في محاولة لتّخفيف الضّغط عنها. وكانت الرّحلة السفارية الثانية على الأرجح إلى جُنْلَند (الدنمارك؛ بلاد النُّرمان) سنة 230هـ. وكانت رحلته رحلة جوابيّة ردّاً على رسالة، مع وفد دنمارك الذي قدم برغبة ملكهم في عقد علاقات سلميّة، ومعاهدة صداقة، وكان النرمانديون قد أغاروا على إشبيلية وغيرها ثم هزمهم الأندّلسيون. وللغزال في رحلته وفي لقائه الملك والملكة شعر حسَن. وعلّق كراتشكوفسكي هنا فقال: «إن الغزال أدى دور الدّبلوماسي مرّتين، وهو شاعر فنان، وعلى معرفة بعدد من اللّغات. وفي الملكة النرَّماندية يقول:
كلفّتِ في قلبي هوى متعباً
غالبْتُ منـه الضّيغمَ الأغَلْبَا
إنّي تعلَّقْتُ مَجُوســـِيَّة
تأبى لشمسِ الحُسْنِ أن تغربا
وقد نجحت مهمّة الغَزال، وسَجّل السبق بريادة السّفارات الديبلوماسّية الأندلسية.
نَظَم الغَزالُ، في أغراض شَتى من الشّعر: الغَزل والهِجَاء والتعريض، والمَدْح، والوَصْف، والحكمة، والتأمّل في شؤون الحياة، وبَرزتْ مقدرته على مُعالجة النقد الاجتماعيّ في موضوعات متعدّدة، ومن أغراض الشاعر البارزة في شعره الباقي الهجاء والتعريض، وممّن أصابه هجاء الغزال: المغنّي زرياب، ونَصْر الخصيّ ذو النفوذ، ويبرز في شعر النقد الاجتماعي قضايا الغنى والفقر، وعلاقة الرّجُل والمَرأة، والألعاب المُلِهية، واستغلال النفّوذ، وكان للشّاعر نَفَسٌ ممدودٌ في التعّبير عن ظُروفِ حياته.
ومن شعره الساخر:
إذا أُخبرتَ عن رجل بريءٍ
من الآفات ظاهره صحيحُ
فَسًلْهُم عنه: هل هو آدميّ ؟
فإن قالوا نعم فالقول ريحُ!
ديوان الغَزال سِفْر كبير غزير الشّعر، جَمَعَه حبيب بن أحمد الشّطجيري الأَندلسي، ورتبه على حروف المُعجم.
وألّف أيضاً تاريخاً منظوماً (أُرجوزة) ذكر فيها فتح الأندلس ومجريات الأحداث فيها إلى زمانه، وقد بقي من شعر الغزال قَدْرٌ جيد في كُتب التراث الأندلسي، وليس للديوان الذي جمعه الشطجيري ذِكرٌ في فهارس المكتبات المعروفة خاصة وعامّة، جمع الباقي من شعر الغزال أَوّل مرّة صالح بنداق وضم فيه بضعاً وثلاثين قصيدة وقطعة. ثم قمتُ بإعادة جمع شعره فوصل إلى نحو خمس وستين قصيدة وقطعة رُتبت على حروف المعجم، وصُنع لها شرح ومقدّمات.
وظهرت نصوص جديدة للغزال تضاف إلى مجموع شعره، في السفر الثاني من كتاب «المقتبس» لابن حَيّان.
محمد رضوان الداية