جيش عربي اسلامي
Arab islamic army - Armée arabe islamique
الجيش العربي الإسلامي
إذا تركنا جانباً اليمن التي كان فيها جيش احتلال أجنبي (الأحباش ثم الفرس)، فإنه لم يكن في الجزيرة العربية، في الحقبة السابقة للإسلام، جيش وفق المفهوم الدقيق لهذا المصطلح، وإنما كان كل الرجال القادرين على حمل السلاح في القبيلة يشتركون في القتال، في حال نشوب حرب بين القبائل دون أن يكون هناك تنظيم عسكري، وكثيراً ما كانت الخلافات تصفى بمبارزات فردية.
بدأت نواة الجيش العربي الإسلامي بالظهور، بعد هجرة الرسولr إلى المدينة المنورة، حينما فرض الله سبحانه وتعالى الجهاد على المسلمين، وقد اعتمد الرسول بادئ الأمر على المهاجرين عندما بدأ بإرسال السرايا، لأن عقد الرسول مع الأنصار في بيعة العقبة الثانية كان عقداً دفاعياً لا هجومياً، فلما أعلن الأنصار دعمهم الكامل للرسولr أثناء الاستعداد لخوض غمار معركة بدر، لم يعد ثمة فاصل بين مجتمع وجيش، إذ إن الجماعة الإسلامية في المدينة بكاملها كانت تعد جماعة محاربة، يتوجب على أفرادها المشاركة في الجهاد، وإن كان الرسولr حريصاً على أن لا يخرج معه إلا الراغب في الجهاد.
انضم إلى المقاتلة من القبائل العربية في أثناء الفتوحات وفي وقت مبكر، جماعات غير عربية اعتنقت الإسلام كالأساورة، وهم من الفرسان الفرس، وجند شاهنشاه الذين كانوا مع رستم يوم القادسية[ر] وعددهم أربعة آلاف، ودخل مع عمرو بن العاص من الشام حين توجه لفتح مصر قوم من العجم يقال لهم الحمراء وجماعة فارسية.
بقي الجيش في العصر الأموي يتألف من أفراد القبائل العربية، التي استقرت في القواعد العسكرية: البصرة، الكوفة، أجناد الشام، والفسطاط، وظهرت في العصر الأموي قاعدتان جديدتان هما مرو في خراسان، والقيروان في ولاية إفريقية.
إلى جانب الأجانب من الأحرار الذين اعتنقوا الإسلام وسجلوا في ديوان الجند[ر] اعتمد الأمويون على مواليهم كمقاتلة، ابتداء من خلافة عبد الملك بن مروان (65-86هـ) وموالي الأمويين هم موالي عتاقة من الرقيق، وكانوا من أصول مختلفة، فارسية ورومية وبربرية وتركية.
اختلف الجيش في تكوينه وسماته في الخلافة العباسية، فقد كان للجيش الجديد الذي نظمه أبو مسلم الخراساني من أهل خراسان الفضل في نجاح الدعوة العباسية وإطاحة الخلافة الأموية، وأهل خراسان كما أظهرت الدراسات هم من العرب الذين استقروا في خراسان ومن الفرس الذين اعتنقوا الإسلام، ولقد حرص العباسيون الأوائل على وحدة الفرقة الخرسانية وتماسكها وعدم السماح للعصبية القبلية بتفكيك وحدتها، على أن العباسيين نظموا وحدات عسكرية أخرى مستندين إلى القبائل، فكان هناك الفرقة اليمنية والفرقة الربعية، والفرقة المضرية، وهذا دليل على أن الجيش كان لا يزال في أغلبه عربياً، ولذلك فإن إدخال الترك والمماليك في الجيش من قبل الخليفة المعتصم (218-227هـ/833-842م) لاقى معارضة قوية من العرب والخراسانية.
ولمؤهلات الأتراك العسكرية فإن معظم جيوش الدول الإسلامية في الشرق ضمت مقاتلة من الأتراك، ولكن يلاحظ هذا الاتجاه إلى استخدام العبيد (المماليك سواء أكانوا من الترك وغيرهم) في جيوش الكثير من الدول الإسلامية، ويعد السلطان الصالح نجم الدين أيوب[ر] (643-647هـ/1245-1249م) المسؤول عن ازدياد المماليك الذين نجحوا في إقامة دولة لأنفسهم في مصر والشام نحو منتصف القرن السابع الهجري/القرن الثالث عشر الميلادي والتي استمرت إلى سنة 922هـ/1517م، وقد تكون الجيش في عصر سلاطين المماليك من طائفة المماليك السلطانية أي مماليك السلطان القائم في الحكم، وطائفة مماليك الأمراء أي الذين اشتراهم الأمراء كل بحسب درجته ورتبته، ثم طائفة أجناد الحلقة، وتشمل مماليك السلاطين والأمراء السابقين وأولادهم الذين احترفوا الجندية.
في سنة 1517م استقر الأمر لبني عثمان، وهوت دولة المماليك، وكان الجيش العثماني قبل القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، يتألف من الغزاة أي المتطوعين الأحرار، وفي أواخر القرن الثامن الهجري، أصبح الجيش الإنكشاري [ر. الإنكشارية] عماد الدولة العثمانية، وفي سنة 1826م أصدر السلطان محمود أمراً بإلغاء الجيش الإنكشاري، واستدعى مدربين أوربيين لإعداد الجيش الجديد وأنشئت المدارس العسكرية التي كانت عالية ومتخصصة، وأقيمت إلى جانبها مدارس ثانوية عسكرية، ومدارس رشدية للإعداد للمدارس الاختصاصية العالية. واتبع في تلك المدارس نظام المجانية، وسهل هذا الأمر انتساب أبناء الولايات المختلفة إليها واستفاد من ذلك المواطنون العرب، وبذلك تكون حركة الإصلاح هذه أفادت بصورة غير مباشرة في مضمار حركة اليقظة العربية العامة.
أما في المغرب والأندلس، فقد كان للمقاتلة العرب الفضل في تحقيق تحرير المغرب، فلما اتجهوا إلى الأندلس، تألف الجيش في عصر الولاة (97-138هـ/716-756م) من العرب والبربر الذين دخلوا فاتحين، ولكن عبد الرحمن الداخل بعد نجاحه في تأسيس الإمارة الأموية سنة 138هـ، استوحش من العرب قاطبة نتيجة للثورات التي اندلعت، ولاسيما ثورة القبائل اليمانية، فاتجه إلى اتخاذ المماليك من الصقالبة وغيرهم، كما شجع البربر على التوجه إليه من شمالي إفريقية. وحينما سيطر الحاجب المنصور بن أبي عامر سنة 367هـ/977م تضخم نفوذ البربر في المجال العسكري وأثبتت أحداث العصر التالي في الأندلس، وهو عصر الطوائف قوة هذا العنصر، إذ أصبحوا القوة الرئيسية التي تهافت ملوك الطوائف[ر] على استخدامها.
وفي المغرب اعتمدت الدول التي ظهرت فيه بدرجة أساسية على قبائل البربر، وإن كان بعض هذه الدول قد اعتمد على مجموعات قبلية غير تلك التي اعتمدت عليها دول أخرى، فالدولة المرابطية [ر: المرابطون] مثلاً قامت على أكتاف قبائل صنهاجة، أو قبائل الملثمين الكبرى (لمتونة ومَسّوفة وجَدّالة وتلكاتة)، أما الموحدون[ر] (524-668هـ/1130–1269م) فقد اعتمدوا على القبائل المصمودية أول الأمر، ولكن نظراً لسعة الدولة الموحدية، أدخل الموحدون عناصر أخرى في جيشهم، فقد انضمت قبائل من صنهاجة إلى صفوف الجيش الموحدي وهي لمتونة ومسوفة، كما يرد اسم الغز (الترك) والعرب من بني هلال في جيش الموحدين، وألّفت القوات الأندلسية جناحاً هاماً في الجيش الموحدي.
أسلحة الجيش
أكثرها شيوعاً في العالم الإسلامي شرقاً وغرباً، الأسلحة الفردية، وأهمها السيف الذي استخدم في المعارك كافة، والرمح الذي كان سلاحاً خاصاً بالفرسان، وحمله المشاة أيضاً، إلا أن رماحهم كانت أقصر وتسمى المزاريق، وعرف العرب أيضاً الخنجر والحربة، وهي دون الرمح، ونقل العرب عن الفرس الفأس أو الطَبَر وهو من أسلحة الضرب والتهشيم، أما السلاح الآخر الذي نقله العرب عن الفرس فهو الدبوس، أو المطرقة، وهي عصا قصيرة لها رأس حديدية مربعة أو مستديرة، وهي في العادة للفرسان يحملونها في سروجهم، ويتقاتلون بها عند الاقتراب، وكانت القوس من أبرز أسلحة الرمي، وصارت القوس تصنع بأشكال مختلفة، والتطورات التي أدخلت على صناعتها بلغت مستوى لم تبلغها صناعة أي سلاح من الأسلحة الفردية الأخرى حتى صارت أشكالها المستحدثة بعيدة عن شكلها السابق، وأكثر هذه الأنواع من القسي استعملت في عصر الحروب الصليبية، ولاسيما في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، وأهمها قوس الزيار، وهي عبارة عن آلة ثقيلة تعمل على مبدأ القوة الدافعة كالقسي الأخرى، وكانت ترمي سهماً كبيراً يترواح طوله بين 160-180سم. وقد أخذ الصليبيون هذا السلاح عن المسلمين، كذلك استخدم الجند قوس الحسبان التي تطلق سهاماً صغيرة سريعة، لذلك شبهت بالجراد، وسرعتها متأتية من أن أنبوب القوس يسع مجموعة من السهام الصغيرة لا يقل عددها عن خمسة، فإذا دفعها الوتر خرجت كالجراد منتشرة دفعة واحدة.
مع مجيء العثمانيين استخدمت الأسلحة النارية الصغيرة بتطوراتها المختلفة كالبندقية القصيرة والطويلة والطبنجة وأمثالها، وقد عرف عن العسكر الجديد (الإنكشارية) بأنه كان متمرساً في استخدام أنواع الأسلحة، ولاسيما البندقية بفئاتها.
لم ينحصر التقدم في الأسلحة الخفيفة التي يستخدمها الجندي، وإنما في الأسلحة الثقيلة كالمنجنيق الذي طوره العرب، والذي برز دوره في موجة الفتوحات العربية الإسلامية، وتفنن الصناع في العصور التالية في صنع المجانيق، ولاسيما المنجنيق الذي يرمي النار، حتى وصل في العصر المملوكي مرحلته الأخيرة من الكمال في عمله والدقة في رميه.(الشكل 1)
ومن الأسلحة الثقيلة التي استخدمها العرب الدبابة، وهي آلة هجومية مصنوعة من كتل خشبية صلبة على هيئة برج له سقف من ذلك الخشب ولا أرض له، لأنه يثبت على قاعدة خشبية ذات عجلات، وقد أدخل المسلمون عليها التحسينات الكثيرة حتى صارت ضخمة كثيرة العجلات، تتسع الواحدة منها لعشرة رجال من المقاتلين أو أكثر، وجعلوها برجاً مرتفعاً بارتفاع السور، وبداخلها سلالم تنتهي إلى شرفات فيها، تقابل شرفات الحصن لكي يصعد المقاتلة عليها إلى سور الحصن.
أما المدافع فإن أول من أتقن استخدامها في الإسلام الدولة العثمانية وبها استعانوا على فتح القسطنطينية سنة 1453م، وبها انتصروا في كثير من الفتوح والحروب.
إضافة إلى الأسلحة الفردية والثقيلة، استخدم العرب ما يسمى بأسلحة الدفاع من درع وترس، والبيضة والمغفر، فالبيضة كالخوذة، والمغفر نسيج من الحديد يلبس تحت البيضة على الرأس ليكون واقياً له إذا انكسرت أو وقعت ويتدلَّى جزء من المغفر على الوجه لحمايته.
القيادة
كان الرسولr هو القائد الأعلى للجيش، فإذا لم يقد الجيش، فإنه كان يعهد بالقيادة إلى أشخاص يتمتعون بخصال معينة، فقد أُثِرَ عنهr قوله: «إني لأؤمر الرجل على القوم ومنهم من هو خير منه، لأنه أيقظ عيناً وأبصر بالحرب»، وعندما أمر أبو بكر بتوجيه الجيوش إلى الشام، جعل القيادة للصحابة المشهود لهم بالحزم وقوة الشكيمة عند القتال والقدرة على تنظيم الجند وإعدادهم، وكان الخليفة عمر بن الخطاب يؤثر الصحابة، فإن لم يجد ففي التابعين بإحسان.
بدأ شرط السبق في الإسلام يتضاءل في العصر الأموي، وتولى القيادات قادة عرب مشهود لهم بالكفاية والإخلاص، وقد نبغ في هذا العصر عدد كبير من القادة وبعض مواليهم، وفي مطلع الخلافة العباسية كان الجيش عربي القيادة على الأغلب، إلا أن عدد قواد الفرس كان يتزايد كلما تقدم العهد بالخلافة حتى كانت خلافة المعتصم الذي اعتمد على جيش من الأتراك وقادة منهم، ومع مجيء السلاجقة[ر] ظهر ما يسمى الأطلاب، والطلب بلغة الغز هو الأمير المقدم، الذي له علم معقود وبوق مضروب وعدة من سبعين فارساً إلى مئة أو مئتي فارس، وقد استخدم مصطلح الطلب في العصر الأيوبي.
اتضح تنظيم القيادات في العصر المملوكي، فقد اصطلح المؤرخون على تقسيم الأمراء المماليك إلى طبقات ذات مراتب عسكرية، أهمها طبقة الأمراء المئين ومقدمي الألوف، والمقدم يكون قائداً على ألف جندي من جنود الحلقة، ولكل واحد من الأمراء مئة فارس يسير معهم مع جيش السلطان في الحروب، الطبقة الثانية من الأمراء هي طبقة أمراء الطبلخانات، ونصيب كل منهم في جيش السلطان أربعون فارساً، وقد يزيد بعضهم على ذلك إلى سبعين وثمانين بحسب إقطاعه، ويؤلف أمراء العشرينات والعشرات الطبقة الثالثة فنصيب كل منهم في الحروب عشرة فوارس أو عشرون فارساً.
أما في الجيش العثماني، فقد كان آغا الإنكشارية الذي يعينه السلطان على رأس القطعات الإنكشارية شخصية كبيرة في الدولة، فالعسكر الجديد كله وفي جميع أنحاء الامبراطورية العثمانية تحت إمرته، وكان آغا الإنكشارية بحكم وظائفه العامة يتقدم جميع قادة الجيش العثماني إلا في الأعياد، فيتقدم عليه قائد السباهية (الفرسان) والبلوك سلحدار لأن هاتين المؤسستين كانتا أقدم من مؤسسة الإنكشارية.
وفي الأندلس كانت قيادة الجيش في الحقبة السابقة للإمارة الأموية [ر] في الأندلس للولاة، فلما نجح عبد الرحمن في الدخول إلى قرطبة، نجده يقود الجيوش بنفسه أحياناً أو يجعل قيادتها إما للموالي وعلى رأسهم مولاه بدر، أو للأفراد من البيت المرواني، واستمر اعتماد الأمراء على مواليهم وعلى أفراد من البيت المرواني، فلما ازداد الاعتماد على البربر في عهد الخلافة، ولا سيما في عهد الحاجب المنصور وأولاده، ظهرت زعامات من البربر كان أشهرهم زيري بن مناد الصهناجي الذي أهلته مكانته أن يتزعم البربر عندما حصل الاصطدام في الفتنة سنة 399هـ/1008م، وفي عهد المرابطين يلاحظ أن القيادة كانت لأمرائها وأبنائهم وقادة من القبائل التي انضوت تحت لوائهم، ولم يختلف الأمر في عهد الموحدين، فقد اقتصرت قيادة الجيوش الموحدية على الخلفاء وأبنائهم وأشياخ قرابتهم والمقربين إليهم من رؤساء القبائل.
التنظيم المالي للجيش العربي الإسلامي
لم يكن المقاتلة ينالون في البدء قبل تنظيم ديوان العطاء، سوى الغنائم والأنفال، والواجب في المغنم تخميسه، إذ يقول الله تعالى: }واعلموا أنّما غنِمْتم من شيءٍ فأن لله خُمْسه وللرسول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل{ (الأنفال41) أما الباقي فيقسم بين الجند، للراجل سهم وللفارس سهمان، أما النفل فيكون من خمس الخمس، ولا ينفل الأمير أحداً من المقاتلة بعد إحراز الغنيمة حتى تقسم كلها.
وبما أن الخليفة عمر بن الخطاب رفض تقسيم الأراضي التي استولى عليها المسلمون بقوة السلاح وأجراها كلها مجرى أرض الصلح، وتركها في أيدي أصحابها مقابل دفع الجزية[ر] عن رؤوسهم، والخراج[ر] عن أرضهم، فإنه اجتمع بالصحابة لتقرير الوجوه التي تصرف فيها واردات البلاد، فأقروا أن يكون من وجوه صرفها توزيع العطاء[ر] على المقاتلة.
أصبح العطاء هو المردود الدائم للجند في العصر الأموي، وكان عطاؤهم يتراوح بين مئتين إلى ثلاثمئة إلى ألف وألف وخمسمئة درهم في السنة، أما شرف العطاء فقد انخفض في العصر الأموي إلى ألفي درهم، في حين كان محدداً في العهد الراشدي بألفين وخمسمئة درهم.
كان الجند يأخذون زيادة على العطاء منذ خلافة عمر بن الخطاب الرزق شهرياً وأموالاً إضافية تسمى المعاون، وقد ارتفع مقدار المعونة في الشام إلى مئة دينار تقريباً في خلافة بني أمية لدى دعوة الجند إلى حملة مهمة أو القضاء على ثورة.
استمر العطاء هو الدخل الدائم للجند في عهد بني العباس والفاطميين، ولكن مع ظهور دولة السلاجقة ظهر ما يسمى بالإقطاع الحربي، وكان على صاحب الإقطاع أن يتعهد بالخدمة العسكرية، بحيث يأتي الواحد منهم وقت الحرب ومعه عدد معين من الفرسان والمقاتلين بحسب مساحة إقطاعه وقيمته وما يدرُّ من دخل، فإذا أخل بواجبه فقد حقه في الإقطاع، وتبنت الدول التي تفرعت عن دولة السلاجقة هذا النظام، كما تمسك به صلاح الدين الأيوبي واتخذه دعامة لجيشه من ناحية ولإدارة دولته الجديدة من ناحية أخرى، وقد أعاد صلاح الدين توزيع الإقطاعات أكثر من مرة وكذلك فعل خلفاؤه، سواء من الأيوبيين أو من سلاطين المماليك، وظلت القاعدة الغالبة أن يكون الإقطاع شخصياً بحتاً لا دخل فيه لحقوق الملكية أو لأحكام الوراثة.
استمر الإقطاع في العهد العثماني، فكانت الإقطاعات تمنح للسباهية (الفرسان) ليعيشوا منها ويجندوا آخرين من واردها، أما الإنكشارية الذين كانوا أول عسكر مأجور من قبل الدولة العثمانية فكانوا يتقاضون مرتبات نقدية بحسب درجاتهم، كما كانت الدولة تقدم لهم الطعام واللباس والسلاح.
ليست لدينا معلومات وافية عن التنظيم المالي للجيوش في الأندلس والمغرب، ولكن يمكن للباحث أن يستنتج مما ذكره الطرطوشي (ت 520هـ) أن الأرض كانت إقطاعاً بأيدي الأجناد في الأندلس، حتى أواخر أيام الحاجب المنصور الذي طبق نظام العطاء الشهري، وكذلك يقدم صاحب الحلل الموشية صورة عن نظام عطاء الجند المرابطي المقيم في الأندلس، فقد كان راتب الفارس في الشهر خمسة دنانير مع نفقته وعلف فرسه، ومن ظهرت نجدته وشجاعته أكرم بولاية موضع ينتفع بفوائده، أما الموحدون فقد كان لجنودهم من فرسان ومشاة رواتب يختلف مقدارها وفق مراتبهم، وكان يطلق على هذه الرواتب اسم الجامكية، تدفع ثلاث مرات في كل سنة، ما عدا الجنود من الغز الذين كانت تدفع لهم الجامكية كل شهر لأنهم غرباء لا إقطاع لهم ولا أموال، كذلك كان الجند ينالون ما يسمى البركة توزع شهرياً وفي المناسبات، وكان نصيب الجند العرب من البركة أكبر من نصيب المقاتلة من القبائل الموحدية لتشجيعهم على القتال ولكونهم لا يمنحون إقطاعات مثل الموحدين.
أما الأسطول العربي الإسلامي فله بحث آخر [ر. البحرية العربية].
نجدة خماش
Arab islamic army - Armée arabe islamique
الجيش العربي الإسلامي
إذا تركنا جانباً اليمن التي كان فيها جيش احتلال أجنبي (الأحباش ثم الفرس)، فإنه لم يكن في الجزيرة العربية، في الحقبة السابقة للإسلام، جيش وفق المفهوم الدقيق لهذا المصطلح، وإنما كان كل الرجال القادرين على حمل السلاح في القبيلة يشتركون في القتال، في حال نشوب حرب بين القبائل دون أن يكون هناك تنظيم عسكري، وكثيراً ما كانت الخلافات تصفى بمبارزات فردية.
بدأت نواة الجيش العربي الإسلامي بالظهور، بعد هجرة الرسولr إلى المدينة المنورة، حينما فرض الله سبحانه وتعالى الجهاد على المسلمين، وقد اعتمد الرسول بادئ الأمر على المهاجرين عندما بدأ بإرسال السرايا، لأن عقد الرسول مع الأنصار في بيعة العقبة الثانية كان عقداً دفاعياً لا هجومياً، فلما أعلن الأنصار دعمهم الكامل للرسولr أثناء الاستعداد لخوض غمار معركة بدر، لم يعد ثمة فاصل بين مجتمع وجيش، إذ إن الجماعة الإسلامية في المدينة بكاملها كانت تعد جماعة محاربة، يتوجب على أفرادها المشاركة في الجهاد، وإن كان الرسولr حريصاً على أن لا يخرج معه إلا الراغب في الجهاد.
انضم إلى المقاتلة من القبائل العربية في أثناء الفتوحات وفي وقت مبكر، جماعات غير عربية اعتنقت الإسلام كالأساورة، وهم من الفرسان الفرس، وجند شاهنشاه الذين كانوا مع رستم يوم القادسية[ر] وعددهم أربعة آلاف، ودخل مع عمرو بن العاص من الشام حين توجه لفتح مصر قوم من العجم يقال لهم الحمراء وجماعة فارسية.
بقي الجيش في العصر الأموي يتألف من أفراد القبائل العربية، التي استقرت في القواعد العسكرية: البصرة، الكوفة، أجناد الشام، والفسطاط، وظهرت في العصر الأموي قاعدتان جديدتان هما مرو في خراسان، والقيروان في ولاية إفريقية.
إلى جانب الأجانب من الأحرار الذين اعتنقوا الإسلام وسجلوا في ديوان الجند[ر] اعتمد الأمويون على مواليهم كمقاتلة، ابتداء من خلافة عبد الملك بن مروان (65-86هـ) وموالي الأمويين هم موالي عتاقة من الرقيق، وكانوا من أصول مختلفة، فارسية ورومية وبربرية وتركية.
اختلف الجيش في تكوينه وسماته في الخلافة العباسية، فقد كان للجيش الجديد الذي نظمه أبو مسلم الخراساني من أهل خراسان الفضل في نجاح الدعوة العباسية وإطاحة الخلافة الأموية، وأهل خراسان كما أظهرت الدراسات هم من العرب الذين استقروا في خراسان ومن الفرس الذين اعتنقوا الإسلام، ولقد حرص العباسيون الأوائل على وحدة الفرقة الخرسانية وتماسكها وعدم السماح للعصبية القبلية بتفكيك وحدتها، على أن العباسيين نظموا وحدات عسكرية أخرى مستندين إلى القبائل، فكان هناك الفرقة اليمنية والفرقة الربعية، والفرقة المضرية، وهذا دليل على أن الجيش كان لا يزال في أغلبه عربياً، ولذلك فإن إدخال الترك والمماليك في الجيش من قبل الخليفة المعتصم (218-227هـ/833-842م) لاقى معارضة قوية من العرب والخراسانية.
ولمؤهلات الأتراك العسكرية فإن معظم جيوش الدول الإسلامية في الشرق ضمت مقاتلة من الأتراك، ولكن يلاحظ هذا الاتجاه إلى استخدام العبيد (المماليك سواء أكانوا من الترك وغيرهم) في جيوش الكثير من الدول الإسلامية، ويعد السلطان الصالح نجم الدين أيوب[ر] (643-647هـ/1245-1249م) المسؤول عن ازدياد المماليك الذين نجحوا في إقامة دولة لأنفسهم في مصر والشام نحو منتصف القرن السابع الهجري/القرن الثالث عشر الميلادي والتي استمرت إلى سنة 922هـ/1517م، وقد تكون الجيش في عصر سلاطين المماليك من طائفة المماليك السلطانية أي مماليك السلطان القائم في الحكم، وطائفة مماليك الأمراء أي الذين اشتراهم الأمراء كل بحسب درجته ورتبته، ثم طائفة أجناد الحلقة، وتشمل مماليك السلاطين والأمراء السابقين وأولادهم الذين احترفوا الجندية.
في سنة 1517م استقر الأمر لبني عثمان، وهوت دولة المماليك، وكان الجيش العثماني قبل القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، يتألف من الغزاة أي المتطوعين الأحرار، وفي أواخر القرن الثامن الهجري، أصبح الجيش الإنكشاري [ر. الإنكشارية] عماد الدولة العثمانية، وفي سنة 1826م أصدر السلطان محمود أمراً بإلغاء الجيش الإنكشاري، واستدعى مدربين أوربيين لإعداد الجيش الجديد وأنشئت المدارس العسكرية التي كانت عالية ومتخصصة، وأقيمت إلى جانبها مدارس ثانوية عسكرية، ومدارس رشدية للإعداد للمدارس الاختصاصية العالية. واتبع في تلك المدارس نظام المجانية، وسهل هذا الأمر انتساب أبناء الولايات المختلفة إليها واستفاد من ذلك المواطنون العرب، وبذلك تكون حركة الإصلاح هذه أفادت بصورة غير مباشرة في مضمار حركة اليقظة العربية العامة.
أما في المغرب والأندلس، فقد كان للمقاتلة العرب الفضل في تحقيق تحرير المغرب، فلما اتجهوا إلى الأندلس، تألف الجيش في عصر الولاة (97-138هـ/716-756م) من العرب والبربر الذين دخلوا فاتحين، ولكن عبد الرحمن الداخل بعد نجاحه في تأسيس الإمارة الأموية سنة 138هـ، استوحش من العرب قاطبة نتيجة للثورات التي اندلعت، ولاسيما ثورة القبائل اليمانية، فاتجه إلى اتخاذ المماليك من الصقالبة وغيرهم، كما شجع البربر على التوجه إليه من شمالي إفريقية. وحينما سيطر الحاجب المنصور بن أبي عامر سنة 367هـ/977م تضخم نفوذ البربر في المجال العسكري وأثبتت أحداث العصر التالي في الأندلس، وهو عصر الطوائف قوة هذا العنصر، إذ أصبحوا القوة الرئيسية التي تهافت ملوك الطوائف[ر] على استخدامها.
وفي المغرب اعتمدت الدول التي ظهرت فيه بدرجة أساسية على قبائل البربر، وإن كان بعض هذه الدول قد اعتمد على مجموعات قبلية غير تلك التي اعتمدت عليها دول أخرى، فالدولة المرابطية [ر: المرابطون] مثلاً قامت على أكتاف قبائل صنهاجة، أو قبائل الملثمين الكبرى (لمتونة ومَسّوفة وجَدّالة وتلكاتة)، أما الموحدون[ر] (524-668هـ/1130–1269م) فقد اعتمدوا على القبائل المصمودية أول الأمر، ولكن نظراً لسعة الدولة الموحدية، أدخل الموحدون عناصر أخرى في جيشهم، فقد انضمت قبائل من صنهاجة إلى صفوف الجيش الموحدي وهي لمتونة ومسوفة، كما يرد اسم الغز (الترك) والعرب من بني هلال في جيش الموحدين، وألّفت القوات الأندلسية جناحاً هاماً في الجيش الموحدي.
أسلحة الجيش
مع مجيء العثمانيين استخدمت الأسلحة النارية الصغيرة بتطوراتها المختلفة كالبندقية القصيرة والطويلة والطبنجة وأمثالها، وقد عرف عن العسكر الجديد (الإنكشارية) بأنه كان متمرساً في استخدام أنواع الأسلحة، ولاسيما البندقية بفئاتها.
لم ينحصر التقدم في الأسلحة الخفيفة التي يستخدمها الجندي، وإنما في الأسلحة الثقيلة كالمنجنيق الذي طوره العرب، والذي برز دوره في موجة الفتوحات العربية الإسلامية، وتفنن الصناع في العصور التالية في صنع المجانيق، ولاسيما المنجنيق الذي يرمي النار، حتى وصل في العصر المملوكي مرحلته الأخيرة من الكمال في عمله والدقة في رميه.(الشكل 1)
ومن الأسلحة الثقيلة التي استخدمها العرب الدبابة، وهي آلة هجومية مصنوعة من كتل خشبية صلبة على هيئة برج له سقف من ذلك الخشب ولا أرض له، لأنه يثبت على قاعدة خشبية ذات عجلات، وقد أدخل المسلمون عليها التحسينات الكثيرة حتى صارت ضخمة كثيرة العجلات، تتسع الواحدة منها لعشرة رجال من المقاتلين أو أكثر، وجعلوها برجاً مرتفعاً بارتفاع السور، وبداخلها سلالم تنتهي إلى شرفات فيها، تقابل شرفات الحصن لكي يصعد المقاتلة عليها إلى سور الحصن.
أما المدافع فإن أول من أتقن استخدامها في الإسلام الدولة العثمانية وبها استعانوا على فتح القسطنطينية سنة 1453م، وبها انتصروا في كثير من الفتوح والحروب.
إضافة إلى الأسلحة الفردية والثقيلة، استخدم العرب ما يسمى بأسلحة الدفاع من درع وترس، والبيضة والمغفر، فالبيضة كالخوذة، والمغفر نسيج من الحديد يلبس تحت البيضة على الرأس ليكون واقياً له إذا انكسرت أو وقعت ويتدلَّى جزء من المغفر على الوجه لحمايته.
القيادة
كان الرسولr هو القائد الأعلى للجيش، فإذا لم يقد الجيش، فإنه كان يعهد بالقيادة إلى أشخاص يتمتعون بخصال معينة، فقد أُثِرَ عنهr قوله: «إني لأؤمر الرجل على القوم ومنهم من هو خير منه، لأنه أيقظ عيناً وأبصر بالحرب»، وعندما أمر أبو بكر بتوجيه الجيوش إلى الشام، جعل القيادة للصحابة المشهود لهم بالحزم وقوة الشكيمة عند القتال والقدرة على تنظيم الجند وإعدادهم، وكان الخليفة عمر بن الخطاب يؤثر الصحابة، فإن لم يجد ففي التابعين بإحسان.
بدأ شرط السبق في الإسلام يتضاءل في العصر الأموي، وتولى القيادات قادة عرب مشهود لهم بالكفاية والإخلاص، وقد نبغ في هذا العصر عدد كبير من القادة وبعض مواليهم، وفي مطلع الخلافة العباسية كان الجيش عربي القيادة على الأغلب، إلا أن عدد قواد الفرس كان يتزايد كلما تقدم العهد بالخلافة حتى كانت خلافة المعتصم الذي اعتمد على جيش من الأتراك وقادة منهم، ومع مجيء السلاجقة[ر] ظهر ما يسمى الأطلاب، والطلب بلغة الغز هو الأمير المقدم، الذي له علم معقود وبوق مضروب وعدة من سبعين فارساً إلى مئة أو مئتي فارس، وقد استخدم مصطلح الطلب في العصر الأيوبي.
اتضح تنظيم القيادات في العصر المملوكي، فقد اصطلح المؤرخون على تقسيم الأمراء المماليك إلى طبقات ذات مراتب عسكرية، أهمها طبقة الأمراء المئين ومقدمي الألوف، والمقدم يكون قائداً على ألف جندي من جنود الحلقة، ولكل واحد من الأمراء مئة فارس يسير معهم مع جيش السلطان في الحروب، الطبقة الثانية من الأمراء هي طبقة أمراء الطبلخانات، ونصيب كل منهم في جيش السلطان أربعون فارساً، وقد يزيد بعضهم على ذلك إلى سبعين وثمانين بحسب إقطاعه، ويؤلف أمراء العشرينات والعشرات الطبقة الثالثة فنصيب كل منهم في الحروب عشرة فوارس أو عشرون فارساً.
أما في الجيش العثماني، فقد كان آغا الإنكشارية الذي يعينه السلطان على رأس القطعات الإنكشارية شخصية كبيرة في الدولة، فالعسكر الجديد كله وفي جميع أنحاء الامبراطورية العثمانية تحت إمرته، وكان آغا الإنكشارية بحكم وظائفه العامة يتقدم جميع قادة الجيش العثماني إلا في الأعياد، فيتقدم عليه قائد السباهية (الفرسان) والبلوك سلحدار لأن هاتين المؤسستين كانتا أقدم من مؤسسة الإنكشارية.
وفي الأندلس كانت قيادة الجيش في الحقبة السابقة للإمارة الأموية [ر] في الأندلس للولاة، فلما نجح عبد الرحمن في الدخول إلى قرطبة، نجده يقود الجيوش بنفسه أحياناً أو يجعل قيادتها إما للموالي وعلى رأسهم مولاه بدر، أو للأفراد من البيت المرواني، واستمر اعتماد الأمراء على مواليهم وعلى أفراد من البيت المرواني، فلما ازداد الاعتماد على البربر في عهد الخلافة، ولا سيما في عهد الحاجب المنصور وأولاده، ظهرت زعامات من البربر كان أشهرهم زيري بن مناد الصهناجي الذي أهلته مكانته أن يتزعم البربر عندما حصل الاصطدام في الفتنة سنة 399هـ/1008م، وفي عهد المرابطين يلاحظ أن القيادة كانت لأمرائها وأبنائهم وقادة من القبائل التي انضوت تحت لوائهم، ولم يختلف الأمر في عهد الموحدين، فقد اقتصرت قيادة الجيوش الموحدية على الخلفاء وأبنائهم وأشياخ قرابتهم والمقربين إليهم من رؤساء القبائل.
التنظيم المالي للجيش العربي الإسلامي
لم يكن المقاتلة ينالون في البدء قبل تنظيم ديوان العطاء، سوى الغنائم والأنفال، والواجب في المغنم تخميسه، إذ يقول الله تعالى: }واعلموا أنّما غنِمْتم من شيءٍ فأن لله خُمْسه وللرسول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل{ (الأنفال41) أما الباقي فيقسم بين الجند، للراجل سهم وللفارس سهمان، أما النفل فيكون من خمس الخمس، ولا ينفل الأمير أحداً من المقاتلة بعد إحراز الغنيمة حتى تقسم كلها.
وبما أن الخليفة عمر بن الخطاب رفض تقسيم الأراضي التي استولى عليها المسلمون بقوة السلاح وأجراها كلها مجرى أرض الصلح، وتركها في أيدي أصحابها مقابل دفع الجزية[ر] عن رؤوسهم، والخراج[ر] عن أرضهم، فإنه اجتمع بالصحابة لتقرير الوجوه التي تصرف فيها واردات البلاد، فأقروا أن يكون من وجوه صرفها توزيع العطاء[ر] على المقاتلة.
أصبح العطاء هو المردود الدائم للجند في العصر الأموي، وكان عطاؤهم يتراوح بين مئتين إلى ثلاثمئة إلى ألف وألف وخمسمئة درهم في السنة، أما شرف العطاء فقد انخفض في العصر الأموي إلى ألفي درهم، في حين كان محدداً في العهد الراشدي بألفين وخمسمئة درهم.
كان الجند يأخذون زيادة على العطاء منذ خلافة عمر بن الخطاب الرزق شهرياً وأموالاً إضافية تسمى المعاون، وقد ارتفع مقدار المعونة في الشام إلى مئة دينار تقريباً في خلافة بني أمية لدى دعوة الجند إلى حملة مهمة أو القضاء على ثورة.
استمر العطاء هو الدخل الدائم للجند في عهد بني العباس والفاطميين، ولكن مع ظهور دولة السلاجقة ظهر ما يسمى بالإقطاع الحربي، وكان على صاحب الإقطاع أن يتعهد بالخدمة العسكرية، بحيث يأتي الواحد منهم وقت الحرب ومعه عدد معين من الفرسان والمقاتلين بحسب مساحة إقطاعه وقيمته وما يدرُّ من دخل، فإذا أخل بواجبه فقد حقه في الإقطاع، وتبنت الدول التي تفرعت عن دولة السلاجقة هذا النظام، كما تمسك به صلاح الدين الأيوبي واتخذه دعامة لجيشه من ناحية ولإدارة دولته الجديدة من ناحية أخرى، وقد أعاد صلاح الدين توزيع الإقطاعات أكثر من مرة وكذلك فعل خلفاؤه، سواء من الأيوبيين أو من سلاطين المماليك، وظلت القاعدة الغالبة أن يكون الإقطاع شخصياً بحتاً لا دخل فيه لحقوق الملكية أو لأحكام الوراثة.
استمر الإقطاع في العهد العثماني، فكانت الإقطاعات تمنح للسباهية (الفرسان) ليعيشوا منها ويجندوا آخرين من واردها، أما الإنكشارية الذين كانوا أول عسكر مأجور من قبل الدولة العثمانية فكانوا يتقاضون مرتبات نقدية بحسب درجاتهم، كما كانت الدولة تقدم لهم الطعام واللباس والسلاح.
ليست لدينا معلومات وافية عن التنظيم المالي للجيوش في الأندلس والمغرب، ولكن يمكن للباحث أن يستنتج مما ذكره الطرطوشي (ت 520هـ) أن الأرض كانت إقطاعاً بأيدي الأجناد في الأندلس، حتى أواخر أيام الحاجب المنصور الذي طبق نظام العطاء الشهري، وكذلك يقدم صاحب الحلل الموشية صورة عن نظام عطاء الجند المرابطي المقيم في الأندلس، فقد كان راتب الفارس في الشهر خمسة دنانير مع نفقته وعلف فرسه، ومن ظهرت نجدته وشجاعته أكرم بولاية موضع ينتفع بفوائده، أما الموحدون فقد كان لجنودهم من فرسان ومشاة رواتب يختلف مقدارها وفق مراتبهم، وكان يطلق على هذه الرواتب اسم الجامكية، تدفع ثلاث مرات في كل سنة، ما عدا الجنود من الغز الذين كانت تدفع لهم الجامكية كل شهر لأنهم غرباء لا إقطاع لهم ولا أموال، كذلك كان الجند ينالون ما يسمى البركة توزع شهرياً وفي المناسبات، وكان نصيب الجند العرب من البركة أكبر من نصيب المقاتلة من القبائل الموحدية لتشجيعهم على القتال ولكونهم لا يمنحون إقطاعات مثل الموحدين.
أما الأسطول العربي الإسلامي فله بحث آخر [ر. البحرية العربية].
نجدة خماش