جلال (محمود)
Jalal (Mahmoud-) - Jalal (Mahmoud-)
جلال (محمود ـ)
(1911ـ1975)
محمود جلال مصور ونحات ولد في طرابلس الغرب (ليبية)، وتوفي في دمشق. وبعد عام من ولادته التجأت عائلته إلى تركية هرباً من الإيطاليين، وفي عام 1914، عين والده في سلك القضاء، وانتقل إلى سورية، وإلى عدد من مدنها: السويداء وقطنا ودرعا ودير الزور، ثم استقر في دمشق متقاعداً عام 1933.
ظهرت ميوله الفنية منذ طفولته، فشجعه والده وأساتذته على متابعتها. وفي عام 1930 تزوج جلال، ودرس الرسم بالمراسلة، ثم سافر إلى إيطالية لدراسة التصوير الزيتي بين عامي 1935-1939، وانتسب في أثنائها إلى مدرسة ليلية للنحت. وبين عامي 1939-1943 عين مدرساً في دير الزور، ثم انتقل إلى مدينة دمشق مدرساً في التجهيز الأولى، ثم مفتشاً للفنون الجميلة بين عامي 1954-1961، ووكيلاً في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وتقاعد في نهايتها، ونال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى بالمرسوم 1609 في 4/8/1971.
بدأ محمود جلال اتباعياً (كلاسيكياً) في أثناء دراسته في رومة، وهذا ما يبدو واضحاً في لوحة «عارية»، من حيث وضوح الخط المحدد للشكل الإنساني والمستويات المتراكبة عمقاً، وطريقة التظليل، لكن التمازج بين الأخضر والوردي الذي خلق نوعاً من الاهتزاز، وطريقة انخفاض درجة الوضوح الشكلي كانا دليلاً على تململ الفنان وتأهبه للانطلاق.
وتتأكد هذه الملاحظة في لوحة «العجوز» حين تناول التحليل الدقيق لبنائية الوجه، وضربات الفرشاة المديدة والعفوية في منديله حول العنق، ومن حسن الحظ أن الفنان، قد صور على خلفية هذه اللوحة، شكلاً لامرأة بقبعة وثوب وردي مع بعض الدانتيل، إذ يُلاحظ انحرافه إلى التغميض، في تقارب درجات اللون الزهري، والأخضر، والرمادي، المشبعة بالأبيض، كما نلاحظ هذا الظل الواقع على وجه المرأة، ليعطيها الإبهام في تفاصيله. وكل هذا يعني أن محمود جلال بدأ اتباعياً لكنه أخذ بالانحراف عن هذا المذهب، من حيث وضوح الشكل أو الاستعمال اللوني، حتى في مرحلة الدراسة في رومة، وهذا أمر ممكن في تاريخ الفن.
ويمضي جلال خطوة أبعد فالمبالغة التحويرية ومحورية الضوء في لوحة «الكتاب»، والضوء الساقط على الوجه والعتمة الآتية من خلف الأشكال في لوحته «أبناء الموظف» تحمل بعض الملامح الباروكية المناقضة للاتباعية. وهذا التوجه ليكون مقنعاً، ويأخذ مداه، كان يتطلب تغيير الموضوعات وإحلال موضوعات جديدة، تلائم تطلعات الفنان، وميوله المكبوتة، وهكذا بدأ يمتح من الحياة الريفية -مخالفاً الإنتاج المحلي التاريخي في موضوعه- باسم الواقع والحياة، ومحوراً نسبة الشكل الإنساني، باسم المثالية والنبل، وخارجاً على الواقعية الحرفية، باسم المنظومة اللونية، وكل ذلك في حدود ودون شطط، وهذا يعني أن محمود جلال كان يؤسس اللوحة ويفتح بتأسيسها الآفاق المستقبلية للتصوير في سورية.
في لوحة «المختار» تبدو الشاقولية والأفقية المحسوبة بدقة، والمحققة لتوازن وهدوء تكويني، ولكنه في لوحة «الراعي» يميل إلى حركة أشكال في الفراغ، ترسم خطاً منحنياً، على الرغم من توافر المركزية والشاقولية، أما الوجه الجانبي فهو الإشارة المهمة لرسم الفراغ وتوجيهه، وهي أبجدية ستتطور فيما بعد في التصوير السوري المعاصر.
وفي لوحة «صانعة أطباق القش ـ 1951» تعلو نغمة الرقش العربي (أرابسك) في حركة الأشكال، على الرغم من كل مظاهر الهدوء في اللوحة، ويؤكد ذلك الأشكال الدائرية الممثلة لأطباق القش. وفي لوحة «الراعي الصغير» تتأكد المحورية بدل الشاقولية، بين الأرض والسماء مرة، وفي تكوين الأشكال مرة أخرى، أما حركة الأشكال في الفراغ، فتتخذ اتجاهات حلزونية، تتأكد في لوحة «مضافة» ولكن بروز نمط في تكوين الخلفية، يقاربها من التعبيرية، وهي تعبيرية تتأكد باللمسة المديدة والسريعة في لوحة «إلى العين».
وتوازي هذه المسيرة التصويرية مسيرة نحتية، من الأكاديمية في تمثال «ابن رشد» إلى التعبيرية في تمثال «الأمومة» مروراً بالتماثيل «عباس بن فرناس»، و«الاتحاد»، و«فدائي»، والأمومة هي تتويج فذ لخبرة طويلة تكرس مفهوماً نحتياً جديداً في تاريخ النحت السوري.
ينصب إنتاج جلال في إبداعية واسعة هي إبداعية الرواد، بل يشكل فيها لحظة عقدية مهمة. وهذا ما يتطابق مع قول المصور نصير شورى: «إن جلالاً لا يحب أن يأخذ عن الغرب ويطبق، إن له مدرسته الخاصة».
فتح جلال آفاقاً واسعة للتصوير في سورية، لكنه قال مرة عن نفسه «أنا شخصياً أعتبر نفسي رساماً وليس فناناً». كان جلال يخط إذن معادلة الفن الصعبة، كان يبحث عن الروح الإبداعية -وفق غارسيا لوركا- في نسكه وانزوائه وصمته، كان يتلهف للبارقة الحارقة، ويا له من حلم إنساني كبير!!
عبد الله السيد
Jalal (Mahmoud-) - Jalal (Mahmoud-)
جلال (محمود ـ)
(1911ـ1975)
محمود جلال مصور ونحات ولد في طرابلس الغرب (ليبية)، وتوفي في دمشق. وبعد عام من ولادته التجأت عائلته إلى تركية هرباً من الإيطاليين، وفي عام 1914، عين والده في سلك القضاء، وانتقل إلى سورية، وإلى عدد من مدنها: السويداء وقطنا ودرعا ودير الزور، ثم استقر في دمشق متقاعداً عام 1933.
ظهرت ميوله الفنية منذ طفولته، فشجعه والده وأساتذته على متابعتها. وفي عام 1930 تزوج جلال، ودرس الرسم بالمراسلة، ثم سافر إلى إيطالية لدراسة التصوير الزيتي بين عامي 1935-1939، وانتسب في أثنائها إلى مدرسة ليلية للنحت. وبين عامي 1939-1943 عين مدرساً في دير الزور، ثم انتقل إلى مدينة دمشق مدرساً في التجهيز الأولى، ثم مفتشاً للفنون الجميلة بين عامي 1954-1961، ووكيلاً في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وتقاعد في نهايتها، ونال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى بالمرسوم 1609 في 4/8/1971.
بدأ محمود جلال اتباعياً (كلاسيكياً) في أثناء دراسته في رومة، وهذا ما يبدو واضحاً في لوحة «عارية»، من حيث وضوح الخط المحدد للشكل الإنساني والمستويات المتراكبة عمقاً، وطريقة التظليل، لكن التمازج بين الأخضر والوردي الذي خلق نوعاً من الاهتزاز، وطريقة انخفاض درجة الوضوح الشكلي كانا دليلاً على تململ الفنان وتأهبه للانطلاق.
وتتأكد هذه الملاحظة في لوحة «العجوز» حين تناول التحليل الدقيق لبنائية الوجه، وضربات الفرشاة المديدة والعفوية في منديله حول العنق، ومن حسن الحظ أن الفنان، قد صور على خلفية هذه اللوحة، شكلاً لامرأة بقبعة وثوب وردي مع بعض الدانتيل، إذ يُلاحظ انحرافه إلى التغميض، في تقارب درجات اللون الزهري، والأخضر، والرمادي، المشبعة بالأبيض، كما نلاحظ هذا الظل الواقع على وجه المرأة، ليعطيها الإبهام في تفاصيله. وكل هذا يعني أن محمود جلال بدأ اتباعياً لكنه أخذ بالانحراف عن هذا المذهب، من حيث وضوح الشكل أو الاستعمال اللوني، حتى في مرحلة الدراسة في رومة، وهذا أمر ممكن في تاريخ الفن.
محمود جلال: "الراعي الصغير" (المتحف الوطني بدمشق 1951) |
في لوحة «المختار» تبدو الشاقولية والأفقية المحسوبة بدقة، والمحققة لتوازن وهدوء تكويني، ولكنه في لوحة «الراعي» يميل إلى حركة أشكال في الفراغ، ترسم خطاً منحنياً، على الرغم من توافر المركزية والشاقولية، أما الوجه الجانبي فهو الإشارة المهمة لرسم الفراغ وتوجيهه، وهي أبجدية ستتطور فيما بعد في التصوير السوري المعاصر.
وفي لوحة «صانعة أطباق القش ـ 1951» تعلو نغمة الرقش العربي (أرابسك) في حركة الأشكال، على الرغم من كل مظاهر الهدوء في اللوحة، ويؤكد ذلك الأشكال الدائرية الممثلة لأطباق القش. وفي لوحة «الراعي الصغير» تتأكد المحورية بدل الشاقولية، بين الأرض والسماء مرة، وفي تكوين الأشكال مرة أخرى، أما حركة الأشكال في الفراغ، فتتخذ اتجاهات حلزونية، تتأكد في لوحة «مضافة» ولكن بروز نمط في تكوين الخلفية، يقاربها من التعبيرية، وهي تعبيرية تتأكد باللمسة المديدة والسريعة في لوحة «إلى العين».
محمود جلال: "عباس بن فرناس" (المتحف الوطني بدمشق 1969) |
ينصب إنتاج جلال في إبداعية واسعة هي إبداعية الرواد، بل يشكل فيها لحظة عقدية مهمة. وهذا ما يتطابق مع قول المصور نصير شورى: «إن جلالاً لا يحب أن يأخذ عن الغرب ويطبق، إن له مدرسته الخاصة».
فتح جلال آفاقاً واسعة للتصوير في سورية، لكنه قال مرة عن نفسه «أنا شخصياً أعتبر نفسي رساماً وليس فناناً». كان جلال يخط إذن معادلة الفن الصعبة، كان يبحث عن الروح الإبداعية -وفق غارسيا لوركا- في نسكه وانزوائه وصمته، كان يتلهف للبارقة الحارقة، ويا له من حلم إنساني كبير!!
عبد الله السيد