الكون (علم) الكوسمولوجيا، بنية الكون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكون (علم) الكوسمولوجيا، بنية الكون

    كون (علم) Cosmology - Cosmologie
    الكون (علم -)



    علم الكون، أو الكوسمولوجيا cosmology، هو دراسة بنية الكون[ر] في المقاييس الكبيرة وتطوره، كما يضم في دلالته المعاصرة علمَ نشوء الكون ونشوء العناصر الكيمياوية. وكان موضوع الكون إلى عهد قريب - وهل له بداية أم هو أزلي دائم الوجود - خارجاً عن اهتمام العلماء، فكان من اختصاص الفلاسفة وعلماء اللاهوت وحدهم. ولم يبدأ الفيزيائيون والفلكيون بمعالجة هذا الموضوع إلا بحلول منتصف القرن العشرين عندما أخذوا يستفيدون من نظريات راسخة وتقنيات تجريبية حساسة مكنتهم من تناول هذا الموضوع بالبحث والتمحيص.

    بنية الكون: بيّن الفلكي الأمريكي هَبل E.P.Hubble استناداً إلى عدّ صور المجرَّات[ر: المجرَّة] في عدد كبير من مناطق السماء أن توزع هذه المجرَّات في المقاييس الكبيرة متجانس ومتماثل المناحي أي إن خواصه متماثلة في جميع الاتجاهات. وكان هذا أول دليل رصدي على ما يسمى المبدأ الكوسمولوجي cosmological principle الذي ينص على أنه في أي لحظة من الزمن الكوني يرى جميعُ الراصدين الافتراضيين الكونَ نفسه في المقاييس الكبيرة، أي أنه هو نفسه في كل مكان ( فهو متجانس ومتماثل المناحي).

    أما في المقاييس الصغيرة فقد وجد هَبل أن المجرَّات تتجمع في عناقيد (أو حشود) clusters. وليست مجرة درب التبانة Milky Way Galaxy - التي شمسنا أحد نجومها- سوى إحدى مجرات منظومة تضم أكثر من عشرين مجرّة تمتد على منطقة من الفضاء يبلغ أحد أبعادها ثلاثة ملايين سنة ضوئية ( السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في الخلاء في سنة واحدة وهي تساوي 9.46×1210 كيلومتر). تدعى هذه المنظومةُ المجموعةَ المحلّية Local Group، وتوجد عناقيد مجرات ضخمة يحوي الواحد منها آلاف المجرَّات وتبلغ أنصاف أقطارها ما بين خمسة ملايين وعشرين مليون سنة ضوئية؛ حتى العناقيد تتجمع في تجمعات أكبر تدعى العناقيد الفائقة superclusters. ويبدو أن المجموعة المحلية عضو في أحد هذه التجمعات الكبيرة الذي يدعى العنقود الفائق المحلي Local Supercluster ويقع مركزه على بعد 30 إلى 50 مليون سنة ضوئية. وقد دُرس بالتفصيل عدد من العناقيد الفائقة ووُجد أن منها ما يبلغ قطره بين مئة وثلاثمئة مليون (بين 1×810 و3 ×810) سنة ضوئية. ويضم بعضها عنقودين كبيرين في حين يضم بعضها الآخر عشرة عناقيد كبيرة أو أكثر، إضافة إلى عشرات العناقيد الأصغر، ومئات المجموعات مثل المجموعة المحلية. ويحتمل أن تضم أيضاً مجرات مفردة، وقد تحتوي غازاً على الرغم من أنه لا يوجد في الوقت الحاضر دليل على وجوده إلا في بعض العناقيد الغنية، وتبلغ درجة حرارة هذا الغاز مئة مليون درجة ويستدل عليه بوساطة إصداره الحراري للأشعة السينية[ر]. وتدل الأرصاد الحديثة على أن العناقيد الفائقة هي أكبر تجمعات المجرَّات، فبنية الكون تبدو حبيبية جداً في مقاييس لا تتجاوز مئات عدة من ملايين السنين الضوئية، أما في المقاييس الأكبر فيبدو الكون متجانساً. ولذلك فإن المبدأ الكوسمولوجي هو فرضية البداية بالنسبة إلى معظم النظريات الكوسمولوجية. وليس هناك بالطبع ما يؤكد أن التجانس الذي يُرصَد في المقاييس الكبيرة يمتد ليشمل الكون كله. ولكن من دون هذه الفرضية لا يبقى أساس لصياغة نموذج كوسمولوجي عام.

    التثاقل في الكون

    تفوق كثافة المادة في الكون حالياً ما يكافئ طاقة الإشعاع من كتلة بأكثر من مئة مرة: فالمادة تهيمن على الكون. وعدا عن ذلك فإن المادة حجميا معتدلة كهربائياً لدرجة كبيرة جداً. ولذلك فإن القوة الوحيدة البعيدة المدى المعروفة التي يمكن أن تؤثر في التطور الديناميكي للكون هي التثاقل[ر. القوة الكهرطيسية].

    كان نيوتن[ر] قد اكتشف في القرن السابع عشر قانون التجاذب العالمي الذي يفيد أنه تتجاذب كتلتان بالقوة F المتناسبة مع جداء هاتين الكتلتين M وM' وتتناسب عكساً مع مربع البعد D بينهما، أما عامل التناسب G فيدعى ثابت التجاذب العالمي. وما وزن جسم أو ثقله سوى قوة التجاذب بينه وبين الكرة الأرضية. وهذه القوة المسماة قوة الثقالة أو التثاقل gravitation تُفسر حركة الأجرام السماوية أحدها بالنسبة إلى الآخر. وقد استنتج نيوتن لدى بحثه في آثار التثاقل على الكون في المقاييس الكبيرة أن كمون التثاقل في كون لانهائي ينبغي أن يكون نفسه في كل مكان؛ ولذلك يمكن أن يكون الكون اللانهائي مستقراً لا يحدث فيه انهيار تثاقلي إلا موضعياً، حيث يمكن أن يسبب عدم انتظام الكثافة انهيارات موضعية قد تصبح نجوماً.

    ومن ناحية أخرى فإن النظرية التثاقلية الجديدة المستمدة من النظرية النسبية[ر] العامة لأينشتاين[ر] تؤدي إلى معادلات حقل لا تتيح في أبسط أشكالها كوناً مستقراً ساكناً حتى إن كان لانهائياً. وتصف معادلات الحقل في النسبية العامة انحناء الزمكان (الزمان - المكان) بوساطة المادة. فكل الأشياء والأجسام المادية والفوتونات[ر: الفوتون] أيضاً تتحرك في زمكان منحنٍ وفق مسارات (تدعى الخطوط الجيوديزية). وكان أينشتاين مقتنعاً بفكرة أن الكون يجب أن يكون ساكنا فحوّر معادلات الحقل لكي يطبقها على الكوسمولوجيا بأن أدخل حداً أصبح يعرف باسم الثابت الكوسمولوجي cosmological constant. فإذا كان هذا الثابت موجباً اقتضى وجوده قوة دافعة تزداد متناسبة مع المسافة. ويمكن جعل هذه القوة معادلة تماما لقوة التجاذب الثقالي في المقاييس الكبيرة باختيار القيمة المناسبة للثابت الكوسمولوجي، وبذلك يكون الكون ساكناً.

    لا يتعارض الثابت الكوسمولوجي مع الفرضيات التي هي في أساس معادلات الحقل لأنه يدخل ثابتَ تكامل. وفي الحالة العامة يجب أن يكون هذا الثابت موجوداً، لكنه لا يوجد مثيل لمثل هذه القوة الدافعة في نظرية نيوتن، ولا يوجد دليل رصدي على وجودها؛ ولذلك - كما في حالة تقدير ثابت التكامل من الشروط الحدية - كان ينبغي إعطاء هذا الثابت القيمة صفر. ولم يكن إدخاله بقيمته المناسبة بالضبط إلا افتراضاً اقتضته الحاجة لإنقاذ النظرية. حتى إن أينشتاين قال إنه كان أفدح خطأ ارتكبه.

    الكون المتوسع

    تبيَّن لباحثين آخرين في العشرينيات من القرن العشرين أنه ليس من الضروري أن يكون الكون بالضرورة ساكناً، وأنه يمكن أن تطبق تماماً معادلات الحقل في أبسط أشكالها (مع الثابت الكوسمولوجي مساويا الصفر) على كون يتوسع أو ينكمش بانتظام. وفعلياً وجدت الأرصاد أن أطياف المجرَّات منزاحة نحو الأحمر حسب مفعول دوبلر[ر. دوبلر (مفعول -)] مما يبيِّن أن هذه المجرَّات تبتعد عن الأرض بسرعات كبيرة. فإذا طبق المبدأ الكوسمولوجي على كون متوسع وجب أن يكون توسعه منتظماً وإلا تولدت عدم انتظامات تجعل الكون غير متجانس. وفي توسع منتظم يجب أن تزداد المسافة بين أي جسمين بالعامل نفسه في الزمن ذاته. وهذا يعني أن الأجسام البعيدة بعضها عن بعض، والتي ينبغي أن تبتعد أكثر يجب أن تكون سرعة تباعدها أكبر من سرعة تباعد الأجسام القريبة من بعضها التي ينبغي أن تتباعد أقل لتزيد المسافة بينها بالعامل نفسه. وبتعبير آخر، يرى كل راصد في أي مكان كان في الكون المتوسع كلَّ جسم آخر يتحرك مبتعداً عنه بسرعة متناسبة مع بعده. وهذا شرط لازم ووحيد للتوسع المنتظم. وما دام كل الراصدين يرون الأثر نفسه، فحقيقة أن الأجسام تتحرك مبتعدة عن راصد معين بسرعات متناسبة مع المسافات التي تفصلها عنه لا توفر له معلومات حول موضعه في الكون ولا عن أي «مركز». ففي كون لانهائي متوسع يفقد «المركز» معناه. وقد تمكن هَبل وهيوماسون M.L.Humason من رصد طيوف مجرات بعيدة جداً فوجدا أن سرعة البعيدة منها تبلغ نحواً من 30ألف كم/ثا. وكانت المسافات والسرعات متناسبة بعضها مع بعضها الآخر تماماً، وبذلك تأكَّد توسع الكون. وتدعى العلاقة بين سرعات المجرَّات ومسافاتها قانون هَبل.

    لا يطبق المبدأ الكوسمولوجي كما ذُكر سابقا إلا في المقاييس الكبيرة، وكذلك لا يطبق توسع الكون المنتظم إلا في مقاييس الكون الكبيرة. فهو لا يطبق على مجرات مفردة أو على عناقيد المجرَّات؛ ذلك أن المجرَّات مثلها مثل الأرض والمنظومة الشمسية والنجوم مترابطة بإحكام بفعل تثاقلها الذاتي، فهي مستقرة تثاقلياً ولا تتوسع مع توسع الكون وهذه ناحية كثيراً ما يُساء فهمها. وتبدو عناقيد المجرَّات الغنية كذلك مترابطة تثاقلياً، ولابدّ أن التثاقل يقوم بدور ما في ديناميك العناقيد الفائقة أيضا، على الرغم من أنه لا يُعرف بعد مقدار هذا الدور.

    يعمل التجاذب الثقالي المتبادل بين المجرَّات في عنقود على جعلها تتسارع وتبلغ سرعات كبيرة (عادة 1000كم/ثا أو أكثر) في حركتها التقدمية التقهقرية العشوائية إلى حد ما في العنقود. ولذلك حين تُرصد السرعة القطرية لمجرة في مجموعة أو في عنقود تضاف سرعة تقهقر العنقود نفسه العائدة إلى توسع الكون دوماً إلى مركّبة سرعة المجرَّة التي على خط البصر العائدة إلى التسارعات التثاقلية المحلية بتأثير مجرات العنقود الأخرى. وتكون سرعات المجرَّات الإفرادية، في عدد قليل من العناقيد القريبة- داخل هذه العناقيد - كبيرة لدرجة أن بعض المجرَّات تقترب من الأرض على الرغم من أن العناقيد التي تنتمي إليها تبتعد.

    النماذج الكوسمولوجية

    ليس هناك حاجة كبيرة إلى الثابت الكوسمولوجي الموجب الذي أدخله أينشتاين ليتيح كونا ساكنا إذا أُخذ قانون هَبل بالحسبان. ومع ذلك فقد درس النظريون بعناية مدى واسعاً جداً من النماذج الكوسمولوجية الممكنة مفترضين كلا القيمتين السالبة والموجبة للثابت الكوسمولوجي. ولا يمكن التأكد من أن الأرصاد في المستقبل لن تتطلب أبداً مثل هذه القيم المختلفة عن الصفر. وعلى أي حال فلا حاجة في الوقت الحاضر إلى الثابت الكوسمولوجي. وتكاد تكون نماذج الكون الوحيدة التي تسترعي اهتماماً كبيراً من قبل كل من النظريين والراصدين هي تلك النماذج المبنية على النسبية العامة مع ثابت كوسمولوجي يساوي الصفر. وفيما يأتي وصف كيفي لهذه النماذج.

    بما أن المبدأ الكوسمولوجي يتطلب أن يتوسع الكون بصورة متجانسة فيمكن وصف تطوره بوساطة تغير بسيط في المقياس فقط. وعلى هذا فإن المسافة الفعلية r (t) بين جسمين بعيدين في الفضاء في اللحظة t يمكن أن يعبر عنها كجداء معامل مستنظم بصورة مناسبة ومتغير مع الزمن، ويرمز له عادة بالرمز R (t)، والمسافة الثابتة u بين هذين الجسمين في لحظة مختارة اعتباطياً، وعلى هذا يكون:

    (1)

    r (t) = R(t)u أو u = r (t) /R(t)

    وبما أن السرعة القطرية Vr لمجرة هي ببساطة معدل تغير r (t)، وأن u ثابتة لذلك يكون:

    (2)




    وطبقاً لقانون هَبل فإن:

    (3)

    Vr = Hr (t)



    حيث ثابت التناسب H يدعى ثابت هَبل. يُلاحظ أن قانون هَبل لا يقتضي أن تتسارع مجرة ما لدى تقهقرها إلى مسافات أكبر، بل على العكس من ذلك في أي لحظة معينة يجب أن تتقهقر المجرَّات التي هي أبعد بصورة أسرع. وتبيِّن المقارنة بين المعادلتين (2) و(3) أن:

    (4)



    بصورة يكون معها «ثابت» هَبل ليس ثابتاً مع مرور الزمن وإنما تتغير قيمته مع تطور الكون ومع تغير المقياس R(t) مع الزمن. وحتى لو حافظت المجرَّات كلها على سرعاتها الحالية فإن H سوف يتناقص مع ازدياد المقياس كِبراً. لكن التجاذب التثاقلي بين الأجسام في الكون يجب في الواقع أن يبطئ توسع الكون بحيث تتناقص سرعات المجرَّات النسبية بالتدريج لدى تقهقر إحداها عن الأخرى. وأحد الأهداف الرئيسية للأرصاد الكوسمولوجية هو تعيين إلى أي مدى يبطئ التثاقلُ في الكون توسعَه.

    الكون المغلق والكون المفتوح والكون المنبسط

    تتحرك الأجسام والفوتونات - حسب النظرية النسبية العامة - على طول الخطوط الجيوديزية في الزمكان وهذا الزمكان منحنٍ بسبب وجود المادة. وفي توزع عشوائي للأجسام المادية يمكن أن يكون الانحناء معقداً جداً. ولكن ينتج من تطبيق المبدأ الكوسمولوجي، بالنسبة إلى الكون في المقياس الكبير تبسيط هائل. فباستثناء آثار محلية ذات مقياس صغير يكون الانحناء نفسه في أي مكان. وإذا كانت الكثافة الكونية الوسطية للمادة والطاقة عالية لدرجة كافية كان الانحناء موجباً، وفي هذه الحالة يكون الكون منتهياً، لأن المعلومات لا يمكنها أبداً أن تُستقبل من خارج حجم معين من الفضاء. يقال عن مثل هذا الكون إنه مغلق، وتكون هندسة الزمكان إهليلجية elliptical (يكون فيها حجم كرة v نصف قطرها r أكبر من*). وإذا كانت الكثافة الكونية أصغر من قيمة معينة كان الانحناء سالباً وكان الكون مفتوحاً ولانهائياً وكانت هندسة الزمكان فيه قَطع- زائدية hyperbolic (يكون فيها v أصغر من ). أما الخط الفاصل بين هذين الصنفين من الزمكان الذي يتطلب كثافة حرجة لا تغلق الكون تماماً فهو الزمكان المنبسط الذي يكون فيه الكون لانهائياً والهندسة فيه إقليدية[ر: الهندسة الإقليدية] (ويكون v مساوياً ).

    الكون المغلق ليس مغلقاً بالنسبة للإشعاع فقط وإنما بالنسبة للمادة أيضاً، لأنه يعني أن الخطوط الجيوديزية لجسيمات المادة وللفوتونات مغلقة. ومثل هذا الكون سيتوقف في النهاية عن التوسع ويبدأ بالانكماش. وسوف يستمر الانكماش حتى تقترب كل المادة والإشعاع من تفرّد (أو شذوذ) singularity عند مبدأ ثقب أسود كوني وهو «الانسحاق العظيم» كما سماه الفيزيائي الفلكي ويلر J.A.Wheeler. واعتُقد أن مثل هذا الكون يمكن أن يعاني انفجاراً عظيماً آخر ليبدأ دورة جديدة، ومن ذلك الحين فصاعداً يتذبذب بين توسعات وانكماشات متتالية، يتلو كلَّ انكماش انفجار عظيم جديد. لكن لا توجد نظرية فيزيائية تأخذ في الحسبان انفجارات عظيمة مستقبلية وتوسعات تالية، ولذلك فإن الكون «المتذبذب» ليس في الوقت الحالي أكثر من تخمين يعدّ امتدادا للكون المغلق.

    ومن ناحية أخرى فإن الكون المفتوح سوف يتوسع إلى الأبد إلى لانهايات أكبر فأكبر. ويمكن تشبيه الكون المغلق والكون المفتوح بحالة الصواريخ التي تطلق من الأرض بسرعة أصغر أو أكبر من سرعة الانفلات. فالصاروخ الذي يُطلق بسرعة أكبر من سرعة الانفلات لديه من الطاقة ما يكفي لأن يستمر بحركة دائمة مع أن جاذبية الأرض تبطئه دوماً، وهذا يشبه ما يحدث في الكون المفتوح حيث كثافة المادة والإشعاع الوسطية صغيرة لدرجة لا تكفي لتوفير تجاذب ثقالي لوقف التوسع.

    أما الكون المنبسط فلديه الكثافة الحرجة التي بالكاد توقف التوسع، وهو يشبه الصاروخ الذي يطلق بسرعة تساوي بالضبط سرعة الانفلات. وفي هذه الحالة يتزايد المقياس R(t) متناسباً مع t2/3. وهو رياضياً يكافئ نموذجاً وضعه أينشتاين ثم عدّله فيما بعد الفلكي دي سيتِّر W. de Sitter ولذلك أصبح يدعى كون أينشتاين - دي سيتِّر. ويبين الشكل (1) مقياس الكون R مرسوماً بدلالة الزمن في مختلف النماذج الكوسمولوجية.



    الشكل (1) مقياس الكون بدلالة الزمن في مختلف النماذج الكوسمولوجية: تمثل t العمر الأعظمي لأكوان ذات ثابت كوسمولوجي يساوي الصفر


    عمر الكون

    لكل نماذج الكون المستندة إلى النسبية العامة، التي يأخذ الثابت الكوسمولوجي فيها القيمة صفر، بداية وحيدة تدعى عادة الانفجار العظيم وعمرٌ منتهٍ. والعمر الأعظمي الممكن لأي من هذه النماذج هو للكون المفتوح الذي كثافته الوسطية منخفضة لدرجة يمكن معها إهمال التثاقل، فتستمر المجرَّات في التقهقر بسرعة ثابتة. وفي هذه الحالة - وبما أن الزمن الذي تستغرقه مجرة معينة لتصل إلى بعدها الحالي هو هذا البعد مقسوماً على سرعة المجرَّة- فإن الزمن الذي مضى مذ بدأت هذه المجرَّة بالتقهقر وكان بعدها صفراً، أو عمر التوسع، هو ببساطة مقلوب ثابت هَبل. ويبلغ العمر الممكن الأعظمي - مع أخذ المدى الحالي من التقديرات المتعلقة بثابت هَبل في الحسبان - بين 10 و2×1010 سنة. أما عمر كون أينشتاين - دي سيتر فهو ثلثا مقلوب ثابت هَبل؛ ولنماذج الأكوان المفتوحة أعمار أكبر من عمر كون أينشتاين - دي سيتر، في حين لنماذج الأكوان المغلقة أعمار أصغر.

    الاختيار بين النماذج الكوسمولوجية

    يعتمد مستقبل الكون - بمعنى هل هو مغلق أم مفتوح - على السرعة التي يبطئ بها التثاقلُ التوسع. ويعبر عن هذا التباطؤ بوسيط يرمز له بالرمز q0 (وتعريفه هو

    -

    حيث تشير النقاط إلى الاشتقاق بالنسبة إلى الزمن ويشير الدليل q0q إلى القيمة الحالية للمقياس R) تتناسب قيمة q0 مع كثافة الكون الوسطية ولذلك فهي دوماً موجبة؛ أي إن أي كثافة تولد تثاقلاً ينتج منه تباطؤ. وقيمة q0 لكون أينشتاين - دي سيتر هي q1/2q؛ وهي أقل من q1/2 في حالة الكون المفتوح وأكبر من q1/2 في حالة الكون المغلق. ومن الممكن إيجاد قيمة q0 مباشرة من الأرصاد، لكن هذه الأرصاد صعبة الإجراء، والتقديرات الحالية لقيمة q0 ليست مؤكدة تماماً.

    الكون المبكر

    اقترح لومتر Lemaîtreعام 1931 أنه كانت للكون بداية انفجارية بانشطار ذرة بدائية تفككت فأعطت الذرات التي شكلت الكون الحالي. وفي عام 1948 اقترح غاموف G.Gamow وألفر R.A.Alpher وهيرمان R.C¨Herman أن تكون عناصر الكون قد تشكلت بوساطة الاندماج[ر: الاندماج النووي] في الانفجار العظيم. وتبين الحسابات الحديثة أنه لايمكن أن تتشكل عناصر أثقل من الهليوم في المادة بفضل الحرارة والكثافة المتوقع أنهما كانتا سائدتين في الانفجار العظيم. والرأي السائد حالياً هو أن العناصر الأثقل تولدت في قلب النجوم المتقدمة في تطورها وفي انفجارات المستعرات العظمىsupernovae. وأفضل نموذج حالي هو ذلك المسمى النموذج العياري للانفجار العظيم standard model of the big bang.

    عندما كان عمر الكون ثانية واحدة كانت درجة الحرارة نحو 1010 كلفن وكانت المادة والإشعاع في توازن. وكان تغير درجة الحرارة متناسباً مع مقلوب جذر الزمن (مع t-1/2)، وبعد ثوانٍ قليلة توقف إنتاج الأزواج (إلكترون - بوزيترون) وفناؤها وانطلقت النترينوهات neutrinos المعروفة حاليا. وبعد دقائق قليلة توقف الاندماج، وكانت النوى الوحيدة الباقية هي نوى الهدروجين (البروتونات) التي تشكل نحو 75% من الكتلة، ونوى الهليوم والقليل من نوى الديتريوم (الهدروجين الثقيل). وبعد مضي مليون سنة، حين انخفضت درجة الحرارة إلى نحو 3000 كلفن وانخفضت كثافة البروتونات إلى 310 /سم3، واتحدت البروتونات والإلكترونات فشكلت ذرات الهدروجين، أصبح الكون شفافا للإشعاع المرئي. ويفترض أن النجوم والمجرَّات تشكلت في المليار سنة التالي، لكنه لا توجد حتى اليوم نظرية مرضية حول تشكل المجرَّات، حتى إنه من غير المعروف إذا كانت النجوم أم المجرَّات أم عناقيد المجرَّات هي التي تشكلت أولاً، مع أن أرصاد الفروق بين أشكال المجرَّات داخل العناقيد الغنية وخارجها تقدم دليلاً مادياً على أن العناقيد الغنية الحالية هي انعكاس لظروف بدائية.

    وبينما يبقى تشكل المادة وتطورها المبكر غير مؤكد إطلاقاً - وهو موضوع خلاف نظري كبير - إلا أن المخطط العام لسيرورة تطور الكون ابتداء من حالة حارَّة كثيفة يلقى دعماً قوياً من ثلاثة أنواع مختلفة من الأرصاد:

    1 - توسع الكون الحالي الذي تحقق منه هَبل وهيوماسون عام 1931.

    2 - وفرة الهدروجين والهليوم النسبية الحالية. فالنموذج العياري للانفجار العظيم يتنبأ أن تكون نسبة كتلتي هذين العنصرين إلى بعضهما هي 3 إلى 1 بغض النظر عن قيمة q0. وهي بالضبط - ضمن أخطاء القياس - النسبة المرصودة حالياً، فيما عدا زيادات محلية طفيفة في الهليوم يمكن فهمها على أساس الاندماج داخل النجوم.

    3 - الإشعاع مكروي الموجة microwave radiation الذي يصل بصورة متماثلة المناحي من الفضاء والذي طيفه هو الطيف المميز لإشعاع جسم أسود درجة حرارته 2.7 كلفن. وفيما يأتي شرح لإشعاع الخلفية هذا.

    إشعاع الخلفية الكونية

    حين أصبح الهدروجين معتدلاً (أي حين اتحدت البروتونات والإلكترونات) عند درجة حرارة تبلغ نحو 3000 كلفن انخفضت عتمة المادة فجأة وأصبحت المادة والإشعاع منفصلين فعلاً. عند ذلك كان الإشعاع على شكل ضوء مرئي مميز للإشعاع الذي يصدره جسم أسود درجة حرارته 3000 كلفن. ولكن لرصد هذا الإشعاع في الوقت الحاضر ينبغي النظر إلى الماضي، إلى ذلك الزمن الذي انفصل فيه الإشعاع عن المادة. وأجزاء الكون الوحيدة التي لايزال يمكن رصد الإشعاع الذي أصدرته منذ 1 إلى 2×1010 سنة مضت هي تلك الأجزاء التي تقع على بعد 1 إلى 2×1010 سنة ضوئية. وبسبب توسع الكون تتقهقر هذه الأجزاء بسرعة تبلغ جزأين من المليون من سرعة الضوء. ولذلك فإن تواترات ذلك الضوء المرئي تنزاح وفق مفعول دوبلر إلى تواترات راديوية مثل تلك الصادرة عن جسم أسود أبرد ألف مرة (أي درجة حرارته 3 كلفن).

    تنبأ بإشعاع الخلفية الكونية عدد من العلماء بصورة مستقلة أحدهم عن الآخر قبل العام 1950. ثم اكتشفه مصادفة عام 1965 العالمان الأمريكيان بنزياس A.A.Penzias وويلسون R.W.Wilson اللذان كانا يحاولان استخدام هوائي كبير على شكل بوق مصمَّم للاتصالات عبر السواتل من أجل معايرة المصادر الراديوية المجرّية معايرة مطلقة فواجها ضجيج خلفية غير متوقع. وقد أثبتت أرصاد عديدة لاحقة أن طيف إشعاع الخلفية هذا هو طيف جسم أسود.

    لابد من التأكيد على أنه لا يوجد موقع للانفجار العظيم، فقد كان في كل مكان. وكوكب الأرض هو في الكون اليوم وكان على الدوام محاطاً به؛ ولذلك فإن إشعاع الخلفية يأتي من كل الاتجاهات في الفضاء، ولا يقدم طبعاً أي دلالة على مركز ما أو نقطة رصد مفضلة. وإشعاع الخلفية هو أيضاً «الأفق» الحالي للكون القابل للرصد. وينبغي للنظر أبعد في الفضاء النظر أبعد في ماضي الزمان، أي النظر في كرة النار العاتمة التي لا يمكن أن يخترقها النظر. إن إشعاع الخلفية الراديوي آتٍ من آخر سطح مشع قبل أن يصبح الكون شفافاً ويقوم ذلك السطح مقام ستار عاتم يحيط بالأرض كليا. ولكن ذلك الأفق يتقهقر مع مرور الزمن ولذلك سيكون من الممكن في المستقبل البعيد النظر إلى مسافات أبعد في الماضي أي إلى مسافات أبعد في الفضاء.

    كون الحالة المستقرة

    تشكل الخلفية المكروية الموجة أفضل برهان على أن الكون تطور ابتداء من حالة كثيفة حارَّة، وتعدّ عموماً أنها تنفي الكوسمولوجيا الأخرى المبنية على المبدأ الكوسمولوجي الكامل، وبالذات على أن الكون هو نفسه (في المقاييس الكبيرة) ليس فقط أينما كان وإنما في كل زمان. ولدى توسع الكون ينبغي أن تكون مادة جديدة قد خلقت للحفاظ على كثافة ثابتة، وبالمعدل الصحيح بالضبط للحفاظ على النسبة ذاتها بين المجرَّات الفتية والقديمة. وكون الحالة المستقرة هذا كان أبديا ليست له بداية محددة ولم يكن لديه سطح عاتم حار مشع في الماضي.

    الانحرافات الممكنة عن طيف الجسم الأسود

    بينت الأرصاد المجراة بوساطة المناطيد عالية الارتفاع لإشعاع الخلفية الكونية اختلافات صغيرة في طيف إشعاع الخلفية من الأمواج المكروية عن طيف إشعاع الجسم الأسود؛ إذ يبدو أن الطيف يقع أعلى قليلاً من طيف الجسم الأسود عند طول موجة الذروة (نحو 1مم) وأخفض منه قليلاً عند الأطوال الموجية الأقصر.وتبدو التباينات ذات شأن، ولكن لما كان من الصعب إجراء التصحيحات التي تأخذ بالحسبان الآثار الجوية وآثار أجهزة القياس فإن هذه الأرصاد بحاجة إلى التأكد منها. فإذا تبين أن الانحرافات عن طيف الجسم الأسود حقيقية عنى ذلك أنها لا تزال غير مفهومة، ولكنها لا يتوقع على أي حال أن تغير التفسير الرئيسي لإشعاع الخلفية الكونية.

    اللاتناحي: عند المقاييس الصغيرة ( دقائق قوسية قليلة فقط) يكون إشعاع الخلفية متناحياً إلى أقصى حد - إلى أفضل من عدة أجزاء في 10000 - وهذا يضع حداً أعلى لتغيرات درجة حرارة المادة المُصدِرة. وتأرجحات الكثافة في تلك المادة - والتي لابد أنها كانت موجودة بالتأكيد لكي توجد مناطق عدم استقرار تثاقلي ضرورية لتكثف المجرَّات والعناقيد - كانت ستولّد تغيرات في درجة الحرارة قريبة من هذا الحد. ولذلك من السابق لأوانه القول إن الأرصاد ذات الحساسية الأعلى عند توفرها سوف تجد عدم تجانس في المقاييس الصغيرة.

    لكن مجموعتين كانتا قد رصدتا - بصورة مستقلة إحداهما عن الأخرى ـ عدم تماثل المناحي في إشعاع الخلفية في المقاييس الكبيرة بوساطة هوائي على شكل بوق محمول على منطاد إلى ارتفاع 27كم وبوساطة هوائي مماثل محمول على طائرة إلى ارتفاع 20كم. وكان اللاتناحي المرصود منسجماً مع ثنائي قطب سعته 0.003كم متراكب مع خلفية متناحية، وهو يفسَّر عادة على أنه عائد إلى حركة خاصة للشمس - بالنسبة إلى الخلفية نفسها - سرعتها نحو 300كم/ثا. وعلى هذا ينزاح الإشعاع القادم من الاتجاه في السماء، الذي تقترب منه الشمس، قليلاً نحو الأطوال الموجية الأقصر مقارنة بالوسطي ويبدو كأنه وارد من جسم أسود أسخن قليلاً، وينزاح الإشعاع القادم من الجهة المقابلة بصورة معاكسة فيبدو كأنه وارد من جسم أسود أبرد قليلا. وحين يؤخذ بالحسبان دوران مجرتنا وحركتها في المجموعة المحلية يُستنتج أن هذه المجموعة تبدو أنها تتحرك بسرعة تبلغ نحو 500 كم/ثا بالنسبة إلى الخلفية في اتجاه يصنع 40 درجة جنوب عنقود العذراء. وأحد تفسيرات ذلك أن لدى العنقود الفائق المحلي من التثاقل ما يكفي لإبطاء توسعه بعض الشيء مقارنة بتوسع الكون كله، إذ إن المجموعة المحلية تبتعد عن مركز العنقود الفائق بسرعة تبلغ بضع مئات الكيلومترات في الثانية أقل مما لو لم يكن هناك جذب تثاقلي وكانت المجموعة المحلية تتحرك وفق التوسع العام للكون.

    بسام المعصراني
يعمل...
X