جبال
Orogenesis - Orogenèse
الجبال
الجبل هو ما علا من سطح الأرض واستطال وجاوز التل ارتفاعاً. وجغرافياً هو التضريس الأشد ارتفاعاً مما حوله وجاوز علوه النسبي 600م، وهناك رأي يقول 300م، وكانت مساحة قمته أصغر من مساحة قاعدته، وسفوحه ذات انحدارات شديدة، تخدده الأودية وتجزئه. والجبل أعلى من الأكَمَة، والأكمة أعلى من التل، والتل أعلى من الرابية وهي أخفضها. وقد يسمى الجبل تلاً، والتل جبلاً لدى العامة والبدو تجاوزاً.
أنواع الجبال
تنتظم جبال العالم في ثلاثة أنواع هي: الجبال المنفردة، والسلاسل الجبلية، والأحزمة الجبلية.
تكثر الجبال المنفردة في المناطق البركانية، وفي البقاع التي تعرضت للحت، أما السلاسل الجبلية فهي أشرطة طويلة تمتد عشرات ومئات الكيلومترات، في حين تتألف الأحزمة الجبلية من سلاسل متصلة وتمتد آلاف الكيلومترات، أكبرها الحزام الألبي ـ الهيمالائي، والحزام الأنديزي، وحزام سلاسل آسيا الوسطى، وحزام هوامش المحيط الهادئ.
ويغلب على الجبال السلاسل والأحزمة توزعها على هوامش القارات وسواحلها، ففي الوطن العربي تقع أهم الجبال على سواحل البحر المتوسط، مثل جبال بلاد الشام والأطلس في المغرب العربي وعلى جانبي البحر الأحمر وخليج عدن، ثم جبال عُمان، وفي أسترالية تمتد جبال الألب الأسترالية على سواحلها الشرقية، وفي أمريكة الجنوبية على سواحلها الغربية، وفي أمريكة الشمالية على سواحلها الغربية والشرقية، وفي آسيا الصغرى على سواحلها الجنوبية والشمالية. ولا تبعد جبال الألب والبيرينه في أوربة عن البحار كثيراً، بل تساير السواحل في إيطالية والبلقان. وهناك سلاسل جبلية مهمة داخل القارات ولاسيما في أوراسية مثل جبال الكاربات والأورال والقفقاس وسلاسل آسيا الوسطى وحول هضبة التبت وامتدادها نحو جنوب شرقي آسيا، وفي إفريقية توجد كتل جبلية في قلب الصحراء مثل جبال الأحجار وتيبستي.
تكون الجبال orogenesis
تحتوي القارات على نوعين من الوحدات البنيوية، أولهما كتلة من الصخور القديمة، يعود تاريخها إلى ما قبل الكمبري، تتألف من صخور استحالية ونارية تترافق أحياناً مع صخور رسوبية، تعد النواة الأولية للقارات وتعرف بالدروع القارية continental shields. وقد لوحظ احتواء الدروع القارية على بنيات اللابات الوسائدية pillow lavas التي تترافق معها «رواسب» صوانية كيميائية المنشأ، وهي تدل على أن الصخور الأولية للقارات تكونت من اندفاعات بركانية تحت البحر.
أما النوع الثاني، فيتألف من تشكيلات رسوبية ونارية وبركانية، يؤلف معظمها كتلاً جبلية ناهضة تحيط بالدروع القارية، وتزداد حداثة بالابتعاد نحو البحر.
وتختلف الجبال في المنشأ والهيئة والحجم والطبيعة الصخرية، ويصعب تصنيفها. ويمكن، بالاعتماد على هيئاتها الإفرادية المرتبطة بأسباب النشوء، أن تصنف في مجموعات ثلاث هي: الجبال البركانية volcanic mountains وجبال الكتل الصدعية fault block mountains (أو الجبال الفالقية أو الانكسارية) والجبال الالتوائية fold mountains (أو الطيّات الجبلية) (الشكل-1). وتعد جبال الطي أكثر أنواع الجبال أهمية وانتشاراً، وتنشأ من انضغاط أحزمة طولانية ونهوضها، وتمتاز بأنها ذات هيئات بنيوية ومظاهر مشتركة توحي بأنها قد مرت في مراحل تاريخية متماثلة، وتدعى المنظومات الجبلية.
نظريات تكوُّن المنظومات الجبلية
استحوذ تطور منظومات الجبال وتكونها على اهتمام العلماء، وكانت موضوعاً لكثير من الدراسات التي تضمنت نظريات عدة أهمها نظريتان: الأولى قديمة، وتفترض تطور الجبال في مقعرات جيولوجية geosynclines تتراكم فيها رواسب كثيرة، مع حدوث هبوط تدريجي في قاعها، يلي ذلك خضوعها لحركات جانبية ضاغطة، فهي إذن تفترض حدوث حركات شاقولية (رأسية) وأخرى جانبية، في القشرة الأرضية، الأولى ثقالية تسبب الهبوط subsidence والثانية تمددية ضاغطة، تسبب التشوه والنهوض، وكان أول من وصفها العالم دانا Dana عام 1813 في أثناء دراسته لجبال الأبالاش. وكانت هذه النظرية تتفق مع الاتجاه الفكري الذي يفترض أن القارات والمحيطات هيئات قديمة وثابتة للقشرة الأرضية.
أما النظرية الثانية فهي حديثة وتحليلية شاملة، وضعت وفق معطيات الدراسات الحديثة ومفاهيم تكتونية الصفائح[ر] التي تشرح المراحل التاريخية لتطور القارات والمحيطات. فنشوء المنظومات الجبلية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحركة صفائح الغلاف الصخري، وهو يتم في نطاق هوامش التصادم، حيث تهبط هذه الهوامش تحت صفائح القارات لتنغرز في المعطف، وتتكون من هبوطها خنادق المحيطات التي تصبح مجالاً لتراكم الرواسب فوق أشرطة طولانية هابطة من قشرة الأرض تدعى بالأحزمة الحركية mobile belts.
افترض وجود هذه الأحزمة في أثناء الدراسات التي أُجريت على جبال الأبالاش، وقد لوحظ فيها أن ثخانه رسوباتها الباليوزوية تتجاوز 12000 متر، كما لوحظ أن هذه الرسوبات تتناقص ثخانتها تدريجياً نحو الغرب باتجاه داخل القارة، وتنخفض فيها إلى حدود تبلغ العشر تقريباً. وتشير الدلائل المستحاثية إلى أن توضع معظمها كان في بيئات بحرية غير عميقة، إذ بلغت ثخانتها حداً يفوق كثيراً أعظم الأعماق البحرية، لذلك افترض حدوث الهبوط في هذه الأجزاء من القشرة الأرضية في أثناء التراكم الرسوبي، وكلما ازداد الهبوط حدث تراكم أكبر.
وثمة أماكن كثيرة من القشرة الأرضية تناسب التراكم الرسوبي في الوقت الحاضر، كما توجد أماكن أخرى كانت في الماضي مسرحاً للتراكم، بما في ذلك القارات، لكن ينحصر تطور الأحزمة الحركية بالقرب من حواف الرفوف القارية edges of continental shelves أو قرب أقواس الجزر island arcs (الشكلين 2 و3). وفي مثل هذه الأماكن تقوم القارات وأقواس الجزر بدور المصادر الرئيسية لإمداد الأحزمة الحركية بالرسوبات. وبما أن الأحزمة الحركية في الأنظمة الجبلية هي أشرطة طولانية من الصخور الرسوبية والبركانية المشوهة، فإن أماكنها يجب أن تقع في نطاقات تصادم صفائح الغلاف الصخري، أي بين القارات والمحيطات وبمحاذاة أقواس الجزر.
من أمثلة ذلك، يذكر أن عرض الرف القاري شرق أمريكة الشمالية يبلغ نحو 320 كيلو مترا،ً وهو مغطى برواسب تصل ثخانتها عند حافته الخارجية إلى 5000 متر تقريباً (الشكل -3) وتعود إلى حقبي الميزوزوي والكينوزوي، تتألف من صخور رملية وغضارية وغضارية صفحية وكلسية، أو ما يعادلها من رسوبات غير متصلبة، وهي تتشابه بمجملها مع رسوبات الجزء الداخلي من حزام الأبالاش، باستثناء خلوها من أسافين الحجر الرملي. أما الرسوبات العميقة المتراكمة فوق قشرة المحيط، فهي غضارية ناعمة مشوبة بمواد خشنة انزلقت من الرف القاري، وتفوق ثخانتها في بعض المواقع ثخانة الغطاء الرسوبي فوق الرف القاري.
هبوط الأحزمة الحركية: يُقلل الهبوط التدريجي للأحزمة الحركية من الثخانة الكبيرة لأجزاء من التراكم الرسوبي الثخين، ويعزى ذلك إلى أن صخور القشرة القارية ذات كثافة أقل من صخر المعطف المبطن لها، فهي إذن تطفو فوقه، ولابد للجزء الناهض منها أن يخضع للحت فتقل ثخانته ويميل إلى النهوض، وبالمقابل يميل الجزء الحامل لرواسب متزايدة في الثخانة إلى الهبوط، وفق مبدأ توازن الطفو floating balance أو ما يعرف بالتوازنية isostasy، وعلى هذا يعلل هبوط الأحزمة الحركية بازدياد فعل الثقالة، مع ازدياد التراكم الرسوبي، أي إن معدل الهبوط يتناسب مع معدل التراكم، وبناءً على ذلك، فإن جزءاً مقابلاً من صخر المعطف، تحت القشرة الأرضية الهابطة، يجب أن يزاح ويُضغط جانبياً ليسبب نهوض أجزاء مجاورة.
قد يكون هذا النقاش مقبولاً قبل بضعة عقود، إلا أنه غير مقبول في الوقت الحاضر. فالجزء المعطفي المفترض إزاحته بثقل الرواسب أكثر كثافة من الجزء الهابط. ولذلك لا يمكن أن يزاح من صخر المعطف سوى جزء معادل لوزن تلك الحمولة. وعلى هذا، لا يمكن تعليل مقدار الهبوط في الحزام الحركي كلياً بالتحميل الرسوبي، إذ لابد من مشاركة عوامل ميكانيكية أخرى. فالأحزمة الحركية هي الأجزاء من صفائح الغلاف الصخري التي تخضع للهبوط والانغراس في المعطف جراء التصادم بين الصفائح، وعلى ذلك فهي تُشَدُّ وتُسحَبُ إلى الأسفل بعوامل تختلف عن توازن الطفو. فمثلاً، تعد أجزاء القشرة الأرضية الواقعة بين خنادق المحيطات، وأقواس الجزر في شرقي آسيا نموذجاً حالياً للجزء الخارجي للحزام الحركي. ويعلل هبوط هذا الجزء بالآلية التي تسبب هبوط القشرة الأرضية في خنادق المحيطات.إلا أن التوسع في تعميم هذه السببية على الجزء الداخلي يوقع في ورطة. فالرف القاري إلى الشرق من أمريكة الشمالية هو على الأرجح مثال عن الجزء الداخلي للأحزمة الحركية، فهو يتطور، بعيداً عن خنادق المحيطات وأقواس الجزر، بحالة توازن الطفو مع المعطف المبطن له، وهبوطه يجب أن يكون نتاج عمليات أخرى، فالرفوف القارية العريضة المغطاة برواسب ثخينة تتطور في الوقت الحاضر على حواف صفائح قارية متباعدة، ولكي تعلل أسباب هبوطها يجب التمعن في تتابع مفترض من الأحداث الجيولوجية التي تؤدي إلى انفتاح المحيطات.
حين يصعد تيار ساخن من صخر المعطف إلى أسفل قشرة قارية، فإنه يؤدي إلى تقببها وترققها بالتسخين والشد، وينتهي الشد والترقق في الجزء المقبب إلى تصدعه بفوالق عادية وهبوط أجزائه على امتداد هذه الفوالق (الشكل-4: أ وب)، وتتراكم في الأودية الهابطة منها رواسب كثيرة تنتج من حت جبال الكتل الفالقية الواقعة على جانبيها. ومع تتابع هذه الأحداث تتكسر القشرة القارية إلى جزأين متباعدين، بينهما عرف ridge لمحيط جديد، ويأخذ هذا المحيط بالتوسع من الاندفاعات البركانية المولدة لقشرة المحيط التي يسببها الانصهار الجزئي في صخر المعطف الساخن المتحرر من الضغط. وهكذا يتطور الجزء الداخلي من الحزام الحركي بالشد والترقق والهبوط على امتداد فوالق عادية على جانبي الصفيحتين القاريتين المتباعدتين (الشكل 4- ب). ومع استمرار توسع صفيحتي المحيط المتولدتين على جانبي العرف وتصادمهما مع الصفيحتين القاريتين المتباعدتين تهبط قشرة المحيط تحتهما وتنغرز في المعطف (الشكل 5- أ).
نهوض منظومات الجبال
تتصف هوامش تصادم الغلاف الصخري بأنواع كثيرة من النشاطات، من بينها نوعان لهما أهمية خاصة في نهوض الجبال؛ فالنوع الأول نشاط حراري ينجم من انغراس قشرة المحيطات داخل المعطف وارتفاع حرارتها وحدوث
الانصهار الجزئي المولد للمُهل (الماغمة) التي تندفع على السطح بنشاطات بركانية. أما النوع الثاني فهو نشاط ميكانيكي لهبوط قشرة المحيطات، وانغرازها يؤدي إلى تعمق رواسب المقعر الجيولوجي وانضغاطها وتشوهها بالطي والفوالق العكسية والاستحالة، مما يؤدي تدريجياً إلى نهوضها على شكل منظومات جبلية. وفي العودة إلى تطور المحيطات الحالية، فإن المحيط الأطلسي لا يزال في طور التوسع، وبالتالي يزداد عمق دفن الرواسب المتراكمة في مقعراته الجيولوجية على امتداد حدوده القارية. لقد بدأ تطور هذه المقعرات على امتداد الشواطئ الشرقية لأمريكة الشمالية منذ 200 مليون سنة، إلا أن تطورها على امتداد الشواطئ الشرقية لأمريكة الجنوبية كان متأخراً، لأن انفتاح المحيط الأطلسي كان يتقدم تدريجياً من الشمال إلى الجنوب. وبما أن هبوط قشرة المحيطات تحت هذه المقعرات يشد رواسبها نحو الأسفل كما يدفع بها نحو الحافة القارية ويجعلها عرضةً للتشوه، فإن الأجزاء العميقة من هذه الرواسب تخضع تدريجياً للاستحالة، وتعطي أنواعاً من الصخور الشيستية والغنايسية (الشكل 5- ب). ومع ازدياد التسخين في الصخور القارية العميقة يحصل فيها انصهار جزئي تتولد منه مُهل (ماغمة) ريوليتية (تشبه في تركيبها الغرانيت) تصعد ببطء نحو الأعلى بسبب لزوجتها العالية، لا تلبث أن تتصلب في الصخور التي تجتاحها على هيئة مدسوسات باثوليت ضخمة (الشكل 5- ح)،
فالتشوهات العظيمة والاستحالة والانصهار والنهوض الأعظمي، هي التي تؤلف لب النظام الجبلي الذي يتطابق مع أعمق أجزاء المقعر الجيولوجي (الشكل 5- د و5- هـ). أما الغطاء الرسوبي فوق الرف القاري فينضغط ويُحشَر بين كتلة القارة وكتلة الصخور العميقة الناهضة فينطوي ويتشوه وينهض أيضاً، ليكـوِّن المجال الهامشي من النظام الجبلي الجديد (شكل 5- هـ). وفي كثير من أنحاء العالم توجد أجزاء من صفائح الغلاف الصخري منغرزة تحت صفائح متصادمة معها، كما توجد منظومات جبلية في طور النهوض، منها جبال الأنديز في غربي أمريكة الجنوبية.
فصفيحة المحيط المنغرزة هي صفيحة نازكا Nazca، والصفيحة القارية المتصادمة معها هي أمريكة الجنوبية، وخندق المحيط فوق نطاق الإنغراز هو خندق البيرو ـ تشيلي، والمنظومة الجبلية الناهضة هي جبال الأنديز التي تنتشر فيها النشاطات البركانية. ويعتقد أن هذه النشاطات البركانية التي تحدث باستمرار على الجانب القاري من التصادم تقوم بدور رئيس في تطور هذه المنظومة الجبلية. أما جبال الهيمالايا والألب التي تعد من أشهر المنظومات الجبلية في العالم، فتتصف بنهوض شديد وتضاريس حادة وذرى شاهقة وتقع داخل القارات. أما نشأتها فقد بدأت مراحلها منذ 200 مليون سنة، ويعود نهوضها إلى تصادم صفائح قارية، فجبال الهيمالايا نهضت من تصادم صفيحة القارة الهندية مع كتلة التيبت الآسيوية، كما نهضت جبال الألب من صفيحة القارة الإفريقية مع الصفيحة الأوربية، وأدى ذلك إلى انغلاق محيط التيثس القديم.
أما جبال الأبالاش التي عاصرت في نهوضها جبالاً تقع حالياً في غربي أوربة، فيعتقد أن تطورها كان في مقعر جيولوجي يتبع محيطاً أطلسياً أقدم من الحالي ببضع مئات من ملايين السنين، حين تحركت صفيحة القارة الأوربية لتتصادم مع أمريكة الشمالية، وأدى هذا التصادم إلى نهوض نظام جبلي في قارة البانجيه Pangaea، ثم انفصلت فيه جبال الأبالاش عن جبال غربي أوربة، حين تكسرت هذه القارة القديمة وتباعدت أجزاؤها. ويعتقد أيضاً أن منظومات جبلية قديمة تقع داخل القارة الآسيوية، كجبال الأورال التي تعود تشكيلاتها الرسوبية إلى أزمنة الباليوزوي، قد نهضت من تصادمات قارية، ربما تكون تلك التي جمعت أجزاء قارة (البانجيه).
وتعطي ملاحظات الدروع القارية القديمة دلائل تشير إلى احتوائها على منظومات جبلية غابرة، أقدم بكثير من الباليوزوي، ولهذا يعتقد العلماء أن حركات صفائح الغلاف الصخري كانت تجري منذ أقدم الأزمنة الجيولوجية، مما أدى إلى التحام الكتل القارية وانفصالها مرات متعددة.
وأخيراً يمكن القول، بلا تأكيد، إن هذه الحركات تتبع مراحل تاريخية متعاقبة، تنتهي كل واحدة منها بِتَكَوُّن خلايا حملانية جديدة داخل المعطف، وهي، كما يُعتقد، دافع رئيس لتكسر الغلاف الصخري وتحرك أجزائه الصفيحية.
سميرة الحصري، عادل عبد السلام
Orogenesis - Orogenèse
الجبال
الجبل هو ما علا من سطح الأرض واستطال وجاوز التل ارتفاعاً. وجغرافياً هو التضريس الأشد ارتفاعاً مما حوله وجاوز علوه النسبي 600م، وهناك رأي يقول 300م، وكانت مساحة قمته أصغر من مساحة قاعدته، وسفوحه ذات انحدارات شديدة، تخدده الأودية وتجزئه. والجبل أعلى من الأكَمَة، والأكمة أعلى من التل، والتل أعلى من الرابية وهي أخفضها. وقد يسمى الجبل تلاً، والتل جبلاً لدى العامة والبدو تجاوزاً.
أنواع الجبال
تنتظم جبال العالم في ثلاثة أنواع هي: الجبال المنفردة، والسلاسل الجبلية، والأحزمة الجبلية.
تكثر الجبال المنفردة في المناطق البركانية، وفي البقاع التي تعرضت للحت، أما السلاسل الجبلية فهي أشرطة طويلة تمتد عشرات ومئات الكيلومترات، في حين تتألف الأحزمة الجبلية من سلاسل متصلة وتمتد آلاف الكيلومترات، أكبرها الحزام الألبي ـ الهيمالائي، والحزام الأنديزي، وحزام سلاسل آسيا الوسطى، وحزام هوامش المحيط الهادئ.
ويغلب على الجبال السلاسل والأحزمة توزعها على هوامش القارات وسواحلها، ففي الوطن العربي تقع أهم الجبال على سواحل البحر المتوسط، مثل جبال بلاد الشام والأطلس في المغرب العربي وعلى جانبي البحر الأحمر وخليج عدن، ثم جبال عُمان، وفي أسترالية تمتد جبال الألب الأسترالية على سواحلها الشرقية، وفي أمريكة الجنوبية على سواحلها الغربية، وفي أمريكة الشمالية على سواحلها الغربية والشرقية، وفي آسيا الصغرى على سواحلها الجنوبية والشمالية. ولا تبعد جبال الألب والبيرينه في أوربة عن البحار كثيراً، بل تساير السواحل في إيطالية والبلقان. وهناك سلاسل جبلية مهمة داخل القارات ولاسيما في أوراسية مثل جبال الكاربات والأورال والقفقاس وسلاسل آسيا الوسطى وحول هضبة التبت وامتدادها نحو جنوب شرقي آسيا، وفي إفريقية توجد كتل جبلية في قلب الصحراء مثل جبال الأحجار وتيبستي.
تكون الجبال orogenesis
أما النوع الثاني، فيتألف من تشكيلات رسوبية ونارية وبركانية، يؤلف معظمها كتلاً جبلية ناهضة تحيط بالدروع القارية، وتزداد حداثة بالابتعاد نحو البحر.
وتختلف الجبال في المنشأ والهيئة والحجم والطبيعة الصخرية، ويصعب تصنيفها. ويمكن، بالاعتماد على هيئاتها الإفرادية المرتبطة بأسباب النشوء، أن تصنف في مجموعات ثلاث هي: الجبال البركانية volcanic mountains وجبال الكتل الصدعية fault block mountains (أو الجبال الفالقية أو الانكسارية) والجبال الالتوائية fold mountains (أو الطيّات الجبلية) (الشكل-1). وتعد جبال الطي أكثر أنواع الجبال أهمية وانتشاراً، وتنشأ من انضغاط أحزمة طولانية ونهوضها، وتمتاز بأنها ذات هيئات بنيوية ومظاهر مشتركة توحي بأنها قد مرت في مراحل تاريخية متماثلة، وتدعى المنظومات الجبلية.
نظريات تكوُّن المنظومات الجبلية
استحوذ تطور منظومات الجبال وتكونها على اهتمام العلماء، وكانت موضوعاً لكثير من الدراسات التي تضمنت نظريات عدة أهمها نظريتان: الأولى قديمة، وتفترض تطور الجبال في مقعرات جيولوجية geosynclines تتراكم فيها رواسب كثيرة، مع حدوث هبوط تدريجي في قاعها، يلي ذلك خضوعها لحركات جانبية ضاغطة، فهي إذن تفترض حدوث حركات شاقولية (رأسية) وأخرى جانبية، في القشرة الأرضية، الأولى ثقالية تسبب الهبوط subsidence والثانية تمددية ضاغطة، تسبب التشوه والنهوض، وكان أول من وصفها العالم دانا Dana عام 1813 في أثناء دراسته لجبال الأبالاش. وكانت هذه النظرية تتفق مع الاتجاه الفكري الذي يفترض أن القارات والمحيطات هيئات قديمة وثابتة للقشرة الأرضية.
أما النظرية الثانية فهي حديثة وتحليلية شاملة، وضعت وفق معطيات الدراسات الحديثة ومفاهيم تكتونية الصفائح[ر] التي تشرح المراحل التاريخية لتطور القارات والمحيطات. فنشوء المنظومات الجبلية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحركة صفائح الغلاف الصخري، وهو يتم في نطاق هوامش التصادم، حيث تهبط هذه الهوامش تحت صفائح القارات لتنغرز في المعطف، وتتكون من هبوطها خنادق المحيطات التي تصبح مجالاً لتراكم الرواسب فوق أشرطة طولانية هابطة من قشرة الأرض تدعى بالأحزمة الحركية mobile belts.
وثمة أماكن كثيرة من القشرة الأرضية تناسب التراكم الرسوبي في الوقت الحاضر، كما توجد أماكن أخرى كانت في الماضي مسرحاً للتراكم، بما في ذلك القارات، لكن ينحصر تطور الأحزمة الحركية بالقرب من حواف الرفوف القارية edges of continental shelves أو قرب أقواس الجزر island arcs (الشكلين 2 و3). وفي مثل هذه الأماكن تقوم القارات وأقواس الجزر بدور المصادر الرئيسية لإمداد الأحزمة الحركية بالرسوبات. وبما أن الأحزمة الحركية في الأنظمة الجبلية هي أشرطة طولانية من الصخور الرسوبية والبركانية المشوهة، فإن أماكنها يجب أن تقع في نطاقات تصادم صفائح الغلاف الصخري، أي بين القارات والمحيطات وبمحاذاة أقواس الجزر.
هبوط الأحزمة الحركية: يُقلل الهبوط التدريجي للأحزمة الحركية من الثخانة الكبيرة لأجزاء من التراكم الرسوبي الثخين، ويعزى ذلك إلى أن صخور القشرة القارية ذات كثافة أقل من صخر المعطف المبطن لها، فهي إذن تطفو فوقه، ولابد للجزء الناهض منها أن يخضع للحت فتقل ثخانته ويميل إلى النهوض، وبالمقابل يميل الجزء الحامل لرواسب متزايدة في الثخانة إلى الهبوط، وفق مبدأ توازن الطفو floating balance أو ما يعرف بالتوازنية isostasy، وعلى هذا يعلل هبوط الأحزمة الحركية بازدياد فعل الثقالة، مع ازدياد التراكم الرسوبي، أي إن معدل الهبوط يتناسب مع معدل التراكم، وبناءً على ذلك، فإن جزءاً مقابلاً من صخر المعطف، تحت القشرة الأرضية الهابطة، يجب أن يزاح ويُضغط جانبياً ليسبب نهوض أجزاء مجاورة.
حين يصعد تيار ساخن من صخر المعطف إلى أسفل قشرة قارية، فإنه يؤدي إلى تقببها وترققها بالتسخين والشد، وينتهي الشد والترقق في الجزء المقبب إلى تصدعه بفوالق عادية وهبوط أجزائه على امتداد هذه الفوالق (الشكل-4: أ وب)، وتتراكم في الأودية الهابطة منها رواسب كثيرة تنتج من حت جبال الكتل الفالقية الواقعة على جانبيها. ومع تتابع هذه الأحداث تتكسر القشرة القارية إلى جزأين متباعدين، بينهما عرف ridge لمحيط جديد، ويأخذ هذا المحيط بالتوسع من الاندفاعات البركانية المولدة لقشرة المحيط التي يسببها الانصهار الجزئي في صخر المعطف الساخن المتحرر من الضغط. وهكذا يتطور الجزء الداخلي من الحزام الحركي بالشد والترقق والهبوط على امتداد فوالق عادية على جانبي الصفيحتين القاريتين المتباعدتين (الشكل 4- ب). ومع استمرار توسع صفيحتي المحيط المتولدتين على جانبي العرف وتصادمهما مع الصفيحتين القاريتين المتباعدتين تهبط قشرة المحيط تحتهما وتنغرز في المعطف (الشكل 5- أ).
نهوض منظومات الجبال
تتصف هوامش تصادم الغلاف الصخري بأنواع كثيرة من النشاطات، من بينها نوعان لهما أهمية خاصة في نهوض الجبال؛ فالنوع الأول نشاط حراري ينجم من انغراس قشرة المحيطات داخل المعطف وارتفاع حرارتها وحدوث
فالتشوهات العظيمة والاستحالة والانصهار والنهوض الأعظمي، هي التي تؤلف لب النظام الجبلي الذي يتطابق مع أعمق أجزاء المقعر الجيولوجي (الشكل 5- د و5- هـ). أما الغطاء الرسوبي فوق الرف القاري فينضغط ويُحشَر بين كتلة القارة وكتلة الصخور العميقة الناهضة فينطوي ويتشوه وينهض أيضاً، ليكـوِّن المجال الهامشي من النظام الجبلي الجديد (شكل 5- هـ). وفي كثير من أنحاء العالم توجد أجزاء من صفائح الغلاف الصخري منغرزة تحت صفائح متصادمة معها، كما توجد منظومات جبلية في طور النهوض، منها جبال الأنديز في غربي أمريكة الجنوبية.
فصفيحة المحيط المنغرزة هي صفيحة نازكا Nazca، والصفيحة القارية المتصادمة معها هي أمريكة الجنوبية، وخندق المحيط فوق نطاق الإنغراز هو خندق البيرو ـ تشيلي، والمنظومة الجبلية الناهضة هي جبال الأنديز التي تنتشر فيها النشاطات البركانية. ويعتقد أن هذه النشاطات البركانية التي تحدث باستمرار على الجانب القاري من التصادم تقوم بدور رئيس في تطور هذه المنظومة الجبلية. أما جبال الهيمالايا والألب التي تعد من أشهر المنظومات الجبلية في العالم، فتتصف بنهوض شديد وتضاريس حادة وذرى شاهقة وتقع داخل القارات. أما نشأتها فقد بدأت مراحلها منذ 200 مليون سنة، ويعود نهوضها إلى تصادم صفائح قارية، فجبال الهيمالايا نهضت من تصادم صفيحة القارة الهندية مع كتلة التيبت الآسيوية، كما نهضت جبال الألب من صفيحة القارة الإفريقية مع الصفيحة الأوربية، وأدى ذلك إلى انغلاق محيط التيثس القديم.
أما جبال الأبالاش التي عاصرت في نهوضها جبالاً تقع حالياً في غربي أوربة، فيعتقد أن تطورها كان في مقعر جيولوجي يتبع محيطاً أطلسياً أقدم من الحالي ببضع مئات من ملايين السنين، حين تحركت صفيحة القارة الأوربية لتتصادم مع أمريكة الشمالية، وأدى هذا التصادم إلى نهوض نظام جبلي في قارة البانجيه Pangaea، ثم انفصلت فيه جبال الأبالاش عن جبال غربي أوربة، حين تكسرت هذه القارة القديمة وتباعدت أجزاؤها. ويعتقد أيضاً أن منظومات جبلية قديمة تقع داخل القارة الآسيوية، كجبال الأورال التي تعود تشكيلاتها الرسوبية إلى أزمنة الباليوزوي، قد نهضت من تصادمات قارية، ربما تكون تلك التي جمعت أجزاء قارة (البانجيه).
وتعطي ملاحظات الدروع القارية القديمة دلائل تشير إلى احتوائها على منظومات جبلية غابرة، أقدم بكثير من الباليوزوي، ولهذا يعتقد العلماء أن حركات صفائح الغلاف الصخري كانت تجري منذ أقدم الأزمنة الجيولوجية، مما أدى إلى التحام الكتل القارية وانفصالها مرات متعددة.
وأخيراً يمكن القول، بلا تأكيد، إن هذه الحركات تتبع مراحل تاريخية متعاقبة، تنتهي كل واحدة منها بِتَكَوُّن خلايا حملانية جديدة داخل المعطف، وهي، كما يُعتقد، دافع رئيس لتكسر الغلاف الصخري وتحرك أجزائه الصفيحية.
سميرة الحصري، عادل عبد السلام