جراجمه
Al-Jarajemah - Al-Jarajemah
الجراجمة
الجراجمة قوم من النصارى كانوا يعيشون في الجرجومة، مدينة على جبل اللكام (الأمانوس) بالثغر الشامي فيما بين بيّاس وبوقة قرب أنطاكية، ويطلق المؤرخون البيزنطيون عليهم اسم المَرَدة (Maradaites) وكانوا تابعين لبطريرك أنطاكية وواليها قبل الفتح الإسلامي. وحين غزا حبيب بن مسلمة الفهري الجرجومة سنة 15هـ/636م لم يقاتله أهلها، وبادروا إلى طلب الأمان والصلح، فصالحوه على أن يكونوا أعواناً للمسلمين وعيوناً ومسالح في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية وأن يُنَفَّلوا أسلاب من يقتلون من أعداء المسلمين إذا حضروا حرباً في مغازيهم، ولكن الجراجمة كانوا يستقيمون للولاة مرة وينقضون العهد أخرى فيكاتبون الروم ويمالئونهم، وقد استغل الإمبراطور جستنيان الثاني (65-76هـ/685-695م) البلبلة الداخلية التي أثارتها حركة عبد الله بن الزبير، فأرسل خيلاً للروم إلى جبل اللكام وعليها قائد من قواده، فانضم إليه جماعة كبيرة من الجراجمة والأنباط وعبيد أُبّاق من عبيد المسلمين وتوجهوا إلى لبنان، فاضطر عبد الملك أن يصالحهم على ألف دينار كل جمعة وصالح طاغية الروم على مال يؤديه لانشغاله عن محاربته وتخوفه من أن يخرج جستنيان ويستولي على مناطق من بلاد الشام.
فلما قضى عبد الملك على فتنة عمرو بن سعيد بن العاص، وعلى مصعب بن الزبير والي العراقين لأخيه عبد الله بن الزبير سنة 72هـ/691م، أرسل القائد سحيم بن المهاجر الذي استطاع بالخديعة أن يقضي على القائد الرومي ومن معه من الروم، ثم نادى في سائر من ضوى إليهم بالأمان، فتفرق بعض الجراجمة في قرى حمص ودمشق، ورجع أكثرهم إلى اللكام، ويرد في تاريخ تيوفانس المؤرخ البيزنطي أن جستنيان نقل 12 ألفاً من المردة وأسكنهم آسيا الصغرى إنفاذاً للمعاهدة التي عقدها مع عبد الملك بن مروان سنة 69-70هـ/688-689م والتي نصت على أن يدفع عبد الملك ألف دينار وحصاناً وعبداً عن كل أسبوع في السنة، وعلى اقتسام ما يجبى من أرمينية وقبرص مقابل تعهد جستنيان بنقل المردة، وقد وجه المؤرخ تيوفانس نقداً شديداً لأعمال جستنيان وعد نقل الجراجمة من جبل اللكام خطأ سياسياً فادحاً لأنه برأيه جعل الحدود الشرقية للإمبراطورية البيزنطية مفتوحة أمام العرب وقضى على الجدار الحديدي الذي يصون آسيا الصغرى.
في سنة 89هـ/707م اجتمع إلى الجراجمة قوم من الروم من الإسكندرونة ورودس، فوجه إليهم الوليد بن عبد الملك أخاه مسلمة بن عبد الملك، فافتتح مدينة الجرجومة وقام بتخريبها حتى لا يعود الجراجمة إلى ممالأة الروم، وأسكنهم جبل الحَوّار قرب حلب، وعمق تيزين (تيزين قرية كبيرة من نواحي حلب) وصار بعضهم إلى حمص، ونزل بِطْريق الجرجومة في جماعة معه أنطاكية ثم هرب إلى بلاد الروم.
منح مسلمة الجراجمة امتيازات عدة مما يدل على رغبته في أن يتألفهم، فقد أجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير وعلى أسرهم القوت من القمح والزيت وعلى أن لا يكرهوا هم وأولادهم ونساؤهم على ترك النصرانية، ولم يكرههم أن يلبسوا لباس المسلمين ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم الجزية، وأن يُنفَّلوا أسلاب من يقتلونهم مبارزة إذا غزوا مع المسلمين، وأن يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال المسلمين.
يستنتج من هذا النص استعانة المسلمين بالجراجمة مقابل إسقاط الجزية عنهم، وأنهم عوملوا معاملة المسلمين مما يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم، ولكن يبدو أن بعض الولاة في العصر العباسي ألزم الجراجمة بأنطاكية جزية رؤوسهم فرفعوا ذلك إلى الخليفة الواثق (200-232هـ/815-847م) فأمر بإسقاطها، أما المتوكل (232-247هـ/847-861م) فإنه أمر بأخذ الجزية من هؤلاء الجراجمة على أن تُجرى عليهم الأرزاق إذا كانوا ممن يستعان بهم في المسالح وغيرها، ويذكر فيليب حتي في كتابه «تاريخ العرب المطول» أن الجراجمة الذين بقوا في البلاد كانوا عنصراً من العناصر التي تألف منها الموارنة المعروفون اليوم في شمالي لبنان.
نجدة خماش
Al-Jarajemah - Al-Jarajemah
الجراجمة
الجراجمة قوم من النصارى كانوا يعيشون في الجرجومة، مدينة على جبل اللكام (الأمانوس) بالثغر الشامي فيما بين بيّاس وبوقة قرب أنطاكية، ويطلق المؤرخون البيزنطيون عليهم اسم المَرَدة (Maradaites) وكانوا تابعين لبطريرك أنطاكية وواليها قبل الفتح الإسلامي. وحين غزا حبيب بن مسلمة الفهري الجرجومة سنة 15هـ/636م لم يقاتله أهلها، وبادروا إلى طلب الأمان والصلح، فصالحوه على أن يكونوا أعواناً للمسلمين وعيوناً ومسالح في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية وأن يُنَفَّلوا أسلاب من يقتلون من أعداء المسلمين إذا حضروا حرباً في مغازيهم، ولكن الجراجمة كانوا يستقيمون للولاة مرة وينقضون العهد أخرى فيكاتبون الروم ويمالئونهم، وقد استغل الإمبراطور جستنيان الثاني (65-76هـ/685-695م) البلبلة الداخلية التي أثارتها حركة عبد الله بن الزبير، فأرسل خيلاً للروم إلى جبل اللكام وعليها قائد من قواده، فانضم إليه جماعة كبيرة من الجراجمة والأنباط وعبيد أُبّاق من عبيد المسلمين وتوجهوا إلى لبنان، فاضطر عبد الملك أن يصالحهم على ألف دينار كل جمعة وصالح طاغية الروم على مال يؤديه لانشغاله عن محاربته وتخوفه من أن يخرج جستنيان ويستولي على مناطق من بلاد الشام.
فلما قضى عبد الملك على فتنة عمرو بن سعيد بن العاص، وعلى مصعب بن الزبير والي العراقين لأخيه عبد الله بن الزبير سنة 72هـ/691م، أرسل القائد سحيم بن المهاجر الذي استطاع بالخديعة أن يقضي على القائد الرومي ومن معه من الروم، ثم نادى في سائر من ضوى إليهم بالأمان، فتفرق بعض الجراجمة في قرى حمص ودمشق، ورجع أكثرهم إلى اللكام، ويرد في تاريخ تيوفانس المؤرخ البيزنطي أن جستنيان نقل 12 ألفاً من المردة وأسكنهم آسيا الصغرى إنفاذاً للمعاهدة التي عقدها مع عبد الملك بن مروان سنة 69-70هـ/688-689م والتي نصت على أن يدفع عبد الملك ألف دينار وحصاناً وعبداً عن كل أسبوع في السنة، وعلى اقتسام ما يجبى من أرمينية وقبرص مقابل تعهد جستنيان بنقل المردة، وقد وجه المؤرخ تيوفانس نقداً شديداً لأعمال جستنيان وعد نقل الجراجمة من جبل اللكام خطأ سياسياً فادحاً لأنه برأيه جعل الحدود الشرقية للإمبراطورية البيزنطية مفتوحة أمام العرب وقضى على الجدار الحديدي الذي يصون آسيا الصغرى.
في سنة 89هـ/707م اجتمع إلى الجراجمة قوم من الروم من الإسكندرونة ورودس، فوجه إليهم الوليد بن عبد الملك أخاه مسلمة بن عبد الملك، فافتتح مدينة الجرجومة وقام بتخريبها حتى لا يعود الجراجمة إلى ممالأة الروم، وأسكنهم جبل الحَوّار قرب حلب، وعمق تيزين (تيزين قرية كبيرة من نواحي حلب) وصار بعضهم إلى حمص، ونزل بِطْريق الجرجومة في جماعة معه أنطاكية ثم هرب إلى بلاد الروم.
منح مسلمة الجراجمة امتيازات عدة مما يدل على رغبته في أن يتألفهم، فقد أجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير وعلى أسرهم القوت من القمح والزيت وعلى أن لا يكرهوا هم وأولادهم ونساؤهم على ترك النصرانية، ولم يكرههم أن يلبسوا لباس المسلمين ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم الجزية، وأن يُنفَّلوا أسلاب من يقتلونهم مبارزة إذا غزوا مع المسلمين، وأن يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال المسلمين.
يستنتج من هذا النص استعانة المسلمين بالجراجمة مقابل إسقاط الجزية عنهم، وأنهم عوملوا معاملة المسلمين مما يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم، ولكن يبدو أن بعض الولاة في العصر العباسي ألزم الجراجمة بأنطاكية جزية رؤوسهم فرفعوا ذلك إلى الخليفة الواثق (200-232هـ/815-847م) فأمر بإسقاطها، أما المتوكل (232-247هـ/847-861م) فإنه أمر بأخذ الجزية من هؤلاء الجراجمة على أن تُجرى عليهم الأرزاق إذا كانوا ممن يستعان بهم في المسالح وغيرها، ويذكر فيليب حتي في كتابه «تاريخ العرب المطول» أن الجراجمة الذين بقوا في البلاد كانوا عنصراً من العناصر التي تألف منها الموارنة المعروفون اليوم في شمالي لبنان.
نجدة خماش