الجبريه Fatalism والجبر هو الإكراه والقهر على الفعل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجبريه Fatalism والجبر هو الإكراه والقهر على الفعل

    جبريه

    Fatalism - Fatalisme

    الجبريّة

    ترجع كلمة «الجبرية» في أصلها الاشتقاقي إلى مادة «جبر» والجبر هو الإكراه والقهر على الفعل بغير إرادة الفاعل ولا اختيار منه. ويجمع مؤرخو الفكر الإسلامي على أن مصطلح «الجبرية» يرجع إلى أواخر عصر بني أمية عندما أطلق لأول مرة على الجهم بن صفوان القائل بالجبر المطلق، ثم استعمل لقباً لأتباع الجهم من بعده. ولم يكن اللفظ معروفاً في عصر الخلافة الراشدة، وإنما كان مصطلح «القدرية» هو المستعمل بين جيل الصحابة والتابعين. وكان ممن تكلم في القدر من أولئك وهؤلاء علّي بن أبي طالب وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن عمر ثم الحسن البصري بعدهم.
    والجبرية منسوبة إلى الجبر، وهو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى.
    وهو لفظ لم يرد به نص في الكتاب أو السنة. ولذلك كان سلف الأمة يتحرجون من استعماله نفياً وإثباتاً لأنه لفظ مجمل مبهم. غير أن لفظ «جبل» ورد في السنّة. ففي الحديث أن الرسول r قال لأشجّ عبد القيس لما وفد مع وفد نجران: «يا أشجّ إن فيك لخلقين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة». فقال الأشجّ: أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما؟ قال الرسولr «بل خلقين جبلت عليهما» فقال الأشجّ الحمد لله الذي جبلني على ما يحبّ. وقال الأوزاعي والزبيدي وغيرهما بورود لفظ الجبل في السنة وبعدم ورود لفظ الجبر فيها. ولذلك أنكر السّلف استعمال لفظ الجبر ووضعوا مؤلفات كثيرة في الرد على الجهمية والقدرية وإبطال آرائهما منها: تصانيف عثمان بن سعيد الدارمي والبخاري وابن حنبل وابن بطّة العكبري وغيرها.
    ويحتج الجبرية على مذهبهم بآيات كثيرة من القرآن الكريم جمعها المختار الرازي في كتابه «حجج القرآن» وبيّن منها جميع حجج الجبرية المستندة إليها في عموم الإرادة الإلهية والمشيئة والهداية والضّلال والإغواء وتقليب القلوب والكتابة والإذن والخلق العام والقدر وأن الكلّ من الله. ثم أردفها بالأحاديث الواردة في عموم المشيئة وأنّ «الكلّ: ما كان وما يكون» قد سبق به القضاء أزلاً وكتب في اللوح المحفوظ.
    أما آيات الإرادة }ومن يُرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً{ (المائدة41).
    و}يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة{ (آل عمران176) و}فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام{ (الأنعام125) و}إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها{ (16الإسراء)
    وأما آيات المشيئة فمنها: }ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء{ (النحل93). و}وإن الله لا يهدي القوم الظالمين{ (الأحقاف10).
    ومن آيات الضّلال: قوله تعالى }فريقاً هدى وفريقاً حقّ عليهم الضّلالة{ (الأعراف30) و}ومنهم من حقت عليه الضّلالة{ (النحل36).
    ومن آيات الكتابة قوله تعالى }وكل شيء أحصيناه في إمام مبين{ (يس12). }قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا{ (التوبة51) .
    ومن آيات القدر }وكان أمر الله قدراً مقدوراً{ (الأحزاب38). }إنا كل شيء خلقناه بقدر{ (القمر49). }وخلق كل شيء فقدره تقديراً{ (الفرقان12). }ليس لك من الأمر شيء{ (آل عمران128). }ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين{ (الزّمر71).
    ومن الأحاديث: قوله عليه الصلاة والسلام «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» قال الرازي حديث صحيح. «ما من نفس إلا وقد كتب مقعدها من الجنة ومقعدها من النار» قالوا يا رسول الله ما العمل؟ أندع العمل إذاً. قال «لا اعملوا فكلّ ميسر لما خلق له فمن كان من أهل الجنة يسر لعمل أهل الجنّة ومن كان من أهل النار يسر لعمل أهل النار».
    ويرى علماء الكلام أن الجبرية تختلف فيما بينها: بين القول بالجبر المطلق، وبين القول بقدرة العبد على الفعل لكنها قدرة غير مؤثرة في الفعل، وبين القول بالكسب.
    ولذلك جعل الإمام ابن حزم (ت456هـ) والشهرستاني (ت548هـ) وغيرهم من رجالات الأشاعرة الجبرية أصنافاً ثلاثة:
    أولاً- الجبريّة الخالصة: وهي التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً. ويبدأ تاريخ أنصارها من الجهم بن صفوان وأبي محرز السمرقندي مولى بني راسب (ت128هـ). وكان الجهم ذا أدب ونظر وفكر وجدال، تتلمذ على الجعد بن درهم (ت 124هـ) أول من دعا إلى القول بالجبر من المسلمين. وقد انتشرت مقالة الجعد بالجبر في العهد الأموي. وقيل إن خلفاء بني أمية كانوا يستغلّون فكرة الجبر لبسط إرادتهم على الناس، ويقولون لهم لو أراد الله تغيير ما أنتم عليه لغيره، لكنها مشيئة الله فيكم. وظل الجعد مقيماً في دمشق إلى أن ابتدع القول بخلق القرآن وتعطيل الله عن صفاته، وكان غير مسبوق بهذه المقالة، فتطلبه بنو أمية فهرب وسكن الكوفة حتى قبض عليه والي العراقين لبني أميّة خالد بن عبد الله القسري، فقتله على الزندقة والإلحاد. وفي أثناء سكن الجعد الكوفة لقيه الجهم بن صفوان وتقلد عنه القول بالجبر. ومع الأيام صار مصطلح الجبرية أشبه بالعلم على الجهم وأتباعه، واختلط على كثير من الدارسين لقب الجهمية ولقب الجبرية، وغدا أحدهما حيث أطلق يدل على المعنى نفسه الذي يدلّ عليه الآخر خاصة فيما يتعلق بمسألة أفعال العباد والقول بالقدر.
    وثمة قول يفيد أن مقالة الجبر ظهرت لما أظهر المعتزلة مقالتهم في نفي القدر وأن الإنسان يخلق أفعاله مستقلاً بقدرته الحادثة عن قدرة الربّ سبحانه، وأنه يستطيع بقدرته أن يفعل الشيء وضدّه بحريته وإرادته المطلقة. فظهرت مقالة الجهم بالجبر المطلق في مقابل قول المعتزلة بالحرية المطلقة.
    وكان الجهم كاتباً للحارث بن سريج التميمي في خراسان، حمل السلاح وقاتل السلطان وخرج مع الحارث بن سريج على الوالي الأموي نصر بن سيّار في آخر زمان بني مروان وقتله سلم بن أحوز المازني عامل نصر على الشرطة بمرو بسبب خروجه. وكان أوّل ظهور نحلته في ترمذ ثم نهوند ثم تحوّل قوم من أتباعه إلى مذهب الأشاعرة بعد مدّة.
    كان الجهم وأنصاره يقولون: إنه لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه لأن ذلك يقضي تشبيهاً. فنفوا كونه حياً عالماً، وأثبتوا كونه: قادراً فاعلاً خالقاً لأنه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق. وهم قد وافقوا المعتزلة في نفي الصّفات الأزلية وزادوا عليهم أشياء فهم يؤولون الصفات ويجنحون إلى التنزيه البحت.
    ويقولون إن الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، وإنما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، ويخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات. وتنسب إليه الأفعال مجازاً كما تنسب إلى الجمادات كما يقال: أثمرت الشّجرة، وجرى الماء، وتحرّك الحجر، وطلعت الشمس، وغربت، وتغيمت السماء، وأمطرت واهتزّت الأرض، وأنبتت. فالفعل في حقيقته ليس مخلوقاً بقدرته، وإنما هو مخلوق بقدرة الله القديمة. فالقضاء الإلهي قد سبق بكل أفعال الإنسان، الخيّر منها والشرير، الحسن والقبيح، ولا اختيار لما سبق به القضاء والإنسان مسخَّر لتنفيذ القضاء الإلهي السابق في أفعاله. ويقولون إن الثواب والعقاب جبر كما أن الأفعال كلّها جبر. وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضاً جبر.
    وتعتقد الجهمية بالمشيئة الإلهية المطلقة والقدرة الإلهية المطلقة العارية عن الحكمة، وأن التوحيد الخالص لا يكون إلاّ بالإيمان بمطلق المشيئة الإلهية ونفي إرادة العبد واختياره.
    وتعتقد أن حركات أهل الخُلْدين تنقطع، وأن الجنة والنّار تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما وتلذّذ أهل الجنة بنعيمها، وتألم أهل النار بجحيمها. وحملت قوله تعالى «خالدين فيها» على المبالغة والتأكيد دون الحقيقة في التخليد، فيكون معنى التخليد في الآية طول المكث وبعد الفناء لا مطلق البقاء لأن السّرمديّة لله وحده. وتقول الجهمية إن من أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده، لأن العلم والمعرفة لا يزولان بالجحد، فهو مؤمن والإيمان هو المعرفة والكفر هو الجهل، والإيمان لا يتبعّض أي لا ينقسم إلى عقد وقول وعمل ولا يتفاضل أهله فيه أنبياءً كانوا أم عامة، ويكون في القلب. وهكذا فالجهمية توافق المرجئة في هذا، وتوافق المعتزلة في نفي الصفات وخلق القرآن، فكلام الله حادث وليس بقديم، لأن الكلام من صفات الإنسان المخلوق ولا يمكن أن يكون الله متكلماً لأن من اتّصف بصفة الكلام وجب أن تكون له آلة الكلام فيكون مشابهاً للحوادث ومحال على الله تعالى مشابهة الحوادث لأنه قديم أزليّ، ولو كان القرآن قديماً لكان شريكاً لله في القدم، ولذلك فهو مخلوق محدث.
    وكتب المقالات تورد مقالات الجبرية المجمع عليها كما يلي:
    1- الإيمان بالقضاء السابق وهو يحمل معنى جبر الإنسان على الفعل بالقدرة القديمة وأن قدرة الإنسان الحادثة لا أثر لها في فعله.
    2- القول بنفي الأسباب والعلل الطبيعية والحكمة في الأفعال الإلهية. فالله تعالى لم يفعل شيئاً لشيء ولم يفعل شيئاً بشيء، لأن الفعل لعلة دليل نقص وحاش لله أن يكون كذلك، وهو لا يسأل عن علّة أفعاله ولا عن حكمة أفعاله.
    3- ولهذا نفت الجهمية أن يكون في القرآن «فاء السببية» أو «لام التعليل» وقال الجهميّون عنهما في الآية }ألم تر أن الله أنزل من السّماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها{ (فاطر35) وفي الآية: }وما خلقت الجن والإنس إلاً ليعبدون{ (الذاريات 56). إنهما تفيدان المصاحبة والاقتران لا السببيّة والتعليل.
    4- القول بتكليف ما لا يطاق، وأن الله تعالى قد يعذب المطيع ويثيب العاصي لأنه يفعل في ملكه ما يشاء.
    5- القول إن الإرداة الإلهية والمشيئة الإلهية والمحبة الإلهية شيء واحد فكل ما يقع في الكون من أفعال العباد، الحسن والقبيح، الخيّر والشرير مراد ومحبوب لله لأنه بمشيئته.
    6- الأفعال في ذاتها ليست قبيحة ولا حسنة، وإنما تحسن وتقبح بأمر الشرع بها أو نهيه عنها.
    7- نفي الصّفات الإلهية وجعلها عين ذاته تعالى.
    8- نفي أن يطلق على الله لفظ شيء.
    ثانياً- الجبرية المتوسطة: وهي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً. واستطاعة العبد لا تؤثر في الفعل أو الترك ولا تصلح لفعل الضدّين، وهي مناط التكليف بالأوامر الشرعية.
    ثالثاً- جبرية الكسب: وأصحابها هم الذين يثبتون للقدرة الحادثة أثراً ما في الفعل، ويسمون ذلك «كسباً»، ومنهم الأشاعرة (أنصار مذهب أبي الحسن الأشعري) الذين يثبتون للعبد قدرة على الفعل ويسمونها كسباً، ويفضلون استعمال لفظ الكسب لأنه قرآني. فقد ذكر القرآن لفظ الكسب مقروناً بفعل العبد كما في الآية: }لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت{ (البقرة286) و}كل نفس بما كسبت رهينة{ (المدثر38)، }بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته{ (البقرة81). ويقولون إن الإنسان كاسب لأفعاله ولا يقولون خالق لها لأن الخلق صفة للربّ سبحانه فهو خالق كل شيء.
    والكسب عند الأشاعرة هو مباشرة القدرة الحادثة لمقدورها، ويقولون إن الفعل الإنساني يقع عند مقاربة القدرة للفعل ولا يقع الفعل بها. والمعتزلة يعدون الأشاعرة من جملة الجبرية لأن قولهم بالكسب لا يجعل لقدرة الإنسان أثراً في الفعل، والفعل عندهم واقع بالقدرة الإلهية القديمة وهو قول يؤدي في النهاية إلى القول بالجبر. ولذلك كان يضرب المثل «بالكسب الأشعري» للقول الضعيف فيقال عنه إنه أوهى من كسب الأشعري.
    وسلف السنّة يشاركون المعتزلة في تسمية الأشاعرة أحياناً بالجبرية وأحياناً أخرى بالجهمية لأخذهم بمقالة الجهم في الجبر ونفي الصفات الإلهية.

    محمد السيد الجليند، هيثم غرة، يوسف الأمير علي
يعمل...
X