مردم بك (عدنان)
Mardam Baik (Adnan-) - Mardam Baik (Adnan-)
مردم بك (عدنان ـ)
(1917 ـ 1988)
عدنان مردم بك، شاعرٌ، من رواد المسرح الشعري، ولد بدمشق لأب عظيم في شهرته وعبقريته هو الشاعر خليل مردم بك[ر]، ومن أم عريقة في نسبها وتقواها هي فاطمة الزهراء الحمزاوي في منطقة البوص الجهة الشرقية الجنوبية من مدينة دمشق.
في هذا البيت الشامي الأثري الذي يقع بقرب سوق الحميدية إلى جانب سوق الصاغة الجديد من جهة الشمال وبموازاة قصر العظم من جهة الشرق حيث تحيط به قلعة دمشق القديمة، والجامع الأموي ومقام السيدة رقيّة من الغرب والجنوب.
في كنف هذه الأسرة العريقة في أدبها ونسبها نشأ الشاعر عدنان مردم بك وترعرع إلى جانب أخيه الأصغر هيثم وأخواته لميس وفاطمة ومايا.
ولأنه كان الابن الأكبر لوالده خليل مردم فقد نشأت علاقة حميمة بين الابن وأبيه على مدى اثنتين وأربعين سنة أمضياها معاً جنباً إلى جنب، كانت فيها (دار الخليل) محجّاً لرجال الفكر والسياسة والأدب من داخل سورية وخارجها، ونمت موهبة عدنان مردم بك الذي كان يرى تلك الشخصيات الأدبية والفكرية تؤم محجّ أبيه، ويستمع إلى الحوارات الأدبية والمناقشات الفكرية والسياسية من كثب، وتتفتح عبقريته في مكتبة والده التي تضم آلاف الكتب الأدبية والتراثية؛ ما إن يفرغ من قراءة كتاب حتى يتناول كتاباً آخر، وغالباً ما كان يستمر في القراءة حتى ساعة متأخرة من الليل؛ مما جعله عاشقاً للعربية متفوقاً على أقرانه في المدارس التي نهل منها علومه الأولى وهي على التوالي (مدرسة الملك الظاهر) الابتدائية التي كانت تسمى مدرسة (الجقمقية) نسبة إلى الأمير جقمق المملوكي، ثم انتقل إلى مدرسة (العازارية) في باب توما، فالكلية العلمية الوطنية في منطقة البزورية بدمشق، ثم المدرسة التجهيزية التي تسمى حالياً (جودت الهاشمي) لينال منها الشهادة الثانوية (البكالوريا) عام 1934م ويدخل معهد الحقوق وينال إجازة في الحقوق عام 1940م.
التحق بعدها بمكتب المحامي سعيد الغزي متدرباً ثم محامياً عاملاً. وبعد ثمانية أعوام من عمله في المحاماة تقدم إلى مسابقة في القضاء، وعُيِّن قاضياً في مدينة حمص عام 1948م، ثم أصبح قاضياً للاستئناف حتى عام 1962م ومستشاراً في محكمة النقض بدمشق، واستمر في القضاء حتى عام 1966م. أحيل بعدها على التقاعد متفرغاً لإنتاجه الإبداعي.
إن السمة الأكثر بروزاً لدى الشاعر عدنان مردم بك، وتثير انتباه المرء هي مَلَكَة الصمت المهيب العميق الذي كان يتمتع به, ومردّه التأمل والتفكير، وإذا تكلم تتابعت كلماته بهدوء ورزانة وصوت خافت يدلّ على ذوق رفيع وتربية راقية وشخصية رزينة هادئة ربما تشبه إلى حد كبير شخصية والده الخليل، وربما تظهر هيبة القاضي ورزانته فوق قوس المحكمة، غير أن إبراهيم الكيلاني يرجح تشبهه بأبيه حيث يقول: «إن عدنان مردم يمثّل الظلّ بالنسبة إلى أبيه خليل مردم، حاول أن يتتبع خطا والده في حياته وبعد مماته، في أحاديثه وفي مشيته، في عزلته وفي علاقاته الاجتماعية، فقد كان يعتبره القدوة والمثل الأعلى، ويعجب بشخصيته أيما إعجاب، لذلك كان يتقصد أن يحاكيه في شعره وسلوكه ومواقفه».
الأمر الثاني الذي يُؤْثَر عن الشاعر عدنان مردم هو تعلقه الشديد باللغة العربية وتمكنه المدهش من صرفها ونحوها، فإذا أضَفْتَ إلى عنايته باللغة قوة الذاكرة والصوت المتهدج الخافت الرصين واللهجة الجذّابة صار كلامه أشبه بالسحر يملك على المستمع قلبه وعقله. وقد أعطى جانباً مهماً من حياته لنشر المخطوطات التي خلفها والده الخليل برّاً بأبيه؛ ففي حياته لم يكن يسمح لنفسه أن يتقدّم حتى ولو بالذكر أو بالنشر على أبيه وبعد وفاة والده صرف ما تبقى من عمره لنشر المخطوطات الشعرية والنثرية التي خلفها وراءه الخليل.
ها هو يحذو حذو والده ـ الذي كان اللسان الناطق لأمته وشعبه في نضالهما القومي بآياته البيانية ـ في كل مناسبة وطنية وقومية وعشقه لدمشق التي يقول فيها:
طابت منابت تربها وتألقت
عن كل زاهرة تروق وتعشق
ما كان بدعاً أن تطيب غراسها
ودم الضحايا مالجٌ متدفق
وإزاءها ماضٍ يشوق كتابة
فيه الفخار مدبّج ومنمّق
صفحاته فوق الثرى منشورة
هيهات تبلى أو ترثّ وتخلق
بردى نشيد خالدٌ عن غابرٍ
تاه الزمان به وعزّ المشرق
وفي مجموعاته الشعرية الأربع التي أبدعها تظهر بوضوح تلك المشاعر الوطنية والقومية المتأججة وذلك الفخر الكبير بمآثر الأمة ونضالاتها وهي على التوالي: «نجوى، صفحة ذكرى، عبير، نفحات شامية»، وقد نظم الشعر في سن مبكرة إذ لم يتم الخامسة عشرة من عمره حينما نشر قصائده في أمهات الصحف والمجلات.
أما حول التأليف المسرحي فمعظم الآراء تلتقي حول نشره المسرحية الأولى «فتح عمورية» في مجلة «الشام» لصاحبها خليل محفل وله من العمر ستة عشر عاماً، وبعد عام واحد نشر مسرحية «عبد الرحمن الداخل» في مجلة «العرفان» وأتبعها بمسرحية «مصرع الحسين»، ثم نظم مسرحية «جميل بثينة» ونشر مقدار فصل واحد منها في مجلة «الإنسانية» لصاحبها وجيه بيضون، وفي الوقت ذاته لم ينقطع عن نشر القصائد الغنائية والقومية والوصفية في العديد من الدوريات العربية أمثال مجلة «الثقافة المصرية» ومجلة «المقتطف» ومجلة «السياسة الأسبوعية» ومجلات «العرفان والبرق والأديب والطريق والكتّاب»، ثم انقطع مدّة لا بأس بها عن النشر استمرت حتى العام 1956 جاءت بعدها مسرحيات «غادة أفاميا، العباسة، الملكة زنوبيا، الحلاج، رابعة العدوية»، وقد نالت هذه المسرحية في أسبوع الكتاب الصوفي العالمي الذي أقيم في عاصمة الأرجنتين من اللجنة الاستشارية العالمية ومن اليونسكو الجائزة الثالثة ومنح الشاعر لقب بروفسور، ثم ألف مسرحية «مصرع غرناطة» وقد ترجم البروفسور برنت جونيس فصولاً منها إلى الاسبانية. ثم مسرحية «فلسطين الثائرة» و«فاجعة مايرلنغ» و«ديوجين الحكيم» و«دير ياسين» و«الأتلنتيد» و«أبو بكر الشبلي» و«المغفّل» و«القزم» وقد ترجمت المستشرقة البولونية ايفا لورنغ معظم هذه المسرحيات إلى اللغة البولونية. وهناك مخطوط بعنوان «عالم الليل» أشار إليه الشاعر قبل رحيله بأنه قيد الطبع لكنه لم يرَ النور حتى اليوم.
انتسب إلى اتحاد الكتّاب العرب عام 1982 وأصبح عضواً بارزاً في جمعية الشعر ومنح عام 1987 شهادة الدكتوراه الفخرية، إضافة إلى عدّة شهادات تقديرية أخرى.
توفي عن عمر يزيد على السبعين عاماً، وبرحيله تطوى حياة رائد مهم من روّاد المسرحية الشعرية ليس في سورية فحسب بل في الوطن العربي. بعد أن أثرى هذا المسرح بالعديد من النصوص المسرحية التقليدية التي لم تمتد إليها يد الإخراج حتى اليوم؛ ربما بسبب ارتفاع نبرة الشعر وانخفاض نبرة المسرح، وربما بسبب عدم قدرة الشعر الموزون المقفى على شدّ الجمهور والصمود أمام المسرح الحديث .
حسين حموي
Mardam Baik (Adnan-) - Mardam Baik (Adnan-)
مردم بك (عدنان ـ)
(1917 ـ 1988)
في هذا البيت الشامي الأثري الذي يقع بقرب سوق الحميدية إلى جانب سوق الصاغة الجديد من جهة الشمال وبموازاة قصر العظم من جهة الشرق حيث تحيط به قلعة دمشق القديمة، والجامع الأموي ومقام السيدة رقيّة من الغرب والجنوب.
في كنف هذه الأسرة العريقة في أدبها ونسبها نشأ الشاعر عدنان مردم بك وترعرع إلى جانب أخيه الأصغر هيثم وأخواته لميس وفاطمة ومايا.
ولأنه كان الابن الأكبر لوالده خليل مردم فقد نشأت علاقة حميمة بين الابن وأبيه على مدى اثنتين وأربعين سنة أمضياها معاً جنباً إلى جنب، كانت فيها (دار الخليل) محجّاً لرجال الفكر والسياسة والأدب من داخل سورية وخارجها، ونمت موهبة عدنان مردم بك الذي كان يرى تلك الشخصيات الأدبية والفكرية تؤم محجّ أبيه، ويستمع إلى الحوارات الأدبية والمناقشات الفكرية والسياسية من كثب، وتتفتح عبقريته في مكتبة والده التي تضم آلاف الكتب الأدبية والتراثية؛ ما إن يفرغ من قراءة كتاب حتى يتناول كتاباً آخر، وغالباً ما كان يستمر في القراءة حتى ساعة متأخرة من الليل؛ مما جعله عاشقاً للعربية متفوقاً على أقرانه في المدارس التي نهل منها علومه الأولى وهي على التوالي (مدرسة الملك الظاهر) الابتدائية التي كانت تسمى مدرسة (الجقمقية) نسبة إلى الأمير جقمق المملوكي، ثم انتقل إلى مدرسة (العازارية) في باب توما، فالكلية العلمية الوطنية في منطقة البزورية بدمشق، ثم المدرسة التجهيزية التي تسمى حالياً (جودت الهاشمي) لينال منها الشهادة الثانوية (البكالوريا) عام 1934م ويدخل معهد الحقوق وينال إجازة في الحقوق عام 1940م.
التحق بعدها بمكتب المحامي سعيد الغزي متدرباً ثم محامياً عاملاً. وبعد ثمانية أعوام من عمله في المحاماة تقدم إلى مسابقة في القضاء، وعُيِّن قاضياً في مدينة حمص عام 1948م، ثم أصبح قاضياً للاستئناف حتى عام 1962م ومستشاراً في محكمة النقض بدمشق، واستمر في القضاء حتى عام 1966م. أحيل بعدها على التقاعد متفرغاً لإنتاجه الإبداعي.
إن السمة الأكثر بروزاً لدى الشاعر عدنان مردم بك، وتثير انتباه المرء هي مَلَكَة الصمت المهيب العميق الذي كان يتمتع به, ومردّه التأمل والتفكير، وإذا تكلم تتابعت كلماته بهدوء ورزانة وصوت خافت يدلّ على ذوق رفيع وتربية راقية وشخصية رزينة هادئة ربما تشبه إلى حد كبير شخصية والده الخليل، وربما تظهر هيبة القاضي ورزانته فوق قوس المحكمة، غير أن إبراهيم الكيلاني يرجح تشبهه بأبيه حيث يقول: «إن عدنان مردم يمثّل الظلّ بالنسبة إلى أبيه خليل مردم، حاول أن يتتبع خطا والده في حياته وبعد مماته، في أحاديثه وفي مشيته، في عزلته وفي علاقاته الاجتماعية، فقد كان يعتبره القدوة والمثل الأعلى، ويعجب بشخصيته أيما إعجاب، لذلك كان يتقصد أن يحاكيه في شعره وسلوكه ومواقفه».
الأمر الثاني الذي يُؤْثَر عن الشاعر عدنان مردم هو تعلقه الشديد باللغة العربية وتمكنه المدهش من صرفها ونحوها، فإذا أضَفْتَ إلى عنايته باللغة قوة الذاكرة والصوت المتهدج الخافت الرصين واللهجة الجذّابة صار كلامه أشبه بالسحر يملك على المستمع قلبه وعقله. وقد أعطى جانباً مهماً من حياته لنشر المخطوطات التي خلفها والده الخليل برّاً بأبيه؛ ففي حياته لم يكن يسمح لنفسه أن يتقدّم حتى ولو بالذكر أو بالنشر على أبيه وبعد وفاة والده صرف ما تبقى من عمره لنشر المخطوطات الشعرية والنثرية التي خلفها وراءه الخليل.
ها هو يحذو حذو والده ـ الذي كان اللسان الناطق لأمته وشعبه في نضالهما القومي بآياته البيانية ـ في كل مناسبة وطنية وقومية وعشقه لدمشق التي يقول فيها:
طابت منابت تربها وتألقت
عن كل زاهرة تروق وتعشق
ما كان بدعاً أن تطيب غراسها
ودم الضحايا مالجٌ متدفق
وإزاءها ماضٍ يشوق كتابة
فيه الفخار مدبّج ومنمّق
صفحاته فوق الثرى منشورة
هيهات تبلى أو ترثّ وتخلق
بردى نشيد خالدٌ عن غابرٍ
تاه الزمان به وعزّ المشرق
وفي مجموعاته الشعرية الأربع التي أبدعها تظهر بوضوح تلك المشاعر الوطنية والقومية المتأججة وذلك الفخر الكبير بمآثر الأمة ونضالاتها وهي على التوالي: «نجوى، صفحة ذكرى، عبير، نفحات شامية»، وقد نظم الشعر في سن مبكرة إذ لم يتم الخامسة عشرة من عمره حينما نشر قصائده في أمهات الصحف والمجلات.
أما حول التأليف المسرحي فمعظم الآراء تلتقي حول نشره المسرحية الأولى «فتح عمورية» في مجلة «الشام» لصاحبها خليل محفل وله من العمر ستة عشر عاماً، وبعد عام واحد نشر مسرحية «عبد الرحمن الداخل» في مجلة «العرفان» وأتبعها بمسرحية «مصرع الحسين»، ثم نظم مسرحية «جميل بثينة» ونشر مقدار فصل واحد منها في مجلة «الإنسانية» لصاحبها وجيه بيضون، وفي الوقت ذاته لم ينقطع عن نشر القصائد الغنائية والقومية والوصفية في العديد من الدوريات العربية أمثال مجلة «الثقافة المصرية» ومجلة «المقتطف» ومجلة «السياسة الأسبوعية» ومجلات «العرفان والبرق والأديب والطريق والكتّاب»، ثم انقطع مدّة لا بأس بها عن النشر استمرت حتى العام 1956 جاءت بعدها مسرحيات «غادة أفاميا، العباسة، الملكة زنوبيا، الحلاج، رابعة العدوية»، وقد نالت هذه المسرحية في أسبوع الكتاب الصوفي العالمي الذي أقيم في عاصمة الأرجنتين من اللجنة الاستشارية العالمية ومن اليونسكو الجائزة الثالثة ومنح الشاعر لقب بروفسور، ثم ألف مسرحية «مصرع غرناطة» وقد ترجم البروفسور برنت جونيس فصولاً منها إلى الاسبانية. ثم مسرحية «فلسطين الثائرة» و«فاجعة مايرلنغ» و«ديوجين الحكيم» و«دير ياسين» و«الأتلنتيد» و«أبو بكر الشبلي» و«المغفّل» و«القزم» وقد ترجمت المستشرقة البولونية ايفا لورنغ معظم هذه المسرحيات إلى اللغة البولونية. وهناك مخطوط بعنوان «عالم الليل» أشار إليه الشاعر قبل رحيله بأنه قيد الطبع لكنه لم يرَ النور حتى اليوم.
انتسب إلى اتحاد الكتّاب العرب عام 1982 وأصبح عضواً بارزاً في جمعية الشعر ومنح عام 1987 شهادة الدكتوراه الفخرية، إضافة إلى عدّة شهادات تقديرية أخرى.
توفي عن عمر يزيد على السبعين عاماً، وبرحيله تطوى حياة رائد مهم من روّاد المسرحية الشعرية ليس في سورية فحسب بل في الوطن العربي. بعد أن أثرى هذا المسرح بالعديد من النصوص المسرحية التقليدية التي لم تمتد إليها يد الإخراج حتى اليوم؛ ربما بسبب ارتفاع نبرة الشعر وانخفاض نبرة المسرح، وربما بسبب عدم قدرة الشعر الموزون المقفى على شدّ الجمهور والصمود أمام المسرح الحديث .
حسين حموي