محكمه جناييه دوليه
International Criminal Court (ICC) - Cour pénale internationale
المحكمة الجنائية الدولية
اعتُمد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية International Criminal Court (ICC) في 17 تموز/يوليو 1998، في المؤتمر الدبلوماسي الذي عُقد في مدينة روما الإيطالية، وكانت النسخة الأولى من المشروع قد قُدّمت عام 1951، والثانية عام 1953، ولم تتوصل الدول إلى اعتماد النص إلا بعد سبعة وأربعين عاماّ من العمل شبه المتواصل، وبعد أن ناقشت الدول المئة والأربع والخمسون الحاضرة في المؤتمر مطوّلاً مشروع لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة. ودخل هذا النظام حيز التنفيذ في الأول من شهر تموز من عام 2002، بعد حصوله على التصديقات الستين المطلوبة لذلك.
جاءت المحكمة نتيجة المتغيرات الدولية التي عرفها القرن العشرون، إذ تضافرت الجهود الدولية عقب الحرب العالمية الأولى والثانية من أجل تجريم عدد من الانتهاكات الجسيمة للقواعد الآمرة في القانون الدولي، وإقامة عدد من المحاكم الدولية الخاصة ومحاكم المنتصرين (نورمبرغ ـ طوكيو ـ يوغوسلافيا السابقة[ر] ـ رواندا[ر] ـ سيراليون)، التي كشفت قصور هذا المفهوم عن إقامة عدالة دولية مستقلة ومحايدة، وبيّنت الحاجة إلى جهاز دائم مستقل يرعى تطبيق ما تقرره الدول من قواعد لابد من احترامها زمن السلم وزمن النزاعات المسلحة بأنواعها، في عالم يسعى إلى تحقيق الأمن والسلم الدوليين.
يتكون النظام الأساسي للمحكمة من ثلاثة عشر باباً تضم 128 مادة تتناول إنشاء المحكمة، والاختصاص والمقبولية والقانون الواجب التطبيق، والمبادئ العامة للقانون الجنائي، إضافة إلى إجراءات التحقيق والمقاضاة والمحاكمة والعقوبات والاستئناف وإعادة النظر، والتعاون الدولي والمساعدة القضائية والتنفيذ وأخيراً جمعية الدول الأعضاء والتمويل ومجموعة من الأحكام الختامية، واتفق على أن يكون مقر المحكمة في لاهاي.
اختصاص المحكمة
حددت المادة 5 من نظام روما الأساسي اختصاص المحكمة بالجرائم الآتية:
1ـ جريمة إبادة الجنس genocide.
2ـ الجرائم ضد الإنسانية crimes against humanity.
3ـ جرائم الحرب war crimes.
4ـ جريمة العدوان[ر] aggression، وهذه لم تدخل فعلياً في اختصاص المحكمة لأن الدول لم تتوصل إلى اعتماد تعريف هذه الجريمة، تاركة أمرها إلى أول تعديل يتم على النظام الأساسي للمحاكمة في المؤتمر الاستعراضي الذي نص هذا النظام على عقده بعد سبع سنوات من دخوله حيّز النفاذ.
لم تقصر المحكمة ذاتها على نوع معين من النزاعات المسلحة، بل مدّت اختصاصها إلى ما يقع من انتهاكات جسيمة زمن النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، أما معيار دخول أي انتهاك ضمن اختصاصها فهو فظاعة الفعل وتهديده للأمن والسلم الدوليين، من دون الإشارة إلى نوع النزاع المسلح أو حتى إلى زمن ارتكاب الفعل من حرب أو سلم (المادة 6 المتعلقة بجريمة الإبادة والمادة 7 المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية).
ويؤكد النظام الأساسي للمحكمة استقلال سلطة القضاء الدولي عن السلطات الأخرى، إذ لم يسمح في ديباجته باتخاذه ذريعة للتدخل في نزاع مسلح في إطار الشؤون الداخلية لأي دولة.
وعددت المواد 6 ـ 7 ـ 8 الانتهاكات التي تعدّ بمنزلة جرائم تدخل في اختصاصها بعد أن حددت القصد الخاص بكل طائفة من الجرائم، ليكون هذا القصد في جريمة الإبادة الجماعية «إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أو جزئياً» في حال ارتكاب إحدى الجرائم الآتية:
ـ قتل أفراد الجماعة.
ـ إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
ـ إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يُقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.
ـ فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب.
ـ نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
أما في الجرائم ضد الإنسانية فيقوم القصد الخاص على اقتراف واحد أو أكثر من الجرائم الإحدى عشر الواردة في نص المادة 7، وذلك «في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم». وأخيراًفيما يخص جرائم الحرب، فقد نصت المادة 8 على أن القصد الخاص هو ارتكاب فعل «في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم»، بعد أن ميّزت بين جرائم تقع زمن النزاعات المسلحة الدولية (34 جريمة) وجرائم تقع زمن النزاعات المسلحة غير الدولية (16 جريمة)، لكن من دون أن يعرّف هذا النظام النزاع المسلح الدولي والنزاع المسلح غير الدولي، علماً أن النظام الأساسي أخذ على عاتقه فقط ملاحقة الجرائم الأشد خطورة، أما الانتهاكات الأخرى والتي كانت اتفاقيات جنيڤ لعام 1949 و«البروتوكول» الإضافي الأول لعام 1977 المتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية، قد طلبت من الدول الأطراف ملاحقة مرتكبيها؛ فلم يرد ذكرها في المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة.
خصائص المحكمة
ولدت المحكمة الدولية نتيجة اتفاق بين دول صاحبة سيادة، لذا فهي تخضع للقواعد العامة لقانون المعاهدات[ر: اتفاقية دولية]. وهي هيئة دائمة مما يعني قدرتها على العمل باستقلالية عن مزاجية الدول التي تصنع القرار في مجلس الأمن، والتي تقرر إنشاء محاكم جنائية خاصة أو محاكم منتصرين جديدة.
بدأ سريان الاختصاص الزماني للمحكمة حسب ما جاء في المادة 11 من النظام الأساسي؛ بعد دخولها حيز التنفيذ، أما الجرائم التي وقعت قبل هذا التاريخ فهي لا تدخل في اختصاص المحكمة مع أن نظامها الأساسي قرر عدم سقوط الجرائم الداخلة في اختصاصها بالتقادم. ولم يسمح النظام الأساسي بإبداء أي تحفظات أو إعلانات عند التصديق أو الانضمام إلى المحكمة.
وتتميز المحكمة الجنائية الدولية بأن اختصاصها لا ينعقد إلا كقضاء مكمل للاختصاص الوطني، ولم تأت المحكمة لتحلّ محلّ القضاء الوطني أو لتكون بديلاً منه، وإنما جاءت لتتدخل فقط في القضايا الأكثر خطورة، وحيثما تكون نظم العدالة الجنائية الداخلية غير قادرة على إقامة العدالة الدولية أو غير راغبة في ذلك، أو حين ينهار النظام القضائي الوطني انهياراً كاملاً مثلما حصل في يوغوسلافيا السابقة. ويقع عبء إثبات عدم فاعلية النظام القضائي لدولة ما أو عدم رغبتها في تعقب هذه الجرائم على المحكمة ذاتها وهكذا أقرّ نظام المحكمة مبدأ التكاملية complementarity بين القضائين الوطني والدولي.
لكن المحكمة لم تأت بجديد في ميدان التجريم الدولي، ولم تضف جرائم جديدة إلى عداد الجرائم الدولية من دون أن يعني ذلك عدم قدرتها المستقبلية على القيام بمثل هذا الفعل (المادة 121)، كما قُيدّت المحكمة ذاتها بالمبادئ العامة للقانون الجنائي الدولي، حيث اعتمدت مبدأ «عدم جواز المحاكمة عن الجريمة مرتين» (المادة 20)، ومبدأ «لا جريمة إلا بنص» و«لا عقوبة إلا بنص» (المادتان 22 و23). ورسخت مبدأ عدم رجعية الأثر على الأشخاص (المادة 24)، وتحدثت المادة (25) عن المسؤولية الجنائية الفردية، إذ لا يخضع لاختصاص المحكمة إلا الأفراد الطبيعيون، كما لا يخضع لاختصاصها إلا الأشخاص الذين بلغوا الثامنة عشرة من العمر.
واعتمد النظام الأساسي مبدأ عدم الاعتداد بالصفة الرسمية (المادة 27)، وعليه فإن المنصب الرسمي لا يمكن أن يشكّل دفاعاً مقبولاً أو ظرفاً مخففاً لتحديد العقاب. كما لم تعفُ المحكمة مرتكب إحدى الجرائم الداخلة في اختصاصها من مسؤوليته لدفعه إلى المثول لأوامر الرؤساء إلا في حالات ثلاث حددتها المادة 33 وهي:
ـ إذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني.
ـ إذا لم يكن الشخص على علم أن الأمر غير مشروع.
ـ إذا لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة، وذلك في الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة.
علاقة المحكمة بالأمم المتحدة وموقف المحكمة من الانتهاكات التي تقترفها القوات التي تعمل تحت إمرة المنظمة الدولية العالمية
تتميز المحكمة الجنائية الدولية باستقلاليتها وحيادها وذلك في مواجهة الدول الأطراف وغير الأطراف من جهة، ومن جهة أخرى في مواجهة الأمم المتحدة، وينظّم العلاقة بين هاتين الجهتين اتفاق تعتمده جمعية الدول الأطراف في النظام الأساسي، ويبرمه بموجب المادة 2 من النظام رئيس المحكمة نيابة عنها.
وتثير علاقة المحكمة بمجلس الأمن جدلاً كبيراً، إذ نصت المادة 16 من نظام روما الأساسي المتعلقة بإمكانية إرجاء التحقيق أو المقاضاة على حق مجلس الأمن وفق قرار يتم اتخاذه بموجب أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ بعدم السماح بالبدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة لمدة 12 شهراً قابلة للتجديد بالشروط ذاتها من دون تحديد، مما أثار تحفظ كثير من الدول ودفع بها إلى عدم الانضمام إلى المحكمة، لأنها ترى أن في ذلك تدخلاً من المجلس الذي هو أداة سياسية في عمل جهاز قانوني. ولم تقتنع هذه الدول بالحجة التي قدمّها بعض أساتذة القانون عن الدور الممكن أن يقوم به «الفيتو» والفيتو المضاد لتعطيل مثل مشروعات القرارات هذه.
ويرى بعض القانونيين في تفسيرهم للمادة (87/6) من نظام روما الأساسي، أن المحكمة يمكنها أن تطلب من قوات حفظ السلام أو قوات الفصل التابعة في عملها لمنظمة حكومية دولية أن تقوم بملاحقة المجرمين المطلوبين للانتهاكات التي تقع ضمن اختصاص المحكمة.
وعليه، يمكن الاستنتاج أنه في كل مرة لا تلاحق دولة ما أحد أعضاء قواتها المسلحة لارتكابه انتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني في معرض أدائه لمهماته، سواء كان ذلك في قوات حفظ السلام أم في مهمة أخرى تطبيقاً لمفهوم الأمن الجماعي، وهما الشكلان القانونيان لعمل القوات التابعة للأمم المتحدة، فإنه يعود إلى المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص بملاحقة هذا الشخص، حتى إن صدرت قرارات مخالفة لهذا المفهوم من قبل مجلس الأمن، ذلك أن مثل هذه القرارات تعدّ تدخلاً في عمل المحكمة ليس له سند قانوني في نظام المحكمة أصلاً.
وعليه فقرار مجلس الأمن رقم 1422، تاريخ 12/7/2002، والقرار رقم 1487، تاريخ 12/6/2003، واللذان طلبا تباعاً من المحكمة أن تمتنع عن بدء التحقيق أو مباشرته أو مقاضاة أي قضية أو اثارتها تمس مسؤولين حاليين أو سابقين لدولة مساهمة ليست طرفاً في نظام روما الأساسي فيما يتصل بأي عمل أو إغفال يتعلق بالعمليات التي تقرّها الأمم المتحدة أو تأذن بها، إلا إذا أقرّ مجلس الأمن ما يخالف ذلك، كما أن المجلس سيطلب تجديد هذا القرار كل عام ما دامت الحاجة إلى ذلك موجودة؛ عُدَّا غير قانونيين بالنسبة إلى المحكمة، ومن ثمّ يمكن للمحكمة تجاهل تطبيقه، فالتزام المحكمة بقرار مجلس الأمن محصور بحق هذا الأخير في تبنّي قرار بعدم السماح بالبدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة لمدة 12 شهراً قابلة للتمديد في قضية محددة، وإلا لأصبحت المادة 16 بمنزلة تعطيل دائم للمحكمة، ولذا سحبت الولايات المتحدة الأمريكية في حزيران/يونيو 2004 مشروع قرار ثالث بمفعول القرارين 1422 و1487 ذاتهما لتأكدها من عدم إمكانية حصولها على الأغلبية اللازمة لتمريره، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية التي عارضت وتعارض إخضاع مسؤوليها لأي قضاء غير قضائها؛ نجحت في توقيع نحو تسعين اتفاقية ثنائية مع دول بعضها لم يصبح بعد طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة؛ بموجبها توافق هذه الدول على عدم تسليم الرعايا الأمريكيين الذين قد يًطالب بهم للمثول أمام المحكمة الجنائية للدولة لمواجهة مسؤولياتهم عن الجرائم الداخلة في اختصاصها. ويرى بعض الفقهاء أن مثل هذه الاتفاقيات تتعارض مع النظام العام الدولي Jus cogens لأن من شأنها إحباط العمل بالنظام الأساسي للمحكمة، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي للمعاهدات. وقد بلغ عدد الدول المنضمة إلى النظام الأساسي 104 دول حتى كانون الثاني 2007 منها ثلاث دول عربية فقط هي الأردن وجيبوتي وجزر القمر.
أمل يازجي
International Criminal Court (ICC) - Cour pénale internationale
المحكمة الجنائية الدولية
اعتُمد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية International Criminal Court (ICC) في 17 تموز/يوليو 1998، في المؤتمر الدبلوماسي الذي عُقد في مدينة روما الإيطالية، وكانت النسخة الأولى من المشروع قد قُدّمت عام 1951، والثانية عام 1953، ولم تتوصل الدول إلى اعتماد النص إلا بعد سبعة وأربعين عاماّ من العمل شبه المتواصل، وبعد أن ناقشت الدول المئة والأربع والخمسون الحاضرة في المؤتمر مطوّلاً مشروع لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة. ودخل هذا النظام حيز التنفيذ في الأول من شهر تموز من عام 2002، بعد حصوله على التصديقات الستين المطلوبة لذلك.
جاءت المحكمة نتيجة المتغيرات الدولية التي عرفها القرن العشرون، إذ تضافرت الجهود الدولية عقب الحرب العالمية الأولى والثانية من أجل تجريم عدد من الانتهاكات الجسيمة للقواعد الآمرة في القانون الدولي، وإقامة عدد من المحاكم الدولية الخاصة ومحاكم المنتصرين (نورمبرغ ـ طوكيو ـ يوغوسلافيا السابقة[ر] ـ رواندا[ر] ـ سيراليون)، التي كشفت قصور هذا المفهوم عن إقامة عدالة دولية مستقلة ومحايدة، وبيّنت الحاجة إلى جهاز دائم مستقل يرعى تطبيق ما تقرره الدول من قواعد لابد من احترامها زمن السلم وزمن النزاعات المسلحة بأنواعها، في عالم يسعى إلى تحقيق الأمن والسلم الدوليين.
يتكون النظام الأساسي للمحكمة من ثلاثة عشر باباً تضم 128 مادة تتناول إنشاء المحكمة، والاختصاص والمقبولية والقانون الواجب التطبيق، والمبادئ العامة للقانون الجنائي، إضافة إلى إجراءات التحقيق والمقاضاة والمحاكمة والعقوبات والاستئناف وإعادة النظر، والتعاون الدولي والمساعدة القضائية والتنفيذ وأخيراً جمعية الدول الأعضاء والتمويل ومجموعة من الأحكام الختامية، واتفق على أن يكون مقر المحكمة في لاهاي.
اختصاص المحكمة
حددت المادة 5 من نظام روما الأساسي اختصاص المحكمة بالجرائم الآتية:
1ـ جريمة إبادة الجنس genocide.
2ـ الجرائم ضد الإنسانية crimes against humanity.
3ـ جرائم الحرب war crimes.
4ـ جريمة العدوان[ر] aggression، وهذه لم تدخل فعلياً في اختصاص المحكمة لأن الدول لم تتوصل إلى اعتماد تعريف هذه الجريمة، تاركة أمرها إلى أول تعديل يتم على النظام الأساسي للمحاكمة في المؤتمر الاستعراضي الذي نص هذا النظام على عقده بعد سبع سنوات من دخوله حيّز النفاذ.
لم تقصر المحكمة ذاتها على نوع معين من النزاعات المسلحة، بل مدّت اختصاصها إلى ما يقع من انتهاكات جسيمة زمن النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، أما معيار دخول أي انتهاك ضمن اختصاصها فهو فظاعة الفعل وتهديده للأمن والسلم الدوليين، من دون الإشارة إلى نوع النزاع المسلح أو حتى إلى زمن ارتكاب الفعل من حرب أو سلم (المادة 6 المتعلقة بجريمة الإبادة والمادة 7 المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية).
ويؤكد النظام الأساسي للمحكمة استقلال سلطة القضاء الدولي عن السلطات الأخرى، إذ لم يسمح في ديباجته باتخاذه ذريعة للتدخل في نزاع مسلح في إطار الشؤون الداخلية لأي دولة.
وعددت المواد 6 ـ 7 ـ 8 الانتهاكات التي تعدّ بمنزلة جرائم تدخل في اختصاصها بعد أن حددت القصد الخاص بكل طائفة من الجرائم، ليكون هذا القصد في جريمة الإبادة الجماعية «إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أو جزئياً» في حال ارتكاب إحدى الجرائم الآتية:
ـ قتل أفراد الجماعة.
ـ إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
ـ إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يُقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.
ـ فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب.
ـ نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
أما في الجرائم ضد الإنسانية فيقوم القصد الخاص على اقتراف واحد أو أكثر من الجرائم الإحدى عشر الواردة في نص المادة 7، وذلك «في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم». وأخيراًفيما يخص جرائم الحرب، فقد نصت المادة 8 على أن القصد الخاص هو ارتكاب فعل «في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم»، بعد أن ميّزت بين جرائم تقع زمن النزاعات المسلحة الدولية (34 جريمة) وجرائم تقع زمن النزاعات المسلحة غير الدولية (16 جريمة)، لكن من دون أن يعرّف هذا النظام النزاع المسلح الدولي والنزاع المسلح غير الدولي، علماً أن النظام الأساسي أخذ على عاتقه فقط ملاحقة الجرائم الأشد خطورة، أما الانتهاكات الأخرى والتي كانت اتفاقيات جنيڤ لعام 1949 و«البروتوكول» الإضافي الأول لعام 1977 المتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية، قد طلبت من الدول الأطراف ملاحقة مرتكبيها؛ فلم يرد ذكرها في المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة.
خصائص المحكمة
ولدت المحكمة الدولية نتيجة اتفاق بين دول صاحبة سيادة، لذا فهي تخضع للقواعد العامة لقانون المعاهدات[ر: اتفاقية دولية]. وهي هيئة دائمة مما يعني قدرتها على العمل باستقلالية عن مزاجية الدول التي تصنع القرار في مجلس الأمن، والتي تقرر إنشاء محاكم جنائية خاصة أو محاكم منتصرين جديدة.
بدأ سريان الاختصاص الزماني للمحكمة حسب ما جاء في المادة 11 من النظام الأساسي؛ بعد دخولها حيز التنفيذ، أما الجرائم التي وقعت قبل هذا التاريخ فهي لا تدخل في اختصاص المحكمة مع أن نظامها الأساسي قرر عدم سقوط الجرائم الداخلة في اختصاصها بالتقادم. ولم يسمح النظام الأساسي بإبداء أي تحفظات أو إعلانات عند التصديق أو الانضمام إلى المحكمة.
وتتميز المحكمة الجنائية الدولية بأن اختصاصها لا ينعقد إلا كقضاء مكمل للاختصاص الوطني، ولم تأت المحكمة لتحلّ محلّ القضاء الوطني أو لتكون بديلاً منه، وإنما جاءت لتتدخل فقط في القضايا الأكثر خطورة، وحيثما تكون نظم العدالة الجنائية الداخلية غير قادرة على إقامة العدالة الدولية أو غير راغبة في ذلك، أو حين ينهار النظام القضائي الوطني انهياراً كاملاً مثلما حصل في يوغوسلافيا السابقة. ويقع عبء إثبات عدم فاعلية النظام القضائي لدولة ما أو عدم رغبتها في تعقب هذه الجرائم على المحكمة ذاتها وهكذا أقرّ نظام المحكمة مبدأ التكاملية complementarity بين القضائين الوطني والدولي.
لكن المحكمة لم تأت بجديد في ميدان التجريم الدولي، ولم تضف جرائم جديدة إلى عداد الجرائم الدولية من دون أن يعني ذلك عدم قدرتها المستقبلية على القيام بمثل هذا الفعل (المادة 121)، كما قُيدّت المحكمة ذاتها بالمبادئ العامة للقانون الجنائي الدولي، حيث اعتمدت مبدأ «عدم جواز المحاكمة عن الجريمة مرتين» (المادة 20)، ومبدأ «لا جريمة إلا بنص» و«لا عقوبة إلا بنص» (المادتان 22 و23). ورسخت مبدأ عدم رجعية الأثر على الأشخاص (المادة 24)، وتحدثت المادة (25) عن المسؤولية الجنائية الفردية، إذ لا يخضع لاختصاص المحكمة إلا الأفراد الطبيعيون، كما لا يخضع لاختصاصها إلا الأشخاص الذين بلغوا الثامنة عشرة من العمر.
واعتمد النظام الأساسي مبدأ عدم الاعتداد بالصفة الرسمية (المادة 27)، وعليه فإن المنصب الرسمي لا يمكن أن يشكّل دفاعاً مقبولاً أو ظرفاً مخففاً لتحديد العقاب. كما لم تعفُ المحكمة مرتكب إحدى الجرائم الداخلة في اختصاصها من مسؤوليته لدفعه إلى المثول لأوامر الرؤساء إلا في حالات ثلاث حددتها المادة 33 وهي:
ـ إذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني.
ـ إذا لم يكن الشخص على علم أن الأمر غير مشروع.
ـ إذا لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة، وذلك في الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة.
علاقة المحكمة بالأمم المتحدة وموقف المحكمة من الانتهاكات التي تقترفها القوات التي تعمل تحت إمرة المنظمة الدولية العالمية
تتميز المحكمة الجنائية الدولية باستقلاليتها وحيادها وذلك في مواجهة الدول الأطراف وغير الأطراف من جهة، ومن جهة أخرى في مواجهة الأمم المتحدة، وينظّم العلاقة بين هاتين الجهتين اتفاق تعتمده جمعية الدول الأطراف في النظام الأساسي، ويبرمه بموجب المادة 2 من النظام رئيس المحكمة نيابة عنها.
وتثير علاقة المحكمة بمجلس الأمن جدلاً كبيراً، إذ نصت المادة 16 من نظام روما الأساسي المتعلقة بإمكانية إرجاء التحقيق أو المقاضاة على حق مجلس الأمن وفق قرار يتم اتخاذه بموجب أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ بعدم السماح بالبدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة لمدة 12 شهراً قابلة للتجديد بالشروط ذاتها من دون تحديد، مما أثار تحفظ كثير من الدول ودفع بها إلى عدم الانضمام إلى المحكمة، لأنها ترى أن في ذلك تدخلاً من المجلس الذي هو أداة سياسية في عمل جهاز قانوني. ولم تقتنع هذه الدول بالحجة التي قدمّها بعض أساتذة القانون عن الدور الممكن أن يقوم به «الفيتو» والفيتو المضاد لتعطيل مثل مشروعات القرارات هذه.
ويرى بعض القانونيين في تفسيرهم للمادة (87/6) من نظام روما الأساسي، أن المحكمة يمكنها أن تطلب من قوات حفظ السلام أو قوات الفصل التابعة في عملها لمنظمة حكومية دولية أن تقوم بملاحقة المجرمين المطلوبين للانتهاكات التي تقع ضمن اختصاص المحكمة.
وعليه، يمكن الاستنتاج أنه في كل مرة لا تلاحق دولة ما أحد أعضاء قواتها المسلحة لارتكابه انتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني في معرض أدائه لمهماته، سواء كان ذلك في قوات حفظ السلام أم في مهمة أخرى تطبيقاً لمفهوم الأمن الجماعي، وهما الشكلان القانونيان لعمل القوات التابعة للأمم المتحدة، فإنه يعود إلى المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص بملاحقة هذا الشخص، حتى إن صدرت قرارات مخالفة لهذا المفهوم من قبل مجلس الأمن، ذلك أن مثل هذه القرارات تعدّ تدخلاً في عمل المحكمة ليس له سند قانوني في نظام المحكمة أصلاً.
وعليه فقرار مجلس الأمن رقم 1422، تاريخ 12/7/2002، والقرار رقم 1487، تاريخ 12/6/2003، واللذان طلبا تباعاً من المحكمة أن تمتنع عن بدء التحقيق أو مباشرته أو مقاضاة أي قضية أو اثارتها تمس مسؤولين حاليين أو سابقين لدولة مساهمة ليست طرفاً في نظام روما الأساسي فيما يتصل بأي عمل أو إغفال يتعلق بالعمليات التي تقرّها الأمم المتحدة أو تأذن بها، إلا إذا أقرّ مجلس الأمن ما يخالف ذلك، كما أن المجلس سيطلب تجديد هذا القرار كل عام ما دامت الحاجة إلى ذلك موجودة؛ عُدَّا غير قانونيين بالنسبة إلى المحكمة، ومن ثمّ يمكن للمحكمة تجاهل تطبيقه، فالتزام المحكمة بقرار مجلس الأمن محصور بحق هذا الأخير في تبنّي قرار بعدم السماح بالبدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة لمدة 12 شهراً قابلة للتمديد في قضية محددة، وإلا لأصبحت المادة 16 بمنزلة تعطيل دائم للمحكمة، ولذا سحبت الولايات المتحدة الأمريكية في حزيران/يونيو 2004 مشروع قرار ثالث بمفعول القرارين 1422 و1487 ذاتهما لتأكدها من عدم إمكانية حصولها على الأغلبية اللازمة لتمريره، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية التي عارضت وتعارض إخضاع مسؤوليها لأي قضاء غير قضائها؛ نجحت في توقيع نحو تسعين اتفاقية ثنائية مع دول بعضها لم يصبح بعد طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة؛ بموجبها توافق هذه الدول على عدم تسليم الرعايا الأمريكيين الذين قد يًطالب بهم للمثول أمام المحكمة الجنائية للدولة لمواجهة مسؤولياتهم عن الجرائم الداخلة في اختصاصها. ويرى بعض الفقهاء أن مثل هذه الاتفاقيات تتعارض مع النظام العام الدولي Jus cogens لأن من شأنها إحباط العمل بالنظام الأساسي للمحكمة، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي للمعاهدات. وقد بلغ عدد الدول المنضمة إلى النظام الأساسي 104 دول حتى كانون الثاني 2007 منها ثلاث دول عربية فقط هي الأردن وجيبوتي وجزر القمر.
أمل يازجي