كانيش (كولتبه) Kanesh - Kanesh
كانيش (كولتِبِِه)
كانيش Kanish مستعمرة تجارية آشورية في كبادوكيا Cappadocia بآسيا الصغرى، تقع على بعد عشرين كيلو متراً إلى الشمال الشرقي من مدينة قيسارية Kayseri في تركيا، وتسمى حالياً كولتِبه Kultepe.
تتألف من هضبة، قطرها خمسمئة متر وارتفاعها عشرون متراً، ومن المدينة المنخفضة كارو Káru - وتعني الوكالة التجارية - التي تحيط بالهضبة من جهاتها الأربع، والتي سكنها التجار الآشوريون، وقطرها كيلومتر واحد مع الهضبة والقلعة التي تقع في وسطها، وتحيط بالكل أسوار قوية.
بدأ التنقيب فيها إرنست شانتر E.Chantre عام 1893 و1894، ثم هوغو ڤينكلر H.Winckler وهـ.غروتِه H.Grothe عام 1906، وتابع العمل بيدريتش هروزني B.Hrozny عام 1925، وتمكن من اكتشاف مصدر الألواح الكتابية التي عثر عليها قبلاً، وهو كارو، أو المركز التجاري للمستوطنين الآشوريين.
بدأت في عام 1948 تنقيبات منتظمة في الهضبة وفي كارو، قام بها فريق من الجمعية التاريخية التركية، والمديرية العامة للشؤون التاريخية والمتاحف بإدارة تحسين أوزغوس T.Ozguç.
أظهرت الحفريات أن أقدم استيطان في المنطقة يعود إلى العصر الحجري النحاسي المتأخر Chalcolithic، ثم تلاه العصر البرونزي القديم، فالعصر الحثي، ثم العصر الفريجي Phrygian، فالهلنستي والروماني والبيزنطي.
كُشف في كانيش عن طبقات أثرية عدة، تعود إلى الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد، أقدمها تحوي معبداً يعد من أقدم معابد الأناضول على الإطلاق، ثم توسعت المدينة زمن الوكالة التجارية وبنيت فيها القصور والمعابد والأبنية الكبيرة.
موقع التنقيب في كانيش
أغنى الطبقات كانت الأولى والثانية، وعثر فيهما على مدينة تحوي بيوتاً مخططاتها مربعة، بنيت من الحجر والطين، تألف بعضها من غرفة أو غرفتين من دون نوافذ، وهناك بيوت كبيرة تألفت من طابقين وبجانبها تنانير للخبز ولشيّ الفخار، وفي ساحات البيوت انتشرت الدكاكين والورشات والمستودعات، وحولها الأزقة والساحات الواسعة.
كما اكتشف قصران، أحدهما قصر الملك الأناضولي أنيتا Anitta الذي عاصر الوجود الآشوري، وعثر فيه على عدد من الألواح المكتوبة بالمسمارية. والقصر الثاني يعود إلى عهد الملك فارشاما Varshama، وعلى الرغم من تهدم معظمه، إلا أنه كُشف عن خمسين غرفة من الطابق الأرضي وجزء من الأرشيف، الذي احتوى بعض المراسلات بين ملك كانيش وبعض ملوك المناطق المجاورة.
وقد تضمن أرشيف الموقع آلاف الألواح الكتابية التي دونت باللغة الآشورية القديمة، كما وجدت كتابات مصرية وسومرية وبابلية، حوت معلومات قيمة عن التجارة بين الآشوريين والأناضول، ومعلومات اجتماعية عن الزواج والطلاق والإرث، وقرارات المحاكم، والمراسلات مع الأمراء المحليين، كما عثر بين هذه الألواح على عدد من النصوص الأدبية ونصوص تدريبية؛ مما دل على وجود مدارس لتعليم الكتابة والقراءة.
عثر على كثير من اللقى الأثرية الفخارية والمعدنية، ومنها الجرار الملونة والمزخرفة، والأواني ذات الأشكال الحيوانية (الريطون) Rhytons، وتماثيل الآلهة المذكرة والمؤنثة المصنوعة من المعادن المختلفة والعاج، والأختام الأسطوانية ذات المشاهد الأسطورية، إضافة إلى أدوات الزينة والأسلحة وأدوات الزراعة وغيرها، وكل هذه اللقى تظهر امتزاج الثقافة الرافدية بالثقافة الأناضولية، وتشهد على علاقات تجارية وثقافية عميقة مع سورية ومصر زمن الدولة الوسطى، ولاسيما مع العثور على أوانٍ في موقع وكالة «كيرما» Kerma التجارية في النوبة، وهي نسخ لأشكال أناضولية.
ودام الوجود التجاري الآشوري في كانيش، من 1950ق.م حتى 1650ق.م تقريباً، كانت كانيش في أثنائها عقدة مواصلات المركز الرئيس لشبكة التجارة الآشورية في آسيا الصغرى. وكانت كانيش تفصل في المنازعات بين التجار، وأحياناً بين التجار الآشوريين وغيرهم من المحليين. كما قام التجار الآشوريون باستثمار المناجم، واحتكروا بيع النحاس المحلي، وقاموا بتصنيع البرونز مع القصدير ذي الأصل القفقاسي، وأتوا بالأقمشة من بلاد مابين النهرين.
ومن الواضح أن العلاقة بين الجالية الأجنبية الثرية وبين السكان المحليين وحكامهم لم تكن على ما يرام، وإنما اعتراها في كثير من الأحيان الجفاء والشعور بالاستياء، وهذا ما أدى بالنتيجة إلى تدمير وإحراق كاروم كانيش والمستوطنات التابعة لها على أيدي الدولة الحثية التي ستوحد قريباً كل مدن آسيا الصغرى، وتأسيس إمبراطورية مترامية الأطراف.
ومع زوال التجار الأجانب توقفت عجلة الاقتصاد في كبادوكيا، وتراجع جزء من الإسهام الحضاري والثقافي الرافدي في منطقة الأناضول التي دخلت في عصر الظلام.
إبراهيم توكلنا
كانيش (كولتِبِِه)
كانيش Kanish مستعمرة تجارية آشورية في كبادوكيا Cappadocia بآسيا الصغرى، تقع على بعد عشرين كيلو متراً إلى الشمال الشرقي من مدينة قيسارية Kayseri في تركيا، وتسمى حالياً كولتِبه Kultepe.
تتألف من هضبة، قطرها خمسمئة متر وارتفاعها عشرون متراً، ومن المدينة المنخفضة كارو Káru - وتعني الوكالة التجارية - التي تحيط بالهضبة من جهاتها الأربع، والتي سكنها التجار الآشوريون، وقطرها كيلومتر واحد مع الهضبة والقلعة التي تقع في وسطها، وتحيط بالكل أسوار قوية.
بدأ التنقيب فيها إرنست شانتر E.Chantre عام 1893 و1894، ثم هوغو ڤينكلر H.Winckler وهـ.غروتِه H.Grothe عام 1906، وتابع العمل بيدريتش هروزني B.Hrozny عام 1925، وتمكن من اكتشاف مصدر الألواح الكتابية التي عثر عليها قبلاً، وهو كارو، أو المركز التجاري للمستوطنين الآشوريين.
بدأت في عام 1948 تنقيبات منتظمة في الهضبة وفي كارو، قام بها فريق من الجمعية التاريخية التركية، والمديرية العامة للشؤون التاريخية والمتاحف بإدارة تحسين أوزغوس T.Ozguç.
أظهرت الحفريات أن أقدم استيطان في المنطقة يعود إلى العصر الحجري النحاسي المتأخر Chalcolithic، ثم تلاه العصر البرونزي القديم، فالعصر الحثي، ثم العصر الفريجي Phrygian، فالهلنستي والروماني والبيزنطي.
كُشف في كانيش عن طبقات أثرية عدة، تعود إلى الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد، أقدمها تحوي معبداً يعد من أقدم معابد الأناضول على الإطلاق، ثم توسعت المدينة زمن الوكالة التجارية وبنيت فيها القصور والمعابد والأبنية الكبيرة.
موقع التنقيب في كانيش
أغنى الطبقات كانت الأولى والثانية، وعثر فيهما على مدينة تحوي بيوتاً مخططاتها مربعة، بنيت من الحجر والطين، تألف بعضها من غرفة أو غرفتين من دون نوافذ، وهناك بيوت كبيرة تألفت من طابقين وبجانبها تنانير للخبز ولشيّ الفخار، وفي ساحات البيوت انتشرت الدكاكين والورشات والمستودعات، وحولها الأزقة والساحات الواسعة.
كما اكتشف قصران، أحدهما قصر الملك الأناضولي أنيتا Anitta الذي عاصر الوجود الآشوري، وعثر فيه على عدد من الألواح المكتوبة بالمسمارية. والقصر الثاني يعود إلى عهد الملك فارشاما Varshama، وعلى الرغم من تهدم معظمه، إلا أنه كُشف عن خمسين غرفة من الطابق الأرضي وجزء من الأرشيف، الذي احتوى بعض المراسلات بين ملك كانيش وبعض ملوك المناطق المجاورة.
وقد تضمن أرشيف الموقع آلاف الألواح الكتابية التي دونت باللغة الآشورية القديمة، كما وجدت كتابات مصرية وسومرية وبابلية، حوت معلومات قيمة عن التجارة بين الآشوريين والأناضول، ومعلومات اجتماعية عن الزواج والطلاق والإرث، وقرارات المحاكم، والمراسلات مع الأمراء المحليين، كما عثر بين هذه الألواح على عدد من النصوص الأدبية ونصوص تدريبية؛ مما دل على وجود مدارس لتعليم الكتابة والقراءة.
عثر على كثير من اللقى الأثرية الفخارية والمعدنية، ومنها الجرار الملونة والمزخرفة، والأواني ذات الأشكال الحيوانية (الريطون) Rhytons، وتماثيل الآلهة المذكرة والمؤنثة المصنوعة من المعادن المختلفة والعاج، والأختام الأسطوانية ذات المشاهد الأسطورية، إضافة إلى أدوات الزينة والأسلحة وأدوات الزراعة وغيرها، وكل هذه اللقى تظهر امتزاج الثقافة الرافدية بالثقافة الأناضولية، وتشهد على علاقات تجارية وثقافية عميقة مع سورية ومصر زمن الدولة الوسطى، ولاسيما مع العثور على أوانٍ في موقع وكالة «كيرما» Kerma التجارية في النوبة، وهي نسخ لأشكال أناضولية.
ودام الوجود التجاري الآشوري في كانيش، من 1950ق.م حتى 1650ق.م تقريباً، كانت كانيش في أثنائها عقدة مواصلات المركز الرئيس لشبكة التجارة الآشورية في آسيا الصغرى. وكانت كانيش تفصل في المنازعات بين التجار، وأحياناً بين التجار الآشوريين وغيرهم من المحليين. كما قام التجار الآشوريون باستثمار المناجم، واحتكروا بيع النحاس المحلي، وقاموا بتصنيع البرونز مع القصدير ذي الأصل القفقاسي، وأتوا بالأقمشة من بلاد مابين النهرين.
ومن الواضح أن العلاقة بين الجالية الأجنبية الثرية وبين السكان المحليين وحكامهم لم تكن على ما يرام، وإنما اعتراها في كثير من الأحيان الجفاء والشعور بالاستياء، وهذا ما أدى بالنتيجة إلى تدمير وإحراق كاروم كانيش والمستوطنات التابعة لها على أيدي الدولة الحثية التي ستوحد قريباً كل مدن آسيا الصغرى، وتأسيس إمبراطورية مترامية الأطراف.
ومع زوال التجار الأجانب توقفت عجلة الاقتصاد في كبادوكيا، وتراجع جزء من الإسهام الحضاري والثقافي الرافدي في منطقة الأناضول التي دخلت في عصر الظلام.
إبراهيم توكلنا