مسيلمه كذاب، (مسيلمه ثمامه)
Musaylama al-Kadhdhab - Musaylama al-Kadhdhab
مسيلمة الكذاب (مسيلمة بن ثمامة)
(…ـ12هـ/… ـ 633م)
أبو ثمامة مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب الحنفي الوائلي متنبّئ من المعمّرين، ضُرب به المثل في الكذب فقيل: «أكذب من مسيلمة»، نشأ باليمامة، في القرية المسمّاة اليوم بالبجيلة، قرب العيينة، بوادي حنيفة، تلقّب في الجاهليّة بالرحمان، وعرف برحمان اليمامة، قدم مع وفد بني حنيفة إلى مكّة وهو شيخ هرم، في أواخر السنة العاشرة للهجرة، وتخلّف في الرحال خارج مكّة، فأسلم الوفد، وأمر لهم النبيّr بأعطيات، فقالوا: «يا رسول الله، إنّا خلّفنا صاحباً لنا في رحالنا وركابنا يحفظهما لنا». فأمر له رسول الله بمثل ما أمر به للقوم، وقال: «أما إنّه ليس بشرّكم مكاناً، يحفظ ضيعة أصحابه». فلمّا رجعوا إلى اليمامة ارتدّ مسيلمة وتنبّأ، وقال: «إنّي قد أُشركت في الأمر معه»، وقال لوفده: «ألم يقل لكم: أما إنّه ليس بشرّكم مكاناً! ما ذلك إلاّ لما كان يعلم أنّي قد أُشركت معه». وكتب إلى الرسولr: «من مسيلمة رسول الله إلى محمّد رسول الله، سلام عليك، فإنّي قد أُشركت في الأمر معك، وإنّ لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكنّ قريشاً قوم يعتدون». فردّ الرسولr إلى مسيلمة: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب. السلام على من اتبع الهدى، أمّا بعد، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين». ثمّ جعل مسيلمة يسجع السجعات، ويقول لقومه فيما يقول مضاهاة للقرآن: «لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى». وتوفي النبيّr قبل القضاء على فتنته، وقدمت إليه المتنبئة سجاح بنت الحارث من بني يربوع وكانت تنزل في بني تغلب، وهي راسخة في النصرانيّة، قد أقبلت من الجزيرة، وقالت: «عليكم باليمامة، ودفّوا دفيف الحمامة، فإنّها غزوة صرّامة، لا يلحقكم بعدها ملامة». فهابها مسيلمة، ثمّ أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتّى يأتيها، فاحتال عليها وضرب لها قبّة عظيمة وطيّبها بالبخور، واجتمع بها فيها، فقالت: «ماذا أوحي إليك؟، قال: إنّ الله خلق النساء أفواجا، جعل لهنّ الرجال أزواجا، ثمّ يخرج منهنّ ما يشاء إخراجا، فينتجن إنتاجا». قالت: «أشهد أنّك نبيّ!» وتزوّجها، وأقامت عنده ثلاثة أيّام ثمّ انصرفت إلى أهلها، وسأله قومها عن المهر، فقال: «قد وضعت عنكم صلاة العصر». وفي رواية: صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر. وكان ممّا شرّع لهم: أنّ من وُلد له ولد لا يأتي امرأة إلى أن يموت ذلك الولد، فكان أن حرّم النساء على من له ولد ذكر. وكانت آياته منكوسة، فتفل في بئر قوم سألوه ذلك تبرّكاً، فملُح ماؤها، ومسح رأس صبيّ فقرع قرعاً فاحشاً، ودعا لرجل في ابنين له بالبركة، فرجع إلى منزله، فوجد أحدهما قد سقط في البئر، والآخر قد أكله الذئب، ومسح على عيني رجل استشفى بمسحه، فابيضّت عيناه. واسم مؤذّنه حجير، أمره بأن يذكر اسمه في الأذان، ثمّ توقّف، فقال له محكم بن الطفيل: صرّح حجير، أيّ اذكر اسم مسيلمة في الأذان، فذهبت مثلاً. وكان مسيلمة ضئيل الجسم، وقالوا في وصفه: رويجل، أخينس، أصيغر. وسئل أعرابيّ ممّن رأى مسيلمة: كيف وجدته؟ فقال: ما هو بنبيّ صادق، ولا متنبّئ حاذق.
انتدب له أبو بكر الصدّيقr خالد بن الوليد على رأس جيش قوي، ودارت الحرب سجالاً بين المسلمين والمرتدّين فكانت معركة اليمامة عام 12هـ، ولمّا استعر القتل في صفوف بني حنيفة نادى المحكم بن طفيل الحنفيّ صاحب حرب مسيلمة ومدبّر أمره، يا بني حنيفة، الحديقة الحديقة! فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر بسهم فقتله، وفيه قال حسّان بن ثابت:
يا محكم بن طفيلٍ قد أُتيح لكم
للهِ درُّ أبيكم حيّة الوادي
وقتل زيد بن الخطّاب الرجّال بن عُنْفوة، ثمّ زحف المسلمون حتّى ألجؤوا بني حنيفة إلى الحديقة، حديقة الموت وفيها مسيلمة، فقال البراء: يا معشر المسلمين، ألقوني عليهم في الحديقة. فقال الناس: لا تفعل يا براء. فقال: والله لتطرحنّي عليهم فيها. فاحتمل حتّى إذا أشرف على الحديقة من الجدار، اقتحم فقاتلهم عن باب الحديقة، حتّى فتحه للمسلمين، ودار قتال عنيف، فرأى وحشّي مسيلمة ورماه بحربته، وضربه رجل من الأنصار بسيفه، فاشتركا في قتله، فرثاه رجل من حنيفة:
لهفي عليك أبا ثمامه
لهفي على رُكنيْ شمامه
كـم آيـة لك فيهم
كالشمس تطلع من غمامه
وقتل سلمة بن صبيح الحنفيّ زيدَ بن الخطّاب، وقُتل ثابت بن قيس، قتله رجل من المرتدّين، فقطعت رجله، فرمى بها قاتله فقتله، واستشهد من المسلمين مئتان وألف رجل منهم أربعمئة وخمسون صحابيّاً، وقتل من بني حنيفة سبعة آلاف بعقرباء وسبعة آلاف في حديقة الموت، وفي المطاردة نحو ذلك، ثمّ صالح خالد بن الوليد مجّاعة بن مرارة، وتفرّقت بنو حنيفة في الجزيرة العربيّة أيدي سبأ، فقال عمارة بن عقيل:
أكان مسلمة الكذّاب قال لكم
لن تدركوا المجد حتّى تغضبوا مضرا
عبد الكريم عيد الحشاش
Musaylama al-Kadhdhab - Musaylama al-Kadhdhab
مسيلمة الكذاب (مسيلمة بن ثمامة)
(…ـ12هـ/… ـ 633م)
أبو ثمامة مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب الحنفي الوائلي متنبّئ من المعمّرين، ضُرب به المثل في الكذب فقيل: «أكذب من مسيلمة»، نشأ باليمامة، في القرية المسمّاة اليوم بالبجيلة، قرب العيينة، بوادي حنيفة، تلقّب في الجاهليّة بالرحمان، وعرف برحمان اليمامة، قدم مع وفد بني حنيفة إلى مكّة وهو شيخ هرم، في أواخر السنة العاشرة للهجرة، وتخلّف في الرحال خارج مكّة، فأسلم الوفد، وأمر لهم النبيّr بأعطيات، فقالوا: «يا رسول الله، إنّا خلّفنا صاحباً لنا في رحالنا وركابنا يحفظهما لنا». فأمر له رسول الله بمثل ما أمر به للقوم، وقال: «أما إنّه ليس بشرّكم مكاناً، يحفظ ضيعة أصحابه». فلمّا رجعوا إلى اليمامة ارتدّ مسيلمة وتنبّأ، وقال: «إنّي قد أُشركت في الأمر معه»، وقال لوفده: «ألم يقل لكم: أما إنّه ليس بشرّكم مكاناً! ما ذلك إلاّ لما كان يعلم أنّي قد أُشركت معه». وكتب إلى الرسولr: «من مسيلمة رسول الله إلى محمّد رسول الله، سلام عليك، فإنّي قد أُشركت في الأمر معك، وإنّ لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكنّ قريشاً قوم يعتدون». فردّ الرسولr إلى مسيلمة: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب. السلام على من اتبع الهدى، أمّا بعد، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين». ثمّ جعل مسيلمة يسجع السجعات، ويقول لقومه فيما يقول مضاهاة للقرآن: «لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى». وتوفي النبيّr قبل القضاء على فتنته، وقدمت إليه المتنبئة سجاح بنت الحارث من بني يربوع وكانت تنزل في بني تغلب، وهي راسخة في النصرانيّة، قد أقبلت من الجزيرة، وقالت: «عليكم باليمامة، ودفّوا دفيف الحمامة، فإنّها غزوة صرّامة، لا يلحقكم بعدها ملامة». فهابها مسيلمة، ثمّ أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتّى يأتيها، فاحتال عليها وضرب لها قبّة عظيمة وطيّبها بالبخور، واجتمع بها فيها، فقالت: «ماذا أوحي إليك؟، قال: إنّ الله خلق النساء أفواجا، جعل لهنّ الرجال أزواجا، ثمّ يخرج منهنّ ما يشاء إخراجا، فينتجن إنتاجا». قالت: «أشهد أنّك نبيّ!» وتزوّجها، وأقامت عنده ثلاثة أيّام ثمّ انصرفت إلى أهلها، وسأله قومها عن المهر، فقال: «قد وضعت عنكم صلاة العصر». وفي رواية: صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر. وكان ممّا شرّع لهم: أنّ من وُلد له ولد لا يأتي امرأة إلى أن يموت ذلك الولد، فكان أن حرّم النساء على من له ولد ذكر. وكانت آياته منكوسة، فتفل في بئر قوم سألوه ذلك تبرّكاً، فملُح ماؤها، ومسح رأس صبيّ فقرع قرعاً فاحشاً، ودعا لرجل في ابنين له بالبركة، فرجع إلى منزله، فوجد أحدهما قد سقط في البئر، والآخر قد أكله الذئب، ومسح على عيني رجل استشفى بمسحه، فابيضّت عيناه. واسم مؤذّنه حجير، أمره بأن يذكر اسمه في الأذان، ثمّ توقّف، فقال له محكم بن الطفيل: صرّح حجير، أيّ اذكر اسم مسيلمة في الأذان، فذهبت مثلاً. وكان مسيلمة ضئيل الجسم، وقالوا في وصفه: رويجل، أخينس، أصيغر. وسئل أعرابيّ ممّن رأى مسيلمة: كيف وجدته؟ فقال: ما هو بنبيّ صادق، ولا متنبّئ حاذق.
انتدب له أبو بكر الصدّيقr خالد بن الوليد على رأس جيش قوي، ودارت الحرب سجالاً بين المسلمين والمرتدّين فكانت معركة اليمامة عام 12هـ، ولمّا استعر القتل في صفوف بني حنيفة نادى المحكم بن طفيل الحنفيّ صاحب حرب مسيلمة ومدبّر أمره، يا بني حنيفة، الحديقة الحديقة! فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر بسهم فقتله، وفيه قال حسّان بن ثابت:
يا محكم بن طفيلٍ قد أُتيح لكم
للهِ درُّ أبيكم حيّة الوادي
وقتل زيد بن الخطّاب الرجّال بن عُنْفوة، ثمّ زحف المسلمون حتّى ألجؤوا بني حنيفة إلى الحديقة، حديقة الموت وفيها مسيلمة، فقال البراء: يا معشر المسلمين، ألقوني عليهم في الحديقة. فقال الناس: لا تفعل يا براء. فقال: والله لتطرحنّي عليهم فيها. فاحتمل حتّى إذا أشرف على الحديقة من الجدار، اقتحم فقاتلهم عن باب الحديقة، حتّى فتحه للمسلمين، ودار قتال عنيف، فرأى وحشّي مسيلمة ورماه بحربته، وضربه رجل من الأنصار بسيفه، فاشتركا في قتله، فرثاه رجل من حنيفة:
لهفي عليك أبا ثمامه
لهفي على رُكنيْ شمامه
كـم آيـة لك فيهم
كالشمس تطلع من غمامه
وقتل سلمة بن صبيح الحنفيّ زيدَ بن الخطّاب، وقُتل ثابت بن قيس، قتله رجل من المرتدّين، فقطعت رجله، فرمى بها قاتله فقتله، واستشهد من المسلمين مئتان وألف رجل منهم أربعمئة وخمسون صحابيّاً، وقتل من بني حنيفة سبعة آلاف بعقرباء وسبعة آلاف في حديقة الموت، وفي المطاردة نحو ذلك، ثمّ صالح خالد بن الوليد مجّاعة بن مرارة، وتفرّقت بنو حنيفة في الجزيرة العربيّة أيدي سبأ، فقال عمارة بن عقيل:
أكان مسلمة الكذّاب قال لكم
لن تدركوا المجد حتّى تغضبوا مضرا
عبد الكريم عيد الحشاش