(الرَّصد بالصدى – Echolocation) هى عملية إرسال موجات ومُعالجة صداها المُرتد عن الأجسام لتحديد موقعها، حجمها، أو نوعها.
في الأغلب يرتبط الرصد بالصدى بالخفافيش والدلافين.
تستطيع الخفافيش تحديد المسافة بينها وبين جسم ما بدقة عالية، فقد تميِّز مسافتين الفارق بينهما سنتيميتر واحد، وهو أمر ضروري في عملية صيد الحشرات في الهواء.
تحدد الخفافيش المسافة وفقًا للتأخير في الوقت بين إرسال واستقبال الموجة.
من المذهل أن البشر أيضًا يستطيعون استخدام الرصد بالصدى بافتعال أصوات نقر/ طقطقة من الفم، وعند الاستماع للموجات الصوتيَّة المرتدة يمكنهم تحديد ما يحيط بهم.
بالطبع لا يستطيع البشر سماع الموجات فوق الصوتية، مما يمثل عائقًا. على الرغم من ذلك، قام البعض بتدريب أنفسهم حتى وصلوا لمستوى استثنائي. على سبيل المثال، دانييل كيش رغم إصابته بالعمى، يستطيع قيادة دراجته على أسطح مختلفة، والسفر لمدن غير مألوفة.
كيش أطلق مؤسسة خيرية لتعليم الرصد بالصدى بجانب مهارات أخرى كاستخدام عصا المكفوفين الطويلة.
اكتسب الرصد بالصدى اهتمامًا منذ 2011، فبعد مسح أدمغة مجموعة أشخاص يجيدون الرصد بالصدى، أشار أحد الأبحاث إلى أن المصابون بالعمى منهم استخدموا أجزاء خاصة بالبصر من أدمغتهم لمعالجة واستنتاج معلومات من الموجات المرتدة.
وُجِد أيضًا أن أيًا ممن يمتلكون حاسة سمع طبيعية يستطيع تعلم الرصد بالصدى لتحديد أحجام، مواقع أو المسافات للأجسام. أو حتى استخدامها في تفادي العوائق أثناء السير.
أظهر باحثون من جامعة رادبورد بهولندا أن مجموعة من المُبصرين استطاعوا استخدام الرصد بالصدى لتحديد أحجام الأجسام، وأن نجاحهم في الاختبارات كان متعلقًا بقدرتهم على الانتباه.
هذه النتيجة لها دلالة مهمة لأن القدرة على الانتباه لها علاقة بأشكال أخرى من التعلم، فمعرفة العلاقة بين القدرة على الانتباه وتعلم الرصد بالصدى قد يكون مفيدًا في وضع البرامج التدريبية.
أُشير للرصد بالصدى في أولى أيامه – بأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي – بمصطلح “الرؤية الوجهيـِّة” أو “الإحساس بالعوائق”.
لم يعرف العلماء يقينًا كيف كان يحدث، فهناك من اعتقد بوجود قدرة لبعض المصابين بالعمي على تحديد التغييرات الطفيفة في ضغط الهواء على بشرتهم، عند اقترابهم من حائط أو عائق ما.
أوضحت فيما بعد سلسلة من التجارب أن المصابين بالعمى كانوا في الواقع يستمعون للأصوات المرتدة عن الأسطح المحيطة.
كما أظهر بحث لاحق قدرة البشر على القيام بالعملية – سواء امتلكوا حاسة البصر أو لا – طالما كانوا قادرين على السمع.
وُجِّهت الأبحاث فيما بعد لتحديد العوامل المُتحكمة في حجم استفادة المُتدرِّب من التدريب على الرصد بالصدى.
أول العوامل المٌقترحة كانت النواحي المتعلقة بالسمع، فكان من المُسلَّم به أن حاسة سمع طبيعية هي مطلب أساسي للتعلم. تبقى بالرغم من ذلك سؤالًا للإجابة عليه: هل القدرة على السماع بشكل أفضل لبعض الترددات أو التغير في شدتها قد يتحكم بعمليَّة التعلم؟ لم تظهر عوامل واضحة من الدراسات التي أٌجريت.
في بحث لاحق ركَّز على النواحي المعرفية، وُجِد أن قُدرة المُبصرين على استخدام خيالهم (مثل تخيُّل صور بالعقل) كانت مرتبطةً بقدرتهم على تعلم الرصد بالصدى لتحديد أحجام الأجسام.
أكدت ورقة بحثيّة في هذا المجال إمكانية تعلُم الرصد بالصدى، وأن قدرة الناس على الانتباه قد تكون العامل المؤثر في اكتساب هذه المهارة.
حتى الآن، البحوث المُتعلقة بالعوامل المعرفية المؤثرة على تعلم الرصد بالصدى مقصورة على المُبصرين، بالرغم من أن فقد البصر مُصاحب لتغييرات سلوكية وعصبية عديدة.
لا زلنا بحاجة للمزيد من الأبحاث لتحديد إذا كانت العوامل المؤثرة على تعلم الرصد بالصدى للمبصرين هي نفسها للمصابين بالعمى.
هناك الكثير من المصابين بالعمى في العالم، معرفة المزيد عن كيفية تعلمهم للرصد بالصدى وكيف يؤثر عليهم سيجيب أسئلة عن كيفية تأقلم الدماغ مع فقدان البصر، بالإضافة لتقديم وسيلة جديدة لفاقدي البصر للتعامل مع مُحيطهم.