علامات ومميّزات التّفكير النّقدي: كيف تكون مفكّرًا ناقدًا، باحثًا متنوّرًا، وعالمًا ثوريًّا في مجال أبحاثك؟ ما هي الأدوات والمهارات التي نحتاجها لنصبح مفكّرين ناقدين؟
بشكلٍ عام، التّفكير النّقدي هو مصطلح يُشيرُ إلى التّساؤل الإيجابي والفعّال أو التّشكيك في صحّة الدّعاوى المختلفة، بدلاً من قبولها على عمى (أو على ظاهرها). على وجه التّحديد، التّفكير النّقدي هو عمليّة فعّالة تشتمل على:
* تقليل أثر الأفكار المسبقة والإنحيازات عندما نقيّم الأدلّة.
* تحديد النّتائج التي من الممكن عقليًّا أو منطقيًّا استخلاصها من الأدلّة.
* أخذ إمكانيّة وجود تفسيرات بديلة لنتائج الأبحاث أو حتّى وجود ظواهر أخرى غير مدروسة بعين الإعتبار.
بالإمكان تلخيص الأساليب والمهارات الذهنيّة التي تميّز المفكّر النّاقد عن غيره في هذه النّقاط الخمسة:
1. المفكّر النّاقد يتمتّع بمرونة فكريّة، ولكنّه بنفس الوقت يحافظ على مقدار صحيّ من التّشكيك المنظّم. هذا يعني أنّه منفتح لمعلومات، أفكار، ودعاوى جديدة، أي أنّه مستعدّ – بصدق – أن يأخذ بعين الإعتبار تفسيرات بديلة وخيارات أخرى. ولكن هذا الإنفتاح الفكري عادة ما يكون مُصاحبًا بإحساس صحيّ من الشكّ والتّساؤل. المفكّر النّاقد دائمًا ما يسأل، وبشكلٍ منتظم: “ما هي الأدلّة التي تدعم صحّة هذه الدّعوى؟”.
2. المفكّر النّاقد يدقّق ويفحص صحّة الأدلّة قبل استخلاص النّتائج. فعليًّا، المفكّر النّاقد يسعى لدراسة كلّ الأدلّة المتوفّرة ووزنها بحسب أهميّتها وصلتها بالموضوع قبل التوصّل للخلاصات أو النّتائج. وفي عمليّة تقييم الأدلّة، المفكّر النّاقد يفرّق بين الأدلّة التّجريبيّة (أو الإمبيريقيّة) وبين الآراء المستندة على المشاعر أو التّجارب الشّخصيّة.
3. المفكّر النّاقد يستطيع دراسة المسائل الفكريّة من عدّة زوايا، رؤى، وتصوّرات. ما يميّز المفكّر النّاقد هو أنّه غير محبوس في سجن أفكاره ووجهات نظره. كما أنّه غير محدود في قدرته على تخيّل تجارب حياتيّة وتصوّرات مختلفة جذريًّا عن تجاربه وتصوّراته. ولذلك المفكّر النّاقد يسعى إلى محاولة فهم وتقييم المسائل الفكريّة من عدّة زوايا مختلفة.
4. المفكّر النّاقد يعي جيّدًا ومدرك لوجود عوامل قد تؤثّر على سلامة وصحّة الأفكار، كالإنحيازات والإفتراضات غير البدهيّة. ولذلك عندما يقيّم الأدلّة والأفكار، يسعى المفكّر النّاقد للكشف عن الإنحيازات والإفتراضات التي قد تكون كامنة في الحجج والبراهين. والأهمّ من ذلك، المفكّر النّاقد الحقيقيّ يحاول أيضًا أن يكشف عن إنحيازاته الشّخصيّة ويقلّل من آثارها على رؤيته وتصوّراته الفكريّة.
5. وأخيرًا، المفكّر النّاقد يحاول معالجة القضايا والمسائل الفكريّة بالتأمّل، التدبّر، والتّفكير بعمق. معظم المسائل والإشكالات الفكريّة المعقّدة تتطلّب حلولاً أبعد ما تكون عن البسيطة. ولذلك، المفكّر النّاقد يقاوم ويجابه الرّغبة بتعدّي وتجاهل التّعقيد عن طريق معالجة المسألة على أنّها مسألة نعم أو لا (إمّا هذا الجواب وإمّا ذاك). في حقيقة الأمر، المفكّر النّاقد الحقيقيّ يتوقّع ويتقبّل التّعقيد على أنّه جزء لا يتجزّأ من بعض المسائل الفكريّة.