Plotinافلوطين معلم ذائع الصيت يلقي دروسه على الملأ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • Plotinافلوطين معلم ذائع الصيت يلقي دروسه على الملأ



    افلوطين

    Plotinus - Plotin

    أفلوطين
    (204 أو 205ـ 270م)

    إن معظم ما يُعرف عن حياة أفلوطين Plotin مستقى من كتاب «حياة أفلوطين» لتلميذه فرفوريوس الصوري، ففيه أنه تتلمذ في الاسكندرية لأمونيوس ساكاس، ثم انتقل إلى رومة، حيث مارس التعليم، وأصبح معلماً ذائع الصيت يلقي دروسه على الملأ، وبلا أجر. وكانت مدرسته مفتوحة للجميع، فكان يستقبل إلى جانب أصدقائه، مسيحيين غنوصيين وغيرهم من ذوي الاتجاهات الفلسفية والدينية المغايرة لاتجاهه، وتلميذه أميليوس كان في الأصل من أتباع ليزيماكوس الرواقي. أما تلميذه فرفوريوس، الذي لم يلتحق به إلا بعد أن بلغ الثانية والثلاثين من العمر، فقد كان سورياً من مدينة صور، حمل معه إيمانه بأساطير الكهنة. ولهذا كانت دروسه تجري بطريقة المناقشة بل كانت تغرق في مناقشات عقيمة، لغياب النظام في كثير من الأحيان. وطالما لقي هذا الأسلوب الحرّ، في آن معاً، دهشة السامعين العابرين واستنكارهم، على أنه كان للمستمع أثر في إنشاء فكر المعلم من جهة أخرى.
    وقد عاش أفلوطين حياةً روحيّة عميقة، على الرغم مما كان يمكن لتلاميذه من أصحاب الجاه والنفوذ أن يوفروه له من رفاهية، وكان يزدري الممارسات العملية في الدين والأخلاق، ويسعى لبلوغ حالة الوجد extase التي يخبرنا فرفوريوس أنه لم يبلغها إلا نادراً جداً (أربع مرات) في المدة التي كان فيها برفقته. توفي في مِنْتورْنو الواقعة في شمال نابولي. والمعلومات عن مكان ولادته غير يقينية ويقال إنه ولد في مصر.
    عصره: كان القرن الثالث الميلادي عصراً تمزقه الأزمات الداخلية، من كل صنف ونوع: فقد قلب الاضطراب الأخلاقي والاجتماعي والفكري قيم العالم القديم رأساً على عقب، وانحدرت الثقافة على كل صعيد، وصار الدين أساس الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، فبرزت العبادات الشرقية في كل مكان. وشهد هذا القرن المضطرب اضمحلال تعدد الآلهة الوثني. ويعدّ هذا العصر، من جهة أخرى، عصر الشرّاح الذين انكبوا على شرح أفلاطون[ر]، كما شرح الاسكندر الأفروديسي أعمال أرسطو شرحاً مفصلاً. وأفلوطين نفسه كان من هؤلاء الشرّاح، فهو يقول في التاسوعات: «يجب أن نعتقد أن الفلاسفة القدماء.. قد اكتشفوا الحقيقة» (3، 7، 1، 13) (الرقم الأول رقم التاسوعة، والثاني المقالة، ثم أرقام الفقرات)، و«نظرياتنا ليس فيها جديد، وليست من اليوم، فقد أعلنها (الفلاسفة القدماء) قبل وقتٍ طويل، ولكن دون أن يتبسطوا فيها، ولسنا نحن إلا شرّاح هذه المذاهب القديمة» (5، 1، 9).
    التاسوعات: كانت فلسفة أفلوطين في الأصل فلسفة محكية مثل سائر فلسفات العصور القديمة، ثم دونت في التاسوعات. فالتاسوعات تدوين للمناقشات الحية، التي كانت تجري في مدرسة أفلوطين، وذلك بطريقة أقرب، إلى الاختزال. وهي تتألف من أربع وخمسين مقالة متفاوتة في طولها تفاوتاً كبيراً، وموزعة على ست مجموعات، كل مجموعة منها مؤلفة من تسعة أقسام. وهذه المجموعات مرتبة ترتيباً شبه منهجي، فالمجموعة الأولى تبحث في الإنسان والأخلاق، والثانية والثالثة تبحثان في العالم المحسوس وفي العناية، والرابعة في النفس، والخامسة في العقل، والسادسة في الواحد أو الخير. ويفصح هذا الترتيب عن مضمون مذهبي لا يخفى على الناظر، قوامه الانطلاق من الذات (التاسوعة1) ومن العالم المحسوس (التاسوعتان 2 و3) للارتقاء صعداً بالتدريج إلى المبدأ المباشر للعالم، وهو النفس (4)، ثم إلى مبدأ النفس، الذي هو «العقل» (5)، وأخيراً إلى المبدأ الكلّي للأشياء طرّاً، ألا وهو الواحد أو الخير (6).
    غير أن هذا المسار المنهجي ليس إلا مساراً ظاهرياً، لأن كل تاسوعة تبحث في جميع مسائل المذهب، على الرغم من عنوانها الخاص، أو تفترض أن المذهب بكامله معروف. والحق أن فرفوريوس، تلميذ أفلوطين الوفي الأمين، هو الذي رتب المقالات، بعد وفاة معلمه، وهو الذي وضع لها العناوين. أما تسلسل كتابة المقالات زمنياً فيُعرف مما كتبه فرفوريوس عن حياة معلمه، فيبين أن أفلوطين لم يبدأ الكتابة إلا في العام 255، عندما بلغ الحادية والخمسين، وبعد مرور عشرة أعوام على ممارسته التعليم في رومة. فلما بلغ التاسعة والخمسين في عام 263، حين التحق فرفوريوس به، كان قد كتب 21 مقالة، ثم كتب ثلاثاً وعشرين بين عامي 263 و268، وفي أثناء إقامة فرفوريوس في رومة، أنشأ تسع مقالات من العام 268 حتى وفاته. فالتاسوعات، إذن، تعبير عن مذهب أفلوطين وقد بلغ نضجه.
    الصدور أو الفيض: لقد انتشرت نظرية الفيض في العصور القديمة والوسطى انتشاراً لا يشبهه في عموميته إلا انتشار نظرية التطور في القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد جعل أفلوطين من هذه المقولة جوهر تصوره لحركة الوجود في نظريته عن صدور الأقانيم. والحال أن أفلوطين ينظر إلى الحقيقة من زاويتين مختلفتين: فهو يتصور الكون، من جهة، موزعاً إلى مساكن طاهرة ومساكن دنسة ترقى النفس إليها أو تهبط، ويبدو له الكون، من جهة أخرى، سلسلةً من الصور، ترتبط كل صورةٍ منها بالصورة التي سبقتها ارتباطاً متدرجاً في المراتب، وهي موضوع للنظر العقلي. ويرى أفلوطين أن بين هذين التصورين وحدة عميقة، فهو يسعى إلى إثبات قيمة دينية للمذهب العقلي من خلال نظريته في الأقانيم أو المبادئ.
    إن قوام عالم المعقولات هو الوحدة المتعددة، أو الوحدة في الكثرة، فلا بد من وضع (الواحد) المطلق الخالي من كل تمييز أو تنوع فوقها. إن التعدد (أو الكثرة) لايكون أولاً، فقبل العدد اثنين توجد الوحدة. ووحدة النظام حقيقة أعلى منه وسابقة عليه، فهو «يصدر» أو يفيض» منها. فأقنوم «الواحد» أعلى من عالم المعقول، لأنه «المبدأ» أو «الأول». ومن الناحية الأخرى يجب أن يوجد أقنوم آخر تحت عالم المعقول، فلكي يتحقق النظام في المادة، ولكي يولد العالم المحسوس، لا بدّ من وجود وسيط فاعل ومتحرك بين «العقل» والمادة، بقدر ماتكون هذه المادة جديرةً بقبوله فيها. هذا الوسيط هو النفس، أو الأقنوم الثالث.
    ولكن لماذا لم يبقَ الواحد في عزلته؟ لماذا ولّد عالم المعقول، وعالم المعقول ولّد النفس؟ يجيب أفلوطين باللجوء إلى ضرب الأمثال: «ما أن يبلغ الموجود درجة كماله حتى نراه يلد، إنه لايتحمل أن يبقى في ذاته، وإنما يبدع موجوداً آخر... النار تدفئ، والثلج يبرد،... كل الأشياء، بقدر طاقتها، تحاكي المبدأ في الأبدية والخير».
    حركة الوجود والنفس: الوجود، في نظر أفلوطين، حياة روحانية واحدة ومتأقنمة في ثلاث أقانيم: الواحد، والعقل، والنفس. ويبدأ تيار هذه الحياة من الواحد وينتهي في العالم المحسوس. أما النفس فلها، عند أفلوطين، مكانها الخاص في سلسلة الأقانيم، «فهي آخر العلل المعقولة: آخر العلل في العالم المعقول، وأولى العلل في العالم المحسوس، ولهذا كانت على علاقة بكليهما» (4، 6، 31). «إنها تحتل بين الموجودات مرتبة وسطى: فهي إلهيّة في جزء منها، ولوجودها في أقصى الموجودات المعقولة، وعلى تخوم الطبيعة المحسوسة، فإنها تعطيها شيئاً من ذاتها» (4، 8، 7).
    أضفى أفلوطين على مذهبه طابعاً إحيائياً، فقد رأى أن لكل قوةٍ فاعلة في الطبيعة نفساً، أو ذاتُ اتصالٍ بنفس، فليس العالم وحده ذا نفس، ولا الكواكب وحدها ذوات نفوس، وإنما كل موجودٍ له نفس، فلا موجود غير ذي حياةٍ في الكون.
يعمل...
X