في وقت معين كانت فيزياء نيوتن هى الكلمة الأخيرة فى ميدانها وانها تعبر عن حقيقة مطلقة ودام هذا الاعتقاد مايقرب من قرنين من الزمان ، ثم جاءت فيزياء اينشتاين فابتلعت فيزياء نيوتن فى داخلها وتجاوزتها وأثبتت أن ماكان يعد حقيقة مطلقة ليس فى الواقع إلا حقيقة نسبية ، أو حالة من حالات نظرية أوسع منها أو أعم .
لكن اذا كانت الحقيقة العلمية نسبية على هذا النحو فكيف جاز للبعض ان يصفونها بأنها مطلقة ؟؟
عندما نصف مشاعرنا الانفعالية وأذواقنا الفنية بانها نسبية نعنى بذلك انها تختلف من فرد لآخر وانه ليس من حق احد ان يفرض ذوقه مثلاً على الاخرين .
ولكننا نقول على الحقيقة العلمية “مطلقة” بمعنى انها تتخطى الحدود الجزئية لكل عقل على حدة لكى تفرض نفسها على كل عقل انسانى بوجه عام .
كيف اذن نوفق بين الاعتقاد بأن الحقائق العلمية مطلقة وبين انها نسبية ؟؟
الواقع ان الحقائق العلمية مطلقة فى اطارها الخاص ، تصدق على الظواهر وتفرض نفسها على كل عقل وبهذا المعنى تكون مطلقة .
فحين نقول ان الماء يتكون من أوكسجين وهيدروجين بنسبة (1) إلى (2) لا نعنى بذلك كمية الماء التى أجرينا عليها الاختبار بل نعنى أيةكمية من الماء على الاطلاق ولانوجه هذة الحقيقه الى عقل الشخص الذى اجرى امامه هذا الاختبار فحسب بل الى كل عقل بوجه عام .
ولكننا قد نكتشف فى يوم من الايام أملاحاً فى الماء بنسبة ضئيلة او نصنع “الماء الثقيل” – المستخدم فى المجال الذرى – فيصبح الحكم العلمى السابق نسبى ، لا بمعنى أنه يتغير من شخص الى اخر بل بمعنى انه يصدق فى اطاره الخاص ، واذا تغير هذا الاطار كان لابد من تعديله .
وهذا الاطار الخاص قد يكون هو المجال الذى تصدق فيه الحقيقة العلمية كما هو الحال فى أوزان الأجسام التى يظل مقدارها صحيحاً فى اطار الجاذبية الارضية ولكنها تختلف اذا نقلت الى مجال القمر .
ومجمل القول ان المعرفة العلمية متغيرة حقاً ولكن تغيرها يتخذ شكل (التراكم) أى اضافة الجديد الى القديم ومن ثم فإن نطاق المعرفة التى تنبعث من العلم يتسع باستمرار كما ان نطاق الجهل الذى يبدده العلم ينكمش باستمرار .
ومن هنا لم يكن انتقال العلم الى مواقع جديدة على الدوام ، علامة من علامات النقص فيه بل ان النقص انما يكمن فى تلك النظرة القاصرة التى تتصور انالعلم الصحيح هو العلم الثابت والمكتمل.