اسماعيليه
Ismailism - Ismaélisme
الإسماعيلية
الإسماعيلية فرقة من الشيعة تفرعت عن حركة التشيع منذ سنة 148هـ/ 765م، وظلت تنمو في اتجاهات متعددة عقائدية وسياسية واجتماعية متباينة. وقد تميز كل اتجاه منها باستقلال ذاتي مع ارتباطه بجذوره التاريخية.
ظهرت هذه الفرقة بعد وفاة الإمام جعفر الصادق (80-148هـ/ 699-765م) بسبب خلاف حول شرعية من يخلفه في الإمامة. وكان جعفر قد نص على إمامة ولده إسماعيل من بعده، بيد أن إسماعيل توفي في المدينة المنورة في حياة أبيه ـ في أكثر الروايات ـ سنة 143هـ/ 760م ودفن في البقيع ونظم بوفاته محضر شهده أمير المدينة، وقد اختار الإمام جعفر أن يحل محله في الإمامة ابنه الثاني موسى الكاظم (127-183هـ/ 745- 799م) وقبل جمهور الشيعة بهذا الترتيب وسار عليه، وامتنعت فئة منهم لم تسلّم بصحة نزع الإمامة من إسماعيل أو انتقالها إلى موسى لأنه لا يجوز انتقال الإمامة من أخ إلى أخيه بعد الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ويكون انتقالها ـ أي الإمامة ـ إلى الأبكار من الذكور، وبذلك يكون الإمام بعد وفاة إسماعيل ابنه محمداً وورثته من بعده وهؤلاء هم الإسماعيلية. وتعد الإسماعيلية من الفرق الباطنية لاستنادها إلى التأويل والفلسفة، فهي فرقة شيعية إمامية علوية فاطمية باطنية.
وقد شهدت الإسماعيلية منذ نشأتها انشقاقات متتابعة ولدت طوائف وجماعات عدة انفصل بعضها عن جسم الفرقة انفصالاً تاماً، ونهج بعضها الآخر نهج الإسماعيلية مع إدخال بعض التعديل والتغيير في النظم والمذهب. ولتعدد أسماء الإسماعيلية وتباين نعوتها وكثرة شعبها وفروعها أسباب كثيرة فرضتها المعطيات التاريخية التي ربطت بينها أواصر الدعوة، وفرقت شملها ملابسات الوقائع وإرادات الأشخاص وتأويلاتهم، وكانت طوائفهم في البدء على مذهب أئمتهم في الأصول، ثم لما اختلفت الروايات عن الأئمة وتمادى الزمان اختارت كل طائفة منهم طريقها. وقد يكون من الصعب، لأسباب كثيرة، تتبع الصيغ المتباينة التي اضطلع بها النشاط الإسماعيلي الرامي إلى تحقيق نجاح سياسي مواكب للعقيدة المذهبية، بيد أنه من الجائز لمُّ شعث هذا المسعى الوسيع في وقائع سبقت قيام الدولة الفاطمية الإسماعيلية ثم واكبتها وتلتها وما زالت إلى اليوم.
الدعوة الإسماعيلية وتفرعاتها
انطلقت حركة التشيع من أن الخلافة والإمامة حق لعلي بن أبي طالب ولذريته من أولاد فاطمة بنت محمد r. ويستند أنصار هذه الحركة ومنظروها إلى نص صريح يقولون إنه أعلن جهاراً في غدير خم. وقد ناضل أبناء علي وأحفاده من أجل هذا الحق ودفعوا في ذلك ثمناً باهظاً، واتفقوا على تتابع الإمامة بعد علي في ابنيه من فاطمة الزهراء الحسن ثم الحسين، ثم في زين العابدين علي بن الحسين ثم في محمد الباقر بن علي ثم في جعفر الصادق بن محمد وهو الإمام السادس. واتفقوا كذلك على أن تنتقل الإمامة بالنص الصريح من الإمام إلى أحد أبنائه. وقد سمى جعفر ابنه إسماعيل إماماً من بعده، ولكنه رأى بعد وفاة إسماعيل المبكرة أن يسوق الإمامة إلى موسى الكاظم ولم تقبل فئة من أنصار إسماعيل بهذا الحل. فأنكرت جماعة من تلك الفئة وفاة إسماعيل في حياة أبيه وقالت «إن أباه خاف عليه فغيبه» كي لا يقع في أيدي العباسيين، وإن إسماعيل هو الإمام السابع وقد توقفت الإمامة عنده وهؤلاء هم الواقفية. وقال آخرون إن محمد بن إسماعيل هو الإمام السابع وقد انتقلت الإمامة إليه بالإرث لأن إسماعيل مات في حياة أبيه وإنما فائدة النص على إسماعيل انتقال الإمامة منه إلى ولده لأنه لا يجوز الرجوع عن النص وهؤلاء هم المباركية نسبة إلى المبارك مولى إسماعيل. وأنكرت طائفة ثالثة موت محمد بن إسماعيل في دور الستر الذي بدأ به فسمي «مكتوماً»، وقالت إنه سابع الأئمة وآخرهم وقد تم دور السبعة به فسمي «تاماً» وإنه سوف يعود يوم الحساب ليملأ الأرض عدلاً، وهؤلاء هم السبعية. وشذت جماعة أخرى عرفت باسم القرامطة [ر] وكانت على مذهب المباركية ثم خالفتهم وقالت لا يكون بعد محمد النبي r إلا سبعة أئمة. وإن محمد بن إسماعيل هو الإمام القائم المهدي وآخر أولي العزم، ومعنى القائم عندهم أنه يبعث بالرسالة وبشريعة جديدة. أما أولو العزم فسبعة وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعلي ومحمد بن إسماعيل، وذلك يضاهي أن السماوات سبع والأرضين سبع. أما جمهور الإسماعيلية فقال باستمرار الإمامة وانتقالها في ذرية إسماعيل إلى يوم الدين. ولأن العباسيين كانوا جادين في الإيقاع بورثة علي من آل البيت وبأتباعهم فقد أخذت الإسماعيلية «بالتقية» وأمرت أتباعها بالتخفي والاستتار إلى أن يحين الوقت المناسب.
ابتدأ دور الستر بالإمام محمد بن إسماعيل الذي اختفى عن الأنظار وراح يتنقل من بلد إلى آخر خشية الملاحقة. فقصد الري وجبل دماوند (دنباوند) وأقام بعد طول تجوال في قرية هناك سميت فيما بعد «محمد آباد»، وتكاد أكثر مصادر الإسماعيلية تجمع على أن مقامه الأخير كان بالأهواز. وقد نشأت في هذا الدور كذلك نظرية الإمام المستقر والإمام المستودع التي قال بها معتدلو الإسماعيلية ممن لم يعترض على إمامة موسى بن جعفر في حياة أبيه، ووصفوه بأنه إمام مستودع شأنه شأن الحسن بن علي بن أبي طالب الذي لم يورث الإمامة أبناءه وورثها الحسين سيد الشهداء الإمام المستقر الذي أورث ابنه علي بن الحسين زين العابدين الإمامة. وكذلك حال إسماعيل بن جعفر الذي أورث الإمامة ولده محمداً.
إن الحديث عن أئمة دور الستر شاق عسير، لأن هذه المرحلة تنطوي على غموض شديد. ويندر العثور على مؤرخ من غير الإسماعيلية اهتم بأمر هؤلاء في هذه الحقبة، وأما كتّاب الإسماعيلية فكانوا يتحدثون عنهم رمزاً من غير تصريح ويسمون إمامهم إمام الزمان بسبب التكتم الشديد الذي فرضه الأئمة ونوابهم وحججهم ودعاتهم عملاً بمبدأ التقية وخوفاً من بطش أولي الأمر في السلطة. وكثيراً ما كان الأئمة يتخذون أسماء مستعارة، ويتسمى بها نوابهم ورؤساء دعاتهم ويتفرقون في البلاد إمعاناً في التغطية فلا يعرف أيهم الإمام ولا أين يقيم إلا قلة موثوقة. وكان الاتصال بالإمام لا يتم إلا عن طريق من ينوب عنه الذي سموه «الحجة» أو الحجاب، ويليه في المرتبة رؤساء الدعاة المسؤولون عن الأقطار، وكان هؤلاء يرسلون الدعاة الملحقين بهم لنشر الدعوة في أرجاء البلاد متخفين في أزياء التجار والدراويش والمتصوفة ورجال الدين، ولكل داعية منهم أتباع يتدرجون في المراتب والدرجات بتنظيم دقيق وترتيب محكم.
ظل أئمة الإسماعيلية مستترين حتى ظهور عبيد الله المهدي مؤسس الدولة العبيدية الفاطمية. وتوالى على منصب الإمامة في دور الستر، كما تتفق أكثر الروايات، أربعة أئمة.
بيد أن هذه الروايات تختلف في ترتيب هؤلاء الأئمة وفي أسمائهم وتواريخ وفياتهم، وتتفق كلها على أن أولهم محمد بن إسماعيل ووفاته بالأهواز سنة 193هـ/ 809م، وأنه أوصى بالإمامة من بعده لابنه، وهو عبد الله الرضي (في أكثر المصادر) الذي انتقل بالدعوة إلى بلدة سلمية في سورية سنة 208هـ واتخذها دار هجرته وشرع في تنظيم شؤون الدعوة بحذر شديد، وكان يدعو الأنصار والمستجيبين إلى سلمية لتدريبهم وتفقيههم في المذهب حتى غصت البلد بهم وتحولت إلى مركز إشعاع ديني إسماعيلي المذهب. ونبغ من الدعاة نفر بلغوا أعلى المراتب في سلم الرئاسة، وكان لهم شأن في نشر الدعوة، من جهة، وفي الانشقاقات الكثيرة التي حدثت بعد ذلك في جسم الحركة الإسماعيلية، من جهة أخرى